كتبت – أماني ربيع
لم تعد تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد Covid-19، قاصرة على الناحية الصحية المباشرة فحسب، وتسببت سياسات الإغلاق والحظر التي فرضها الفيروس في تداعيات طالت كل المجالات من السياسة إلى الاقتصاد وصولا إلى تهديد الأمن الاجتماعي وبخاصة في المجتمعات الفقيرة.
ومن أبرز تداعيات الفيروس فيما يتعلق بالأمن الاجتماعي، هو تهديد قيود الحظر والإغلاق على الأطفال، خاصة مع تعليق التعليم والمدارس حول العالم، وفي أفريقيا تسبب في أكثر من دولة في أكثر من ظاهرة، مثل تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات وزواج الأطفال، والعنف الجنسي، بحسب خبراء في حماية حقوق الطفل.
الأطفال وجائحة العنف
ووفقا لبيانات البنك الدولي، تم تعليق التعليم لما يقرب من 1.6 مليار طفل حول العالم بعد تفشي فيروس كورونا، وبينما تستعد مدارس العالم لفتح أبوابها مجددا، قد يصبح الأطفال في الأماكن الفقيرة من العالم غير قادرين على العودة أبدا إلى الفصول الدراسية، وبخاصة فيما يتعلق بتعليم الفتيات، وهو ما يبدد العمل والقتال لمدة عقود من أجل تعليم الفتيات، والمساواة بين الجنسين فيما يتعلق بالتعليم.
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، كانت المدارس الداخلية وسيلة حماية للفتيات من تشويه أعضائهن التناسلية، وبسبب كورونا اضطرت الآلاف منهن إلى العودة للمنازل، وبحسب منظمة “يونيسيف” تم تعرض الكثير منهن للختان، وقد لا تعود الغالبية منهن إلى المدرسة مجددا
وتدير المؤسسة الخيرية الهولندية Terre des Hommes منزلاً آمنًا للفتيات في تنزانيا، لحمايتهن من الختان، لكن بسبب الوباء ذهبت جهود المؤسسة أدراج الرياح، وانتصرت التقاليد البالية، ورغم أن تلك الممارسة مجرمة ويعرف من يمارسها أنهم يخالفون القانون، إلا أنهم، مع ذلك، مستمرون في ممارستها لإيمانهم في أهميتها في صيانة عفة الفتيات.
وفي غرب ووسط أفريقيا وحدها، تم إرسال 120 مليون طفل إلى منازلهم بعد إغلاق المدارس، واضطر الكثير منهم إلى القيام برحلات خطيرة للعوة على مدى مئات الأميال بمفردهم.
وأشار إريك هازارد، مدير منظمة إنقاذ الطفولة في أفريقيا، إلى خطر العنف الجنسي الذي تواجهه الفتيات عندما لا يكونون في المدارس، فسبق وحدث خلال أزمة تفشي وباء إيبولا أن زادت نسبة الأطفال الذين تسربوا من المدارس، وبخاصة الفتيات، وحملت أكثر من 11000 فتاة في سيراليون.
وأكد هازارد، أن هذا خطر حاد وحقيقي على يواجه الكثير من الأطفال في أفريقيا ويجب الالتفات إليه والحد منه.
المدارس وسيلة حماية
ويعلق أندي بروكس، مستشار حماية الطفل في غرب ووسط أفريقيا، والذي عمل لـ 30 عاما على هذا النوع من القضايا قائلا: أحد أكبر هواجس الفتيات هو تركهن المدرسة لفترة طويلة ما يعرضهن لخطر الزواج المبكر، فالمدارس هنا ليست مجرد مكانا للتعليم، بل وسيلة للحماية.
وأوضح بروكس أن الالتحاق بالتعليم الثاانوي عاملا رئيسيا في تقليص ظاهرة الزواج المبكر في هذه المنطقة من غرب ووسط أفريقيا ، حيث تتزوج أربع فتيات من أصل 10 قبل سن 18 عامًا، وفي مالي والنيجر و بوركينا فاسو يصل العدد إلى 6 من أصل عشرة.
ويضيف أنه بسبب الضغوط المالية التي أدت إليها إجراءات إغلاق كورونا، سيبحث العائلات عن وسيلة لتخفيف ذلك عبر تزويج بناتهن حتى لو كن طفلات.
وعرض الإغلاق المفاجئ للمدارس العديد من الأطفال للخطر عن طريق إرسالهم في رحلات طويلة بمفردهم إلى منازلهم، بحسب تصريحات بروكس لـ “الجارديان”، وأوضح: “عندما أغلقت المدارس فجأة، وجد الكثير من الأطفال أنفسهم وحيدين في محاولة العودة إلى منازلهم، على سبيل المثال: انتقل أكثر من 7000 طفل من نيجيريا إلى النيجر، وهي لحظة مروعة لهؤلاء الأطفال الضعفاء.
