كتب – تامر سامي

 الباحث المتخصص في دراسات الدفاع الاستراتيجي

تُعتبر المضائق والممرات البحرية بشكل عام هي شرايين التجارة والاقتصاد العالمي، وأي تهديد يؤثر في أمنها يؤثر بالتبعية وبشكل مباشر في الأمن القومي لكافة دول النسق الدولي بما يمثله من تأثير كبير في حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد، لذا يتقاطع أمن المضائق والممرات البحرية مع العديد من أبعاد الأمن القومي والعالمي، أبرزها: أمن الطاقة، والأمن الغذائي، لذا فإن أمن المضائق والممرات البحرية لهو محور اهتمام كبير لدى العديد من دول العالم، وبالأخص الدول الكبرى والتي تتبع استراتيجيات كونية للحفاظ على المضائق والممرات البحرية آمنة بما يضمن التدفق السلس الآمن لحركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.

وتشرف قارة أفريقيا بموقعها المتميز على العديد من المضائق والممرات البحرية بالغة الأهمية للتجارة العالمية، ففي الشمال الشرقي تقع قناة السويس بما تمثله من أهمية قُصوى كأقصر طريق يصل بين الشرق والغرب، وفي جنوب البحر الأحمر يقع مضيق باب المندب بأهميته الحيوية الكبيرة، وفي شرق القارة يقع مضيق موزمبيق، وفي أقصى جنوب القارة يقع طريق رأس الرجاء الصالح، والذى مثل لعقود طويلة ممر التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب، ويمثل إلى الآن أحد أبرز طرق التجارة والملاحة البحرية العالمية، ثم في غرب القارة يقع خليج غينيا كأحد الممرات البحرية الرئيسية في التجارة العالمية، ثم في الشمال الغربي يقع مضيق جبل طارق، والذي ظل لعقود طويلة المنفذ الوحيد
بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وأخيرًا يقع في شمال القارة مضيق صقلية الذي يفصل بين تونس وإيطاليا ويقسم حوض البحر الأبيض المتوسط إلى حوضين فرعيين (شرق المتوسط، غرب المتوسط).

وفي إطار التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، كان من الطبيعي أن تصوب كل من الدولتين أنظارها نحو تلك المضائق والممرات البحرية بالغة الأهمية لتأمينها بالشكل الذي يؤمِّن مصالح كل منهما، ويمنح أي منهما التفوق الاستراتيجي على الآخر بما يضمن استمرار الصراع على الهيمنة على النسق الدولي، وفي هذا السياق، تقوم الدراسة باستعراض وتحليل المقاربات الاستراتيجية لكل من الدولتين لتحقيق أمن المضائق والممرات البحرية في أفريقيا. 

أولا: الممرات البحرية في حوض البحر المتوسط (قناة السويس، مضيق صقلية، مضيق جبل طارق):

تقوم الولايات المتحدة بحماية وتأمين قناة السويس عن طريق قواعدها العسكرية، البحرية، والجوية المنتشرة بكثافة في شرق المتوسط في كل من اليونان، تركيا، قبرص، وشرق أوروبا، هذا بالإضافة إلى الوجود المستديم لقطع الأسطول السادس الأمريكي، والتي تعتبر منطقة حوض البحر المتوسط بشكل عام منطقة العمل والمسؤولية الرئيسية له، ويتخذ من قاعدة الإسناد البحري في نابولي مركزًا لقيادته، وأبرز مهامه، ضمان عبور الناقلات التجارية والنفطية في المضائق والممرات البحرية المرتبطة بالبحر المتوسط، إضافة إلى ضمان الأمن والاستقرار في أوروبا وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، ويتكون الأسطول السادس الأمريكي من حاملة الطائرات “أيزنهاور” ومجموعتها القتالية، و40 قطعة بحرية و175 طائرة و21 ألف جندي تقريبًا، ويمتلك غواصات هجومية ودفاعية تؤمِّن أعماله، ويشمل 6 فرق قتالية ودعم لوجستي وقيادة مهام، وقد شارك الأسطول السادس في حرب الخليج 2003 وفي ليبيا 2011.[1]

