كتب – حسام عيد

بعد أن أطلقته نيجيريا إبان زيارة العاهل المغربي محمد السادس لأبوجا في ديسمبر 2016، وانطلقت دراسة جدواه في مايو 2017، وتم توقيع اتفاق خاص به في 10 يونيو 2018، خلال الزيارة التي قام بها للرباط الرئيس النيجيري محمد بخاري، المشروع الضخم لأنبوب الغاز المغرب-نيجيريا ينتقل إلى مرحلة جديدة متطورة وحاسمة في ضوء الأهمية الاستراتيجية المتصاعدة للغاز الطبيعي عالميًا بصفة عامة، وأوروبيًا بصفة خاصة مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا واشتداد العقوبات الغربية الموجهة ضد واردات الطاقة الروسية.

ومشروع الأنبوب المقترح يمر بطول غرب القارة الأفريقية لنقل الغاز من منبعه في نيجيريا مرورًا بـ13 دولة إلى المغرب.

وتنتعش الآمال بتنفيذ المشروع في ظل تنامي أهمية ملف الغاز على الساحة العالمية، والتوتر الحادث على تأمين مصادر الغاز.

أطول أنبوب غاز في العالم

في يوم الأربعاء الموافق 4 مايو 2022، نقلت صحيفة “هسبريس” المغربية عن بعض وسائل الإعلام النيجيرية، قولها؛ أن المغرب ونيجيريا يعتزمان بناء أطول أنبوب غاز أوف شور في العالم، لنقل الغاز بين البلدين.

ونقلت وسائل الإعلام عن “تولو أوغونليزي”، مستشار الرئيس النيجيري محمد بخاري، أن الشراكة التي تم إبرامها بين الشركة الوطنية النيجيرية للبترول والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمناجم بالمغرب، تم توقيعها بالأحرف الأولى في يونيو 2018.

وأفادت المصادر ذاتها أن المستشار صرح بأن “نيجيريا والمغرب اتحدا لبناء أطول أنبوب غاز أوف شور في العالم”.

وأكد أوغونليزي أن الأنبوب سينقل الغاز من نيجيريا “نحو المغرب باتجاه أوروبا عبر 11 بلدًا بغرب أفريقيا”.

“أوبك” وروسيا تستثمران في المشروع

فيما أوضح وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية، تيميبري سيلفا، في 2 مايو 2022، أن هذا المشروع الذي يعد امتدادًا لأنبوب الغاز بغرب أفريقيا، والذي ينقل الغاز من نيجيريا إلى غانا، ويوجد حاليًا في مرحلة الدراسات والبحث عن شركاء ماليين لإيصاله إلى المغرب، حيث سيتم ربطه بالسوق الأوروبية.

وقال سيلفا: “نريد إيصال أنبوب الغاز هذا إلى المغرب على امتداد الساحل. ولحد الساعة نحن في مستوى الدراسات، وبكل تأكيد نحن في مستوى تأمين تمويل هذا المشروع، وهناك العديد من الهيئات التي أبدت اهتمامها”.

وكشف سيلفا أن “منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا من بين المنظمات الدولية المستعدة للاستثمار في مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا”.

وأوضح أن “الروس راغبون جدًا بالاستثمار في هذا المشروع، وهناك العديد من الكيانات الأخرى التي ترغب أيضًا بالاستثمار في هذا المشروع، لأنه سينقل غازنا عبر العديد من البلدان الأفريقية إلى أقصى القارة الأفريقية، حيث سيكون بإمكاننا ولوج السوق الأوروبية”.

وأضاف المسؤول أن “أوبك مهتمة هي الأخرى بالمشروع وأعلنت عن اهتمامها”، وزاد: “غير أننا لم نتوصل بعد بالكامل إلى اتفاق مالي. هناك العديد من الأشخاص الذين أبدوا اهتمامهم. وهناك اهتمام دولي كبير، اهتمام من قبل المستثمرين من أجل المشروع، ولكننا لم نحدد بعد المستثمرين الذين نرغب بالعمل معهم”.

