كتبت – أماني ربيع
لماذا مانديلا وحده الذي يحظى بهذا الزخم الواسع وتلك الشهرة الطاغية حتى إنه عندما تُذكر أفريقيا في أي دولة وبين أي مجموعة أشخاص عشوائيين يحضر وجه مانديلا حتى وإن لم يُعرف اسمه؟
في عام 1994 -وعندما انتهى نظام “الأبرتايد” بشكل نهائي- ظهر الوجه الأسمر المشقوق مع ضحكة واسعة وعينين نبيلتين ويديه تلوحان إيذانًا ببدء عصر جديد من الحرية والمساواة، لم تكن الفرحة العارمة وقتها من نصيب سكان جنوب أفريقيا وحدهم، بل كانت موزعة على العالم وبخاصة لدى الفقراء والمهمشين الذين شعروا أن هذا الانتصار في قارة بعيدة يخصهم ويمنحهم الأمل.
المشاكس
في الثامن عشر من يوليو عام 1918، ولد روليهلالا مانديلا في “مفيزو” بولاية “ترانسكاي”، ويعني اسمه “المشاكس” وربما كان لشخصيته المتمردة الرافضة للظلم، نصيبًا من هذا الاسم، وكانت عائلته مسيحية كاثوليكية.
ولد مانديلا في عائلة غنية لها حظوة وسط قبائل المنطقة فوالده كان مستشارًا للزعماء، ولعل التجربة التي مر بها والده كانت أول صدام غير مباشر له مع الاستعمار، فحدث أن اختلف الوالد مع الحاكم المحلي الموالي للاستعمار، وتم على إثر هذا الخلاف حرمانه من لقبه وثروته، تركوا حياة الرفاهية ليعيشوا في قرية نائية، تم فيها تعميد مانديلا الصغير في الكنيسة الميثودية، ثم التحق بالمدرسة، وتم تغيير اسمه ليصبح “نيلسون” ليتماشى مع نظام التعليم البريطاني في البلاد.
بعد وفاة والد مانديلا، سافر الطفل ذو التسع سنوات إلى مقر حاكم قبيلة “ثيمبو” وفي تلك المرحلة، بدأ في دراسة الجغرافيا والتاريخ واللغة الإنجليزية، اهتم بالتاريخ الأفريقي وخاصة الحكايات الشفهية على ألسنة زعماء القبائل، كانت كل الحكايات تتحدث عن السلام الذي عاش فيه الأفارقة قبل مجيء الرجل الأبيض بالكراهية والدم إلى الأرض الخضراء، ليجردوا الأفارقة من كافة حقوقهم.
تلقى تعليمه الداخلي في مدرسة “كلاركيبوري” الداخلية، وكان متفوقًا أكاديميًّا ورياضيًّا، والتحق بجامعة فورت هير عام 1939، وهي الجامعة الوحيدة التي كانت تسمح للطلاب السود بالدراسة في جنوب أفريقيا، كان اهتمام مانديلا منصبًا على القانون الهولندي الروماني لضمان وظيفة في مؤسسات الحكومة وهي أفضل مصير في ذلك الوقت للسود.
انتخب مانديلا عضوًا بمجلس الطلاب، وكانت هناك مشكلات بين الطلاب حول جودة الطعام المقدم وهددوا بمقاطعة الجامعة، واستقال مانديلا من مجلس الطلاب، وهو ما رأته إدارة الجامعة نوعًا من العصيان فتم إبعاد الشاب عن الجامعة لباقي السنة، وتم تخييره بين العجول عن الاستقالة أو الطرد.
سافر إلى جوهانسبرج، والتحق بالجامعة هناك لدراسة القانون، وجذبته الحركات المناهضة للفصل العنصري، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عام 1942، وتحول الحزب إلى حركة شعبية تعتمد على الفلاحين والعمال، وفي عام 1949 لجأوا إلى تنظيم الإضرابات والعصيان المدني بهدف حصول السود على حقوق المواطنة الكاملة، ومنحهم حقوقا نقابية، وتقديم خدمات التعليم بشكل إلزامي ومجاني لكل الأطفال.
