كتب – تامر محمد سامي
باحث متخصص في دراسات الدفاع الاستراتيجي
يعتبر أمن الطاقة أحد مفردات الأمن القومي الحديثة نسبيًا، إذ إنه مع التقدم الصناعي والتكنولوجي، تعتبر الطاقة حجر الزاوية في مخططات التنمية لأي دولة تسعى لتحقيق تنمية حقيقية ومعدلات نمو مرتفعة تنعكس على مؤشرات الأداء الاقتصادي للدولة، كما أن أمن الطاقة يؤثر تأثيرًا مباشرًا في القدرة الدفاعية للدولة، فما جدوى الأساطيل البحرية والطائرات المقاتلة والجيوش البرية بدون الطاقة التي تحرك الآلة الدفاعية للدولة بما يحقق سيادتها وأمنها.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في أوائل عام 2022، واستخدام روسيا لإمداداتها من الغاز لأوروبا كأحد أسلحتها خلال الحرب، وإحدى وسائل إدارتها للصراع الدولي، برز دور أمن الطاقة في تشكيل العلاقات الدولية والإقليمية بشكل عام، ما دفع أوروبا للبحث عن مصادر جديدة للطاقة بعيدًا عن الغاز الروسي، وبطبيعة الحال كان للقرب الجغرافي عاملًا مهمًا في اتجاه أوروبا نحو أفريقيا لتوفير إمدادات الطاقة بدلًا من الغاز الروسي، ما قاد إلى وجود سباق محموم في دول شمال أفريقيا نحو من يفوز بعقود توريد الغاز لأوروبا أو عقود حقوق استغلال مناطق التنقيب، أو عقود إنشاء خطوط الأنابيب.
وفي هذا السياق، اتجهت أنظار أوروبا لنيجيريا، بصفتها خامس أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم باحتياطيات مؤكدة قدرها 5,5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ولكن بعد نيجيريا الجغرافي عن أوروبا فرض عليها الاعتماد على تصدير الغاز النيجيري كغاز مسال ونقله بحرًا إلى الأسواق المستهلكة، ما يفرض عليها أسعار بيع أعلى من الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب، ومع أزمة الطاقة في أوروبا، تم إعادة طرح وتنشيط فكرة نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا من خلال إنشاء أحد خطي أنابيب أو كليهما، أحدهما عبر كل من (النيجر، الجزائر)، والآخر عبر 12 دولة على الساحل الغربي لأفريقيا انتهاء بالمغرب، وهو ما زاد من حدة التنافس بين الدولتين – المغرب والجزائر- وذلك على خلفية الخلافات التاريخية بين الدولتين، وسعي كل منهما لشغل مكانة الدولة المركزية في شمال غرب أفريقيا.
وفي هذا الإطار، تسعى هذه الورقة البحثية – ومن منظور أمن الطاقة – إلى تحليل العلاقات الإقليمية بين كل من نيجيريا والجزائر والمغرب، وذلك في سياق سعي كل من الجزائر والمغرب لتكون مركزًا إقليميًا لنقل وتداول الطاقة، ومن هذا المنطلق، تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور كالتالي:
أولًا: خريطة النفط والغاز في نيجيريا والجزائر.
ثانيًا: دور أمن الطاقة في تشكيل العلاقات الإقليمية بين كل من (الجزائر، المغرب).
ثالثًا: رؤية تحليلية وخاتمة.