وتابع وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية قائلًا: “حتى اليوم، المستثمران في هذا المشروع هما نيجيريا والمغرب. نحن البلدان المستعدان لكي يتحدا من أجل تطوير أنبوب الغاز هذا”.

وفيما يتعلق باستكمال المشروع تحت الإدارة التي يقودها الرئيس النيجيري “بخاري”، أشار الوزير إلى أن المشروع لن يستكمل من طرف الإدارة الحالية.

وصرح قائلًا: “هذه الإدارة لا يمكن أن تنهي أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا، ولكن بإمكاننا، على الأقل، أن نوصله إلى نقطة البداية، قبل مغادرتنا، حتى تتمكن الإدارات المقبلة من استكماله”.

تطور جديد.. واستدامة مرتقبة

فيما شهد مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي تطورًا جديدًا؛ إذ أعلنت شركة “وورلي” الأسترالية فوزها بعقد لتقديم دراسة التصميم الهندسي الأمامي للمشروع.

وأوضحت الشركة أن أنبوب الغاز -الذي سيزيد طوله عن 7 آلاف كيلومتر- يحظى بدعم المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن وشركة النفط الوطنية النيجيرية.

جاء ذلك بعد أن أعلنت نيجيريا تأجيل موعد الانتهاء من مشروع خط أنابيب نقل الغاز “إيه كيه كيه” -الذي تتنافس عليه الجزائر والمغرب- وبدء تشغيله، إلى الربع الأول من العام المقبل 2023، بدلًا من العام الجاري.

وقد أشارت “وورلي” -في بيان صحفي أصدرته يوم الثلاثاء 26 أبريل 2022- إلى أن أنبوب الغاز سيكون أطول خط أنابيب بحري في العالم، وثاني أطول خط أنابيب بشكل عامّ، إذ سيربط نيجيريا بالمغرب، ويمتد إلى 11 دولة في غرب أفريقيا، وسيصل إلى أوروبا.

ومن المتوقع أن يجتاز أنبوب الغاز 13 دولة، وسيساعد على تعزيز الصناعات والاقتصادات المحلية من خلال توفير مصدر طاقة موثوق ومستدام، كما سيدعم التنمية الصناعية، ويخلق فرص عمل.

بالإضافة إلى ذلك، سيوفر الأنبوب طريقًا جديدًا للدول الواقعة على طول الطريق، لتصدير غازها إلى الدول المجاورة لها وأوروبا، التي تسعى إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي.

وستدير “إنتكسي” -وهي شركة الاستشارات الهندسية البحرية التابعة لـ وورلي- التصميم الهندسي الأمامي من لاهاي، ويشمل ذلك تطوير إطار تنفيذ المشروع والإشراف على المسح الهندسي.

وقال المدير الإداري لـ إنتكسي، بينج ليو: “أن تكون جزءًا من مشروع لا يتطلع فقط نحو الاستدامة، بل يسهم -أيضًا- في تعزيز الاقتصاد الإقليمي ويدعم تنمية المجتمعات المحلية، هذه فرصة رائعة”.

وأضاف: “أنبوب الغاز النيجيري المغربي يعكس هدفنا في تقديم عالم أكثر استدامة.. نتطلع إلى العمل مع المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن وشركة النفط الوطنية النيجيرية، بينما ننتقل إلى فصل جديد في غرب أفريقيا”.

وسيقوم فريق “وورلي” في لندن بالتعامل مع التصميم الهندسي الأمامي البري، بالإضافة إلى تقييم الأثر البيئي والاجتماعي ودراسات حيازة الأراضي.