هذا وتوجد في اليونان 24 قاعدة أمريكيّة أكبرها قاعدة سودا البحريّة في جزيرة كريت، أما تركيا فيُوجد بها أكثر من 5000 عسكري أمريكي، وتعتبر قاعدة أنجرليك” الجويّة قاعدة متقدّمة معدّة لتوجيه ضربات نوويّة تتكدّس فيها كميات كبيرة من الطائرات الأمريكية المقاتلة وقاذفات القنابل بأنواعها، وتقوم قاعدتا “بيرتكليك وجولباش” بالقرب من أنقرة بأعمال التّجسس والتصنت الإلكتروني، والقاعدة الأمريكيّة الضخمة في أزمير بتركيا بها أكثر من 12 مستودعًا حربيًّا للقتال والذخائر والمعدّات الحربية الإلكترونيّة إضافة إلى 14 محطّة للإنذار المبكّر و 20 مركزًا للاتّصال والتصنت الإلكتروني، هذا إلى جانب قاعدتي “لكروتيري”، “ديكيليا” البريطانيتين في قبرص، واللتان تستخدمهما الولايات المتحدة بحرية.[2]

هذا بالإضافة إلى تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في منطقة شرق المتوسط، من خلال تطوير روابط الولايات المتحدة مع كل من الجبل الأسود وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا، كما نجحت الولايات المتحدة في توقيع اتفاقيتين دفاعيتين مع كل من رومانيا وبلغاريا، في العامين 2005 و2006 على التوالي، وسمحت الاتفاقية المبرمة مع صوفيا بانتشار 2500 جندي أمريكي لمدة عشرة أعوام، يزداد عددهم إلى خمسة آلاف بعد مضي شهر على توقيع الاتفاقية، وتضمنت الاتفاقية الموافقة على إنشاء ثلاث قواعد عسكرية أمريكية في الأراضي البلغارية، كما قدمت الاتفاقية الموقعة مع بوخارست تسهيلات عسكرية مختلفة للولايات المتحدة، وسمحت بنشر قوة أمريكية قوامها 1500 جندي في قاعدة “ميخائيل كوغالنيتشيانو” على البحر الأسود، واستخدام المطار العسكري قرب ميناء كونستنزا، وقاعدة “باباداغ”، ومركزي التدريب “تشينكو” و”سماردان” في دلتا الدانوب.[3]

أما فيما يخص مضيق جبل طارق، فتقوم الولايات المتحدة بحماية وتأمين المضيق من خلال قواعدها في جزر الأزور البرتغاليّة غرب المضيق في المحيط الأطلنطي؛ حيث توجد 22 قاعدة عسكريّة أمريكيّة، بالإضافة إلى قاعدة بحرية في جبل طارق البريطانية، تدعمها 27 قاعدة بريّة وبحرية جويّة في إسبانيا، أهمّها القاعدة الجويّة في مدريد المكتظّة بالقذائف العملاقة، وقاعدة روتا الأمريكيّة في جنوب إسبانيا، إضافة إلى التسهيلات في جنوب جبل طارق ببو قنديل وسيدي يحيى في المغرب، كما تُوجد في غرب إيطاليا 52 قاعدة أمريكيّة أهمها قاعدة برندي؛ حيث توجد مراكز التصنت والتجسس الإلكتروني وأحد أهم مراكز المخابرات الأمريكيّة، هذا إلى جانب وقوع حوض غرب المتوسط  ومضيق جبل طارق في منطقة عمليات الأسطول السادس الأمريكي.[4]

ومن جانب آخر، انخرطت الولايات المتحدة في عملية حلف الناتو للمراقبة الدائمة للممرات البحرية الحيوية في البحر المتوسط، فيما يُعرف بعملية “أكتيف إنديفور” والتي أطلقها الحلف عام 2003 وتشمل إجراءات خاصة تسمح للقوات المسلحة باعتلاء البواخر المختلفة، بما في ذلك المدنية منها، وفي العام 2004 وسّع الحلف من تفويض العملية، فبسط سيطرته على كامل البحر الأبيض المتوسط، وزاد من جهوده لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية حول حركة الملاحة الإقليمية.[5]