أولًا: خريطة النفط والغاز في نيجيريا والجزائر:
نيجيريا
النفط :
واحدة من أكبر وأقدم منتجي النفط في أفريقيا، إذ تحتل صدارة قائمة أكبر مصدري النفط الخام في عموم أفريقيا منذ عام 2000 وحتى الآن؛ حيث تمثل صادرات نيجيريا من النفط 26% من صادرات نفط غرب أفريقيا، ويعد قطاع النفط والغاز أحد أهم القطاعات في اقتصاد الدولة؛ حيث يمثل أكثر من 90٪ من صادرات البلاد و80٪ من عائدات الحكومة الاتحادية، وتُنتج نيجيريا ما يقرب من 1,6 مليون برميل من النفط يوميًا، وحققت إيرادات من صادرات النفط في عام 2022 تقدر بـ 45 مليار دولار ، كما حققت في مارس 2023 صادرات نفطية تقدر بـ 4 مليارات دولار، وتبلغ الاحتياطيات النفطية المؤكدة في نيجيريا أكثر من 37 مليار برميل، وتقع معظم حقول النفط في منطقة دلتا النيجر، وأهم حقول النفط هي (إيجينا – أيالا – أغبامي – كولماني)، وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن نيجيريا هي أكبر مستورد للمشتقات النفطية في أفريقيا، ولكن بعد تشغيل نيجيريا لأكبر مصفاة نفط في أفريقيا (مصفاة دانغوتي) في 22 مايو 2023 بطاقة إجمالية 650 ألف برميل نفط و3 مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا، من المتوقع أن تلبي الطلب المحلي من المشتقات النفطية بنسبة 100% والذي يقدر بـ 61 مليون لتر يوميًا (بنزين- سولار- وقود طائرات)، مع توفير فائض للتصدير يقدر بـ 38 مليون لتر. [1]
الغاز الطبيعي:
تمتلك نيجيريا 207 تريليون قدم مكعب من الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي
قابلة للزيادة حتى 600 تريليون قدم مكعب، بما يمثل 3% من الاحتياطيات العالمية،
وتمثل صادرات نيجيريا من الغاز المسال 21% من صادرات الغاز في أفريقيا، إذ تبلغ صادرات نيجيريا في عام 2022 من الغاز المسال 33 مليار متر مكعب ومنتظر أن تصل إلى 44 مليار متر مكعب في عام 2030، كما أبرمت نيجيريا في 26 أبريل 2023 تعاقدًا مع شركة غولار النرويجية والمتخصصة في مشروعات الغاز الطبيعي تقوم الشركة بموجبه بإنشاء محطة ضخمة عائمة للغاز المسال على سواحل نيجيريا، وتعتبر أبرز حقول الغاز في نيجيريا هي حقول (أجاوكوتا – كادونا – كانو).
شكل رقم (1) خط أنابيب (AKK) في نيجيريا
أبرز خطوط أنابيب الغازالطبيعي:
يعتبر خط غاز غرب أفريقيا هو خط الأنابيب الوحيد القائم بالفعل في نيجيريا “شكل رقم 2″، إذ تعتمد نيجيريا بدرجة كبيرة على تصدير شحنات الغاز المسال وليس عبر خطوط الأنابيب، ويقوم الخط بتوصيل 5 مليارات متر مكعب من الغاز النيجيري إلى كل من بنين وتوجو وغانا منذ عام 2009؛ حيث يبدأ المسار في محطة إيتوكي بلاجوس في نيجيريا ويمتد لمسافة 678 كم حتى ينتهي في تاكورادي في غانا (569 كم مسار بحري، 111 كم مسار بري)، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع ما يقرب من مليار دولار. [2]
شكل رقم (2) خط عاز غرب أفريقيا
أبرز الشركات العاملة في مجال النفط والغاز:
إكسون موبيل (الولايات المتحدة الأمريكية) – شيفرون (الولايات المتحدة الأمريكية) –
رويال داتش شيل (بريطانيا- هولندا) – توتال (فرنسا)، هذا بالإضافة لشركة النفط الوطنية النيجيرية (NNPC).
