كتبت – زينب مصطفى رويحة

باحثة في الشؤون الأفريقية

يعتبر الإرهاب من أكثر الظواهر السيسيولوجية تعقيدًا، وعلى الرغم من المحاولات المختلفة لمتابعة أسبابه ووضع آليات للحد منه، إلا أنه ظاهرة شديدة الخصوصية حسب السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل دولة، وحسب مؤشر الإرهاب العالمي (GTI)2022[1]، لا تزال الدول الأفريقية في المراتب الأولى تعرضًا للهجمات الإرهابية لا سيما منطقة الساحل وغرب أفريقيا. على سبيل المثال، حصدت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء نسبة 48٪ من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي[2]، ولكن خروجًا عن هذا السياق، حقق كل من المغرب وموريتانيا مستوى متقدمًا في مكافحة الإرهاب، وجاءت المغرب في المرتبة 76 عالميًّا، كما تقدمت موريتانيا إلى المركز 84 على مستوى العالم.

تطور الإرهاب في الدولتين

شهدت المغرب أول هجوم إرهابي في عام 2003، عندما استهدفت جماعة السلفية الجهادية مركز الجالية اليهودية في الدار البيضاء[3]، وشكل الهجوم بداية دخول الإرهاب الانتحاري إلى المغرب؛ حيث وقعت 5 هجمات انتحارية متوالية، مما تطلب استجابة وطنية عاجلة حتى انخفضت بالفعل وتيرة العمليات الإرهابية، ثم دخل الإرهاب مرحلة جديدة في أعقاب الانتفاضات العربية التي بدأت في أواخر عام 2010، حيث تعرضت مراكش لهجمة إرهابية في أركانة في 2011، ما أسفر عن مقتل 17 شخصًا، ثم هجوم إرهابي في عام 2018 والذي يعد آخر حدث إرهابي تعرضت له المغرب حتى الوقت الراهن.

لم تتعرض موريتانيا لأي أعمال إرهابية منذ عام 2011، على الرغم من كونها الدولة الأولى في منطقة الساحل التي تعرضت لخطر الإرهاب؛ إذ هاجمت الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال ثكنة عسكرية في لمغيطي، في يونيو 2005، مما أسفر عن مقتل 15 جنديًّا، وتلت ذلك 9 حوادث أخرى بين عامي 2007 و2011، أبرزها هجوم تورين عام 2008، حيث تم اختطاف 12 جنديًّا ثم قطع رؤوسهم، والذي كان نقطة فاصلة تستوجب إصلاح المؤسسة الأمنية، وبالفعل تراجع خطر الجماعات الإرهابية مع الجهود الواسعة من جانب الدولة.

استراتيجية محكمة

يمثل كلا من المغرب وموريتانيا نموذجًا رائدًا لمكافحة الإرهاب، على الرغم مما يتعرض له الساحل وغرب أفريقيا من تفشي إرهاب تنظيمي داعش والقاعدة، حيث ارتفع عدد الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل بنسبة 43٪ بين عامي 2018 و2021، إلا أن كلتا الدولتين في درجة مرتفعة من الأمن، ومن خلال الفهم الواضح لنقاط الضعف التي من الممكن أن تستغلها التنظيمات الإرهابية، استطاعت الرباط ونواكشوط تبني استراتيجية تتسم بالتنسيق بين كافة مؤسسات الدولة، كذلك اتسمت بالسرعة وعدم التلكؤ بهدف استباق أي حادث إرهابي محتمل، أيضًا المرونة في تفكيك التطرف والحوار مع الجهاديين يُعتبران من أهم العناصر التي ساعدت على نجاح تجربة مكافحة الإرهاب في كلتا الدولتين.

1-إصلاحات تشريعية

نبَّه أول عمل إرهابي في المغرب أجهزة الدولة إلى ضرورة تفعيل دور القانون، وعلى الفور، تم إقرار أول قانون لمكافحة الإرهاب القانون 03.03 عام 2003، وجاء شاملًا لمختلف الصور التي تتضمن أو تحتمل أفعالًا إرهابية، كما وسع تعريف الإرهاب ليشمل التحريض، وعزز إجراءات جمع المعلومات الاستخبارية والتحقيقات في مكافحة الإرهاب، والتي ساعدت الأجهزة الامنية في متابعة نشاط القاعدة في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء.

كذلك سارعت موريتانيا في سد الفجوة المؤسسية والتشريعية للسيطرة على التطرف من خلال سن أول قانون لمكافحة الإرهاب في عام 2005، ثم جرى تشديده بإضافة تعديلات أكثر صرامة لمواجهة تهديد تنظيم القاعدة في يوليو 2010، كما تم تشكيل لجنة لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب في يناير 2010.

