كتب – حسام عيد
بهدف حشد الجهود والعمل المشترك من أجل تطوير سوق ائتمان الكربون الطوعي الأفريقي؛ انطلقت أعمال النسخة السادسة من منتدى الأعمال الأفريقي 2023 تحت شعار “جعل أسواق الكربون تعمل من أجل أفريقيا” الإثنين 20 فبراير 2023 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ويتمثل المفهوم الأساسي وراء أرصدة الكربون، في أنشطة تقلل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي مثل زراعة الأشجار واستصلاح الأراضي. وتعكف عشرات من الشركات الخاصة والمنظمات غير الربحية على تطوير مثل هذه المشاريع وتقييم مستوى خفض الكربون وإصدار ائتمانات “أرصدة” من الانبعاثات. ويقوم طرف ثالث عادة بالتصديق على ائتمانات الأرصدة، وتأكيد وجود المشاريع وتلبيتها معايير معينة.


وتشتري شركات كبرى هذه الأرصدة مباشرة من مطوري المشاريع أو الوسطاء أو تحصل عليها مقابل تمويل المشاريع. ويمكن للشركات بعد ذلك استخدام هذه الأرصدة لتقليل صافي انبعاثاتها الكربونية، وهو مقياس يطالب المستهلكون والمستثمرون برؤيته بشكل متزايد. وتتجه العديد من الشركات وكذلك الحكومات إلى هذه التعويضات للوفاء بتعهداتها لتحقيق “صافي الصفر” من انبعاثات الكربون.
وأرصدة الكربون بشكلها النهائي، هي نوع من التصاريح التي تقاس بوحدة “الطن” من ثاني أكسيد الكربون، الذي يمكن إزالته من الغلاف الجوي، ويمكن شراؤه عادة من حكومات أو شركات متخصصة في الحد من الانبعاثات. والسوق الطوعي لأرصدة الكربون لا يحتوى على حد أقصى لعدد الأطنان من الانبعاثات التي يمكن تعويضها، وهناك عدد قليل من منظمات تتحقق من أرصدة الكربون.


تعزيز الاستدامة والمرونة المناخية
ومن شأن سوق الكربون الأفريقي أن يقود تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويعزز المرونة المناخية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوفيرة وبما يحقق التنوع الاقتصادي المستدام.
من جانبه، يرى السفير ألبرت موشانجا مفوض الاتحاد الأفريقي للتنمية الاقتصادية والتجارة والصناعة والسياحة والتعدين، أن العمل على خفض الانبعاثات الكربونية تمثل نموذج أعمال وتطور جديد للاقتصادات الأفريقية؛ حيث إن سباقات العالم لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري جعلت من أرصدة الكربون النفط الجديد وهو الذي يجعل القادة وصناع القرار بالقارة يبحثون إطلاق أسواق الكربون التي تعمل لصالح أفريقيا.
وتشير دراسة أجريت عام 2012 من جامعة ليدز إلى أن الغابات الاستوائية والجبال الشاسعة في أفريقيا تخزن نحو 1.1 مليار إلى 1.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا ويجب الاستفادة من مصارف الكربون الطبيعية هذه من قبل الدول الأفريقية لكسب إيرادات إضافية تدعم الانتعاش الاقتصادي المستدام وتمويل الإصلاحات المالية على نطاق واسع والاستثمار في المجتمعات كجزء من مستقبل الانتقال منخفض الكربون.


وأشار موشانجا إلى أن العديد من المشاريع التي لديها القدرة على توليد أرصدة كربون قابلة للتداول لمشاريع أفريقيا الآمنة وهي شهادة على حقيقة أن مفهوم سوق الكربون ليس شيئًا غريبًا على أفريقيا بخلاف الحصول على الائتمان من خلال الغابات واستخدام الأراضي وهي أيضًا فرصة للاستثمار في قطاعات جديدة مثل الكربون الأزرق للطاقة المتجددة وإدارة نفايات الماشية المصممة لإزالة ثاني أكسيد الكربون.


أهمية استراتيجية وتنافسية
اليوم، يوجد اتجاهان رئيسيان يجعلان مناقشة أسواق الكربون أكثر أهمية وفي الوقت المناسب بالنسبة لأفريقيا؛ الأول هو زيادة عائدات تسعير الكربون العالمي وفقًا للبنك الدولي فإن إيرادات تسعير الكربون العالمي زادت بنسبة 60% تقريبًا بنهاية العام 2020 إلى حوالي 80 مليار دولار، كما أن العائدات من مخططات تداول الانبعاثات تتجاوز الآن عائدات ضريبة الكربون من 47% في 2018 إلى 67% في 2020
أما الاتجاه الثاني؛ هو إدخال تسعير الكربون في جميع أنحاء العالم في التأثير على أكثر من 60 برنامجًا لضريبة الكربون وتداول الانبعاثات وتم تقديمه في السنوات الأخيرة على المستويين الإقليمي والوطني. وفي 13 ديسمبر الماضي أجمع الاتحاد الأوروبي على تنفيذ الآلية الحالية لتعديل حدود الكربون والتي تدخل حيز التنفيذ في الأول من أكتوبر 2023 وبدء استيراد سلع معينة مثل الأسمنت والحديد وأسمدة الألمنيوم والفولاذ والكهرباء والهيدروجين.
ويعد توافر التمويل المناخي وإمكانية الوصول إليه أمرًا حاسمًا لزيادة عدد المشاريع في جميع أنحاء أفريقيا إضافة إلى أهمية تطوير التكنولوجيا اللازمة في القطاعات التي لديها أيضًا القدرة على توليد أرصدة الكربون والذي يسهم في خلق فرص عمل لآلاف الأفارقة في المجتمعات المحلية.
فيما تعتبر عدالة تسعير الكربون قضية مهمة. لذلك؛ تساءل مفوض الاتحاد الأفريقي للتنمية الاقتصادية والتجارة والصناعة والسياحة والتعدين: كيف نضمن أن الكربون الأفريقي لا يعاني مصير اقتصاداتنا التقليدية التي تباع في كثير من الأحيان بسعر مقوم بأقل من قيمتها الحقيقية وغير عادل؟