أبرز تحديات صناعة النفط والغاز في نيجيريا:
يعتبر كل من الرشوة والفساد الحكومي من أبرز التحديات التي تواجه نمو صناعة النفط والغاز في نيجيريا، هذا إلى جانب ضعف سيطرة الدولة ما يؤدي إلى سرقة النفط
على نطاق واسع وبيعه خارج منظومة الدولة، بالإضافة إلى أعمال التخريب المتكررة التي تنفذها الجماعات المتشددة والعصابات المسلحة للمنشآت النفطية وخطوط أنابيب النفط والغاز، وقد بلغت خسائر نيجيريا جراء عمليات سرقة النفط في عام 2022 حوالي 3 مليارات دولار، كل هذا يدفع الشركات العالمية الكبرى إلى العزوف عن ضخ استثمارات جديدة في نيجيريا أو سحب استثماراتها القائمة بالفعل. [3]
الجزائر
النفط:
احتلت الجزائر عام 2022 المرتبة الـ 14 عالميًا من حيث احتياطي النفط بإجمالي 12 مليار برميل، وتقوم الجزائر بتصدير مليون برميل من النفط الخام يوميًا، وتمثل الصادرات النفطية 90% من الصادرات الجزائرية في عام 2022 بإجمالي 60 مليار دولار، وتتمثل أبرز حقول النفط في (حاسي مسعود، حاسي توميات، المرك- حاسي بير ركايز). [4]
الغاز الطبيعي:
احتلت الجزائر عام 2022 المرتبة الثامنة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي في العالم بإجمالي 159 تريليون قدم مكعب، وهي رابع مصدر للغاز عالميًا بإجمالي 55 مليار متر مكعب سنويًا، هذا بالإضافة إلى أن الجزائر تمتلك ثالث أكبر احتياطات من الغاز الصخري عالميًّا بتقديرات تصل إلى 706.9 تريليون قدم مكعب، وقد أسهم القرب الجغرافي للجزائر من أوروبا بالإضافة إلى الاحتياطات الغازية الكبيرة إلى أن تكون الجزائر ثاني أكبر مورد للطاقة لأوروبا في عام 2022، مدفوعة بتوقف إمدادات الغاز الروسي عبر نورد ستريم1 جراء عمليات التخريب، وذلك بإجمالي 90 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا متفوقة على روسيا التي تمد أوروبا بـ 80 مليون متر مكعب يوميًا، وتتمثل أبرز حقول الغاز في الجزائر
في (حاسي الرمل – أحنيت – حوض بركين). [5]
أبرز خطوط أنابيب الغاز الطبيعي: [6]
- خط أنابيب عبر المتوسط (Trans- Med): يعمل منذ عام 1994 لينقل 34 مليار متر مكعب من حاسي الرمل بالجزائر إلى كل من إيطاليا وسلوفينيا، وذلك عبر كل من تونس وجزيرة صقلية، بمسافة إجمالية 2515 كم وتكلف تنفيذه مليار يورو.
شكل رقم (3) خط غاز عبر المتوسط (Trans – Med
- خط أنابيب (Med- Gas): يعمل منذ عام 2011، وتكلف تنفيذه ما يقرب من مليار يورو، يمتد بطول 757 كم من حقل حاسي الرمل في ولاية الأغواط بالجزائر
إلى شاطئ ألمريا في إسبانيا بتكلفة إجمالية مليار يورو، وينقل 16 مليار متر مكعب
من الغاز الجزائري إلى إسبانيا والبرتغال.
شكل رقم (4) خط غاز (Med – Gas)
- خط أنابيب (GALSI): يعمل منذ عام 2014 لينقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز
من حاسي الرمل إلى بيومبينو في شمال إيطاليا عبر جزيرة سيردينيا، ويمتد لمسافة 1505 كم بتكلفة إجمالية 2 مليار يورو.
شكل رقم (5) خط غاز (GALSI)
- خط أنابيب (المغرب العربي – أوروبا): يصل بين حقل حاسي الرمل بولاية الأغواط في الجزائر عبر المغرب إلى قرطبة في إسبانيا؛ حيث يتصل مع شبكة غاز البرتغال وإسبانيا بإجمالي طول 1620 كم، ويمد كلا من إسبانيا، والبرتغال، والمغرب بإجمالي 12 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا،
بدأ تشغيل الخط عام 1996 بتكلفة إجمالية حوالي 2 مليار دولار.