أما الصين فقد اتخذت منهجًا يركز على السيطرة التجارية والاقتصادية وفضلت عدم الاصطدام بالولايات المتحدة في النواحي الأمنية والعسكرية، فللصين في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منطقة صناعية صينية في منطقة العين السخنة في مصر – والمعروفة باسم TEDA – وهو مشروع مشترك مع الحكومة المصرية تم إطلاقه عام 2008 على مساحة 4 كيلومترات مربعة، وتضم أكثر من 500 شركة صینیة و180 مصنعًا في مجالات مختلفة، بإجمالي استثمارات تخطت 8 ملیارات دولار أمریکي، هذا إضافة إلى إدارة وتشغيل شركة ( Hutchison) الصينية كل من موانئ (الإسكندرية، الدخيلة، وأبو قير) على البحر المتوسط، وشركة ( China Harbor Engineering Company Ltd) لميناء (دمياط،)، وشركة ( COSCO) لكل من ميناءي (العين السخنة وشرق بورسعيد).[6]

وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، نجد مدينة حديثة للعلوم والتكنولوجيا، (مدينة محمد السادس “طنجة- تيك”) التي بنتها شركة الطرق والجسور الصينية (CRBC)على مساحة تبلغ 2167 هكتارا، باستثمارات إجمالية تقدر بنحو 10 مليارات دولار، وتوفر نحو 100 ألف فرصة عمل، وتستقطب نحو 200 شركة ومصنع، بالإضافة إلى امتلاك وتشغيل شركة ((China Merchants لميناءي (كازابلانكا، طنجة – المتوسط)، إلى جانب ميناء (الحمدانية) في الجزائر الذي تملكه وتديره شركات (CHEC, CSCEC, Shanghai International Port Group). [7]

ثانياً: الممرات والمضائق البحرية في شرق أفريقيا (مضيق باب المندب، مضيق موزمبيق):

تقع منطقة شرق أفريقيا متضمنة مضيق باب المندب ومضيق موزمبيق في نطاق مسؤولية الأسطول الخامس الأمريكي، والذي يتخذ من المنامة في البحرين مقرًا لقيادته، وتتلخص مهمته الرئيسية في إبقاء المضائق والممرات البحرية في نطاق مسؤوليته مفتوحة (مضيق هرمز، مضيق باب المندب، مضيق موزمبيق) بالإضافة إلى تأمين البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب وأجزاء كبيرة من المحيط الهندي، ويتكون الأسطول الخامس الأمريكي من حاملتي طائرات ومجموعتهما القتالية، و65 قطعة بحرية و205 طائرات و30 ألف جندي تقريبًا، ويمتلك غواصات هجومية ودفاعية تؤمن أعماله، ويشمل 8 فرق قتالية ودعمًا لوجستيًا وقيادة مهام، وقد شارك الأسطول الخامس في حرب الخليج 2003 وفي غزو أفغانستان 2001، كما شارك في مهام مقاومة القرصنة البحرية على السواحل الصومالية 2008.[8]

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية كبيرة في جيبوتي تشرف وتسيطر على حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، حيث تم إنشاء قاعدة ليمونيير عام 2002 على مساحة 200 هكتار جنوبي مطار أمبولي الدولي بالعاصمة جيبوتي، و يعمل بها ما يزيد على 3200 جندي أمريكي بخلاف المدنيين الأمريكيين والعاملين المحليين، وينطلق من هذه القاعدة عمليات مكافحة الإرهاب التى ينفذها الجيش الأمريكي في الصومال واليمن، وتم تجديد عقد إيجار هذه القاعدة حتى عام 2025 مقابل 63 مليون دولار أمريكي سنويًا، وتوجد بها القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا أفريكوم ( USAFRICOM )، ومن جانب آخر، تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية أصغر حجمًا في كل من تشاد، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، الصومال، إثيوبيا، كينيا، أوغندا، وسيشل، تستخدمها بصورة أساسية كقواعد انطلاق للطائرات المسيرة لتنفيذ مهام الاستطلاع وجمع المعلومات والتصوير الجوي ومهاجمة أماكن تجمع الحركات الإرهابية جنوب الصحراء والقرصنة البحرية في الساحل الصومالي، وحماية الممرات البحرية في شرق أفريقيا.[9]