وفي أغسطس 1956 خرجت مسيرة تضم أكثر من عشرة آلاف امرأة أمام مبنى الحكومة، دون التصاريح التي تجبرهم السلطات على حملها أثناء سيرهم في الشوارع للمطالبة بالمساواة في الحقوق، بعدها انطلقت مسيرات أخرى في الشوارع، وتم اعتقال أكثر من 156 شخصًا بتهمة الخيانة.
من السِّلم إلى الكفاح المسلح
طوال تلك الفترة كانت سياسة الحزب سلمية، حيث تتم المطالبة بالحقوق من خلال التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية، لكن بدا هذا غير كافٍ، وأصبح لدى أعضاء الحزب إيمان بأن التغيير لن يحدث إلا بالكفاح المسلح، وأن الحقوق ينبغي اقتناصها بالقوة، في ظل تنامي سياسات القمع وتعسف الحكومة وتماديها في سياستها العنصرية.
وخرج روبيرت سوبوكوي -أحد مناضلي حزي المؤتمر- بفكرة تشكيل “بي إي إس” أو الهيئة التشريعية الشاملة لأفريقيا التي تم تشكيلها عام 1959، نظمت هذه الهيئة في الثاني عشر من مارس عام 1960 مسيرة في شاربفيل، ورغم سلميتها أطلقت الشرطة النار على المسيرة ليسقط 69 قتيلا فيما تعرض العشرات للإصابة.
وهكذا تغيرت وجهة نظر مانديلا، وتحولت من السلمية إلى الكفاح المسلح، وفي عام 1961 شارك مع زملائه في تأسيس الجناح المسلح لحزب المؤتمر الأفريقي، أو “أو مكونتو وي سيزوي”، وقاد في تلك السنة إضرابا للعمال استمر لـ3 أيام، وتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن 5 أعوام، ثم أعيدت محاكمته مرة أخرى عام 1963 ليحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
أبارتايد
قبل الخوض أكثر في سيرة مانديلا، ينبغي أولًا أن نفهم ما هو الذي كان يناضل ضده، وكيف كان واقع الحياة في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن “الأبارتايد” تلك الكلمة سيئة السمعة، التي أصبحت مردافًا للعنصرية.
وتعني الكلمة تقسيم شعب واحد إلى أقسام وفقا للون والأصل، يعيشون بشكل منفصل غير متساوين في الحقوق والواجيات، قسم يحظى بالوفرة في كل شيء، وقسم مُهمَّشٌ تمامًا، يندر أن يتقابلا في شارع واحد، عبر هذا النظام عن نظرة البيض للسود ليس فقط باعتبارهم في مرتبة الأجنبي، بل كانوا يُعامَلون مثل الأوبئة التي يجب أن تلزم الحجر الصحي، وليس من المقبول أن تتواجد في مكان به شخص أبيض.
كان الأبارتايد، وتعني في اللغة الأفريكانية “النبذ” بما يعني التهميش والإقصاء والاحتقار، سياسة عنصرية ذات طابع مؤسسي؛ أي أن التصرفات العنصرية تتم بموجب قوانين موضوعة وعلنية تتحدث دون حرج عن شعبين منفصلين يعيشان في دولة واحدة، لكن حقوقهم وواجباتهم مختلفة تمامًا، بدأ هذا النظام عام 1948 وانتهى رسميا عام 1991، خلال تلك السنوات حكمت الأقلية البيضاء التي كانت تمثل قرابة 20% من السكان البلاد عبر إقصاء تام لأغلبية السود في كافة مناحي الحياة لا يعيشون متجاورين ولا يمشون في نفس الشوارع، ويعيشون في مناطق بنيتها التحتية غير آدمية.
وبدأت تنفيذ هذه السياسة عقب فوز الحزب الوطني المتطرف في الانتخابات التشريعية عام 1948، وتم فرض 150 قانونًا كل بنودها تضطهد السود، ومنها قوانين المناطق المسموح بها وقانون التسجيل المدني، أو قانون “السكان” الذي أقر عام 1950، وبموجبه تم تقسيم البلاد إلى 4 مجموعات عرقية هي: “الأفريكان” من البيض، و”اليانتو” السود، والمخلطون، والآسيويون.