2-الآلية الأمنية

كان الدور الأمني هو الأبرز في عملية إقرار الأمن في المغرب[4]، حيث تمكنت الأجهزة من تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية وقامت بأكثر من 3500 عملية اعتقال ذات صلة بالإرهاب على مدار العقدين الماضيين، أيضًا زادت ترسانتها الأمنية من خلال قوة إضافية تتكون من حوالي 50 ألف عسكري، وفي أكتوبر 2014، أطلقت وزارة الداخلية عملية حضر، وتتكون من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والشرطة، وهي بمثابة برنامج استباقي لمكافحة الإرهاب، كذلك تم إنشاء المكتب المركزي للتحقيق القضائي “BCIJ” في عام 2015، وهو معنيٌّ بمحاربة الخلايا الإرهابية والإتجار بالمخدرات والعمليات الإجرامية الكبرى، كما أطلقت مناورة الأسد الأفريقي لملاحقة الجهاديين بالتعاون مع الولايات المتحدة.

في موريتانيا تطلب النجاح في مكافحة الإرهاب تغييرًا جذريًا لهيكل القوة العسكرية، والذي بدأ بتعزيز البنية التحتية القتالية، من خلال رفع الميزانية العسكرية، وتعزيز التدريب العسكري، وتطوير الأسلحة، وفي عام 2009، شرعت موريتانيا في إنشاء 8 مجموعات تدخل خاص (GSI) مجهزة بالمركبات والإمدادات، تنطلق من قاعدة Lemreya، كما ركزت على تطوير القوات الجوية، ففي عام 2011، أثبتت الطائرات الموريتانية قدرتها على ضرب مواقع القاعدة في غابة أوغادو على الحدود مع مالي، وشكلت استراتيجية المشاركة المجتمعية في المناطق النائية من الصحراء مكونًا حاسمًا في نهج مكافحة الإرهاب.

3-المقاربة الدينية

كان المغرب أكثر نجاحًا في تأكيد السيطرة على الحياة الدينية مقارنة بدول شمال أفريقيا، فمنذ عام 2005، أدركت السلطات ضرورة مواجهة الإرهاب من جذوره من حيث مكافحة التطرف الديني، فتبنت استراتيجية إصلاحية للرقابة المنهجية على التوجيه والأنشطة الدينية، شملت افتتاح مركز تدريب الأئمة والمرشدات، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، ويستهدف إدراج القيادات النسائية في مجال الدين، وتخرج منه أكثر من 900 إمام وواعظة، كما أغلقت المدارس الدينية الوهابية والسلفية التي استخدمت لتجنيد خلايا القاعدة مثل “دار القرآن”.

كما أدركت موريتانيا ضرورة مراجعة الأنشطة الدينية، ووضع نهج أيديولوجي يهدف إلى تفكيك مزاعم الإرهابيين، حيث اهتمت السلطات بمراقبة أنشطة المدارس القرآنية، كما وجهت مئات الطلاب من المدارس القرآنية نحو العمل العام.

4-الانخراط الدولي

نتيجة تقدم المغرب في مستوى مواجهة العمليات الإرهابية، استطاعت تقديم نموذجها كتجربة دولية[5]، حيث تتشارك مع حلفائها الأوروبيين في إنشاء مناطق أمنية على البحر المتوسط، كما نسقت مع إسبانيا في عمليات مشتركة لمواجهة المتطرفين وبروتوكولات تسليم المجرمين منذ 2013، كذلك انضمت إلى التحالف العالمي لهزيمة داعش وشاركت في رئاسة مجموعة عمل المقاتلين الإرهابيين الأجانب التابعة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) في 2016 و2017، كما أنها عضو في المجموعة 4، التي تتكون من 4 وزارات داخلية (فرنسا وإسبانيا والبرتغال والمغرب) وهو معني بمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وإدارة تدفقات الهجرة، ولذلك اختارت الأمم المتحدة الرباط كمقر رئيسي لبرنامج مكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا اعترافًا بدورها المركزي في مكافحة الإرهاب في المنطقة.

عقدت موريتانيا مع فرنسا اتفاقيات لتعزيز التعلم العسكري والاستفادة في أساليب اتخاذ القرار العملياتي وتقنيات الكوماندوز[6]، كما واصلت موريتانيا العمل عن كثب مع الولايات المتحدة لتثبيت نظام PISCES في جميع نقاط الدخول البرية والجوية والبحرية في موريتانيا في محاولة لتعزيز أمن الحدود من خلال تحديد وتعطيل وردع سفر الإرهابيين، واختار الشركاء الإقليميون نواكشوط مقرًا لمجموعة الساحل G5، كما استضافت موريتانيا أكبر مناورات عسكرية مشتركة متعددة الجنسيات لأفريكوم، “فلينتلوك” بمشاركة 30 دولة.

