كتب – حسام عيد

وسط تحديات وأزمات عالمية متشعبة، تطفو القارة الأفريقية على السطح، كنافذة وكنز من الأمل للعبور بالعالم إلى المستقبل المستدام. واليوم، تدخل قوى اقتصادية كبرى عالميًا وإقليميًا في تحدٍ وسباق مع الزمن من أجل اللوذ بشراكات استراتيجية مع اقتصادات أفريقيا التي باتت أكثر تنافسية في اقتصاد المستقبل الجديد.
أفريقيا والولايات المتحدة.. إلى عقد جديد من النمو المشترك عبر قانون “أغوا”
بينما جرت محادثات في جوهانسبرج بين الولايات المتحدة و35 دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حول مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، أيد الرئيس جو بايدن الخطة بقوة.
وفي بيان أصدره البيت الأبيض في الأول من نوفمبر 2023، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: “أنا أؤيد بقوة تجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا -وهو قانون تاريخي أقره الحزبان الجمهوري والديمقراطي وشكل حجر الأساس للتجارة الأمريكية مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لأكثر من عقدين. إنني أشجع الكونجرس على إعادة تفويض قانون النمو والفرص في أفريقيا في الوقت المناسب وتحديث هذا القانون المهم من أجل الفرص الاقتصادية للعقد القادم”.
ويعد قانون النمو والفرص في أفريقيا “أغوا”؛ برنامجًا تجاريًا تفضيليًا أقره الكونجرس الأمريكي في عام 2000 ويمنح بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المؤهلة حصصًا وإعفاءً من الرسوم الجمركية على سلع محددة، بما في ذلك المنسوجات والملابس بالنسبة لبعض السلع. ومن المقرر حاليًا أن تنتهي صلاحيته في عام 2025، كما أوردت مجلة “أفريكان بيزنس”.
وفقًا لتقرير صدر عام 2022 عن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، ظل قانون النمو والفرص في أفريقيا “عنصرًا أساسيًا في العلاقة التجارية للولايات المتحدة مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” وقد “حفز النمو الاقتصادي وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل في جميع أنحاء القارة”. ومن المقرر أن ينتهي القانون البالغ عمره 20 عامًا في عام 2025، لكن المشرعين في مجلسي الكونجرس أبدوا استعدادهم لتجديده.
وأشار بايدن في بيانه إلى أن “قانون النمو والفرص في أفريقيا يسهل النمو الاقتصادي الذي يقوده القطاع الخاص في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الأفريقية”، ويعرب عن رغبته في تعميق العلاقات التجارية لتحقيق إمكانات أفريقيا الهائلة لصالح أفريقيا والولايات المتحدة.
وأضاف، “أنا ملتزم بالعمل على وجه السرعة مع الكونجرس وشركائنا الأفارقة لتجديد هذا القانون بعد عام 2025، من أجل تعميق العلاقات التجارية بين بلدينا، وتعزيز التكامل الإقليمي، وتحقيق الإمكانات الاقتصادية الهائلة لأفريقيا من أجل مصلحتنا المتبادلة”.
وشدد باين على أن أفريقيا هي المستقبل من نواحٍ عديدة -ولذا عندما تنجح أفريقيا، ينجح العالم كله.
تعزيز المبادلات الاقتصادية والتجارية بين أفريقيا والولايات المتحدة
في 2 نوفمبر 2023، استضافت جنوب أفريقيا قمة حول المبادلات الاقتصادية والتجارية بين بلدان القارة الافريقية والولايات المتحدة، كما أفادت “وكالة الأنباء الألمانية، د ب أ”.
وشارك في القمة التي استمرت حتى 4 نوفمبر 2023، أعضاء من الحكومة الأمريكية، ووزراء التجارة والصناعة لنحو 35 بلدًا من أفريقيا جنوب الصحراء، مؤهلة للاستفادة من قانون أمريكي يتيح لها امتيازات في تجارتها مع الولايات المتحدة.