وتعتبر جزيرة دييجو جارسيا أحد أهم القواعد الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة في المحيط الهندي، وتحتوي على القاعدة البحرية “كامب جيستيس”، وهي قاعدة مشتركة مع القوات الجوية التي أقامت فيها مطارًا ضخمًا، ومنظومة رادار متطورة، ومنشأة تتبع فضائي “خاصة بمنظومة الاتصالات والـ GPS”  حيث إن الجزيرة تضم أحد خمسة هوائيات أرضية تساعد في تشغيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في حين تُوجد الهوائيات الأربعة الأخرى في بقاع أخرى من العالم، وفيها أحد معسكرات الاعتقال السرية التابعة للـ CIA، وهي في ذات الوقت قاعدة دعم للأساطيل الإقليمية والغواصات، ومن ضمنها الأسطول الخامس الأمريكي.[10]

أما الصين، فقد افتتحت في جيبوتي عام 2017 القاعدة العسكرية الرسمية الوحيدة للصين خارج البر الصيني، وتقع في ميناء أوبوك الذي يشرف على خليج تاجورا، وذلك من خلال اتفاق يضمن الوجود العسكري الصيني في جيبوتي حتى عام 2026 م مقابل 23 مليون دولار سنويًا بقوة تصل إلى عشرة آلاف جندي لتنفيذ مهام حفظ السلام في أفريقيا وغرب آسيا وللتعاون العسكري والتدريب المشترك وحماية وإجلاء الرعايا الصينيين في الخارج عند الضرورة، إضافة إلى عمليات الإنقاذ الطارئة وتأمين الممرات البحرية الاستراتيجية، وتحوي هذه القاعدة مركز صيانة سفن ومهبطًا للهليكوبتر، وتحرس هذه القاعدة قوة من مشاة البحرية الصينية، وهي تقع على مسافة (13) كيلومتر من قاعدة ليمونييه الأمريكية.[11]

وإلى جانب القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، تقوم الشركات صينية (China Merchants, CHEC, CSCEC, CCECC, China Poly – GCL, Baoye Hubei Construction) بامتلاك وإدارة وتشغيل 4 موانئ في جيبوتي (داميرجوج، دورالية، غوبيت، تادجوراه)، وشركة (CHEC) لميناء مصوع في إريتريا، وشركة (CHEC) لموانئ (هيضوب، بورتسودان) في السودان، وهي جميعها موانئ تشرف على حركة الملاحة البحرية إلى وعبر مضيق باب المندب، كما تقوم شركات صينية (CCCC, CRBC) بإدارة وتشغيل موانئ (لامو، مومباسا) في كينيا، وشركات (China Merchants, CHEC, Hutchison, CRCEG, CRMBEG) لموانئ (باجامويا، دار السلام، ماروهوبي، متوارا، تانجا) في تنزانيا، وشركات (CRBC, CHEC) لموانئ (ساينت ماري رود، تاماتيف) في مدغشقر، وشركة (CHEC) لميناء (بيرا) في موزمبيق، وهي جميعها موانئ تشرف على طريق الملاحة البحرية إلى وعبر مضيق موزمبيق.[12]

ثالثاً: الممرات البحرية في غرب أفريقيا (خليج غينيا):

يُعتبر الساحل الغربي لأفريقيا بشكل عام وخليج غينيا بشكل خاص أحد أهم الممرات البحرية في القارة؛ حيث إنه نقطة انطلاق رئيسية لحركة التجارة والملاحة البحرية العالمية القادمة من أو عبر جنوب وغرب أفريقيا إلى غرب أوروبا والولايات المتحدة، وتوجد للولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية في بوركينا فاسو، السنغال، غانا، النيجر، الكاميرون، الجابون، الكونغو الديمقراطية، ويقدر قوامها بنحو 6000 جندي، ويتم استغلال تلك القواعد في تسيير المسيرات لتنفيذ مهام استطلاع وإدارة العمليات الحربية ضد تنظيم بوكو حرام، الذي ينتشر على الحدود الكاميرونية النيجيرية، وتحقيق المراقبة الأمريكية للساحل الغربي الأفريقي، ومراقبة التحركات في ساحل خليج غينيا الغني بالنفط، ومن جانب آخر، فقد حصلت الولايات المتحدة من ليبيريا ومالي على تسهيلات تتيح لها استغلال أراضيهما للأغراض العسكرية إذا دعت الضرورة.[13]

