كتبت – أسماء حمدي
يحتدم الصراع في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع منذ 8 أشهر دون أن تلوح له نهاية في الأفق، مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص وخلق ما تقول الأمم المتحدة إنها أكبر أزمة نزوح بشرية في العالم.
وبعيدا عن محاصرة المدنيين وتدمير البنية التحتية في بلد يعاني بالفعل من ارتفاع معدلات الفقر، هناك اتهامات بارتكاب جرائم حرب، إذ أظهرت الأدلة أن قوات الدعم السريع وحلفائها ارتكبوا مذبحة ضد أفراد من مجموعة عرقية إفريقية في غرب دارفور، مما قد يكرر الإبادة الجماعية التي وقعت هناك قبل عقدين من الزمن، وفق مراقبون دوليون.


“لم يكن أحد يتوقع هذا”
بالنسبة للسودانيين في الشتات، فإن الصراع بين الفصيلين العسكريين هو أحدث تحول محبط للأحداث في بلد كان يبدو قبل بضع سنوات فقط على الطريق للتخلص من عقود من الدكتاتورية، ففي عام 2019، أطيح بالرئيس عمر البشير، بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع، لكن تلك القوات نفسها قامت بانقلاب في عام 2021 أنهى الانتقال إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، وكثفت الأسباب التي جلبت الحرب إلى البلاد في أبريل 2023.
وحسب صحيفة الجارديان البريطانية، يوجد في الولايات المتحدة أحد أكبر تجمعات للسودانيين في الغرب، إذ يبلغ عددهم حوالي 51 ألف شخص، وفقًا لمعهد سياسات الهجرة، كما يقدر مكتب المملكة المتحدة للإحصاءات الوطنية أن 35 ألف شخص ولدوا في السودان يعيشون في بريطانيا.
لم يكن اندلاع إطلاق النار في العاصمة السودانية في 15 أبريل من العام الماضي مفاجأة كاملة لمحمد عيسى، طبيب الجهاز الهضمي الذي يعيش في بيتسبرج والذي عاد إلى السودان لدفن والده، يقول عيسى، إنه رأى شاحنات صغيرة مليئة بالرجال المسلحين تجوب شوارع الخرطوم، وكان على علم بالنزاع الدائر هناك.
ورغم تسارع الأحداث، توقع عيسى أن يكون القتال قصيرًا، إذ تقع ثالث أكبر دولة في إفريقيا على البحر الأحمر الاستراتيجي وهو موقع مهم للقوى الغربية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وجميعهم لاعبين يتوقع منهم إنهاء الصدام في البلاد.
يتذكر عيسى قائلا: “لهذا السبب اعتقدت أنه سيتم احتواء هذا الأمر بسرعة كبيرة، نوعا ما دبلوماسيا، من قبل حلفاء السودان أو من اللاعبين الكبار على المستوى الدولي، مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي”.
من جانبه، قال الناشط المقيم في فيرجينيا في جماعة قرفنا المؤيدة للديمقراطية، إبراهيم بابكر، التي تحول متطوعوها إلى توصيل الغذاء والإمدادات الطبية إلى المناطق المعزولة في الخرطوم وأماكن أخرى في البلاد، مضيفا: “لم يكن أحد يتوقع هذا، ولم يكن أحد مستعدا لذلك النزاع”.


مجاعة كارثية
وفقًا للأمم المتحدة، فر 7 ملايين شخص من منازلهم بسبب القتال الذي بدأ في أبريل، ويقدر مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها، وهي مجموعة لرسم خرائط الأزمات مقرها ويسكونسن، أن 12.190 شخصًا لقوا مقتلهم، وحتى هذا العدد من المحتمل أن يكون أقل من العدد الفعلي نظرًا لأن العديد من المناطق التي يدور فيها القتال لا يمكن للمراقبين المستقلين الوصول إليها.
وفي وقت سابق، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن المناطق التي مزقتها الحرب قد تواجه مجاعة كارثية بحلول شهر مايو المقبل ما لم يتم وصول المزيد من المساعدات الغذائية.
ويواجه السودان حروبا أهلية منذ استقلاله عام 1956، مما أدى إلى انفصال النصف الجنوبي منه ليشكل جنوب السودان، لكن هذه الحرب فريدة من نوعها من حيث أن إحدى ساحات القتال الرئيسية فيها هي الخرطوم، عاصمة وقلب الولاية التي يقطنها ما يقدر بنحو 9.4 مليون شخص، وقد خلفت أشهر القتال جثثا متناثرة في شوارعها، ودمرت أحياء مكتظة بالسكان، وألحقت أضرارا بجسر مهم فوق نهر النيل، ودمرت البنية التحتية والمؤسسات، بما في ذلك مقر شركة النفط البارزة ووزارة العدل.
تقول المدير التنفيذي لمنظمة الشبكة، بشاير أحمد، وهي منظمة بحثية مقرها المملكة المتحدة، قامت بعد بداية الصراع بتأسيس وحدة تنسيق الأزمات في السودان لتكون بمثابة مركز لتبادل المعلومات على الأرض: “أعتقد أن هذا ما لم يدركه الناس، وأن هذا ليس عملا كالمعتاد، كما أنه لن يتم تقديم المساعدة للناس كما فعلنا من قبل، لأن البلاد في الأساس انهارت”.
وتوجه العديد من النازحين من الخرطوم إلى مدينة ود مدني، ثاني أكبر مدينة في السودان، ويفرون الآن مرة أخرى بعد أن اقتحمتها قوات الدعم السريع، كما استؤنفت الاشتباكات في الفاشر، آخر مدينة كبرى في دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش.
بعد الفرار من الخرطوم برا ثم التوجه بحرا إلى السعودية، عاد عيسى إلى الولايات المتحدة، حيث يشغل منصب الأمين العام لجمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين، ونظرًا لأن نظام الرعاية الصحية في السودان بالكاد قادر على التعامل مع آثار الحرب، تركز الجمعية الآن على توفير الإمدادات والأموال للعيادات والمستشفيات المحاصرة في الحرب أو المكتظة بالنازحين.