ووفقا لـ اليونيسف والبنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي، فإن الآثار السلبية لإغلاق المدارس على سلامة الأطفال، مؤكدة وموثقة، فمعنى أن تكون خارج المدرسة في أفريقيا، يزيد من خطر حمل المراهقات والاستغلال الجنسي وزواج الأطفال والعنف وغيرها من التهديدات.
وحذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن إغلاق المدارس خطر، ويدحض الجهود التي قامت مؤخرا في توسيع نطاق حصول الأطفال اللاجئين على التعليم، حيث يتم تسجيل أقل من نصف هؤلاء الأطفال في المدارس، وواحد فقط من كل أربعة منهم يذهب إلى المدرسة الثانوية.
وحتى مع اقتراب عودة فتح المدارس، فالمخاوف من استمرار تفشي فيروس كورونا، يخيم على الطلاب العائدين إلى التعليم ، وقد يمتنع الأهالي عن إرسالهم للدراسة حتى عند إعادة فتح المدارس.
إهمال صحة الأطفال
وفيما يتعلق بالأضرار الصحية، فكانت صحة الأطفال في معظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء قبل ظهور فيروس كورونا مهددة بالفعل بسبب الفقر وسوء التغذية وقلة المياه، ولم يكن مستغرب استحواذ التهابات الجهاز التنفسي السفلي والإسهال الحاد على النسبة الأكبر من أسباب وفيات الأطفال الرئيسية دون سن الخامسة، بينما ارتبطت 49٪ من وفيات الأطفال في المستشفيات بسوء التغذية.
كما ينتشر العنف ضد النساء والأطفال على نطاق واسع في أفريقيا، حيث يعاني 99٪ من الأطفال منذ الولادة وحتى سن العشرين من التعرض للعنف أو مشاهدته، وأكثر من 40٪ أبلغوا عن حوادث متعددة للعنف في منازلهم ومدارسهم ومجتمعاتهم.
وإذا كانت هذه الظواهر موجودة بالفعل قبل تفشي كورونا، فقد تسبب نظام الرعاية الصحية الهش والممزق في معظم الدول الأفريقية، في ترك الأطفال في مأساة حقيقية عند مواجهة عاصفة الفيروس التاجي، حيث تسبب الإغلاق والركود الاقتصادي في أضرار جانبية كبيرة، منها ارتفاع معدلات البطالة والصعوبات المالية التي ترفع زيادة العنف المنزلي وتهدد تغذية الأطفال وصحتهم العقلية وفرص حصولهم على خدمات الرعاية الصحية.
ورغم أن كل البيانات الدولية تشير إلى أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا من البالغين ، وأنهم يعانون من أعراض أقل حدة ويقل احتمال نشرهم للفيروس، لكن في دولة مثل جنوب أفريقيا حيث ينتشر فيروس نقص المناعة الإيدز والسل، فقد تكون مناعة الأطفال أضعف في مواجهة هذه الجائحة.
ومن الأخطار التي يواجهها الأطفال أيضا في ظل أزمة تفشي كورونا، هي التركيز على الرعاية الصحية للبالغين على حساب رعاية الأطفال، وبحسب موقع ” dailymaverick”، هناك تقارير صادرة عن العاملين في مجال الرعاية الصحية تتحدث عن تحويل الموارد المادية والبشرية من خدمات طب الأطفال لدعم رعاية الكبار، في وقت تعاني فيه خدمات الأطفال من ضغوط شديدة بسبب الزيادة السنوية في حالات الإسهال والالتهاب الرئوي – بمتوسط 50،000 طفل.
و هناك أيضا تقارير عن سحب خدمات صحة الأم والطفل الروتينية أو تقليصها، إلى جانب تزايد انعدام الأمن الغذائي، ويؤدي انقطاع خدمات التطعيم المختلفة، حتى لفترة قصيرة ، إلى زيادة خطر تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات مثل الحصبة ، مما سيضع عبئًا إضافيًا على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من التعامل مع فيروس كورونا، وقد يؤدي ذلك إلى جيل من الأطفال المعاقين، والذين يعانون من مشاكل صحية، وقد يصل إلى خطر الوفاة بنسب كبيرة.
ويعتبر الحصول على خدمات الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية، والتغذية الملائمة، ليس ضمانا لأن يكون الأطفال على قيد الحياة فقط، بل ويكبرون بصحة ويزدهرون، ويستطيعون أن يكونوا قوة بشرية مؤثرة في المستقبل.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جوتيريس، الدول إلى إعطاء الأولوية للأطفال ودعم حق الأطفال في خدمات الرعاية الصحية خلال خطط الاستجابة لفيروس كورونا.
وبالنظر إلى هشاشة الأطفال في السياق الاجتماعي والاقتصادي الحالي بدول أفريقيت، ينبغي النظر إلى جميع خدمات صحة الأم والطفل الروتينية على أنها ضرورية ويجب الحفاظ عليها، كما يجب اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة الزيادة المتوقعة في سوء التغذية وإساءة المعاملة والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.