وكذلك امتد الوجود العسكري الأمريكي إلى جمهورية “ساوتومي وبرنسيب” الواقعة بالقرب من الساحل الشمالي الغربي للغابون، والتي تتألف من جزيرتين تحتلان موقعا إستراتيجيا مهما على المحيط الأطلنطي، فأقامت الولايات المتحدة في هذه الجمهورية الصغيرة نقطة ارتكاز قوية تراقب من خلالها كميات النفط التي يتعاظم حجمها وتزداد أهميتها عامًا بعد عام في دول خليج غينيا، وتتخذ البحرية الأمريكية من ساوتومي وبرنسيب مقر قيادة وقاعدة تدريب لجيوش هذه الدول.[14]

ومن ناحية أخرى، يقع خليج غينيا في نطاق مسؤولية الأسطول الرابع الأمريكي، والذي يتخذ من جاكسونفيل بولاية فلوريدا الأمريكية مقراً لقيادته، ويمتد نطاق مسؤوليته ليشمل كامل جنوب المحيط الأطلنطي بما فيها الساحل الغربي لأفريقيا وكذلك أمريكا الجنوبية، ويتكون من حاملتي طائرات ومجموعتهما القتالية، و40 قطعة بحرية و145 طائرة و19 ألف جندي تقريبًا، ويمتلك غواصات هجومية ودفاعية تؤمن أعماله، ويشمل 5 فرق قتالية ودعم لوجستي وقيادة مهام.[15]

أما بالنسبة للصين، فقد عملت الصين على استمرار نهجها في تجنب الاصطدام بالولايات المتحدة في النواحي الأمنية والعسكرية، وفضلت امتلاك السيطرة التجارية والاقتصادية، ومن هذا المنظور، فإن الشركات الصينية (China Gezhouba, CRBC,CHEC, CCCC) تمتلك وتدير كل من موانئ (كابيندا، كايو، لوبيتو) في أنجولا، وشركات (CHEC,CCCC) لموانئ (دوالا، كريبي، لولابي) في الكاميرون، وشركة (CRBC) لميناء (مينديلو) في الرأس الأخضر، وشركة (China Merchants) لميناء (أبيدجان) في كوت ديفوار، وشركة (CRBC,CCCC) لميناء (باتا) في غينيا الاستوائية، وشركة (CHEC) لميناء (مولي) في الجابون، وشركة (CHEC, CRBC) لميناء (بانجول) في جامبيا، وشركة (CHEC, CCCC, ) لموانئ (أتوابوا، تاكورادي، تيما) في غانا، وشركات (Yanati Port Group, Shandong Weiqiao, Rizhao Port Group, Chinalco) لموانئ (بوكي، كوناكري) في غينيا، وشركات (Fujian Shihai Corporation, CRGEG) لميناء (ألتو دو بانديم) في غينيا بيساو، وشركات (CRBC, CCCC, China Poly Group, Fuzhou Hong Dong) لموانئ (الصداقة، ندياجو، نوادهيبو) في موريتانيا، وشركات (CHEC, Power China, China Merchants) لموانئ (أكوا ايبوم، لاجوس، باكاسي، جيليجيلي، ليكي، تين كان أيلاند) في نيجيريا، وشركة (CRBC) لميناء (بوينت نوار) في الكونجو، وشركات (Yanati Development, Taifu Group, Kingho Group) لموانئ (بلاك جونسون بورت، فريتاون، بيبيل) في سيراليون، وشركات (CRBC, CHEC) لميناء (فيرناو دياز) في ساوتومي وبرينسيب، وشركة (CHEC) لميناء (ساينت لويس) في السنغال، وشركة (CM Port) لميناء (لومي) في توجو.[16]