بين عشية وضحاها
بعد 6 أشهر من بدء القتال في السودان، خاضت إسرائيل وحماس الحرب في قطاع غزة، يقول عيسى إن هذا الحدث تسبب في انخفاض بين عشية وضحاها في الاستجابة للصراع في بلاده من قبل الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية.
ويعترف كل من المغتربين والجماعات الإنسانية الدولية بأن احتياجات السودان تتنافس مع الأزمات في غزة وأوكرانيا، حيث ستدخل الحرب الروسية الأوكرانية قريبا عامها الثالث.
وقالت الأمم المتحدة إنها تلقت من المانحين 39% فقط من مبلغ 2.6 مليار دولار الذي تحتاجه للاستجابة لأزمة السودان، ويأتي حوالي نصف هذه الأموال من الولايات المتحدة، ومن بين الدول الغربية، يُنظر إلى واشنطن على أنها تأخذ زمام المبادرة في محاولة التوسط بين الأطراف المتحاربة، على الرغم من أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.
وفي أغسطس، قال وزير شؤون إفريقيا في المملكة المتحدة، أندرو ميتشل، إن الأدلة تشير إلى ارتكاب فظائع خطيرة ضد المدنيين في البلاد، وخاصة في دارفور. وفي هذا الشهر، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن: “قوات الدعم السريع وحلفائها ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا”.
وفرضت واشنطن عقوبات على قادة قوات الدعم السريع ومسؤولين سابقين في حكومة البشير لدورهم في الصراع، كما يجري البيت الأبيض مفاوضات مطولة مع الكونجرس بشأن الموافقة على المساعدات العسكرية لكل من إسرائيل وأوكرانيا، ولكن على الرغم من تفكك السودان خلال الأشهر الثمانية الماضية، لم يعين جو بايدن مبعوثًا خاصًا للبلاد، كما فعل أسلافه.
وقال كاميرون هدسون، الذي شغل منصب كبير موظفي العديد من المبعوثين السابقين وهو الآن أحد كبار المساعدين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن مثل هذا المعين يمكن أن يوضح رد الإدارة على الأزمة، ويحشد حلفاء الولايات المتحدة ويملأ الفراغ الذي نشأ عندما تم إخلاء السفارة الأمريكية في الخرطوم بعد بدء القتال.
وقال أيضًا إن بلينكن أضاع فرصة باستخدام بيان صحفي للإعلان عن حدوث فظائع، بدلا من إلقاء خطاب شخصي، فيما قارن هدسون ذلك بظهور وزير الخارجية السابق كولن باول عام 2004 أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي ليعلن ارتكاب إبادة جماعية في دارفور، وهو ما كان حاسما لتسليط الضوء على خطورة ذلك الصراع.


لماذا ينسونا؟
في الأسبوع الماضي، اقترح كبار المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين في لجنتي مجلسي النواب والشيوخ الذين يتعاملون مع الشؤون الخارجية قرارات تدعو إدارة بايدن إلى تعيين مبعوث خاص إلى السودان، والتحقيق في الفظائع.
من جنبه، قال كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جيم ريش: “على الرغم من التركيز العالمي على الأزمات في أوروبا والشرق الأوسط، فإن الوضع المزري في السودان الذي يتسم بالمعاناة الشديدة والدمار واسع النطاق والجرائم المروعة لا يجب التغاضي عنه”.
وفي شهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في وقت سابق من شهر ديسمبر، قالت كبيرة الدبلوماسيين في وزارة الخارجية لشؤون إفريقيا، مولي في، إن تعيين مبعوث خاص قيد الدراسة النشطة والجادة من قبل الإدارة لكنها لم تذكر متى قد يحدث ذلك.
تضيف بشاير أحمد أن السودانيين المحاصرين في البلاد بسبب القتال يدركون تراجع الاهتمام الدولي، مستذكرة محادثة مع أحد النازحين الذين فروا من الخرطوم، قائلة: “كان ابن أحد النازحين يقول لها، لماذا يركز الجميع على أوكرانيا أو نزاعات أخرى؟ لماذا ينسونا؟، ولا أحد يريد مساعدتنا، رغم أننا نتعرض للقصف، لقد ضاع كل ما كنا نملكه، كل ما كان لدينا، ويجب البدء من الصفر”.