كتبت – أسماء حمدي
منذ أكتوبر 2017، شهد شمال موزمبيق تمردا، وفي الأونة الأحيرة بدأت الهجمات المسلحة تتصاعد وتشيع الذعر بين السكان وشركات النفط المتعددة الجنسيات والتي أصبحت تطالب بتعزيزات عسكرية، بالإضافة إلى الهلع الذي يعتري قوات الأمن بسبب نقص الاسلحة والامكانيات.
وفي مقاطعة موكيمبوا دا برايا، تنشط جماعات إسلامية غامضة منذ عامين ونصف عام، ويقوم المتمردون بحرق القرى، وقتل المدنيين وقوات الأمن والاستيلاء على سيارات الشرطة.
وأسفرت أعمال العنف عن مقتل 700 شخص ونزوح ما لا يقل عن 200.000 شخص، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة “أطباء بلا حدود” التي تعدّ واحدة من المنظمات غير الحكومية القليلة في تلك المنطقة.
وفي فبراير الماضي، أعلن المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أندريه ماهيسيتش “أنّ هناك تصاعدا هائلا في أعداد الهجمات الوحشية التي تقوم بها الجماعات المسلحة، وأن هذه الفترة اتصفت بكونها أكثر الفترات غير المستقرة منذ أكتوبر 2017”.
وأضاف أندريه ماهيسيتش “الهجمات تمتد حاليا نحو مناطق في جنوب كابو دلغادو، مجبرة السكان على الفرار باتجاه مدينة بيمبا”، مشيرا إلى أن واحدا من بين آخر الهجمات وقع على بعد نحو 100 كلم من بيمبا، المدينة التي تضم نحو 200 ألف نسمة.
الأمر أشبه بالأفلام
في الساعات الأولى من يوم 23 مارس الماضي، جاءت الحرب تطرق على باب الفيفا فالمي البالغة من العمر 26 عامًا استيقظت هي وابنة أختها في منتصف الليل ترتعب مما بدا مثل الصواريخ، تليها طلقات نارية وقنابل، تقول الفيفا: “كان الأمر أشبه بالأفلام”.
هربت فيفا وعائلتها بواسطة قارب من بلدتهم الأصلية موكيمبوا دا برايا إلى عاصمة المقاطعة بيمبا، قائلة: “اعتقدت أنني سأموت في رحلة القارب التي تستغرق أربعة أيام ، 300 كيلومتر”.
كانت يوريكو مانويل، 47 عامًا والتي لديها 13 طفلا وخمسة أحفاد، في تلك الليلة أيضا في المنطقة وشهدت مهاجمين “يطلقون النار في كل مكان”، تقول “كنا جميعًا خائفين وركضنا وسط الغابات مع الأطفال، حيث أمضينا يومين مختبئين في مزارع الكسافا”.
أزمة إنسانية
هذا العام، ازداد العنف سوءًا حيث نهب المتمردون المدن الكبرى واحتلوها لأيام، وفي أبريل الماضي بلغت الهجمات ذروتها مثل مذبحة شيتاكسي حيث قتل المتمردون 52 قرويا من سكان بلدة واحدة في يوم واحد، وذلك بعد رفضهم الانضمام إلى صفوفهم.
وردت القوات المسلحة في موزامبيق بهجمات مرتدة على المتمردين، حيث أعلنت قوات الأمن مقتل 129 إرهابيا على الأقل في منطقة كابو ديلجادو بشمال البلاد، بينهم زعيمان تنزانيان.
وقالت وزارة الداخلية في موزمبيق إن القتلى الذين بلغ عددهم 129 سقطوا خلال الشهر، موضحة أن قتلهم جاء انتقاما لهجوم وقع على قرية بمنطقة مويدومبي وراح ضحيته 52 مدنيا.
يواجه العديد ممن فروا من المتمردين الآن موجة من الجوع، يقول ميغيل موميد، مزارع يبلغ من العمر 55 عامًا” هربت من “الأشرار” مع زوجتي وأطفالي السبعة وعشرة أحفاد منذ بداية العام”.
بعد هجوم في قرية موسوميرو، أمضوا الناس شهرين ونصف الشهر يعيشون في الغابات، وفقدوا ما كان بحوزتهم من الطعام القليل الذي استطاعوا الهروب به مع بعض ممتلكاتهم من الهجوم قبل التوجه إلى بيمبا.
وفي حديث صحيفة “التليجراف”، يقول ميغيل موميد “عندما رأيت كل شيء يحترق، أدركت أنني لن أعود، واليوم أعيش في منزلًا مشتركا مع 24 شخصًا، ولم نتلق أي طعام منذ وصولنا”.
أولئك الذين فروا من العنف إلى بيمبا يعيشون بشكل رئيسي في أكثر المناطق هبوطًا في المدينة، والتي غمرها الإعصار العام الماضي.
يقول فاليج تاوابو حاكم كابو ديلغادو، إن السلطات الموزمبيقية تحاول إنشاء مناطق لإعادة توطين للنازحين، بينما تقدم وكالات الإغاثة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر المساعدات.
وبينما يوجد في بيمبا أكبر عدد من النازحين، فر الكثير منهم إلى أماكن أبعد، يقول إرنستو البالغ من العمر 18 عامًا إنه فر على مسافة تزيد عن 400 كيلومتر من مويدومبي في الشمال إلى ناميالو.
يقول مينغا دودا رفيق إرنستو، إن الاختطاف أمر شائع هنا: “هذه حرب حقيقية حيث يقتلون الرجال ويختطفون النساء”.
تقول مواليبا ماتوتا ، وهي لاجئة من مويدومبي، إنها لا تستطيع حتى دفن القتلى،”إنهم يبقون على هذا النحو مهجورون، مقسمون إلى قطع مثل الدجاج”.
بالعودة إلى بيمبا، فر بعض اللاجئين إلى بر الأمان، يقول الكاهن إدواردو أوليفر، الذي بدأ استقبال اللاجئين في ديسمبر الماضي، ” إن “أزمة إنسانية” جارية وستستمر حتى تتمكن العائلات من العودة إلى أراضيهم، فالمشكلة صعبة ونحتاج إلى مساعدات واستجابة عاجلة”.
“ما نحتاجه هو السلام، نحتاج السيطرة على مشكلة الإرهاب قدر الإمكان وضمان أمن القرى الشمالية على الأقل، حتى تتمكن العائلات من العودة إلى حياتهم ومزارعهم حيث يستطيعون تأمين طعامهم”، بحسب الكاهن إدواردو أوليفر.