5-توطين العائدين

وفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات الأمنية والاستخباراتية AICS، بلغ عدد المقاتلين المغاربة في كل من سوريا والعراق بين عامي 2013 و2017 نحو 1800 مقاتل بينهم 285 امرأة و378 طفلًا، وانطلاقًا من أهمية الفكر والحوار في مكافحة التطرف، أطلقت المغرب في عام 2016 برنامجًا يهدف إلى الحد من التطرف وإعادة دمج الجهاديين المسجونين لتأهيل كل من العائدين والمدانين بالإرهاب الذين لم يغادروا البلاد، وفي عام 2018، توسع البرنامج ليشمل ما يقدر بنحو 300 سجين، ويمثل نقلة نوعية في طرق معالجة السلطات المغربية لهذه القضية، كما قادت عملية دمج المرأة في مكافحة التطرف.

شكل الموريتانيون ثاني أكبر مصدر للمقاتلين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتعتبر التجربة الموريتانية في الحوار مع المتطرفين من أنجح السياسات لدمج [7] وتوطين الإرهابيين، حيث انخرطت في حوار مشترك مع عدد من المعتقلين الجهاديين في نهاية عام 2009، ونجح الحوار في إعادة دمج 67% منهم، كما تضمنت استراتيجية موريتانيا التدريب المهني للعائدين لمساعدتهم في دخول سوق العمل.

انتهاءً مما تقدم، من الجلي أن المفارقة بين الوضع في المغرب وموريتانيا ونظرائهما في الساحل والغرب أسهم فيها العديد من العوامل، منها مدى تمكن النظام السياسي من إحكام قبضته على مفاصل الدولة، وكذلك الوضع الاقتصادي المتفوق نسبيًّا نتيجة توافر العديد من الموارد الطبيعية، كذلك خصوصية الحالة الدينية والتي أنتجت نسخة معتدلة تتسم بالتسامح وتقبل الاختلاف، هذا مع الإشارة إلى وجود بعض أوجه القصور في استراتيجية الدولتين، إلا أن النتائج الإيجابية في عملية تطهير الإرهاب كانت الأبرز والأكثر شمولا. أما بالنسبة لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا، تفتقر غالبية الدول لأوضاع سياسية مستقرة، حيث شهدت المنطقة أكبر نسبة انقلابات لا سيما في مالي وبوركينافاسو، كذلك تقع تلك الدول في أقصى درجات الهشاشة الاقتصادية، وتنطلق الزيادة في الهجمات الإرهابية نتيجة فشل استراتيجية مكافحة الإرهاب القائمة على رد عسكري بشكل أساسي، والفجوة في جهود التنسيق الدولي لا سيما في ظل التنافس الأخير بين القوى الأوروبية (فرنسا وإيطاليا) وروسيا على ساحة غرب أفريقيا، كذلك غياب التركيز على المعالجة الأيدولوجية للتطرف، هذا بالإضافة إلى ضعف سيادة القانون وغياب الخدمات الأساسية للمواطنين، وهو ما ساعد في تغذية المظالم المحلية التي تعتبر الذريعة الأساسية وراء نشاط أي جماعة إرهابية


[1] Global Terrorism Index (GTI), The Institute for Economics & Peace (IEP), May 10, 2022

https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2022/03/GTI-2022-web-04112022.pdf

[2] Global Terrorism Index 2022: Key findings in 6 Charts, vision of humanity

[3] Mouna Khalid, National Approaches to Extremism, the European Institute of the Mediterranean, December 2020.

https://h2020connekt.eu/wp-content/uploads/2021/01/Morocco_CONNEKT_Approaches_to_extremism.pdf

[4] Vásquez Erica,  Morocco’s Counterterrorism Strategy: Implications for Western Sahara, Middle East Institute, August 13, 2015

https://www.mei.edu/publications/moroccos-counterterrorism-strategy-implications-western-sahara

[5] Morocco’s Counterterrorism Evolution, vision of humanity

[6] Boukhars Anouar,  Keeping Terrorism at Bay in Mauritania, Africa center, June 16, 2020

https://africacenter.org/spotlight/keeping-terrorism-at-bay-in-mauritania/

[7] HASSANE KONÉ AND ORNELLA MODERAN, Dialogue with jihadists: Mauritania offers lessons for the Sahel, iss Africa, APR 1, 2022.

https://issafrica.org/iss-today/dialogue-with-jihadists-mauritania-offers-lessons-for-the-sahel