كتبت – أسماء حمدي
ما يقرب من 40٪ من نفايات العالم ينتهي بها المطاف في نفايات ضخمة، توجد معظمها بالقرب من سكان المناطق الحضرية في البلدان الفقيرة، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على صحة الإنسان والبيئة.
مكب مبيبيوس
عندما تنظر من الجو، يبدو مكب نفايات مبيبيوس صغيرا جدا، وهو يقع على بعد 12 ميلاً شمال داكار في السنغال بالقرب من المحيط الأطلسي، ويغطي 175 هكتارًا (432 فدانًا)، وكان جزءا من بحيرة قديمة جافة، تتقاطع معها المسارات والطرق، ويمكنك أن ترى الماعز ترعى والناس يعملون.
وعلى الأرض، عندما تقترب من مبيبيوس، تجد عالما ملوثا برائحة كريهة، مع تلال شاهقة من النفايات التي ينتشر فيها الذباب يلفها الدخان الناجم عن حرائق لا حصر لها، بالقرب من بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 2500 شخص، ويعيشون عن طريق الفرز والحرق وإعادة التدوير.
بدأ مكب النفايات في عام 1968 أي منذ 53 عامًا، وخلال هذه الأعوام تراكمت الكثير من النفايات البلاستيكية في المدينة، ولذلك أطلق المصور السنغالي فابريس مونتيرو حملة للتوعية بقضايا البيئة من خلال سلسلة مصورة بالتعاون مع مصمم الأزياء دولسي (جا غال).
أرواح فابريس مونتيرو
«هذه ليست إفريقيا التي نشأت فيها، عندما عشت كطفل هنا في السبعينيات والثمانينيات، لم يكن الأمر كذلك، لكن عندما عدت في عام 2012، صدمت مما وجدته هنا في السنغال، كانت هناك نفايات بلاستيكية في كل مكان، على جوانب الطرق، في الأشجار، وفي كل مكان»، هكذا بدأ المصور الفوتوغرافي فابريس مونتيرو حديثه.
يقول مونتيرو: «لا يعرف جيل الشباب أي شيء مختلف عن التلوث إنه أصبح جزء من بيئتهم الآن، ولذلك قررت تصوير سلسلة لزيادة الوعي بالقضايا البيئية في السنغال، على أمل أن يدرك الناس أن الأمور لا يجب أن تكون على هذا النحو، أردت ربط القضايا البيئية بالمصالح الثقافية للسكان، وبدأت في البحث عن الروحانية، فالاعتقاد السائد هنا أن الأشياء والعالم الطبيعي مشبعان بالأرواح».
«ترتبط الأرواح بالطبيعة» يقول مونتيرو، لذلك قررت أن تدور السلسلة حول مدح الطبيعة بكل عناصرها المختلفة، والعمل معها وليس ضدها، والعيش معها في وئام، لقد ضاع الكثير من ذلك مع العولمة وطريقة العيش الحديثة، وأردت إنشاء سلسلة من الأرواح التي أرسلتها أمنا الأرض لتحذير البشرية من إهمالها وتدميرها للبيئة.
ويوضح مونتيرو أنه استخدم قصة الآلهة اليونانية القديمة لبناء روايته، وكل نموذج من التماثيل يجسد إحدى أطفال غايا، ومخاوفها، مضيفا: «إن أمنا الأرض أنهكها العجز في الحفاظ على الدورة الطبيعية لكوكب الأرض أمام أنماط الاستهلاك الجديدة في الحياة، ويتمثل الحل بأن تقرر إرسال أطفالها إلى البشر لتقدم إليهم رسالة فيها الكثير من التحذير».
تتناول كل لقطة من هذه السلسلة أحد الشواغل البيئية، على سبيل المثال تآكل السواحل وتسرب النفط والصرف الصحي وحرق الأراضي الزراعية، لكن أول صورة التقطتها كانت حول استهلاك البلاستيك.
مشكلة عالمية
في حديث لصحيفة «الجارديان» البريطانية، يشير المصور الفوتوغرافي إلى أن مشكلة النفايات البلاستيكية مشكلة عالمية، لكن السبب الوحيد وراء عدم ظهورها في أوروبا على هذا النحو هو لأن هذه الدول تقوم بشحن نفاياتها إلينا.