شكل رقم (6) خط غاز (المغرب العربي – أوروبا)
أبرز الشركات العاملة في مجال النفط والغاز:
إيني (إيطاليا) – توتال (فرنسا)- Equinor ASA (النرويج)- British Petroleum (بريطانيا) –
China National Petroleum Corporation (الصين)، بالإضافة لشركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية (سوناطراك).
ثانيًا: دور أمن الطاقة في تشكيل العلاقات الإقليمية بين كل من (الجزائر، المغرب):
أمن الطاقة والعلاقات الجزائرية – المغربية:
خلفية تاريخية:
على الرغم من امتداد العداء والمنافسة بين البلدين على مدار عقود إلا أن التوترات التي طالما شهدتها العلاقات الثنائية قد أخذت منعطفًا جديدًا في ديسمبر 2020 عندما أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة على أراضي الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي أدى بالجزائر إلى عزل نفسها دبلوماسيًا عن المغرب بشكل تدريجي خاصة بعد أن أعلنت إسبانيا في مارس2021 تأييدها لخطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية التي تدعمها المغرب وهو ما كان بمثابة الصدمة للجزائر.
توظيف أمن الطاقة في العلاقات الجزائرية المغربية:
شهدت الشهور التالية تصاعد حملات الهجوم اللفظي بين البلدين لتصل ذروتها في شهر يوليو2021 عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في الجزائر في تقرير مصيرهم ردًا على الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب “للتشاور”، وفي الوقت نفسه تصدرت الصحف تقارير إعلامية – نفتها المغرب – تشير إلى تورط المملكة في استخدام برنامج بيغاسوس للتجسس الإلكتروني لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، ثم اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما ” رشاد الإسلامية ” و”ماك” الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلها مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر، قادت كل تلك التوترات إلى إعلان الجزائر في 24 أغسطس 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران المغربي، وفي 31 أكتوبر 2021 أعلنت الجزائر إيقاف ضخ الغاز الجزائري في خط غاز (المغرب العربي – أوروبا) الذي ينقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب. [7]
توظيف أمن الطاقة في العلاقات الجزائرية المغربية
استمر تدفق الغاز الجزائري إلى إسبانيا والبرتغال عبر المغرب من خلال خط أنابيب (المغرب العربي – أوروبا) منذ عام 1996 حتى عام 2021 ولمدة 25 عامًا – وهي مدة التعاقد، والتي اختارت الجزائر عدم تجديدها على خلفية الخلافات الجزائرية المغربية.
بالنسبة إلى الجزائر، فإنها لم تتأثر بعدم تمديد اتفاق نقل الغاز عبر خط أنابيب (المغرب العربي – أوروبا)، نظرًا إلى وجود خط بديل وهو (Med- Gas)، الذي عملت الجزائر على تنميته وزيادة سعته لينقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الجزائري سنويًا إلى إسبانيا والبرتغال، فيما بدت كخطوة جزائرية استباقية لعدم تجديد عقد خط (المغرب العربي – أوروبا). بينما تسبب قرار عدم تجديد اتفاق نقل الغاز إلى أوروبا عبر المغرب مقابل رسوم غير نقدية، في تضرر الرباط، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الخط لتوفير احتياجات الكهرباء؛ إذ تحصل البلاد على حصة من الغاز المنقول تُقدّر بـ 0.5 مليار متر مكعب، وهي تغطي 50% من احتياجات استهلاك البلاد من الغاز الطبيعي، وذلك مقابل السماح بمرور الغاز الجزائري عبر أراضيه، وكان الخط يزوّد المغرب بالغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء في المغرب عبر محطتين، بحصة 17% من إجمالي إنتاج الكهرباء المغربية [8]
ومن ناحية أخرى، فإن المغرب يسعى لتعويض وارداته من الغاز الجزائري، ففي ذلك الإطار، قام المغرب في نوفمبر 2021 بتوقيع اتفاقية بيع الغاز المغربي مع شركة ساوند إنرجي البريطانية وذلك من حقل غاز تندرارة المغربي العملاق الذي اكتشفته الشركة البريطانية في عام 2019 باحتياطات ضخمة من الغاز تصل إلى 378 مليار قدم مكعب، ويمكنه إنتاج 350 مليار متر مكعب سنويًا، وتعول المغرب على إنتاج حقل تندرارة لتعويض قطع إمدادات الغاز الجزائري.
