أماني ربيع
بالنسبة لمعظم الناس تعد المعتقدات والممارسات التقليدية للأفارقة، مثل تاريخهم، غير معروفة إلى حد كبير، خاصة لدى الجمهور الأوروبي والأمريكي، ولا يمكن مقارنة شعبيتها بشعبية الأساطير الإغريقية والرومانية مثلا، والتي وجدت ملايين المعجبين حول العالم بفضل الكثير من الكتب والأعمال الأدبية والأفلام الملحمية المستوحاة منها.
لكن إلى جانب الأساطير اليونانية والرومانية توجد أيضا أساطير خاصة بالثقافات الأخرى التي حاولت بدورها تفسير عجائب الكون من خلال المخلوقات السحرية والأبطال الخارقين، ومنها الأساطير الأفريقية التي نشأت لشرح أصل الحياة والحياة الآخرة والظواهر الخارقة للطبيعة، ومعظمها تم توارثه كتقليد شفهي.
ومع قارة كبيرة مثل أفريقية معروفة بتنوعها العرقي والثقافي حيث تضم أكثر من 10 آلاف مجموعة عرقية مختلفة، يعد من العبث التعامل مع الأساطير الأفريقية ككتلة واحدة تمثل القارة بأكملها، ومن المهم ملاحظة أن كل دولة أفريقية لديها معتقدات وثقافات وديانات منفصلة ومختلفة عن بعضها البعض.
ما هي الأساطير الأفريقية؟
ما يميز أساطير القارة السمراء عن نظيرتها الغربية هو أنها أصبح جزء من الحياة اليومية، وفي الوقت الذي ينظر فيها الغرب للأساطير على أنها حكايات مسلية، نجد أن بعض أجزاء من الأساطير تصبح متأصلة في الممارسات الثقافية.
وتعكس الأساطير الأفريقية في جوهرها قيم ومعتقدات الثقافات المختلفة، تشمل موضوعاتها المشتركة وجود آلهة مختلفة وأرواح الأجداد والارتباط بالطبيعة، على سبيل المثال: تركز أساطير شرق أفريقيا على كيفية ترابط الحيوانات والبشر والطبيعة، وتدور العديد من قصصهم الأصلية حول ولادة إنسان أو خروجه من شجرة أو نبات، بينما تؤكد الأساطير الجنوب أفريقية بشدة على وجود الحياة الآخرة.
وتتمتع جنوب أفريقيا بتاريخ ثقافي ثري لغناها بالعديد من القبائل والمجموعات الإثنية ذات التراث الفريد والمتنوع ، وكل منهم يمتلك قصصا مدهشة وأساطير ساهمت في تشكيل الثقافة العامة لهذه القبائل، وفيما يلي خمسة من أشهر أساطير جنوب أفريقيا:
1 -توكولوشي.. العفريت القزم
يعتبر توكولوشي المخلوق الأكثر شهرة في أساطير جنوب أفريقيا، وهو عبارة عن روح شريرة تشبه عفريت ضئيل الحجم عند قبائل الخوسا والزولو، وبحسب معتقدهم يتم استدعاء توكولوشي من قبل الأشخاص الذين يرغبون في إلحاق الأذى بالآخرين، وتوكولوشي قادر على التسبب في المرض والموت للضحية.
وفقًا للأسطورة الشعبية، يرفع الناس أسرتهم على الطوب لتجنب الوقوع فريسة للتوكولوشي الضئيل، وهناك أنواع عديدة من التوكولوشي، وكلها مخلوقات صغيرة مشعرة وطويلة الأذنين تشبه العفريت وتتغذى على طاقة الأفعال السلبية، وهم مرتبطون دائمًا بالساحر الذي يستخدمهم لتنفيذ أعمال شريرة، ووفقًا للأسطورة، فإن الإجراء الأخير للقضاء على توكولوشي هو دق مسمار في جبهته.
ويوجد اهتمام إعلامي كبير بتوكولوشي الذي يتم استخدامه غالبا ككبش فداء لتبرير الأفعال السيئة أو الحوادث والمواقف المؤسفة التي لا يمكن تفسيرها، ويقوم العديد من المتهمين في جرائم السرقة أو القتل والاغتصاب بإلقاء اللوم أيضا على توكولوشي، حتى أن بعض الناس يلقون اللوم عليه فيما يتعلق بأمور بسيطة مثل النوم الزائد.
2 – أداماستور.. عملاق رأس العواصف
في الطرف الجنوبي الغربي من جنوب أفريقيا يقع رأس الرجاء الصالح، ولكن قبل أن يعرف بهذا الاسم، كان يعرف باسم آخر أكثر خطورة هو “رأس العواصف”، وكان اسمًا مستحقًا، حيث غالبًا ما تكون المنطقة محاطة بالرياح العاتية والبحار العاصفة التي تتحطم العديد من السفن على صخورها.
ويعود إطلاق هذا الاسم إلى الشاعر البرتغالي لويس دي كامويس، الذي أخذ اسم “Adamastor” من الكلمة اليونانية “adamastos”، والتي تعني “لا يمكن ترويضه”، وذكر الاسم في قصيدة بعنوان Os Lusíadas، التي طُبعت لأول مرة عام 1572، وتحكي قصة سفر المستكشف فاسكو دا جاما عبر المياه الغادرة لرأس العواصف عندما التقى بأداماستور.
يأخذ أداماستور شكل عملاق ضخم يظهر من الهواء لتحدي دا جاما، الذي سيحاول المرور عبر كيب ودخول منطقة أداماستور في المحيط الهندي، وفي القصة أعجب أداماستور بشجاعة دا جاما في مواجهة العواصف التي أرسلت لهزيمته، وقام بتهدئة البحار للسماح له ولطاقمه بالمرور، ولا تزال هذه الأسطورة الجنوب أفريقية تعيش في الأدب الحديث لدى المؤلفين الجنوب أفريقيين والبرتغاليين.