يحكي: «خطرت لي فكرة أن أصنع فستانًا يمثل استمرارًا لجبل القمامة، لذلك بدا الأمر كما لو أن هذه الروح تخرج من أكوام القمامة، لقد تعاونت مع مصمم أزياء سنغالي يُدعى دولسي (جا غال)، كان يعمل بمواد معاد تدويرها ويمكنه خياطة أي شيء تقريبًا، لقد كان الشخص المثالي لتصميم هذا الزي».
يشير مونتيرو إلى انه احتاج إلى إظهار المشكلة من خلال حجم النموذج، لذك قرر وضعه على برميل للنفط لإعطاء هذا الارتفاع، بحيث يقوم بتحقيق توازن بين العمل المصنوع من المواد البلاستيكية بالإضافة إلى صنع شيء يشبه افتتاحية عروض الموضة.
يقول: «لكن الأكثر أهمية هو أن هذه الصورة هي رسالة، فالنموذج يحمل دمية طفل ينظر من فوق الحطام، إنه يمثل الأجيال القادمة التي نحكم عليها بكارثة بيئية من خلال استهلاكنا المفرط».
«في البداية، كنت أنوي عمل 10 صور فقط، وكان من المقرر نشرها هنا في السنغال وتوزيعها على الناس جميعا، لكنني شعرت بعدم الارتياح عند الانتهاء من العمل، شعرت أنني كنت ألفت الانتباه إلى إفريقيا بشكل خاطئ، كنت قلق من أنها تجعل القارة تبدو ملوثة بشكل سئ، كما لو أن هذه ليست مشكلة في جميع أنحاء العالم، فالسبب الوحيد وراء عدم ظهور أوروبا على هذا النحو هو أنها تشحن نفاياتها إلينا»، بحسب مونتيرو.
يضيف: «لذلك واصلت العمل، وأطلقت حملتي في جميع أنحاء العالم، من أستراليا حيث تدمير الشعاب المرجانية إلى الولايات المتحدة والأضرار التي أحدثها تعدين الفحم، و يدور عملي حول الوحدة، والكشف عن الطرق التي نتواصل بها جميعًا، مع بعضنا البعض وبالطبيعة، وساعد ذلك أخذ هذه السلسلة إلى العالمية».
وتابع: «لطالما كان عملي مزيجًا من أشياء مختلفة، نوعًا من المزج بين التخصصات والثقافات المختلفة المشار إليها في الكلمة الفرنسية métissage، أنا أوروبي وأفريقي، لقد نشأت في ثقافة تأثرت بشدة بالشعوذة، بينما كنت أقرأ أيضًا القصص المصورة الغربية، أنا مصور أزياء ولكني أيضًا مهندس صناعي، فعملي يمثل كل ذلك».
«في كل ما أفعله، أنا مهتم بالهوية وكيف نفصل أنفسنا عن أولئك الذين نعتبرهم «الآخر»، وعبر التاريخ، أوجد الجنس البشري فكرة عن الآخر من أجل تبرير استغلاله، وهذه الفكرة كانت مركزية في العبودية والاستعمار، لكنها أيضًا في صميم نهجنا تجاه البيئة، فقط لأننا نرى أنفسنا بمعزل عن العالم الطبيعي، أو متفوقين عليه، يمكننا الاستمرار في معاملته بهذه الطريقة».
اليوم، يتحدث الناس عن عصر الأنثروبوسين، مصطلح جيولوجي يشير إلى الوقت الذي تتغير فيه الطبيعة بشكل جذري من قبل البشرية، لكنها تشير أيضا إلى أن المشكلة هي الإنسانية ككل، وليس النظام الرأسمالي المحدد الذي أنشأناه، وفي الواقع، النظام هو المشكلة، والنظام هو الذي يحتاج إلى معارضة.
ويشير إلى أن حجم أكبر 50 مكبًا للنفايات في العالم يتزايد بشكل كبير، ويؤثر الآن على صحة أكثر ملايين الأشخاص، وتلوث الأنهار والبحيرات والمحيطات، ولا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مشاكل محلية، بل على أنها تحدٍ للمجتمع الدولي، لأنها تقع في بلدان فقيرة للغاية ولا تملك موارد مالية وبشرية لإدارتها.
ويؤكد على أن القضايا البيئية التي يبرزها في أعماله، إنها ليست فقط في السنغال، إنها ليست فقط في إفريقيا، إنها عالمية، وأمنا الأرض مريضة لأنها استغرقت ملايين السنين لإنشاء هذا الكوكب، وفي 200 عام دمرناه حرفيا، لذلك قررت أن ترسل رسائل تحذيرية للتوعية بمخاطرها ومعالجتها.