في إطار سعي الجزائر للحفاظ على مكانتها المتميزة كأحد أكبر موردي الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وسعي المغرب لاستغلال قربها الجغرافي من إسبانيا لتكون بوابة الطاقة إلى أوروبا، وكذلك الخطط النيجيرية لتعظيم الاستفادة من الاحتياطيات الغازية الضخمة في نيجيريا، وعلى خلفية السعي للتخلص من السيطرة الروسية على إمدادات الطاقة إلى أوروبا، هناك سباق محموم بين الجزائر والمغرب لتنفيذ المشروعين التاليين، واللذان يصبان في مصلحة أوروبا ونيجيريا بشكل مباشر، وهما:
- خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للصحراء (Trans-Saharan): وهو خط تحت الإنشاء لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا مباشرة عبر كل من النيجر والجزائر ومنها إلى إيطاليا وإسبانيا عبر البحر المتوسط، ويبدأ المسار من إقليم واري في نيجيريا ويمتد لمسافة 4128 كم حتى ينتهي في حاسي الرمل في الجزائر حيث يندمج مع منظومة نقل الغاز الجزائري إلى أوروبا، وقد تم إطلاق المشروع في عام 2002 إلا أنه توقف في عام 2009 نتيجة لمشاكل تمويلية بالإضافة لتهديدات من الجماعات الجهادية والعصابات المسلحة في دلتا النيجر، إلا أنه مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وبحث أوروبا
عن مصادر جديدة للطاقة بديلة للغاز الروسي، تم إحياء المشروع مرة أخرى واستكمال العمل به ومتبق منه فقط 1800 كم في كل من الجزائر والنيجر، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع حوالي 15 مليار دولار لينقل في المتوقع 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، وتقود المشروع كل من شركتي (سوناطراك) الوطنية الجزائرية
و(NNPC) الوطنية النيجيرية. [10]
شكل رقم (7) خط غاز (Trans – Saharan)
- خط الغاز نيجيريا – أوروبا عبر المغرب: مشروع عملاق لنقل 30 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر 12 دولة في غرب أفريقيا؛ حيث يبدأ المسار من جزيرة براس في نيجيريا ويمتد لمسافة 5600 كم مرورًا بكل من (بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا) ثم إلى المغرب ومنها إلى أوروبا عبر إسبانيا، وقد بدأ التفكير في المشروع عام 2016 ، وانطلقت الدراسات الفنية عام 2018، ولم يدخل المشروع حيز التنفيذ الفعلي حتى الآن، ومن المقدر أن تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 25 مليار دولار. [11]
شكل رقم (8) خط غاز (نيجيريا – المغرب – أوروبا)
ثالثًا: رؤية تحليلية وخاتمة:
