كتبت – أسماء حمدي
إذا كنت تتردد على صالة الألعاب الرياضية أوتستخدم جهاز المشي المنزلي، فإليك تجربة يمكنك خوضها بحذر، عليك رفع السرعة إلى أقل من 12 ميلا في الساعة، ومن ثم حاول النجاة بحياتك، ويفضل أن يكون ذلك مع وجود كومة كبيرة من الوسائد خلفك لتكون في أمان.
رقم قياسي عالمي
تخيل الحفاظ على هذه الوتيرة لمسافة 26.2 ميلًا، لأن هذه هي السرعة التي حطمت بها العداءة الإثيوبية تيجيست أسيفا، الرقم القياسي العالمي لسباق الماراثون للسيدات في برلين، متخلفة أكثر من دقيقتين عن الرقم القياسي السابق، وأنهت السباق في ساعتين و11 دقيقة و53 ثانية.
وكان الرقم القياسي السابق في حوزة الكينية بريجيد كوسجي ومقداره 2.14.04 س سجلته في ماراثون شيكاجو في 13 أكتوبر عام 2019، حسب صحيفة الجارديان البريطانية.
وباتت أسيفا (26 عاما)، أول عداءة تنزل تحت حاجز ساعتين و12 دقيقة وقد احتفظت بالتالي باللقب، الذي أحرزته في برلين أيضا العام الماضي، عندما سجلت 2.15.37 ساعتين.
ومع ذلك، كان عام 2023 هو العام الذي أصبح فيه ما هو استثنائي أمرا عاديا، على الأقل في سباقات المسافات الطويلة للسيدات، وفي شهر يونيو الماضي، حطم العداء الكيني فيث كيبيجون، الرقمين القياسيين العالميين في سباقي 1500 متر و5000 متر، كما حطم الرقم القياسي للميل بعد شهر واحد، وفي هذا الشهر، حطم الإثيوبي جوداف تسيجاي، الرقم القياسي لمسافة 5000 متر مرة أخرى.
تكنولوجيا جديدة
ضخ المصنعون الأموال في أقسام البحث والتطوير الخاصة بهم للحاق بالركب، إذ جرى إطلاق أحدث الأحذية الرياضية، يوم الأحد، عندما سجلت أسيفا رقمها القياسي أثناء ارتدائها زوجًا من Adizero Adios Pro Evo 1s، أخف حذاء من أديداس حتى الآن، بسعر 400 جنيه إسترليني.
وبغض النظر عن الآثار البيئية، بالنسبة لعشاق رياضة الجري، فإن وجود الأحذية الفائقة قد قلل من قيمة السعي وراء الأرقام القياسية، في حين أن التكنولوجيا قد تتقدم دائمًا، كما يقولون، فإن هذا التغيير التدريجي يجعل الأوقات الجديدة بلا معنى تمامًا.
لكن الأحذية ليست التكنولوجيا الجديدة الوحيدة، هناك أيضًا تقنية الضوء الموجي وهي أضواء وامضة صغيرة توضع على جانب مسارات ألعاب القوى ويمكن ضبطها على وتيرة معينة، وهذا يعني أن الرياضيين الذين يتطلعون إلى تحقيق رقم قياسي يعرفون أنهم على الطريق الصحيح، لفة تلو الأخرى.
يقول أحد أفضل عداءي الماراثون البريطانيين السابقين، ريتشارد نيروركار: “التكنولوجيا في العديد من الألعاب الرياضية تتحسن مع مرور الوقت، وهذا ما حدث في ألعاب القوى، وعلينا فقط أن نقبل ذلك، ونحتفل بإنجازات هؤلاء الرياضيين، الذين أصبحوا الآن قادرين على الركض بشكل أسرع بفضل التكنولوجيا”.
يرى نيروركار أن ربط الأداء والأوقات بالأحذية فقط هو بمثابة ضرر للرياضيين، قائلا: “لا يمكنك ارتداء هذا الحذاء وتصبح لاعبًا عالميًا، إذ يتدرب العدائون المتميزون بجد، شهرًا بعد شهر، وعامًا بعد عام للوصول إلى مستويات جديدة، وفي الواقع، قد يكون الطول هو الكلمة ذات الصلة عندما يتعلق الأمر بهيمنة شرق إفريقيا على هذه الرياضة”.
ويضيف العداء البريطاني: “معظم الإثيوبيين والكينيين يعيشون ويتدربون على ارتفاعات عالية، حيث يجبر نقص الأكسجين في الهواء الجسم على زيادة عدد خلايا الدم الحمراء، وهذا يعني أنه عندما يعودون إلى مستوى سطح البحر، عادة ما يجدون أن الأداء قد تحسن لفترة قصيرة، ولهذا السبب يذهب نخبة الرياضيين من جميع أنحاء العالم إلى معسكرات التدريب على ارتفاعات عالية عند الاستعداد للسباقات الكبيرة”.
