كتب – حسام عيد

وسط قيود كورونا الصارمة، من إغلاق عام وحظر جزئي وكلي، تتصاعد النداءات والمطالبات من أجل التدخل العاجل لاحتواء تداعيات الجائحة الوبائية على التجار الأفارقة غير الرسميين عبر الحدود، ومنع حدوث أضرار قاسية لا يمكن إصلاحها أو معالجتها لهذا المجتمع الضعيف في القارة السمراء.

ففي المواجهة ضد الفيروس التاجي “كوفيد-19″، قامت جميع الدول الأفريقية تقريبًا بتعليق الرحلات الدولية، وفرض نظام الحجر الصحي لمدة 14 يومًا ، وإغلاق الحدود البرية.

وقد أعلنت 44 دولة من أصل 54 دولة أفريقية إغلاق الأراضي أو الموانئ، من أجل الحفاظ على الاقتصادات، وإبقاءها قيد الحياة، وما يزال يُسمح بتجارة البضائع والشحن التجاري عن طريق الجو والبحر والمركبات في ظل ظروف صارمة للغاية، لكن التجارة عبر الحدود المادية “مثل المعابر البرية”، ومعظمها صغير الحجم وغير رسمي، وتتطلب حركة الأفراد، والتي قد توقفت فجأة.

تضرر الأسواق وأزمات غذاء

في غرب أفريقيا، أُغلقت حدود أفلاو – كودجوفياكوبي الفوضوية بين غانا وتوجو منذ شهرين تقريبًا، مما أدى إلى الحد من حركة الأشخاص عبر الحدود، لكن يمكن للمركبات الكبيرة التي تنقل شحنات ضخمة عبور الحدود خارج ساعات حظر التجول (8 مساءً: 6 صباحًا)، إذا التزمت بإجراءات النظافة الصارمة.

ومنذ انتشار فيروس كورونا المستجد، بدأ التجار الصغار بتجميع بضائعهم، ودفع مجموعة من الرسوم لسائقي الشاحنات للنقل والتخليص الجمركي، لهذا السبب؛ قفزت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والطماطم والفلفل بنحو 50% في البلدات الحدودية المحلية في غانا، وبالمقارنة مع ما حدث في 2007- 2008؛ فإن أزمة الغذاء جراء ارتفاع الأسعار، يمكن أن يثير احتجاجات واسعة النطاق، مما يمثل مشكلة أخرى للصحة العامة.

على الجانب الآخر من القارة، في شرق أفريقيا، توقفت التجارة عبر الحدود سيرًا على الأقدام. فقط، تعبر الشحنات الكبيرة في المركبات، لكن السائقين يشكون من طابور الاصطفاف الطويل بسبب الاختبار الإلزامي للكشف عن الإصابة بالفيروس التاجي.

على حدود مالابا، يمتد طابور الشاحنات التي تدخل أوغندا من كينيا إلى سوق مايانجا في بونغوما، على مسافة تزيد عن 35 كيلومترًا من المركز الحدودي.

ولا يستطيع العديد من المزارعين توصيل منتجاتهم إلى الأسواق الحدودية، التي تعد مصدرًا حيويًّا للتجارة غير الرسمية عبر الحدود، ما يعني قطع هذا المصدر في ظل استمرار التوقف والإغلاق.

وينتهي معظم هذا الطعام عادةً في المدن، التي تواجه الآن ارتفاعات مقلقة في الأسعار. وكما هو الحال في غرب أفريقيا، يبتكر التجار غير الرسميين لتجميع منتجاتهم والترويج لها ومن ثم بيعها؛ حيث ازداد استخدام تطبيق EAGC Grain Trade Business Hub (GHuB)، الذي يساعد المزارعين على تعزيز الطلب على المدخلات وبيع المنتجات، بشكل كبير في ظل استمرار فيروس كورونا.

تخفيف القيود وتقديم الامتيازات لاحتواء التداعيات

إن الواقع الذي يواجه الحكومات الأفريقية صعب؛ فهناك تحديان يمثلان خطرًا رئيسيًّا بالغًا، وهما خطر فقدان الأرواح بسبب فيروس كورونا القاتل، وخطر فقدان الأرواح بسبب الجوع.

ويعيش ثلثا الأفارقة فوق خط الفقر، لكن الكثيرين منهم لا يعيشون سوى بـ1.25 دولار في اليوم. وقد انخفض عدد الأفارقة الذين يعانون من الجوع إلى 20%، ولكن يبدو أن “كوفيد-19” ماضٍ في تغيير هذه المكاسب.

وتشير بيانات مسح لـ”أفريكان بيزنس” إلى أن 81% من سكان الأحياء الفقيرة في نيروبي عانوا من خسارة كاملة أو جزئية للدخل، و70% فقدوا وجبات الطعام بسبب كورونا.

وحثت منظمة الصحة العالمية على توخي الحذر في تخفيف قيود “كوفيد-19” بسرعة كبيرة. ومع ذلك، من المقرر أن تدخل أفريقيا أول ركود لها منذ 25 عامًا، والاضطرابات الاجتماعية في طور النضوج، وأصبحت الإغاثة الغذائية منخفضة.