كان عدد السكان البيض في ذلك الوقت 5 ملايين شخص مقابل 25 مليون من “البانتو” السود و4 ملايين من الملونين والهنود، أي أن إجمالي السكان غير البيض 29 مليون شخص طالهم اضطهاد الأبارتايد.
وبموجب هذا القانون تم نبذ السود الأغلبية في منطقة فقيرة لا تتجاوز 13% من جنوب أفريقيا، فعاشوا في أحياء مزدحمة دون إمكانيات أو خدمات تذكر، وحتى فيما يتعلق بالتعليم كان من نصيبهم مدارس فقيرة الإمكانيات وليس بها مدرسون مؤهلون، بينما يدرس البيض في مدارس راقية في المدن.
كان هذا النظام العنصري يقابل كل حركات المقاومة بالقمع والسجن والقتل، وتُعتبر مجزرة شاربفيل عام 1960، ومجزرة الطلاب بسويتو عام 1976 شاهدتين على ذلك.
بمرور الوقت أثبت هذا النظام فشله، حيث كانت التغيرات المحيطة إيذانًا بقرب إنتهائه، في ظل موجات التحرر وانتهاء الحرب الباردة، وسقوط جدار برلين، ولم يعد من اللائق تواجده في العصر الحديث، خاصة مع تنامي التعاطف الدولي تجاه قضية شعب جنوب أفريقيا، ومن هنا بدأت مفاوضات الرئيس الجنوب أفريقي دوكليرك مع مانديلا.
ربما سمع الكثيرون عن سياسة الفصل العنصري في نشرات الأخبار، لكن لم يستطيعوا معرفة ما هي حقًّا، لذا في عام 2001 تم إنشاء متحف موضوعه الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتم تشييده في جنوب جوهانسبرج، في المكان الذي انطلق منه الكفاح المسلح ضد “الأبارتايد” عام 1961.
يروي المتحف قصص كفاح المناضلين ضد حكم الأقلية البيض عن طريق اثنتي عشرة “علبة للذاكرة” نتعرف من خلالها على الأبطال الحقيقيين الذين ناضلوا من أجل الحرية، وقام بتجميع مادة المتحف مجموعة من المؤرخين المختصين وصناع الأفلام، لإعلام الناس بحقيقة ما حدث، والمتحف ليس متنزهًا أو “ديزني لاند” بل هو جولة في أحداث تاريخية حقيقية وصادمة.
عند دخول المتحف كان يتم توزيع بطاقتين؛ واحدة مكتوب عليها أبيض والآخر غير أبيض، حتى لو كان الشخص يعتبر أبيض اللون، هنا يبدأ الناس في طرح التساؤلات: لماذا أحصل على هذه البطاقة؟! وهو ما يعطي انطباعًا عما كان عليه الأمر في تلك الفترة الكريهة.
بعدها يتم الدخول إلى ردهة التصنيفات التي تحتوي بطاقات هوية وجوازات سفر، ويلاحظ أنه بينما يمتلك البيض هويات، كان في المقابل السود يمنحون تصاريح كبيرة تحد من حركتهم، وكانوا يحملونها أينما ذهبوا وإذا شوهدوا دونها يسجنون.
وفي قاعة الإعدام السياسي توجد 313 مشنقة وحبلا متدليا، وعلى الجدار 131 اسما هم الأشخاص الذين ماتوا خلال فترة التمييز العنصري، بدأت أحكام الإعدام عام 1961 وانتهت عام 1989، وبعد ذلك الزنزانات الانفرادية التي كان يعاقب فيها الثوريون.
والغريب أنه بعد أعوام أصبح السكان الفقراء في المناطق المحيطة بالمتحف يهاجمون الزائرين كنوع من الاحتجاج على الحكومة التي أنفقت الملايين على إنشاء ما وصفوه “بيتا للموتى”، بينما الأحياء لا يجدون سقفًا يؤويهم.