تحطيم الأرقام القياسية
تساءل نيروركار: لكن لماذا يجري تحطيم الكثير من الأرقام القياسية للنساء الآن؟، لقد مرت عقود من الزمن منذ أن اتخذ العدائون من شرق إفريقيا إقامة شبه دائمة على منصات الماراثون في العالم، وهناك صناعة بأكملها مكرسة الآن لتحليل وبيع نمط الحياة الكيني للعدائين الهواة، ولكن معظم هذا يدور حول شهرة الأسماء التي حققها العظماء الذكور، منهم إليود كيبتشوجي، وهيلي جيبرسيلاسي، وكينينيسا بيكيلي، وحتى الآن، لعبت النساء إلى حد كبير دورًا ثانويًا.
ويشير نيروركار، الذي شارك أيضًا في تأسيس سباق الجري الإثيوبي الكبير مع جيبرسيلاسي، ويقضي الكثير من الوقت في البلاد، إلى أن إثيوبيا لديها الآن رئيسة، بالإضافة إلى رئيسة اتحاد ألعاب القوى، مضيفا: “من المثير للاهتمام تتبع تطور رياضة الجري الإثيوبية، في عام 1992 ومرة أخرى في عام 2000، فاز ديرارتو تولو باللقب الأولمبي في سباق 10000 متر.
وأشار إلى أنه في ذلك العقد، كان هناك عدد قليل جدًا من عدائي المسافات الطويلة من النساء في إثيوبيا مقارنة بالرجال، مضيفا: “لكنني أعتقد أن ما رأيناه في إثيوبيا على مدى السنوات الـ20 الماضية ربما لم يكن انفجارًا، بل كان هناك عدد أكبر من النساء يشاركن ويتدربن بجدية”.
عصر ذهبي
توافق الصحفية الكينية إيفلين واتا، العداء البريطاني الرأي، قائلة: “إذا نظرت إلى المشهد السياسي في كينيا وإثيوبيا، فلدينا الآن عدد أكبر من النساء في البرلمان وعدد أكبر من النساء ممثلات، إنه تغيير كبير جدًا ويلعب بالتأكيد دورًا كبيرًا، ولدينا الآن مدربات لألعاب القوى، وإداريات أيضًا، وهو ما يساعد بالتأكيد”.
تضيف واتا: “مناقشة الأشياء البسيطة التي تخص النساء داخل المجتمع الرياضي الكيني كانت من المحرمات، ولكن لم تعد كذلك، وحتى القول بأن إحدى الرياضيات حامل هو أمر جديد، لأنه كان من الشائع جدًا في الأوساط الإعلامية أن تقول على المرأة الحامل إنها مصابة، وكنت تسأل: ما نوع الإصابة؟ فيقولون: إنها مصابة إصابة الإناث، لذلك أعتقد أن بعض الأشياء الصغيرة تتغير، وتمنح النساء القوة التي يحتاجنها لإظهار أفضل ما لديهن عندما يركضن”.
وتشير الصحفية الكينية إلى أن هناك عامل آخر خاصة في الماراثون وهو عمر الرياضيين، الذي ينخفض بسرعة، قائلة: “عندما بدأت مسيرتي المهنية، كان الماراثون مخصصًا تقريبًا للمتقاعدين من سباقات المضمار والميدان، سيشاركون في سباق 800 متر، وربما يصلون إلى 5000 متر و10000 متر، ثم الشيء التالي هو الماراثون وهذه هي النهاية”.
وأردفت: “الآن، ترى العديد من الرياضيين الأصغر سنًا يشاركون في الماراثون، إنهم لا يزالون أقوياء، وهم نشيطين، وأعتقد أن هذا يلعب أيضًا دورًا مهما”، مشيرة إلى أن العداء الكيني كلفن كيبتوم كان يبلغ من العمر 22 عامًا فقط عندما شارك في أسرع سباق ماراثون على الإطلاق في فالنسيا العام الماضي.
وبالنسبة لواتا، فأن هذا هو العصر الذهبي لنساء شرق إفريقيا في هذه الرياضة، قائلة: “أعرف مدى تقدم التكنولوجيا وكل شيء آخر، ولكن في أعماقي، باعتباري شخصًا يتابع ألعاب القوى حقًا، أنا متحمسة لأنها تظهر أن الموهبة صحيحة سوف تستمر وتحقق نجاحًا كبيرًا، فعندما رأيت أسيفا، كنت أقرص نفسي، للتأكد أن هذا ليس حلمًا كنت أعلم أن هذا سيحدث يومًا ما، لكنني لم أتوقع حدوثه في حياتي”.