تسعى الجزائر إلى تأكيد وضعها الإقليمي والدولي كثان أكبر مورد للطاقة لأوروبا – وذلك بفضل احتياطيات النفط والغاز الضخمة التي تتمتع بها – كما تسعى أيضًا لتخطي ذلك لتكون مركزًا إقليميًا لتداول الطاقة في شمال غرب أفريقيا، وذلك من خلال نقل الغاز النيجيري – أحد أكبر منتجي النفط والغاز في أفريقيا – عبر أراضيها إلى أوروبا، معتمدةً على موقعها الجغرافي المتميز القريب من جنوب أوروبا، بالإضافة للبنية التحتية القوية لنقل الغاز والمتمثلة في 4 خطوط من أنابيب الغاز (2 إلى إيطاليا، 2 إلى إسبانيا)، إلى جانب توافر الكوادر الفنية والتقنية ذات الخبرات الكبيرة في مجال نقل وتداول الطاقة متمثلةً في الشركة الوطنية للنفط والغاز (سوناطراك). [12]
وفي سياق التنافس المستمر بين الجزائر والمغرب على مكانة الدولة المركزية في غرب أفريقيا، وفي أعقاب استخدام الجزائر لسلاح الطاقة كأحد أدوات إدارتها لخلافاتها مع المغرب –
وذلك عندما رفضت الجزائر تجديد تعاقد خط غاز (المغرب العربي – أوروبا) والذي ظل ينقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا طيلة 25 عامًا عبر الأراضي المغربية – عملت المغرب على انتهاج استراتيجية طاقة جديدة ومختلفة، وذلك من خلال استخدام الموقع الجغرافي للمغرب والذي يعد أقرب نقطة في أفريقيا إلى أوروبا من خلال مضيق جبل طارق (15 كم)، مستهدفةً تحويل المغرب إلى مركز إقليمي لتداول ونقل الطاقة إلى أوروبا.
وعلى الرغم من أن المغرب تعد من أفقر 10 دول في العالم من حيث الاحتياطيات النفطية والغازية – على اعتبار أن حقل غاز تندرارة في المغرب لم يبدأ الإنتاج بعد، ما يجعلها تفتقر للمَيزات التي تمتاز بها الجزائر من احتياطيات نفطية وغازية ضخمة، والبنية التحتية القوية، والخبرات الفنية والتقنية، إلا أن المشروع المغربي لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي لتداول ونقل الطاقة في شمال غرب أفريقيا يعتمد على مد خط غاز بحري بمحاذاة طول الساحل الغربي لأفريقيا
من نيجيريا إلى المغرب لنقل الغاز النيجيري عبر الأنابيب إلى أوروبا من خلال المغرب وإسبانيا، ويعتبر المشروع امتدادًا لخط غاز غرب أفريقيا القائم بالفعل بين نيجيريا وكل من توجو، بنين، غانا. [13]
ويصب المشروعان في مصلحة نيجيريا، إذ بتنفيذ أحد المشروعين أو كلاهما يتم القضاء على أحد المعوقات في طريق تصدير الغاز النيجيري والذي يعتمد على إسالته وتصديره للأسواق المستهلكة من خلال شحنات بحرية من الغاز المسال، وهي الطريقة الأعلى تكلفةً والتي تستغرق وقتًا أطول للنقل، وبالتالي تكاليف تشغيل وأسعار بيع أعلى.