رؤية تحليلية وخاتمة:
تركز الولايات المتحدة الأمريكية على استراتيجية بحرية كونية تقوم على مبدأ التفوق البحري إذ تُقر بضرورة السيطرة على البحار لضمان إمكانية الوصول إلى حلفائها وإلى الموارد الطبيعية، وكذلك من أجل نقل قواتها إلى مناطق المواجهة المحتملة، وتعتمد الاستراتيجية البحرية للولايات المتحدة في هذا السياق على كل من الاقتراب الأمني والعسكري، وذلك من خلال انتشار قواعدها العسكرية، البحرية، والجوية لحماية الممرات والمضائق البحرية الاستراتيجية في أفريقيا والحيوية لطرق الملاحة العالمية وسلاسل الإمداد، والتي بتهديدها يضطرب الاقتصاد العالمي وتتأثر الأسواق العالمية، وبالإضافة إلى انتشار القواعد الأمريكية، فكما سبق وأوضحنا، فإن الممرات والمضائق البحرية في شرق أفريقيا (مضيق باب المندب، مضيق موزمبيق) تقع في نطاق مسؤولية الأسطول الخامس الأمريكي، والممرات البحرية الرئيسية في غرب أفريقيا (خليج غينيا) يقع في نطاق مسؤولية الأسطول الرابع الأمريكي، بينما تقع الممرات والمضائق البحرية الرئيسية في الشمال الأفريقي في البحر المتوسط (قناة السويس، مضيق صقلية، مضيق جبل طارق) في نطاق مسؤولية الأسطول السادس الأمريكي.[17]

وعلى الجانب الآخر، لا تفضل الصين الاصطدام بالولايات المتحدة صدامًا مباشرًا، لذا لجأت لعدم استخدام الاقتراب الأمني والعسكري، ولكن اعتمدت على الاقتراب التجاري والاقتصادي، فسيطرت على عدد كبير جدًا من الموانئ البحرية الرئيسية والمشرفة في المضائق والممرات البحرية في أفريقيا.

ولكن كل من الطرفين يعمل على تخريب استراتيجية الاخر بدون الدخول في صدامات مباشرة، فتعمل الولايات المتحدة على تشجيع حلفائها من الدول التي تمتلك شركات كبيرة في مجال الخطوط الملاحية  وتطوير وتشغيل وإدارة الموانئ البحرية على منافسة الشركات الصينية في ذات المجال في أفريقيا، وعلى الجانب الآخر نجد الصين تقوم بتجهيز الموانئ البحرية التي تقوم بإنشائها أو تطويرها بأعماق بحرية كبيرة وأطوال أرصفة تصلح للقطع الحربية وليس فقط للسفن التجارية، وذلك كما لو كان استعداداً
من الصين لتحويل أي من هذه الموانئ لقواعد بحرية صينية إذا تطلب الأمر.[18]

وفي ذلك الإطار، تبرز شركات مثل (موانئ دبي العالمية DP World)، (موانئ أبوظبي AD Ports) والتي تنافس بقوة الشركات الصينية في مجال النقل البحري والموانئ البحرية، حيث تدير وتشغل الشركتان 12 ميناء في أفريقيا مثل ميناء (مابوتو) في موزمبيق، وميناء (داكار) في السنغال، وذلك بالإضافة إلى استحواذ موانئ دبي على شركة الخطوط الملاحية في جنوب أفريقيا (Imperial Logistics)، الاستحواذ الذي منح موانئ دبي الوصول إلى 26 وجهه جديده في أفريقيا، وكذلك الشركة المصرية (Transmar Shipping and Transcargo International Company”TCI”)، والذي منح موانئ دبي أفضلية كبيرة في كل من البحر المتوسط والأحمر.

الشيء نفسه تمثله شركة ( Port of Singapore Authority “PSA International”)، والتي تعتبر من أكبر مشغلي الموانئ في العالم بشبكة موانئ في 26 دولة منهم 4 موانئ في أفريقيا في كل من مصر والمغرب، وكذلك شركة (APM Terminals) الهولندية والتي تدير وتشغل 74 ميناء حول العالم منهم 2 في أفريقيا في كل من ليبيريا ونيجيريا، وأيضاً شركة (International Container Terminal Services Inc. “ICTSI”) الفلبينية التي تدير وتشغل 34 ميناء حول العالم منهم 3 في أفريقيا في كل من الكاميرون، مدغشقر، والكونجو.[19]