عودة إلى “ماديبا”
بالعودة إلى سيرة “ماديبا”، أو العظيم المبجل، كما أطلق عليها الشعب باللغة المحلية، نعرف أنه أمضى في السجن 27 عاما، منها 18 في جزيرة روبن؛ حيث أصيب بالسل لسوء المعاملة الطبية لكونه سجينًا أسود، ورغم الظروف القاسية في السجن حصل على بكالوريوس القانون عبر نظام المراسلة من جامعة لندن، وتم نقله عام 1982 إلى سجن بولسمور.
وخلال تلك السنوات السبعة وعشرين حدثت الكثير من الأمور والتطورات التي كتبت النهاية للنظام العنصري، ففي عام 1976 نظم آلاف الطلاب مسيرة تندد بفرض اللغة الأفريكانية، “مزيج من اللغات الهولندية والإنجليزية والألمانية” كلغة رسمية للبلاد، ولغة رسمية في التعليم، وتصدى الأمن للمسيرة بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، فيما عرف بمجزرة “سويتو”.
وبمرور الوقت بدأت حقيقة نظام الفصل العنصري في الانكشاف أمام العالم، وهو ما دفع مجلس الأمن الدولي للتصويت بحظر بيع السلاح لجنوب أفريقيا، وفي عام 1985 قامت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بفرض عقوبات اقتصادية على جنوب أفريقيا، وبهذا تخلت بريطانيا، الحليف التاريخي للنظام العنصري بشكل رسمي عنه.
وكنوع من المقايضة عام 1985، عرض الرئيس بيتر ويليام بوتا على مانديلا الإفراج بشرط التخلي عن الكفاح المسلح وهو ما رفضه مانديلا، وتوالت الضغوطات الدولية على جنوب أفريقيا، ما دفع السلطات إلى إلغاء العديد من قوانين الإقصاء العنصرية، وفي عام 1989 أجبر الرئيس بوتا على التنحي ليتولى مكانه دي كليرك الذي أسقط باقي قوانين التفرقة العنصرية، وتم إعداد دستور جديد عام 1990 والذي منح المواطنين ذوي البشرة السوداء حق الاقتراع مع باقي الأقليات، ثم أطلق سراح مانديلا ورفاقه يوم 11 فبراير 1991، وهي السنة التي تم فيها إلغاء أحكام الإعدام، وإلغاء القيود على الأحزاب السياسية.
في هذا العام أيضًا انتخب مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي، ووجد في رئيس جنوب أفريقيا وقتها فريدريك ويليام دي كليرك يدًا ممدودة بالسلام، وراغبة في تحقيق تغيير حقيقي، كانت أول خطوة هي الاتفاق على إجراء انتخابات يصوت فيها كافة أطياف الشعب، وفي عام 1993، نال الثنائي جائزة نوبل للسلام مناصفة لعملهما المشترك على إنهاء نظام الفصل العنصري، لتُجرى أول انتخابات ديموقراطية في جنوب أفريقيا يوم 27 أبريل 1994، ويصبح مانديلا أول رئيس أسود في تاريخ جنوب أفريقيا.
الذي لا يقهر
أدرك المناضل جيدًا أن القوة الاقتصادية هامة لتحقيق التغيير المنشود، فوضع خطة إعادة إعمار البلاد، وتم إقرار دستور جديد للبلاد عام 1997، وإنشاء حكومة مركزية قوية تقوم على حكم الأغلبية لكنها في ذات الوقت تضمن حقوق الأقليات وحرية الرأي والتعبير، وكان من المدهش بعد كل هذا النجاح أن يعلن مانديلا وقت انتخابات عان 1999 أنه لن يترشح وسيترك العمل السياسي، وكأنه اكتفى بتأمين الأساس لسياسته الرامية لنبذ الكراهية والنهوض بالبلاد عبر عملية تنمية حقيقية وشاملة تشمل جميع المواطنين دون تفرقة، وليمنح الفرصة لغيره في المشاركة في التغيير.
