كتب – حسام عيد

قد يكون التحدي المباشر هو استمرار الشلل الاقتصادي لحماية الصحة، ولكن ما هو نوع المستقبل الذي يمكن أن نتوقعه عندما تخرج أفريقيا من جائحة فيروس كورونا؟

وعلى ما يبدو، فإن توقعات المؤسسات الاقتصادية الدولية تشير إلى أن الأزمة الوبائية الراهنة قد تحدث بعض التغييرات العميقة ليس على مستوى المشهد الاقتصادي العالمي فحسب، ولكن على مستوى المشهد الاقتصادي الأفريقي أيضًا، باعتبار أن القارة السمراء كانت من المناطق الأكثر ديناميكية بالعالم قبل مرحلة كورونا، كما أن دولها سجلت زخمًا كبيرًا في النمو والتطور الاقتصادي.

الركود الأول منذ 25 عامًا

قبل مجيء فيروس كورونا إلى أفريقيا، كانت فكرة فرض إغلاق شامل على ملايين الأفارقة الحضريين محضًا من الخيال، وغير واردة. من جوهانسبرج إلى أكرا، ومن نيروبي إلى لاجوس، تقع الشوارع المزدحمة والأسواق الصاخبة في قلب التجربة المشتركة النابضة بالحياة المبهجة التي يشهدها الملايين.

ومع ذلك، وبينما تنفذ الحكومات إجراءات قاسية في محاولة لإنقاذ ملايين الأرواح، فإن طاقة تنظيم المشاريع التي لا تهدأ في القارة محاصرة مع مواطنيها.

وقد توقفت مسارات الحراك الاقتصادي لأكبر الاقتصادات الأفريقية، حيث أغلقت الأعمال التجارية وظل مئات الملايين من العمال “متعطلين”.

وتواجه أفريقيا انكماشًا اقتصاديًّا قد يصل إلى 2.6% هذا العام -وهو أول ركود على مستوى القارة منذ 25 عامًا- ويمكن أن تصل الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا إلى 300 ألف على الأقل؛ وفق إحصاءات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا UNECA.

ومع انهيار أسعار السلع وإغلاق الحدود، لم تكن الآمال الاقتصادية لواضعي السياسات هي وحدها التي تلقت ضربة، وباتت الحاجة ملحة للحصول على قروض طارئة، وأيضًا إلى إعادة في العلاقات مع الصين، بالإضافة إلى تجديد التركيز على الرعاية الصحية المهملة، ما يعني أن وباء كورونا سيدفع قادة دول أفريقيا إلى إعادة التفكير في مخططات ومسارات التنمية المستقبلية.

ويقول الرئيس الرواندي بول كاجامي: إن القارة قد تستغرق جيلًا للتعافي، وقد يبدو مستقبل ما بعد الأزمة مختلفًا بشكل ملحوظ عن الماضي.

تضرر كافة البلدان

مع استمرار تفشي فيروس كورونا، أصبح ما يقارب من نصف دول أفريقيا تحت حظر كامل أو جزئي، لذلك؛ فإن التحدي المباشر هو تحمل الشلل الاقتصادي المؤقت في محاولة لحماية النظم الصحية الهشة.

في 9 أبريل الماضي، مدد رئيس جنوب أفريقيا، ورئيس الاتحاد الأفريقي للدورة الحالية، سيريل رامافوزا، حالة الإغلاق الصارمة في بلاده، مؤكدًا أنه إجراء لا بد منه رغم تداعياته القاسية.

وأضاف: “لقد أغلقنا حدودنا مع العالم، وأطفالنا ليسوا في المدرسة، وأغلقت الشركات عملياتها، وفقد كثيرون دخلهم، وتوقف اقتصادنا… لقد فعلت ذلك لأنني أدركت التأثير المدمر الذي سيتسبب به المرض على صحة ورفاهية جميع سكان جنوب أفريقيا ما لم نتخذ تدابير جذرية”.

إن تكاليف مثل هذه المقايضات المؤلمة تتصاعد. وتقول اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة (UNECA): إن الصادرات الأفريقية الرئيسية بما في ذلك المنسوجات والزهور قد تم القضاء عليها.

أيضًا، السياحة، التي تمثل 5% أو أكثر من إجمالي الناتج المحلي في 10 دول أفريقية، توقفت، وتواجه شركات الطيران في المنطقة خسائر محتملة في الإيرادات تبلغ 6 مليارات دولار، وفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”.

وتتوقع شركة الاستشارات العالمية “ماكينزي” تعرض 100 مليون وظيفة غير رسمية و18 مليون وظيفة رسمية للخطر.

ويقول البنك الأفريقي للتنمية: إن “كوفيد-19” قد يكلف أفريقيا خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 88.3 مليار دولار في أسوأ السيناريوهات، في حين أن إجمالي الدين العام قد يزيد إلى أكثر من 2.1 تريليون دولار هذا العام.

وفي حديثه في مؤتمر صحفي، أوضح مدير إدارة شؤون أفريقيا في صندوق النقد الدولي، أبيبي إيمرو سيلاسي: إن “التراجع العميق” هي طبيعة الانكماش، وتحديدًا، في ضوء استمرار الجائحة الوبائية.

وأضاف: ” يجب اتخاذ تدابير سريعة وحاسمة، وإغلاق الحدود، وإغلاق الشركات، والتي تتطلب من الناس البقاء في منازلهم، لوقف تقدم الفيروس قبل أن يتغلب على الخدمات الصحية الممتدة بالفعل، ولكنه سيعطل أيضًا الإنتاج، ما يعني تسارع وتيرة انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات في أفريقيا، وكذلك على السياحة، وتدفقات التحويلات… فلن +يدخر+ أي بلد”.