ويتيح القانون حول النمو والفرص الاقتصادية في إفريقيا المعروف بـ”أغوا”، لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، عدم أداء رسوم جمركية لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة، وهو حجر الزاوية في السياسة الاقتصادية الأمريكية تجاه أفريقيا منذ تبنيه من طرف الكونجرس عام 2000. لكن الاستفادة من هذا الامتياز، مرهون بشروط ضمان التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان في البلدان المعنية.
وتمثل المبادلات التجارية المندرجة في إطار هذا القانون 21% من صادرات جنوب أفريقيا الى الولايات المتحدة، وانتقلت قيمتها من 2 إلى 3 مليارات دولار بين 2021 و2022. وهي تشمل سلعا مختلفة مثل أجزاء السيارات والمواد الأولية أو الأحجار الكريمة.
وأشارت الرئاسة الجنوب أفريقية في بيان الى أن قانون “(الأغوا) لعب دورًا جوهريًا في تقوية الروابط الاقتصادية وتعزيز النمو والتطور في القارة الأفريقية”.
فيما صرحت كاثرين تاي ممثلة التجارة الأمريكية أن بلادها حريصة على أن يتم تجديد اتفاقية التجارة التفضيلية الحالية مع أفريقيا، دون عراقيل، عندما تنتهي فترة سريانها خلال عامين.
وقالت كاثرين تاي: “نريد أن نضمن بحلول يوم 30 سبتمبر 2025 أن هناك اتفاقية أخرى تحل محل الاتفاقية الحالية”، في إشارة إلى قانون الفرص والنمو في أفريقيا (أغوا).
وأضافت في مقابلة مع شبكة تليفزيون “بلومبيرج”: “نتطلع إلى تجديد الاتفاقية بشكل سلس”.
وذكرت تاي أن من بين التطورات التي تريد الولايات المتحدة أن تبحثها إطلاق منطقة تجارة حرة قارية أفريقية، التي يقول البنك الدولي إنها يمكن أن تخرج 30 مليون شخص من دائرة الفقر المدقع.
وأضافت: “في إطار مراجعة برنامج أغوا، لا بد أن نحاول تحديد ما إذا كان هناك مزيد يمكن القيام به لاستكمال هذا البرنامج وتلبية الطموحات في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية”.
أفريقيا والسعودية.. شراكة استراتيجية مثمرة لريادة اقتصاد المستقبل
أما على مسار تأسيس شراكة استراتيجية مثمرة في مختلف المجالات وقطاعات اقتصاد المستقبل، تستهدف المملكة العربية السعودية الارتقاء بعلاقاتها مع أفريقيا إلى آفاق أرحب، وهذا ما جسدته القمة السعودية-الأفريقية التي استضافتها الرياض في 10 نوفمبر 2023.
وتمثل القمة منعطفاً تاريخياً هاماً في علاقات الدول الأفريقية مع المملكة العربية السعودية؛ حيث جدد القادة المجتمعون الالتزام بتعزيز التعاون بين الدول الأفريقية والمملكة العربية السعودية على أساس الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية التي تتقاسمها القارة الأفريقية مع المملكة العربية السعودية.
فيما أشاد قادة الدول الأفريقية بدعم وتأييد المملكة العربية السعودية المبكر لانضمام الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.
ويعود تاريخ العلاقات السعودية الأفريقية لعقود طويلة، تنوعت فيها صور الروابط والتلاقي في جوانب مختلفة، مليئة بالمواقف المشهودة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
وتوثيقًا للعلاقات بين المملكة مع دول القارة الأفريقية نظرًا لأهميتها الجيوسياسية، تأسست 16 لجنة مشتركة ومجلسي تنسيق و7 مجالس أعمال، إضافة إلى إبرام أكثر من 250 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.
وقد قدمت المملكة خلال 50 عاماً دعماً تنموياً بأكثر من (45) مليار دولار في العديد من القطاعات الحيوية استفادت منه (46) دولة أفريقية، كما أوردت “وكالة الأنباء السعودية، واس”.