وبعد تركه للعمل السياسي ظل يجمع الأموال لإعمار القرى والمناطق الريفية النائية عبر المداس والمراكز الصحية، وكتب سيرته الذاتية بعنوان “رحلتي الطويلة من أجل الحرية”، وفي عام 2004، زهد كل شيء، وأعلن رسميًّا تقاعده عن الحياة العامة، وعاد إلى قريته الأثيرة “كونو” التي شهدت طفولته ولعبه مع اقرانه وبروغ أحلامه.
لكنه في عام 2007 عقد اجتماعًا مع مجموعة من زعماء العالم لتأسيس مجلس يُعنى يمعالجة أزمات العالم عرف باسم “مجلس الحكماء” الذي يهدف إلى نشر السلام في العالم ودعم المبادرات الإنسانية وتعزيز الديموقراطية حول العالم.
وكان من ضمن أهداف مانديلا كذلك مكافحة الإيدز التي تتصدر جنوب أفريقيا أعلى معدلات الإصابة به، وظهر للمرة الأخيرة في نهائيات كأس العالم 2010 التي أقيمت في جنوب أفريقيا.
كان للمرأة حضور في حياة مانديلا حيثت تزوج 3 مرات؛ الأولى إيفلين نتوكو ميس من 1944 وحتى 1957، وأنجبت له أربعة أطفال، أما أشهر زوجاته فهي ويني ماديكيزيلا من 1958 وحتى 1996 وأنجب منها طفلين، ثم تزوج مرة ثالثة من جراسا ماشيل التي استمرت معه حتى وفاته.
لم تكن سنوات السجن هينة على جسد مانديلا، فقد عانى من السل، وحدثت له مضاعفات كثيرة دخل على إثرها المستشفى أكثر من مرة خلال سنواته الأخيرة، لتنتهي حياته في ديسمبر عام 2013 في منزله بجوهانسبرج، وكانت وفاته أشبه بسحابة حزن عمّت العالم، فهذا العجوز الأسمر أصبح رمزًا ومصدرًا للإلهام وأيقونة للحرية.
اللافت في مسيرة مانديلا أنه بعد تولي الحكم كان من الممكن أن يكتفي بالاهتمام العالمي وتلميع نفسه كمناضل وداعية للسلام، وإبقاء الوضع في البلاد كما هو عليه ليصبح التغيير شكليًّا فحسب، لكنه فعل العكس حيث سعى لتكريس نفسه من أجل اجتثاث بذور العنصرية والكراهية التي غرسها الأبارتاديد في بلاده، وأصبح هو النموذج والقدوة.
في عام 2009، تم تقديم فيلم “Invictus” الذي جسّد مساعي مانديلا للمصالحة عبر العلاقة بينه وبين قائد منتخب الرجبي لجنوب أفريقيا، حيث اعتقد البعض بعد فوزه برئاسة البلاد عام 1994 أنه سيقود حملة عنصرية مضادة ضد البيض، لكنه كان يصرح دائمًا أنه بات زعيمًا لكل مواطني جنوب أفريقيا، وأن من اختار العيش في البلاد من البيض آمن، وسعى لأن ينسى الجميع الماضي العنصري البغيض.
نرى في الفيلم مانديلا يجتمع مع قائد فريق الرجبي الأبيض الذي يؤدي دوره مات ديمون، ويؤكد له دعمه الكبير، ويتابع بنفسه التدريبات، محاولًا أن يكون بنفسه مثالًا للتغيير يمحو به الصور الذهنية السائدة، إنه يعد الشاي لكابتن المنتخب، ويأخذ الحديث منحًى حميميًّا، ويهديه قصيدة أعطت مانديلا يومًا الأمل، نرى مانديلا وقد قرر يبدأ مسيرته الإصلاحية في النفوس والعقول، ليجمع الشعب بكل طوائفه على قلب رجل واحد، من أجل مصالحة حقيقية.
الفيلم يحدثنا عن القيم التي آمن بها مانديلا وسجن من أجلها وعاش لتحقيقها، وهي التي خلدت اسمه في النهاية.