وعلى الرغم من أن مشروع خط الأنابيب (نيجيريا – المغرب) لا يزال في مرحلة الدراسات ولم ينتقل بعد إلى مراحل التنفيذ الفعلي – على العكس من خط أنابيب (نيجيريا – الجزائر)
والذي تم بدء التنفيذ فيه منذ عدة سنوات، إلا أن نيجيريا ترحب بالشروع في تنفيذ خط أنابيب (نيجيريا – المغرب)، وذلك لأسباب متعددة أهمها أن نيجيريا ترى أن خطوط الأنابيب البحرية يسهل تأمينها والسيطرة عليها، على العكس من خطوط الأنابيب البرية والتي تتعرض لأعمال تخريب مستمرة تنفذها الجماعات المتشددة والعصابات المسلحة داخل نيجيريا في دلتا نهر النيجر، هذا بالإضافة إلى منح نيجيريا أكثر من بديل لنقل الغاز إلى أوروبا بحيث لا يكون رهينة العلاقات الجزائرية – النيجيرية. [14]
وعلى خلفية الصراع حول دبلوماسية الغاز، دخل النزاع بين المغرب والجزائر مرحلة جديدة، قادت إلى مخاوف من أن تأخذ المواجهة التي بدأت بنزاعات دبلوماسية وقوافل تجارية وأنابيب غاز أشكالاً أخرى، إذ إن هناك مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين الجزائر والمغرب في أي لحظة، يدعم ذلك تضاعف ميزانية الدفاع الجزائرية في عام 2023 مقارنة بعام 2022 لتصل إلى ما يزيد عن 22 مليار دولار، وتحدث هذه الزيادة غير المسبوقة في ميزانية الدفاع الجزائرية في سياق التوترات الكلاسيكية بين البلدين، والناجمة بشكل أساسي عن الخلافات العميقة حول قضية الصحراء الغربية والتعاون العسكري والأمني بين المغرب وإسرائيل.[15]
من ناحية أخرى، تعد الجزائر شريكًا عسكريًا مهمًا لروسيا في أفريقيا وأحد أكبر مشتري الأسلحة الروسية في المنطقة، والتعاون العسكري والأمني بين الجزائر وروسيا طويل وممتد، كانت آخر مظاهر هذا التعاون مناورة بحرية مشتركة استمرت أربعة أيام في البحر الأبيض المتوسط في أكتوبر 2022، بينما تتمتع المغرب بعلاقات طويلة وممتدة ومتميزة مع الولايات المتحدة إلى الحد الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة عام 2004 المغرب (Major Non-NATO Ally)، هذا بالإضافة إلى التدريبات العسكرية المشتركة المستمرة بين الطرفين، إلى جانب توقيع المغرب اتفاقية تعاون دفاعي مشترك مع الولايات المتحدة في 2 أكتوبر 2020 مدتها 10 سنوات، وفي سياق متصل، وعلى مدى العقد الماضي، أنفق البلدان بشكل جماعي ما يقرب من 140 مليار دولار على الأسلحة ، وتصدرت الجزائر السباق بمبلغ 100 مليار دولار بينما أنفق المغرب 40 مليار دولار.[16]
ويعد سعي الدولتين إلى السيطرة الإقليمية في المغرب العربي هو السبب الرئيس للخلافات بينهما، وأن الخلافات حول الصحراء الغربية، وخطوط الغاز، وغيرها من الموضوعات الخلافية بين البلدين، ما هي إلا نتاج لهذا السبب المركزي، كما أن احتمالية استغلال الدولتين للخلافات بينهما للتغطية على الإخفاقات الداخلية لا يزال وارداً، لذا فقد رأت الجزائر التنافس على خطوط أنابيب الغاز النيجيري فرصة لتصفية الحسابات مع المغرب، ونتيجة لذلك، لا يمكن استبعاد الصراع العسكري بين الدولتين، فقد تحول انعدام الثقة بينهما إلى عقيدة سياسية وعسكرية قوية، لذا فإنه في حالة اندلاع صراع مسلح بين الدولتين فمن المتوقع أن يتخذ أشكالًا غير تقليدية، مثل الحرب المختلطة التي تستخدم الهجمات الإلكترونية والعمليات الاستخباراتية والضربات المحدودة في المناطق المعرضة للخطر.
ومن المتوقع أن يستمر الخلاف السياسي والصراع بين الدولتين والممتد منذ أكثر من ستة عقود طالما تمسك كل منهما بممارسة (Zero Sum Game)، مما يعمل على استمرار الاحتقان في منطقة المغرب العربي وضياع العديد من الفرص للتعاون، في حين أنهما يستطيعان طي صفحة خلافات الماضي والبدء في تأسيس علاقة تعاونية تعود بالنفع على كل منهما
تعتمد على الإمكانيات الكبيرة المتاحة لهما، بما له من مردود إيجابي كبير على منطقة المغرب العربي ككل.