في ضوء ذلك، تتصارع الحكومات الأفريقية حول أفضل السبل لتخفيف القيود وممارسة الأعمال التجارية، دون تعريض اقتصاداتها وشعوبها إلى دمار شامل.

وتقدر اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة UNECA أن الإغلاق الكامل لمدة شهر واحد في جميع أنحاء أفريقيا سيكلف القارة حوالي 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي (65 مليار دولار).

وتمنح الدول الآن امتيازات للتجار غير الرسميين، فحكومة ولاية لاجوس النيجيرية تسمح بالتجارة كل 48 ساعة، مما يسمح ليومين بتطهير وتعقيم السوق.

فيما تخصص موريشيوس أيام التسوق في السوق للمواطنين على أساس الحرف الأول من الألقاب.

ويمكن للتجار الصغار في أوغندا العمل إذا لم يعودوا إلى منازلهم لمدة 14 يومًا.

في جنوب أفريقيا، يمكن لمحلات السبازة “المتاجر غير الرسمية” أن تعمل من الساعة 6 صباحًا إلى الساعة 6 مساءً إذا حصلوا على تصريح، وتم وضع مخطط إغاثة لتزويد التجار غير الرسميين برأس مال أولي لشراء المخزون.

في زيمبابوي المجاورة، حيث نفدت المنتجات الطازجة من محال تجارة السلع الاستهلاكية “السوبر ماركت”، أعادت هراري فتح سوقها الأكبر مباري.

التجار غير الرسميين عبر الحدود.. مصدر حيوي للأمن الغذائي وسلاسل التوريد

قام التجار غير الرسميين في مدن وبلدات أفريقيا الحضرية بتحية تخفيف القيود وخطط الإغاثة، رغم أن التوق والرغبة في العمل وسط الوباء يجسد استراتيجية يائسة للبقاء.

ومع ذلك، فقد تجاهلت تدابير السياسة التي تم إدخالها قسمًا كبيرًا من التجار غير الرسميين. فلا يحق للتجار غير الرسميين عبر الحدود الحصول على امتيازات تستهدف التجارة المحلية غير الرسمية.

ومع ذلك، فإن التجارة غير الرسمية عبر الحدود تعد مصدر دخل هام، خاصة بالنسبة للنساء. وتشير العديد من الدراسات إلى أن قيمته قد تتجاوز حتى قيمة التجارة الرسمية مع الدول المجاورة.

هذه التجارة لا تخدم المجتمعات الحدودية فحسب، ولكنها توفر مصدر حياة ومصدرًا غذائيًّا للمدن الحضرية الممتدة عبر الممرات والمعابر بأكملها.

التجار غير الرسميين عبر الحدود معرضون بشدة للإصابة بفيروس كورونا. على عكس التجارة الرسمية، التي ما تزال تعمل فعليًّا، تنطوي التجارة غير الرسمية عبر الحدود على اتصال وثيق بين شخصين ومعاملات قائمة على النقد.

وتشترك معظم البلدات الحدودية عادة في حفرة واحدة أو صنبور مجتمعي، ومعظمها لا يستطيع الوصول إلى الظروف الصحية الأساسية، ويعيش التجار غير الرسميين على الكفاف، ويعانون من خسائر فادحة من إغلاق الحدود المفاجئ.

على سبيل المثال، في كينيا، تم الإعلان عن وقف التحركات من وإلى المدن فجأة مع وصول المزارعين إلى الأسواق، وقد تم منع هؤلاء المزارعين من تجاوز حواجز الشرطة وأجبروا على التخلي عن حصادهم لموسم كامل.

فالعديد من التجار غير الرسميين ليس لديهم حسابات مصرفية ويعتمدون على القروض من القنوات غير الرسمية “قروض الربا” ذات الفائدة العالية، لشراء المخزون بالجملة، مثل “mashonisas” في جنوب أفريقيا و”shylocks” في كينيا.

وتتصاعد الخسائر من المخزون غير المباع بسرعة من خلال زيادة الفائدة، ويمكن أن تتحول إلى دوامة من الديون.

استجابة مخصصة

تدخل أفريقيا الآن شهرها الثالث في مواجهتها الشرسة ضد فيروس كورونا المستجد القاتل “كوفيد-19″، وحان الوقت الآن للتفكير.

تمكنت أفريقيا إلى حد ما من احتواء الفيروس وإنقاذ الأرواح وتجنب ضربة قوية لأنظمتها الصحية.

ولكن أصبح من الواضح أن “كوفيد-19” باقٍ ومستمر في حياتنا، والسؤال إذًا هو: كيف يمكن للحكومات أن تحقق التوازن الصحيح بين كبح انتشار الفيروس على المدى الطويل ودعم حقائق البقاء على المدى القصير؟

هناك حاجة إلى خمسة تدخلات ذات أولوية “لتخفيف وتحسين آثار “كوفيد-19” على التجار غير الرسميين عبر الحدود.

