كتبت – أسماء حمدي
يحلم المرء بالثراء بفضل ما تختزنه أرضه من كنوز ومعادن، والتي بفضلها صنع أبرز التجار في العالم ثرواتهم، وأكثر من يحتاج إلى أحلام من هذا النوع هم النساء اللاتي غالبن ما يكونن العائل الرئيسي في أسرتهن، والمسؤولات عن تعليم الأطفال، وصحة الأسرة ورفاهيتها.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، تشكل النساء 50% من القوى العاملة في مجال التعدين الحرفي البالغ عددها مليوني شخص، واللاتي واجهن لسنوات عدم المساواة والتحرش خلال العمل، والآن تهدف حركة شعبية إلى تغيير ذلك.
تحت راية واحدة
حل الغسق بالفعل، عندما نزلت آني سيناندوكو موانج، من سيارة الأجرة التي أوصلتها عبر الغابات المطيرة إلى مدينة التعدين الصغيرة كايلو.
كانت الرحلة التي تستغرق 4 ساعات من كيندو، عاصمة مقاطعة مانييما، مرهقة، ولكن قبل أن تستريح، يجب عليها أولا أن تقدم احترامها لرئيس بلدية المدينة ورئيس الشرطة ومسؤولين آخرين، إذ تعرف موانج أن قدرتها على العمل تعتمد على إبقاء الرجال المسؤولين مطمئنين إلى قدرتها على العمل والسيطرة على العاملين معها.
على رأس شبكة وطنية من النساء العاملات في مجال التعدين الحرفي، تستعد موانج لإحداث ثورة في هذا القطاع في الكونغو، لكنها تحتاج إلى الدعم والتمويل لتحقيق رؤيتها، بالارتقاء بمجتمعات التعدين من خلال المساواة بين الجنسين والأعمال التجارية التي تقودها النساء.
وبصفتها رئيسة للشبكة الوطنية للنساء في مجال التعدين (رينافيم)، قامت موانج لسنوات ببناء حركة تمتد عبر 26 مقاطعة في الدولة الغنية بالمعادن، لتوحيد المنظمات النسائية تحت راية واحدة للنضال من أجل حقوقهن في القطاع الذي يعتمد عليه الملايين في معيشتهم.
وفي حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية، قالت موانج: “عندما تكون الأم مريضة أو لا تتمتع بالاستقرار المالي، يتأثر الأطفال، ولذا فإننا نتحدث عن ضمان بداية جيدة في الحياة للأجيال القادمة”.
تضيف موانج: “لقد ركز كل برنامج وجهد لإصلاح قطاع التعدين الحرفي على الرجال، ويتم الاستهانة بالنساء وتجاهلهن بشكل منهجي، بما في ذلك من قبل المنظمات الدولية، ونعتقد أن تمكين المرأة هو المفتاح لتغيير هذا القطاع وضمان استفادة المجتمعات المحلية منه.”


منصب الرئيسة
قبل بضع سنوات، كانت كايلو واحدة من عشرات مدن التعدين حيث قامت منظمة المجتمع المدني (آسيفا)، بتجربة برنامج تعليم وتدريب ساعد على تغيير ديناميكيات النوع الاجتماعي وتحسين الصحة والأمن حول المناجم.
تقول بيرثا بانجالا، وهي عاملة منجم تبلغ من العمر 36 عامًا: “تغيرت الأوضاع خاصة الأمور العملية مثل بناء المراحيض بالقرب من المواقع وإبلاغ الرجال أنه بموجب القانون يحق للنساء الوصول إلى مواقع التعدين مثل الرجال تمامًا، وأن التحرش الجنسي بالنساء العاملات في المواقع يعد جريمة”.
ولقي برنامج التدريب استحسان المجتمعات المحلية بما في ذلك الرجال، وأبلغت النساء عن انخفاض في معدلات التحرش الجنسي، وقلن إنهن يشعرن بقدر أكبر من التمكين للوقوف في وجه الرجال ويشعرن بدعم أفراد آخرين في المجتمع.
ولكن هناك شيء آخر، تقول بانجالا: “الآن، أنا مجرد رئيسة، إذ يعد صعود المرأة كرئيسة أحد أكثر المفاهيم التحويلية المحتملة التي تعمل موانج ومنظمتها على تعميمها”.
على الرغم من أن النساء يعملن في التعدين، فإن معظمهن يفتقرن إلى القوة البدنية لإنتاج كميات كبيرة من المعادن، مثل حجر القصدير أو الكولتان أو التنتالوم، تضيف بانجالا: “يمكنني الحصول على كيلوجرام واحد، وربما كيلوجرامين في اليوم، في حين يحصل الرجل على 5 إلى 10 كيلوجرامات”.
ونتيجة لذلك، تم إحالة النساء إلى وظائف هامشية مثل نقل وغسل الرمال المعدنية، مما جعلهن يعتمدن على عمال المناجم الذكور في العمل والأجور، وتوضح بانجالا: “إذا اضطرت النساء إلى أن يطلبن من الرجال الرمال المعدنية، فإنهن قد يتعرضن للاستغلال الجنسي، ولكن إذا كانت المرأة تملك حفرة منجم وقامت بتوظيف الرجال، فستصبح رئيستهم، ولا يمكنهم أن يتحرشوا بها لأنهم يعتمدون عليها”.