وفي النهاية، وفي حالة رغبة الدولتين في الوصول لحل دبلوماسي للمشكلات الأزلية بينهما، يجب على كلا الطرفين خفض الإنفاق العسكري والتركيز أكثر على الحلول الدبلوماسية،
حتى لو استغرق تحقيقها وقتًا أطول، وكذلك العمل على كسر الحاجز النفسي المترسخ داخل القادة السياسيين والعسكريين في كلا البلدين وتقبل العمل التعاوني بدلاً من صراعات الزعامة، ذلك الحاجز الذي يقلل من احتمالية التقارب والتوصل إلى توافق، وكذلك لا بد من قبول الوساطة الدولية بين الدولتين لتقريب وجهات النظر وحل المشكلات العالقة، حيث إن الدولتين رفضتا عروضًا متكررة للوساطة من عدة دول عربية وأفريقية وأوروبية.
قائمة المراجع
- حواء هليكي سليمان، الأمن الطاقوي في أفريقيا دراسة حالة نيجيريا، رسالة ماجستير غير منشورة،
جامعة مولود معمري، الجزائر، 2019، ص 65 – 73. - Agontu Agandu, Energy Security in Nigeria: Challenges and Way Forward, International Journal of Engineering Science Invention, Barkin – Ladi, Nigeria, November 2022, pp. 13 – 32.
- Samuel Dike, Energy Challenges and in Security in Nigeria: A Sectorial Perspective, River State University, Port Harcourt, Nigeria, 2019, pp. 71- 80.
- منال مزراق، جيوبوليتيك النفط ورهانات الجزائر الجيواستراتيجية في ظل تحديات الطاقة المتجددة، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، 2021، ص 112 – 119.
- 5- بن عمر عشورة، البعد الأمني في السياسة الخارجية الجزائرية منذ عام 2011، رسالة ماجستير
غير منشورة، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، 2019، ص 46 – 53. - آمال بلحميتي، مشكلة الحدود كمحدد للعلاقات الجزائرية – المغربية، مجلة المستقبل العربي،
العدد 134، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، نوفمبر 2021، ص 19 – 25. - 7- وليد عبد الحي، العلاقات المغربية الجزائرية: العقدة الجيواستراتيجية، مجلة سياسات عربية،
العدد 6، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يناير 2019، ص 138 – 142. - 8- ورغي حمزة، تأثير قضية الصحراء الغربية على العلاقات الجزائرية المغربية، رسالة ماجستير
غير منشورة، جامعة العربي التبسي، تبسة، الجزائر، 2021، ص 98 – 109. - 9- سعدي ليدية، أثر تأزم العلاقات الجزائرية المغربية على تطور الاتحاد المغاربي، رسالة ماجستير
غير منشورة، جامعة مولود معمري، الجزائر، 2017، ص 73 – 81. - Samuel Asante, Energy Security in West Africa, Master’s Thesis, University of Ghana, July 2018, pp. 45 – 64.
- 11- محمد أبو سريع، صراع الطاقة وإعادة تشكيل التحالفات العالمية، السياسة الدولية، العدد 213،
المجلد 53، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، يوليو 2018، ص 26 – 40. - 12- لبنى بهولي، جيوبوليتيك النفط في أفريقيا والتنافس الأمريكي – الصيني، مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 13، جامعة حمه لخضر، الجزائر، يونيو 2016، ص 188 – 193.
- Moroccan Energy Outlook: Achievements and Perspective, Ministry of Energy and Mines, Morocco, 2022, pp. 31 – 48.
- Elias Zigah, Energy Security of West Africa: The Case of Natural Gas, Center for Energy, Petroleum, University of Dundee, Scotland, 2021, pp. 111- 124.
- سليمان محمد، سباق التسلح في شمال أفريقيا، مجلة الدراسات السياسية، العدد 28،
جامعة بغداد، مارس 2021، ص 67 – 80. - عطية الله عبد الهادي، علاقات دول المغرب العربي مع القوى الكبرى، رسالة ماجستير غير منشورة،
كلية العلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، مايو 2021، ص 98 – 112.