ومن جانب آخر، فمن إجمالي الموانئ التي تمتلكها أو تديرها وتشغلها الصين في أفريقيا هناك 18 ميناء تم تنفيذها بأعماق وغاطس وأطوال أرصفة تصلح لاستقبال القطع الحربية وليس فقط السفن التجارية، وهي (شرق بورسعيد، دمياط ) على المدخل الشمالي لقناة السويس، (بورتسودان، جيبوتي ” نسبة استحواذ 23.5%”) على الممر الملاحي لمضيق باب المندب، (لامو / كينيا، مومباسا / كينيا، دار السلام / تنزانيا، تاماتيف / مدغشقر، بيرا / موزمبيق) على الممر الملاحي لمضيق موزمبيق، (والفيز باي / ناميبيا، لوبيتو / أنجولا، باتا / غينيا الاستوائية، كريبي / الكاميرون “نسبة استحواذ 66.67%”، ليكي / نيجيريا “نسبة استحواذ 52.5%”، لومي / توجو “نسبة استحواذ 50%، غانا تيما، أبيدجان، نواكشوط / موريتانيا) على خليج غينيا، فعلى سبيل المثال، يستطيع ميناء لوبيتو في أنجولا استقبال أي سفينة سطح صينية، بينما يستطيع ميناء دوراليه في جيبوتي استقبال جميع مقاتلات PLAN السطحية الرئيسية و 4 فرقاطات و 6 طرادات، ومدمرتان، وحاملة طائرات، بينما يمكن لميناء مومباسا في كينيا استقبال طرادان ومقاتلة سطح، ويستطيع ميناء والفيز باي في ناميبيا استقبال 8 مدمرات، كما يستطيع ميناء ليكي في نيجيريا استقبال طراد أو فرقاطة بحرية، ويستطيع ميناء بورت فيكتوريا في سيشل استقبال 4 طرادات، مدمرة، فرقاطتين، كما يمكن لميناء دار السلام في تنزانيا استقبال 2 طراد.[20]

وإجمالاً، فإن الولايات المتحدة باعتبارها الدولة المهيمنة على النسق الدولي منذ نهاية الحرب الباردة تقوم بمسئولياتها في صورة ضمان حرية التجارة العالمية والتي تمثل نسبة النقل البحري فيها النسبة الأعظم، وذلك تطبيقاً لمبدأ الخير العام (Public Good) حيث توفر الدولة المهيمنة الخير العام لباقي دول النسق والتي تمثل بدورها ما يسمى (Free Rider)، إلا أن الدولة المهيمنة تتلقى في المقابل فوائد ومنافع هائلة، فالولايات المتحدة تتحكم تماماً في المضائق والممرات البحرية حول العالم وتستطيع التحرش بالتجارة الصينية كيفما تشاء ويحدث هذا بالفعل في مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي، ومن جانبها، تستطيع الصين التحكم بتشغيل الموانئ البحرية التي تقوم بتشغيلها، سواء بتخفيض نسب التشغيل أو إيقافه تماماً وهو ما سيسبب أضراراً بالغة للتجارة العالمية، ولكن كل من الدولتين يعى تماماً أبعاد المواجهة المرتقبة بينهما، وبنظرة متفحصة لكل ما سبق، نجد أن خليج غينيا يمثل النسبة الأكبر من التواجد الصيني بالمقارنة بالتواجد الصيني في كل من مضيق جبل طارق، مضيق صقلية، قناة السويس، مضيق باب المندب، ومضيق موزمبيق، في ظل انخفاض كثافة الوجود الأمريكي في ذات المنطقة بالمقارنة بباقي المضائق والممرات البحرية في أفريقيا، وذلك من ناحية نطاق المسئولية الشاسع الذي يغطية الأسطول الرابع الأمريكي في جنوب الأطلنطي، وهو ما يفسر كثافة التواجد الصيني على اعتبار المقاربة الصينية التي تعتمد على البعد عن المواجهات المباشرة مع الولايات المتحدة.

