كتبت – أسماء حمدي

في جو شديد الحرارة في يوم من أيام شهر يونيو في جوبا، عاصمة جنوب السودان، كانت تسير مجموعات من الشباب والفتيات وهم يغنون ويرقصون على طول الطريق الرئيسي على الضفة الشرقية لنهر النيل الأبيض. كان الصبية يحملون العصي الطويلة ويسيرون ببطء بينما كانت الفتيات يرتدين خرزًا ملونًا وتنانير ولاوا، وهي قطعة طويلة من القماش مربوطة على الكتف.
ووسط الآلاف من أفراد قبيلة الدينكا، إحدى أكبر المجموعات العرقية في البلاد، كان الشباب يرقصون حتى وقت متأخر من الليل في حفل “القبول” في قبيلة الدينكا، وهو الحفل الذي يعقد في اختتام “مسابقة الزواج”، وهي ممارسة تقليدية يتنافس فيها العديد من الرجال لطلب يد فتاة للزواج.

مسابقة زواج

يعد الزواج دون السن القانوني في جنوب السودان، أمرًا شائعًا ونادرًا ما يجذب الانتباه. لكن قضية أثياك داو رياك، الفتاة التي تقول والدتها إنها تبلغ من العمر 14 عامًا فقط، انتشرت على نطاق واسع، مما أدى إلى انقسام أسرتها والبلاد.
لأشهر، كان ماريال قرنق جيل وشول مارول دينج، وهما رجلان من جنوب السودان في الأربعينيات من عمرهما ينتميان إلى عشيرتين مختلفتين من قبيلة الدينكا في ولاية جونقلي ولكنهما يعيشان الآن في الخارج، يتنافسان على الزواج من أثياك داو رياك.
يقول والد أثياك، داو رياك ماجاني، في حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، إن ابنته تبلغ من العمر 19 عامًا ووافقت على الزواج، على الرغم من حقيقة أنها كانت في الصف الثامن الابتدائي في المدرسة (والتي يبدأ الأطفال عادة في سن 13 عامًا) عندما بدأت مفاوضات الزواج في مارس من هذا العام.
وتقول والدتها ديبوراه كوير ياتش، التي تختبئ الآن من أجل سلامتها لأنها تعارض الزواج، إنها لديها دليل على أن ابنتها تبلغ من العمر 14 عامًا.
ربما ظلت القضية نزاعًا بين أفراد الأسرة لو لم يتم نشر صور ومقاطع فيديو للتجمعات على الإنترنت ومشاركتها بسرعة.
انتشرت قصة أثياك وخطيبها على نطاق واسع، وأشادت المنشورات في جميع أنحاء أفريقيا بطول أثياك وجمالها، ووصفتها بأنها “الفتاة في قلب مسابقة زواج تاريخية”.

العروس الأغلى

بعد الجزء الاحتفالي من الزفاف في يونيو، عندما تم منحها كزوجة لـ تشول مارول دينج، مقابل دفع 123 بقرة و120 مليون جنيه جنوب سوداني (حوالي 44000 دولار أو 33000 جنيه إسترليني) نقدًا وقطعة أرض، أُطلق عليها لقب “العروس الأغلى في جنوب السودان” في مقاطع فيديو تيك توك التي حازت على آلاف الإعجابات.
قال والدها في ذلك الوقت: “لا يوجد خطأ في هذا الزواج”. وقد وافق على هذا الرأي جارانج ماين رياك، ابن عم أثياك الذي جاء من كندا لحضور الحفل، قائلا: “نحن عائلة متعلمة ولا نستطيع أن نجبر فتاة على الزواج”، مشددًا على تمسكه بتقاليد الدينكا.
وأضاف ماين رياك: “هذا الزواج فريد من نوعه، لأن مثل هذه المسابقات نادرًا ما تحدث في مجتمعنا الحديث، ونحن فخورون به لأنه يذكرنا بمن نحن”.
يحظر قانون الطفل لعام 2008 في جنوب السودان الزواج المبكر والزواج القسري، ولكن وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، فإن زواج الأطفال لا يزال “ممارسة شائعة” وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن 52% من الفتيات في البلاد يتزوجن قبل بلوغهن سن 18 عامًا، مع تزويج بعض الفتيات في سن 12 عامًا.
ويقول تقرير أجرته جامعة إدنبرة، حول نظام “مهر العروس” في جنوب السودان، إن المحاكم العرفية غالبا ما تقبل الحيض كمعيار لأهلية الزواج، ويشير التقرير إلى أن الزواج المبكر ممارسة شائعة ربما بدافع من طموحات الأسر للحصول على مهر العروس لبناتها في أقرب وقت ممكن.