أولًا: يجب تنفيذ إعادة فتح جزئي للتجارة غير الرسمية عبر الحدود بطريقة تتجنب العودة إلى الوضع الراهن للحدود المكتظة، يمكن أن تكون إحدى الطرق لتقليل الكثافة بالتناوب مع الأيام التي يمكن للتجار فيها عبور الحدود.

وبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون يوم الإثنين والجمعة لتجارة الخضار والفواكه، ويوم الثلاثاء والخميس للأسماك واللحوم ومنتجات الألبان، والأربعاء والسبت للمنتجات الصحية والطبية.

ثانيًا: يجب أن تتم التجارة عبر الحدود في بيئة آمنة. ويتطلب ذلك تطهير المعابر والمرافق بشكل يومي، ومحطات غسل اليدين، وارتداء ملابس وكمامات واقية للسلطات الحدودية، وضباط الطب والحجر الصحي على الحدود.

يمكن تعلم الكثير من “مرفق الطوارئ التجارية الآمنة” التابع لمنظمة ” TradeMark East Africa” –الممولة من وكالات التنمية الهادفة لتحقيق الرخاء في شرق أفريقيا- والذي يستهدف احتواء فيروس كورونا، مع تمكين التجارة في نفس الوقت.

وتقوم الحكومة الأوغندية بتطهير جميع الشاحنات التي تدخل البلاد، وقد حددت أماكن يجب أن يبقى فيها سائقو الشحنات العابرة. ويمكن أن تساعد الأدلة المرئية البسيطة خطوة بخطوة في تعزيز فهم لوائح الحدود في التعامل والسيطرة على “كوفيد-19” وكيفية إجراء تجارة آمنة.

ثالثًا: يمكن أن تساعد الحلول الرقمية في احتواء “فيروس كورونا” على طول الممرات التجارية. على سبيل المثال، يجب على جميع سائقي الشاحنات الذين يدخلون أوغندا تقديم أنفسهم للاختبار قبل التصريح، ومن خلال نظام تتبع البضائع الإلكتروني لحركة السائقين، يتم اعتراض أولئك الذين لديهم نتائج إيجابية على الفور وإدخالهم الحجر الصحي.

ويمتلك العديد من المتداولين غير الرسميين الآن هواتف ذكية مزودة بنظام تحديد المواقع العالمي GPS، والتي يمكن استخدامها بشكل مماثل لتتبع حالات “كوفيد-19” الإيجابية.

ويمكن أن تسهل أنظمة الدفع المحمولة تخفيضات المدفوعات النقدية القائمة على المخاطر.

في الواقع، أصدرت الحكومة الكينية مبادئ توجيهية للحد من استخدام النقد؛ حيث تقوم شركات الهاتف المحمول بالترويج لهذا التحول عن طريق تخفيض الرسوم وإلغاء الرسوم للمبالغ الصغيرة التي تقل عن 1000 شيلين كيني (10 دولارات).

رابعًا: ينبغي على السلطات تسهيل تجميع ونقل سلع التجار الصغار، حيث يمكن لجمعيات التجارة العابرة للحدود أو الوكالات الإقليمية المشاركة في تسهيل التجارة عبر الحدود مثل EAGC وFEWS-NET وWFP وCILSS، أن تساعد في التنسيق وإصدار التراخيص والتصاريح والشهادات وعمل التخليص الجمركي والدفع والنقل. والأفضل من ذلك يمكن أن تنظر الحكومات في دعم تكاليف النقل كشكل من أشكال الإغاثة.

كما أن توسيع مرافق المستودعات على الحدود من شأنه أن يساعد التجار غير الرسميين في توسيع نطاق تجارتهم عبر الحدود، وهذا يمكن أن يقلل من عدد الرحلات عبر الحدود لكل تاجر، وبالتالي تقليل الازدحام على الحدود، ومن ثم جعل تكاليف النقل بأسعار مرنة ومعقولة أكثر.

خامسًا: من الأهمية بمكان مد يد العون للتجار غير الرسميين. عادةً ما يتم استبعاد هؤلاء التجار من شبكات الأمان التقليدية نظرًا لحالتهم غير المسجلة. ففي السنوات الأخيرة، أثبتت شرق أفريقيا أن تحويل الأموال إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها أصبح ممكنًا باستخدام أنظمة الهاتف المتحرك. لكن في غياب التكنولوجيا، يمكن للجمعيات التجارية عبر الحدود المساعدة في التوزيع الآمن للنقود أو تحويلات الغذاء لأعضائها.

وختامًا، يمكن القول: إن التجار غير الرسميين عبر الحدود في قارة أفريقيا، في حاجة ملحّة، للاستجابة الفورية من قِبَل الحكومات لاحتواء تداعيات فيروس كورونا على تجارتهم ومصدر رزقهم الوحيد؛ فهم من بين أكثر الفئات ضعفًا في أفريقيا، وقد يتسبب تأخر الدعم والاستجابة في ضرر كبير قد يفوق خطر المرض نفسه، ولن يكون فقط على التجار غير الرسميين بل على اقتصاد بلدانهم أيضًا.