كما بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في القارة الإفريقية خلال الأعوام الـ10 الأخيرة، 13.365 مليار دولار، وبلغ عدد الشركات السعودية العاملة هناك 47.
كما أطلقت السعودية مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين، ومبادرة إطار العمل المشترك لمعالجة الديون، ما ساهم في توفير سيولة عاجلة لـ73 من الدول الأشد فقراً من ضمنها 38 دولة أفريقية حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار، حسب ما ذكرت “وكالة الأنباء السعودية، واس”.
وأشاد قادة الدول الأفريقية بمستوى العلاقات التجارية بين المملكة ودول القارة الأفريقية، حيث بلغ حجم التجارة بينهما 45 مليار دولار لعام 2022. وخلال عام 2023 الجاري، بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والدول الأفريقية أكثر من 20 مليار دولار حتى الآن.
وأكدوا أهمية استمرار بذل الجهود لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المشتركة من خلال تنويع التجارة البينية، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات الاقتصادية في الجانبين، مشيرين إلى المقومات الاقتصادية المتنوعة لدى المملكة والقارة الأفريقية والفرص التي تقدمها رؤية المملكة 2030 والأجندة الأفريقية 2063 لتعزيز التعاون في شتى المجالات، مما يشكل منفعة اقتصادية متبادلة بين المملكة ودول القارة الأفريقية، وعلى أهمية بحث سبل تفعيل وتعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل والخدمات اللوجستية وبالأخص في مجال الربط الجوي ومجال النقل البحري والموانئ بما يحقق المصالح المشتركة بينهما.


استثمارات جديدة.. وتمويلات تنموية
واليوم، تتطلع المملكة العربية السعودية إلى ضخ استثمارات سعودية جديدة في مختلف القطاعات بالقارة بما يزيد عن 25 مليار دولار، وتأمين وتمويل بـ 10 مليار دولار من الصادرات إلى أفريقيا وتقديم الصندوق السعودي للتنمية تمويل إضافي لمشاريع تنموية في القارة السمراء بنحو 5 مليارات دولار حتى 2030، وذلك لتطوير علاقات الشراكة مع دول القارة وتنمية مجالات التجارة والتكامل.
كما أطلقت المملكة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية في أفريقيا عبر تدشين مشروعات وبرامج إنمائية في القارة بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى 10 سنوات.
وفيما يخص مجال الطاقة، أكدت الدول الأفريقية على دور المملكة الريادي، ودور مجموعة دول (أوبك بلس) في تعزيز موثوقية أسواق البترول العالمية واستقرارها والحاجة إلى ضمان أمن الإمدادات لجميع مصادر الطاقة في الأسواق العالمية.
كما أعربوا عن تطلعهم إلى بحث مجالات التعاون المشترك فيما يخص كفاءة الطاقة والطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة مثل ” الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح ” وتطوير مشروعات من هذه المصادر والعمل على توطين منتجات قطاع الطاقة.
ووفقاً لبيان “إعلان الرياض” الصادر في ختام أعمال القمة السعودية الأفريقية، رحب القادة بنتائج المؤتمر الاقتصادي عالي المستوى الذي عقد على هامش هذه القمة و”جرى التوقيع فيه على أكثر من 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم في العديد من المجالات الاقتصادية كالسياحة، والاستثمار، والمالية، والطاقة، والطاقة المتجددة، والتعدين، والنقل والخدمات اللوجستية، والزراعة والمياه، والاتصالات وتقنية المعلومات”.
كما جرى “التوقيع على عدد من الاتفاقيات في المجال الاجتماعي كالثقافة، والموارد البشرية، والتنمية الاجتماعية، والرياضة. ودعا إلى تعزيز الشراكات السعودية الإفريقية في مجالات الطاقة والتعدين والزراعة والأمن الغذائي، وتمويل التنمية المستدامة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتطوير الصناعات التحويلية، وتعزيز التجارة البيئية عبر الترويج لها، وتنظيم لقاءات دورية بين المصدرين والمستوردين في الجانبين”.