وختامًا، وبنظرة متفحصة لكل ما سبق، لا يزال كل من الصين والولايات المتحدة يستعدان لصدام مرتقب، بالرغم من أن منافسي الصين على السيطرة على الموانئ في أفريقيا لا يزالون بعيدين للغاية عن منافستها بالنظر لحجم وعدد الموانئ المتحكمة في المضائق والممرات البحرية الاستراتيجية والتي تسيطر عليها الصين بالمقارنة بعدد وحجم الموانئ التي تسيطر عليها الشركات المنافسة، ومن جانب آخر، لا تزال الصين بعيدة عن منافسة الولايات المتحدة كأكبر قوة بحرية في العالم بأساطيلها المنتشرة لتأمين المضائق والممرات البحرية الاستراتيجية في أفريقيا وضمان حرية الملاحة البحرية وتدفق سلاسل الإمداد في مختلف أرجاء العالم، لكنه ووفقًا لـ (Thucydides Trap) فإن الصدام حتمي بين الصين والولايات المتحدة، وكل منهما يدرك ذلك ويحاول تأجيل المواجهة المباشرة لأطول وقت ممكن، مع التجهيز لها بكافة الطرق والوسائل في الوقت ذاته.

قائمة المراجع

  1.  Zongyuan Zoe Liu, Tracking China’s Control of Overseas Ports, Council on Foreign Relations, https://www.cfr.org/tracker/china-overseas-ports .
  2.  حسن الرشيدي، استراتيجية نشر القواعد العسكرية، https://www.albayan.co.uk
  3. جون بيليس وستيف سيمث، عولمة السياسة العالمية، ترجمة مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، 2019، ص 433 – 436.
  4. هربرت براون، نطاق التهديد غير العسكري، من كتاب الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح،
    ترجمة فادي حمود وآخرون، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2022، ص 120 -124.
  5. أحمد عسكر، خريطة مهددات الأمن البحري في أفريقيا جنوب الصحراء، الملف المصري،
    مركز الأهرام للداسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 106، يونيو 2023، ص 29 – 37.
  6. مصطفى بخوش، حوض البحر المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة: دراسة الرهانات والأهداف، دار النشر والتوزيع، الجزائر، 2020، ص 78 – 86.
  7. عبد النور بن عنتر، البعد المتوسطي للأمن الجزائري، المكتبة العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2021، ص 190 – 201.
  8. عمار باله، مكانة الولايات المتحدة ضمن الترتيبات الأمنية في منطقة المتوسط، رسالة ماجستير
    غير منشورة، جامعة باتنه، الجزائر، 2020، ص 96 – 112.
  9. حمدي عبد الرحمن، تهديدات الأمن البحري في أفريقيا وتأثيرها على المصالح المصرية، الملف المصري،
    مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 106، يونيو 2023، ص 5 – 10.
  10. تقرير النقل البحري لعام 2022، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، جنيف، 2022، ص 2 – 33.
  11. جمال معتوق، جيوسياسية المضائق البحرية الاستراتيجية وأمن إمدادات الطاقة، رسالة دكتوراه
    غير منشورة، جامعة البليدة، الجزائر، 2021، ص 39 – 78.
  12. صفوت صادق الديب، المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيرها على أمن البحر الأحمر، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، العدد الثالث، السنة الثانية، كلية السياسة والاقتصاد، جامعة السويس، مايو 2022، ص 138 -145.
  13. شيماء محيي الدين، المقاربة الأفريقية لمكافحة الجريمة البحرية وحماية الأمن البحري، الملف المصري، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 106، يونيو 2023، ص11 -17.
  14. الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا 2050، الاتحاد الأفريقي، 2012، ص 66 – 89.
  15. تيموثي هيث، إعادة تطوير الصين وجيش التحرير الشعبي: الاستراتيجية العسكرية واستراتيجية الأمن القومي ومفاهيم الردع، مؤسسة راند، كاليفورنيا، 2016، ص 50 – 69.
  16. حمد سعيد الموعد، أمن الممرات المائية العربية، اتحاد الكتاب العرب، القاهرة،2019، ص 51 – 74.
  17. أميرة عبد الحليم، السياسات الإقليمية والدولية لتعزيز النفوذ وحماية الأمن البحري في أفريقيا، الملف المصري، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 106، يونيو 2023، ص  38 – 43.
  18. عبد الرزاق بوزيدي، التنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط: دراسة حالة الأزمة السورية 2010 – 2014، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بسكرة، الجزائر، 2015، ص 110 – 129.
  19. Ulrik Trolle, Maritime Security and Development in Africa, Center for Military Studies, University of Copenhagen, 2022, p. 10 – 38.
  20. بول نانتوليا، اعتبارات لقاعدة بحرية صينية جديدة في أفريقيا، مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، 2022، واشنطن، ص 1 – 5.