طفولة مسروقة

على مستوى العالم، تتزوج 12 مليون فتاة في طفولتهن كل عام، وفقا لتقرير آخر صادر عن اليونيسيف. وفي مختلف أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تزوج أكثر من ثلث الشابات قبل سن الـ18.
ورغم شيوع زواج الأطفال، فقد استحوذت قضية أثياك على اهتمام البلاد. وفي خضم جنون وسائل التواصل الاجتماعي، شن الناس “حملات” لصالح الخاطب المفضل لديهم. وروج آخرون للزفاف باعتباره تأكيدًا على “ثقافة وهوية الدينكا”، رافضين المنتقدين الذين أدانوا العملية باعتبارها “بيع فتاة بالمزاد”.
ولكن الحملات على الإنترنت لفتت انتباه المحامية جوزفين أديت دينج أيضًا، التي رفعت قضية ضد داو رياك ماجاني في يونيو، زاعمة أنه سمح بزواج قاصر، ودعت إلى إعادة أثياك من كينيا، حيث تم نقلها بعد فترة وجيزة من مراسم الزواج.
وقد أثار منشور على موقع فيسبوك لخالها دانييل ياتش، وهو مواطن كندي، تساؤلات حول عمر أثياك، حيث قال “إنها قاصر” وأدان الزواج المقترح باعتباره مثالًا كلاسيكيًا على الاعتداء الجنسي على الأطفال.
وأردف ياتش: “لقد صدمت للغاية لأنني لم أر أثياك منذ أن غادرت إلى كندا في عام 2015. وبحلول ذلك الوقت كانت تبلغ من العمر 6 سنوات. ثم رأيت المنشورات حول الزواج واكتشفت مدى طولها. لكنها مجرد طفلة. هذه الفتاة الصغيرة تتعرض لغسيل دماغ. إنه أكثر الأشياء جنونًا على الإطلاق”.

الزواج القسري

عندما تم الإعلان عن تشول مارول دينج، كخاطب فائز في 13 يونيو، من قبل لجنة من أعمام أثياك ووالدها، قالوا إنه “اختيارها”.
ولكن هذا لم يقنع ألويل أتيم، وهي ناشطة نسوية من جنوب السودان، وقالت: “كان عليها أن تختار أحدهما، لا أعتقد أنه كان يمكنها عدم اختيار أي من هذين الرجلين”.
وتصف أتيم الترتيب بأنه “شيء قريب من الزواج القسري”، على الرغم من أن أثياك ربما “تفخر بحقيقة أن التعهدات كانت مرتفعة للغاية مقابل مهرها”، مضيفة: “هذا أمر شائع الآن بين هؤلاء الفتيات الصغيرات، حيث يقنعونهن بأنه كلما دفع الرجل أكثر، كلما زادت جدارتك”.
وتقول مديرة الحماية في منظمة التنمية في جنوب السودان “نيل هوب”، سارة ديو بيل: “عندما تواجه ألف شخص يقولون “هذا الزواج مقبول”، تصبح خائنًا في نظر المجتمع، بعقلية الخواجة (الأجنبية)، إنه أمر مرهق عقليًا وعاطفيًا”.
وتعمل بيل مع منظمات محلية أخرى وعاملين اجتماعيين، فضلًا عن الشرطة ووزارة النوع الاجتماعي والطفل والرعاية الاجتماعية، لتوفير الحماية لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في جنوب السودان، بما في ذلك استخدام بيوت آمنة للفتيات اللاتي يهربن من الزواج القسري.
وتقول ديو بيل: “أهل جنوب السودان فخورون للغاية بثقافتهم وهويتهم، وأنا كذلك، ولكن هناك معايير ثقافية تسبب ضررًا أكثر من نفعها”.

وثيقة مزيفة

حاولت والدة أثياك وقف حفل الزفاف، قائلة: “حاولت أن أخبر الأسرة بأن أثياك لا ينبغي أن تتزوج، لكنهم أصروا جميعا، لقد كانوا يبحثون عن الأبقار، لقد رأوا أن أثياك ستجلب لهم تلك الثروة العظيمة، وعندما رفضت، فصلوني عن ابنتي”.
وفي اليوم الذي اتُخِذ فيه القرار بزواج أثياك من تشول مارول دينج، تقول: “حاولت الانتحار، وفي اليوم التالي، قررت الهرب”.
وتزعم ياتش أن شهادة ميلاد ابنتها أثياك وهويتها قد دمرها أفراد آخرون من الأسرة، قائلة: “لقد تسللوا مع أثياك لإصدار شهادة تقدير عمر جديدة، بناءً على تاريخ ميلاد مزيف، في غيابي”، كما تقول.
يقول جواز السفر الجديد أن أثياك ولدت في عام 2005، لكن ياتش لديها وثيقة سفر طارئة تم معالجتها من قبل وزارة الداخلية في جنوب السودان في أغسطس 2015، تنص على أن أثياك ولدت في جوبا في 28 ديسمبر 2009.
اليوم، ياتش محصورة في بضعة أمتار مربعة من المنزل حيث تختبئ، منفصلة عن أطفالها الـ7، وحياتها معلقة. تقول عن أثياك: “لا أعرف مع من تقيم”.
يعتقد المحامي أديت دينج، أن أثياك ربما تكون الآن في نيروبي مع عائلة تشول مارول دينج، الذي عاد إلى كندا، حيث يعمل.
تنتظر أديت دينج القضاء للنظر في ما إذا كانت القضية التي رفعتها يمكن أن تتقدم، حيث ليس من الواضح بعد أن حفل الزفاف العرفي “مختوم” بالفعل.
لكنها تقول إنه من الممكن أن يكون هناك حل آخر: “لقد أخبرت الأب وأفراد الأسرة الآخرين أنه يتعين عليهم إيقاف هذا الزواج مؤقتًا، والسماح لأثياك بالعودة إلى المدرسة لمدة 5 سنوات على الأقل، ثم تقرر بعد ذلك ما تريده”.
لم تتحدث أثياك علنًا عن الجدل المحيط بزواجها. ولكن عشية احتفال العرس في يونيو، أخبرت صحيفة الجارديان أنه لو لم تبدأ عملية الزواج، لكانت “تفضل الدراسة”.