صندوق النقد يعاود الظهور كمقرض حيوي

يجب على اقتصادات أفريقيا المصدرة للنفط، أن تحسب الآن أسعارًا تقل عن 25 دولارًا للبرميل وسط انخفاض حاد في الطلب العالمي.

ويقول أكينومي أديسينا، رئيس البنك الأفريقي للتنمية، “إنهم ببساطة غير قادرين على تلبية الميزانيات كما هو مخطط لها”. تتدافع البلدان لتنظيم إجراءات الإغاثة التجارية ودعم الميزانية الطارئة، لكن معظمها ليس لديها خيار سوى طلب الإنقاذ.

فيما أفادت اللجنة الاقتصادية الأممية لأفريقيا بأنه “من الواضح أن أفريقيا ليس لديها المرونة المالية أو مساحة للتعامل مع الصدمات من جائحة كوفيد-19، على الرغم من أن هناك حاجة ماسة للاستجابات المالية لمنع الانهيار الاقتصادي”.

وتتوقع الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحد، فيرا سونجوي، أن القارة بحاجة إلى 100 مليار دولار للمساعدة في معالجة “احتياجات شبكة الأمان الفورية”.

ونيجيريا، التي أعلنت عن حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 3.5 +تريليون دولار (9 +مليارات دولار)، تطلب 6.9 +مليار دولار من جهات إقراض متعددة الأطراف.

وهذا ما دفع بصندوق النقد الدولي إلى معاودة الظهور كمقرض حيوي في الأزمات والطوارئ؛ حيث قدم قروضًا لغانا (مليار دولار) كوت ديفوار (886 مليون دولار) السنغال (442 مليون دولار) لرواندا (109 ملايين دولار) وغيرها، كما أنه أعلن تلقيه طلبات تمويل من 32 دولة أفريقية على الأقل.

ومع اكتساب صندوق النقد الدولي شعبية جديدة، يطالب صانعو السياسات بإرجاء القروض الحالية المتعددة الأطراف.

ويقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إن الوقف الاختياري لمدفوعات الديون الأفريقية “لا غنى عنه”.

فيما أوضح رئيس البنك الأفريقي للتنمية، أكينومي أديسينا؛ أنه “يجب أن نؤجل مؤقتًا الديون المستحقة لبنوك التنمية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعادة تشكيل القروض لخلق مساحة مالية للدول للتعامل مع هذه الأزمة. وهذا يعني أنه يمكن تأجيل القروض المستحقة للمؤسسات المالية الدولية في عام 2020. أنا أدعو إلى التحمل المؤقت، وليس العفو”.

تضرر شعبية الصين

وتترقب القارة ما إذا كانت الصين -التي أقرضت ما يقدر بنحو 143 مليار دولار للحكومات الأفريقية والشركات والأعمال المملوكة للدول في الفترة من 2000 إلى 2017- ستلعب دورًا في مسألة التضامن والإنقاذ لاقتصادات القارة من تداعيات جائحة كورونا، سواء عبر التمويل والإقراض أو تأجيل سداد المدفوعات.

لكن هناك إشارات بأن ذلك قد يتأخر أو ربما لا يحدث، بعد تصريحات وزارة الخارجية الصينية بأن ديون أفريقيا مشكلة معقدة، وتختلف ملامحها من دولة لأخرى.

لكن بعض الحكومات الأفريقية التي تطلب من الصين من أجل الإغاثة، تقول: إن الصين تطالب بضمانات، وهي علامة أخرى على أن العلاقات متوترة بشكل غير عادي.

في أوائل أبريل الماضي، دعا العديد من السفراء الأفارقة في خطوة نادرة في الوقت ذاته، وزير الخارجية الصيني، إلى “وقف الاختبارات القسرية والحجر الصحي والمعالجات اللاإنسانية الأخرى التي يتم تقديمها للأفارقة” وسط تقارير واسعة النطاق عن العنصرية تجاه الأفارقة في مقاطعة قوانغتشو الصينية.

وفي الأسابيع المقبلة، لن يكون هناك عمل أكثر أهمية من جلب الصين إلى طاولة المساعدة الأفريقية وتخفيف عبء الديون المتعددة الأطراف.

مواجهة التحدي الصحي

إن الأهمية الحاسمة لمثل هذا التخفيف من الديون هو مساعدة القارة على مواجهة التحدي الصحي غير المسبوق، فلا تزال غير مجهزة بشكل أساسي.

وتقول اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة UNECA: إن الاحتواء المبكر لفيروس كورونا يمكن أن ينقذ حياة 3 ملايين شخص، لكن النظم الصحية الأفريقية ضعيفة، مع انخفاض نسب أسرّة المستشفيات ووحدات العناية المركزة والمهنيين الصحيين.

في أفضل سيناريو، مع الإغلاق والتباعد الاجتماعي المكثف، يلزم 44 مليار دولار لإجراء الفحوصات والاختبارات وتوفير معدات الحماية الشخصية والاستشفاء وتجهيز غرف العناية المركزة.

وحتى الآن المخاوف تتصاعد من أن مليون اختبار تعهد بها الاتحاد الأفريقي لن تكون كافية لتنفيذ استراتيجية خروج فعالة.

وختامًا، يمكن القول: إن الدرس الحاسم لفيروس كورنا المستجد “كوفيد-19″؛ هو أن قارة أفريقيا يجب أن تستثمر على المدى الطويل في الرعاية الصحية كضرورة اقتصادية حاسمة.