فرص واعدة لتسريع الاستثمار الأخضر
وبدوره، قال أنطونيو بيدرو السكرتير التنفيذي اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، إنه توجد فرصة مهمة وهي أن أفريقيا على أعتاب الاستفادة من أسواق ائتمان الكربون بما يسهم في تعزيز مسارات الاستثمار الأخضر ومعالجة نقص الاستثمار في المجالات ذات الأولوية الحرجة في أفريقيا من الطاقة إلى إنتاج الغذاء من أجل التنمية المستدامة في أفريقيا.
وأوضح أن أسواق الكربون يمكن أن تكون أداة تطوير عملية لتقديم استثمارات حقيقية لدعم سبل العيش في معظم المجتمعات الضعيفة ويمكن أن يدعم هذا التعافي من التداعيات الاقتصادية غير المسبوقة لوباء “كوفيد-19” إضافة إلى بناء المرونة في مواجهة الأزمة الثلاثية للوقود والغذاء وتغير المناخ. مضيفًا أن تمويل المناخ العالمي يتطلب أكثر من 1 تريليون دولار بحلول عام 2030 لدعم البلدان النامية في تلبية احتياجاتها المناخية.
ويتطلب مستوى التمويل أطرًا تتجاوز نقل الموارد من أفريقيا الغنية إلى الفقيرة؛ حيث أن الدول الأفريقية مسؤولة عن أقل من 4% من الانبعاثات بينما يمثلون 17% من سكان العالم.
وقال بيدرو، “إننا نأمل في تقديم الاستثمار من خلال إنشاء (منصة للاستثمار في التكيف) والذي يسمح بإحراز تقدم في الالتزام الذي تم التعهد به من خلال مضاعفة تمويل التكيف لضمان سلامة أسواق الكربون في أفريقيا وهذا هو جوهر العمل المشترك لدعم حوض الكونغو، وضمان مشاركة واستثمار مشروعات القوانين الخاصة بالقطاع الخاص في أفريقيا”.
وأضاف أن أسواق الكربون هي المفتاح لجعل الاستثمار في التكيف جاهزة لإطلاق العنان لما يقدر بنحو 82 مليار دولار سنويًا؛ حيث لا تتلقى أفريقيا حاليًا سوى 40% من أرباح تمويل المناخ من القطاع الخاص.


تمويل أنشطة التخفيف والتكيف
ومن جهته، قال جوزيف نجانجا نائب رئيس تحالف الطاقة العالمي من أجل الناس والكوكب في أفريقيا، إن منتدى الأعمال الأفريقي يهدف إلى تعزيز العمل المشترك في تمويل أنشطة التخفيف والتكيف الحرجة المطلوبة لمعالجة تغير المناخ في ظل أهمية أسواق الكربون ودورها في تسريع العمل المناخي وجلب الاستثمار لتطوير الاقتصاد الأخضر في جنوب أفريقيا التي تمتلك إمكانات هائلة لاستخدام أرصدة الكربون كوسيلة لتسريع العمل المناخي والامتثال الطوعي.
وأضاف أن مبادرة سوق الكربون الأفريقي التي تم إطلاقها في COP 27 تهدف إلى توسيع نطاق التقاط الكربون ومواجهة تداعيات التغير المناخي في جميع أنحاء القارة من خلال معالجة التحديات الأكثر إلحاحًا وأيضا الفرص التي تتيحها أسواق الكربون والتي من شأنها أن تسهم في بناء سوق قوي وحيوي في القارة الأفريقية ومعالجته بشكل صحيح بنزاهة وشفافية مع ضرورة توفير التمويل اللازم لأنشطة التخفيف والتكيف الحاسمة إحدى أدوات للتصدي لتغير المناخ بشكل فعّال.

وختامًا، أصبحت الحاجة ملحة للحكومات الأفريقية للعمل على الاستغلال الأمثل للموارد التي تتمتع بها القارة والعمل على إنشاء سوق الكربون الذي من شأنه أن يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها أفريقيا ويخلق العديد من فرص العمل بما ينعكس على حياة الناس المعيشية. لذلك؛ من الضروري حشد الجهود والموارد للعمل المشترك نحو تنمية الاقتصادات الأفريقية بطريقة لا تقوض التقدم نحو التكيف مع تغير المناخ.