ربات أعمال
حصلت بانجالا ونساء أخريات في كايلو على قروض من الجيران وأفراد الأسرة لبدء أعمالهن التجارية، والآن 56 منهن أصبحن ربات أعمال، من بين 250 في شرق الكونغو.
وتأتي مثل هذه القروض بأسعار فائدة باهظة، وتشمل خطط موانج تنظيم تعاونيات لتبادل الموارد وإنشاء هياكل أكثر رسمية لجذب المستثمرين.
وفي المحجر، تشرف بانجالا، وهي أم لـ8 أطفال، على مجموعة من الشباب الذين يستخدمون المجارف، يقول أحد عمال المناجم: “لا فرق بالنسبة لي، كوني تحت سلطة امرأة، أنا أتقاضى راتبي، هذا كل ما يهم.”
تشير موانج إلى أن تولي النساء منصب الرئيسات هو أمر مفيد للجميع، وتضيف: “عندما نعمل مع النساء، فإننا نتعامل مع قضايا تهم المجتمع بأكمله”.
ترجع جذور عمل موانج كناشطة إلى أعقاب حرب الكونغو الثانية التي اجتاحت البلاد بين عامي 1998 و2002، والتي شهدت نهب الموارد الكونغولية من قبل القوات الرواندية والأوغندية والميليشيات المحلية، مما ساعد على تغذية ثروات الكونغو.
وفي حين أن المعادن لم تعد تمول الجيوش الكبيرة، إلا أن التعدين الحرفي لا يزال يشوبه العنف والاستغلال وعمالة الأطفال وظروف العمل السيئة.


مشكلة راسخة
أدى الطلب على الكوبالت، المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، إلى تجدد الاهتمام بصناعة التعدين في البلاد التي تنتج ما يقرب من نصف المعادن اللازمة لتكنولوجيات الطاقة النظيفة، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الطلب على هذه المعادن سوف ينمو بنسبة 500٪ بحلول عام 2050.
ويشكل قطاع التعدين، سواء على المستوى الحرفي أو على مستوى الشركات، مع عدد لا يحصى من القضايا المترابطة، مشكلة كبيرة راسخة في مستقبل الكونغو.
كانت موانج تطلق برنامجًا للأطفال الأيتام في كايلو في عام 2010 عندما أدركت مدى تشابك التعدين مع حياة المجتمع، مضيفة: “عندما ذهبنا إلى المدارس، لم نرى عددا كبيرا من التلاميذ كما ينبغي، وتتذكر قائلة: أخبرنا المديرون أن العديد من الأطفال يعملون في مواقع التعدين”.
في البداية حاولت موانج إقناع الأطفال وأولياء أمورهم بالعودة إلى المدرسة، لكن الأطفال قالوا إن عليهم العمل للمساعدة في إعالة أسرهم، وإذا توقفوا عن العمل، فلن تتمكن الأسرة من تناول الطعام، ولم يتمكن الآباء المعوزون من دفع الرسوم المدرسية أيضًا.
نشرت منظمة إمباكت، وهي منظمة غير ربحية لإدارة الموارد الطبيعية، مؤخرًا تقريرًا يخلص إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها منظمة موانج، وهي أن تحسين سبل عيش المرأة هو المفتاح للقضاء على عمالة الأطفال، إذ تكافح الأمهات العازبات على وجه الخصوص لتغطية نفقاتهن وغالبا ما يجبرن على إرسال أكبر أطفالهن سنا إلى المناجم لتكملة دخل الأسرة، أو للعمل إلى جانبهن.
تحديات هائلة
بدعم من مبادرة هارفارد الإنسانية، وبفضل تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قادت منظمة موانج دراسة كبيرة عبر المقاطعات الثلاث في شرق الكونغو، لجمع معلومات مفصلة حول احتياجات مجتمعات التعدين.
وحسب الدراسة، كانت بعض مطالبهم واضحة، مثل الحصول على معدات السلامة بأسعار معقولة، تقول موانج: “لكننا ناقشنا أيضًا إعادة المناجم المهجورة إلى طبيعتها ووضع بروتوكولات لتجنب تلويث الأنهار المحلية”.
وتتفاوض منظمتها حاليًا مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشأن ميزانية لإطلاق المرحلة الثانية والتي تتضمن تسليم المعدات والاستثمار والدعم الذي تطلبه المجتمعات المحلية.
لكن موانج ستحتاج إلى المزيد إذا أرادت توسيع نطاق المشروع، وغالبا ما ينظر إلى حقوق المرأة على أنها مشكلة هامشية بالنسبة للقضايا الأكثر جدية والتي تتمحور حول الذكور.
من جانبها، تقول مديرة مبادرة هارفارد الإنسانية، جوسلين كيلي، والتي كانت تدافع عن موانج: “كان من الصعب أن نشرح للمانحين لماذا يمكن للمرأة أن تكون محورية في القضايا الأخرى التي يحاولون معالجتها، لكن المانحون خائفون من تمويل المنظمات الشعبية”.
تقول تيريز بوكيلا، 50 عاما، التي تمتلك 3 حفر تعدين، ولكنها تواجه مشكلات في التمويل: “نحن بحاجة إلى الاستثمار، إذ يمثل الحصول على القروض تحديًا للمجتمعات الحرفية في جميع أنحاء البلاد، ولكنه صعب بشكل خاص بالنسبة للنساء، مما يعيقهن ويدفعهن إلى المزيد من الفقر عندما تواجه أعمالهن انتكاسات”.