كما ستوفر مكاتب الشركة في أفريقيا وفريق التسليم التابع لها في حيدر أباد بالهند الدعم. وستستكشف “أدفايزن” -وهي شركة الاستشارات العاملة التابعة لـ”وورلي”- تسريع التحول إلى الكهرباء وجدوى الاكتفاء الذاتي من الطاقة في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، ستنظر مكاتب الشركة في المملكة المتحدة ومدريد في إمكان استخدام موارد الطاقة المتجددة لتشغيل أنبوب الغاز وتقليل البصمة الكربونية للمشروع.

وكان رئيس شركة النفط الوطنية النيجيرية، ميلي كياري، قد أعلن -في وقت سابق من الشهر الجاري- أن أعمال مشروع خط أنابيب نقل الغاز النيجيري “إيه كيه كيه”، ستكتمل في الربع الأول من 2023.

وأوضح أن المشروع -الذي تبلغ تكلفته الاستثمارية 2.8 مليار دولار- يربط نيجيريا ببعض دول أفريقيا، حتى يصل إلى أوروبا عند اكتماله.

وتتنافس دولتا المغرب والجزائر على الغاز النيجيري، خاصةً بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في الربع الأخير من العام الماضي، وقرار الجزائر بقطع الإمدادات عن خط أنابيب الغاز “المغرب العربي-أوروبا”.

اهتمام أوروبي متصاعد بالغاز الأفريقي

ويمكن القول إنه منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، تثير احتياطات الغاز في أفريقيا اهتمامًا متزايدًا؛ إذ يسعى الاتحاد الأوروبي خصوصا إلى إيجاد بدائل لإمدادات الغاز من روسيا.

ويثير نقل الغاز النيجيري إلى شمال أفريقيا اهتمامًا كبيرًا، بينما أجرت الجزائر خصوصًا مناقشات في 2002 لمشروع خط أنابيب مماثل عبر منطقة الساحل.

وتملك نيجيريا العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) احتياطات هائلة من الغاز، وهي الأولى في أفريقيا في هذا المجال والسابعة في العالم.

وسيسعى الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف التعاون مع الدول الأفريقية للمساعدة في استبدال واردات الغاز الطبيعي الروسي وتقليل الاعتماد على موسكو بحوالي الثلثين هذا العام.

وتوفر دول أفريقية، وخاصة في الجزء الغربي من القارة، مثل نيجيريا والسنغال وأنجولا، إمكانات غير مستغلة إلى حد كبير للغاز الطبيعي المسال، وفقًا لمسودة وثيقة الاتحاد الأوروبي التي اطلعت عليها “بلومبيرج” في 2 مايو 2022.

ومن المقرر أن تعتمد المفوضية الأوروبية الاتصالات حول إدخال الطاقة الخارجية في وقت لاحق من هذا الشهر كجزء من حزمة لتنفيذ خطة الكتلة لخفض الاعتماد على الطاقة من موسكو.

وتتطلب خطة الاتحاد الأوروبي لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال بمقدار 50 مليار متر مكعب وزيادة شحنات الغاز بمقدار 10 مليارات متر مكعب عبر خطوط الأنابيب من دول أخرى غير روسيا، وإقامة علاقات مع الموردين التقليديين على أساس جديد، وتوسيع نطاق التجارة إلى موردين ناشئين جدد، وفقًا لما ورد في الوثيقة.

وتشمل الخطوات الرئيسية التنفيذ الكامل لاتفاقية مع الولايات المتحدة لتسليم 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال الإضافي في عام 2022 وحوالي 50 مليار متر مكعب سنوياً حتى عام 2030.

أما الهدف الآخر فهو توقيع مذكرة تفاهم مع مصر لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بحلول صيف هذا العام.

ووقعت إيطاليا بالفعل اتفاقات مع الجزائر ومصر للمساعدة في استبدال بعض من التسعة والعشرين مليار متر مكعب التي تحصل عليها من روسيا وقالت إن ستوقع المزيد من الاتفاقات مع دول أخرى.