كتب – حسام عيد
في وقت تتصاعد فيه تحديات الطاقة حول العالم، تسابق الحكومات الزمن عبر خطط استراتيجية وجهود واسعة للتحول إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، وكذلك للبحث عن المعادن والموارد الثمينة بهدف تسريع ذلك المسار والوصول إلى تنمية مستدامة وشاملة بمستقبل آمن ومتجدد، وليس هناك أفضل من القارة السمراء، الأرض الخصبة بكنوز الموارد الطبيعية والطاقة المتجددة.
اليوم، أصبح المغرب نموذجًا يُحتذى به في استشراف المستقبل المستدام، والتحول إلى مركز إقليمي وعالمي للطاقة المتجددة بشكل عام، وللهيدروجين بشكل خاص.
ويدرس المغرب عقد شراكة مع الملياردير الهندي الأكثر ثراءً في آسيا غوتام أداني، في مشروع هيدروجين واسع النطاق وسط دفعة للطاقة المتجددة لتلبية الطلب في الداخل وفي أوروبا.


المغرب.. مركز للهيدروجين الأخضر
خلال مقابلة مع وكالة “بلومبيرج” نهاية نوفمبر 2022، قالت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية، ليلى بنعلي، إن السلطات تدرس توقيع قرارات استثمارية نهائية لـ “مشروعين صناعيين تنافسيين على الأقل” في 2023. وأشارت بنعلي إلى أن مجموعة “أداني جروب” الهندية الخاصة من بين الشركات المهتمة بمقترح الهيدروجين المغربي، ما يعد تأكيداً لتقرير نشرته “بلومبيرج” في أكتوبر الماضي.
المغرب الذي يعد أحد أكبر مستوردي الوقود الأحفوري في أفريقيا، يجذب اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين الذين يسعون إلى تصدير الوقود الأخضر إلى الاتحاد الأوروبي، نظراً لقربه الجغرافي واتفاقية التجارة الحرة مع الكتلة. وفي الوقت نفسه، تبحث أوروبا عن مصادر بديلة للطاقة من جميع أنحاء العالم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت سابق من هذا العام لتعويض النقص في الإمدادات غبر خطوط الأنابيب الروسية.
وأضافت بنعلي: “أجرينا بعض المناقشات المحددة مع (أداني)، وتوصلنا إلى بعض الأفكار الجيدة للغاية التي نبحث عنها لأنها تتماشى مع الرؤية المغربية في بعض الجوانب المحددة”.


وسينضم المغرب بذلك للدول الواقعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تعمل على تطوير الهيدروجين، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
وأعلنت شركة الأسمدة المغربية العملاقة “أو سي بي” (OCP)عن خطط في نهاية الأسبوع للاستفادة من الهيدروجين الأخضر لإنتاج الأمونيا الخضراء بهدف بعيد المدى لإنهاء وضعها كأكبر مستورد للأمونيا في العالم.
وتتجه المملكة إلى الهيدروجين الأخضر بعد إحداثها دفعة بمليارات الدولارات في مشاريع لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأكدت بنعلي أن السلطات المغربية تريد التأكد من أن خططها تجاه الهيدروجين لا تكرر الأخطاء السابقة في تطوير الطاقة الشمسية، خاصة بعد عدم إحراز مشروع رئيسي يعرف باسم “ميدلت” (Midelt) تقدماً منذ أكثر من عام.


6 مشاريع قيد التطوير
ولدى المغرب 6 مشاريع كبرى قيد التطوير في الصحراء تستهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بقدرة إجمالية تبلغ مليار واط، بحسب سمير رشيدي، مدير المعهد المغربي للبحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة.
ويتجه المغرب نحو تحقيق أهدافه بتقليص انبعاثات الغاز الدفيئة، ورفع اعتماده على الطاقات المتجددة إلى 52% بحلول عام 2030.
وأفصح “رشيدي” في يونيو 2022 أن هناك مشاريع جديدة تدعم هذا التحول، “مثل النقل الكهربائي الذي يمكن أن يُحدِث طفرة بالنسبة للاقتصاد المغربي، باعتبار أن 30 إلى 40% من الغازات الدفيئة ناجمة عن النقل”. مشيراً إلى أن المغرب بدأ في تصنيع سيارات كهربائية، “وستباع في السوق المحلية”.
رشيدي أكّد أن المغرب في قلب التحولات التي يشهدها العالم، خاصةً وأنه يستورد حاجياته كاملة من الوقود الأحفوري من الخارج، “لذلك فخلاصه الوحيد هو الطاقات المتجددة، وعلينا توطين هذه الصناعات، من ألواح شمسية ومراوح رياح، للتحوّل الى منصة تصدير إلى السوقين الأفريقية والأوروبية”.
وأعلن المغرب مطلع 2022، عبر وزارة الخارجية المغربية، أن الرباط تسعى لحشد استثمارات دولية لبرنامج طاقة الرياح بقيمة 14.5 مليار درهم (1.44 مليار دولار)، على أن يدخل حيز التشغيل الكامل بحلول عام 2024.
صناعة الفوسفات.. مسار متجدد نحو الحياد الكربوني
فيما خصص المغرب 130 مليار درهم (12.3 مليار دولار) لتطوير القطاعات المرتبطة بإنتاج وتطوير صناعات الفوسفات على مدى 5 سنوات، وذلك ضمن البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد لـ”المجمع الشريف للفوسفاط” (OCP) التابع للدولة، للأعوام بين 2023 و2027.


ومطلع ديسمبر الجاري وقّعت الحكومة المغربية و”المجمع الشريف للفوسفاط”، مذكرة تفاهم بشأن تنفيذ البرنامج، الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج بالاعتماد على الطاقة الخضراء، وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2040، على أن تصل نسبة المكون المحلي إلى 70%، فضلاً عن توفير 25 ألف فرصة عمل.
ومن خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تهدف مجموعة (OCP) إلى تزويد منشآتها الصناعية كافة بالطاقة الخضراء بحلول عام 2027، بحيث ستمكن هذه الطاقة الخالية من الكربون من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، من أجل تلبية احتياجات المجموعة، وتزويد المناطق المجاورة لمواقع “المجمع الشريف للفوسفاط” بالماء الصالح للشرب والري.
وخلال توقيع مذكرة التفاهم بحضور الملك المغربي محمد السادس، قال مصطفى التراب، رئيس مجموعة (OCP)، إن هذه الاستثمارات، ستتيح على المدى البعيد، وضع حد لاعتماد المجموعة على الواردات؛ حيث تعتبر مجموعة (OCP)، المستورد الأول للأمونياك على الصعيد العالمي.
ويسعى المغرب إلى تحفيز الاستثمار الخاص وتوجيهه نحو القطاعات الخضراء مثل الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار خارج المدن الاقتصادية الكبرى.
ومن جانبه، قال وزير الاستثمار المغربي، محسن جزولي، إن بلاده تستهدف جمع 150 مليار درهم (14 مليار دولار) عبر صندوق الاستثمار الاستراتيجي المسمّى “صندوق محمد السادس”.
ومن المنتظر أن يموّل الصندوق المشاريع الاستثمارية الكبرى في إطار شراكات مع القطاع الخاص، كما سيدخل في رأسمال الشركات الصغرى والمتوسطة، ويمنح القروض للشركات النشيطة في القطاعات ذات المردودية العالية، وفقاً لبيانات إنشائه.