3 -الهولندي الطائر.. نذير الهلاك
من المعروف على نطاق واسع في الفولكلور الغربي أسطورة جنوب أفريقيا عن الهولندي الطائر، وهي سفينة شبحية يقال إنها تبحر في المياه حول رأس الرجاء الصالح، وتحاول إلى الأبد الوصول إلى الميناء، وتعد رؤية السفينة نذيرًا بالهلاك، وسيواجه من يرحب بالسفينة ويحقق رغبات الهولندي الطائر نهاية رهيبة.
يرجح أن تكون أسطورة الهولندي الطائر قد نشأت في القرن السابع عشر عندما كانت شركة VOC الهولندية (Vereenigde Oostindische Compagnie / شركة الهند الشرقية الهولندية) في ذروة قوتها وتجتاز مياه جنوب إفريقيا بانتظام، في الوقت الذي تأسست فيه كيب تاون كمحطة راحة في عام 1652.
تم تصوير الأسطورة في الأدب من قبل توماس مور والسير والتر سكوت، وكتب الأخير عن الكابتن هندريك فان دير ديكن باعتباره قبطان سفينة الأشباح؛ الفكرة مستمدة من الكابتن الواقعي برنارد فوكي، الذي كان معروفًا بالسرعة التي تمكن بها من القيام بالرحلات بين هولندا وجاوة (حول رأس الرجاء الصالح)، وبسبب سرعته الأسطورية، كان البعض يعتقد أن فوكي متحالف مع الشيطان.
وعلى مر القرون، كانت هناك مشاهدات مختلفة للهولندي الطائر، لكن السبب الأكثر ترجيحا ا لهذه الرؤى هو سراب معقد يسمى “فاتا مورجانا”، حيث تبدو السفن وكأنها تطفو فوق الماء في الأفق.
4 -الحفرة في الجدار.. عشق تحمله الأمواج
الحفرة الموجودة في الجدار، قبالة ساحل كيب الشرقية، عبارة عن منحدر منفصل ذو فتحة كبيرة، يعتقد شعب الخوسا أنها بوابة لأسلافهم ويطلقون عليها اسم “إيزي خاليني” أو “مكان الرعد”، بسبب الصوت العالي الذي تصدره الأمواج أثناء مرورها عبر الحفرة.
تروي أسطورة الحفرة الموجودة في الجدار في جنوب أفريقيا كيف كانت متصلة بالبر الرئيسي، وتشكل بحيرة يغذيها نهر مباكو، ومنعزلة عن المحيط، وتقول القصة أنه كانت هناك فتاة جميلة تحب البحر، على عكس شعبها، وكانت تجلس على حافة الماء وتشاهد الأمواج تتدفق.
وفي أحد الأيام، ظهر أحد سكان البحر من المحيط، كان لديه أيدي وأقدام تشبه الزعانف وشعر متدفق مثل الأمواج، قال المخلوق إنه شاهدها لبعض الوقت وأعجب بها، وطلب منها أن تكون زوجته، عادت الفتاة إلى المنزل وأخبرت والدها بما حدث، لكنه استشاط غضبًا وقال إن شعبه لن يتاجروا ببناتهم مع أهل البحر، ومنعها من الذهاب إلى البحيرة مرة أخرى.
هربت الفتاة في تلك الليلة للقاء حبيبها الذي أخبرها أن عليها الانتظار حتى ارتفاع المد وسيثبت حبه لها قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى البحر، انتظرت الفتاة، فظهر عدد من أهل البحر يحملون سمكة كبيرة استخدموها في إحداث حفرة في وجه الجرف، لربط البحيرة بالبحر.
ومع وصول المد، ضربت موجة ضخمة الحفرة، كان يركب قمتها حبيب الفتاة التي قفزت بين ذراعيه لتذهب معه بعيدا، ووفقًا لأسطورة الخوسا، فإن صوت الأمواج التي تصطدم بالثقب الموجود في الجدار هو صوت سكان البحر وهم ينادون العروس.
5 -هيتسي إيبيب وجا جوريب.. الإنسان في مواجهة الوحش
في فولكلور قبائل سان وخويخوي، هناك قصة البطل البطل هيتسي إيبيب الذي يتحدى وحشًا عظيمًا يُدعى جا-جوريب وهذه الأسطورة الجنوب أفريقية موجودة أيضًا بين شعب السان في ناميبيا وبوتسوانا.
يرتبط جا جوريب “Ga-Gorib” بجوناب “Gaunab” إله الموت والعالم السفلي، وهو وحش يجلس على حافة حفرة عميقة، يتحدى المارة أن يرجموا رأسه بالحجارة ليسقطوه أرضاً، لكن كل من يقبل التحدي يواجه هلاكًا مؤكدًا، حيث ترتد الصخور عن جا جوريب وتضرب الشخص الذي رماها.
ومع زيادة ضحايا جا جوريب، قرر هيتسي إيبيب قتل الوحش، وهناك نهايات مختلفة للقصة واحدة منها يقوم فيها هيتسي إيبيب بتشتيت انتباه الوحش لفترة كافية للتسلل خلفه وضربه خلف أذنه، مما يؤدي إلى سقوط جا جوريب في الحفرة، وفي نسخة أخرى يتصارع هيتسي إيبيب مع الوحش ويسقط كلاهما في الحفرة، لكن في كل النسخ يهزم هيتسي إيبيب خصمه.