كتب. محمد الدابولي
قلق متصاعد عبرت عنه منظمة الصحة العالمية يوم الأحد الموافق 29 مارس 2020 من احتمالية تفشي جائحة كورونا في القارة الأفريقية، إذ تجاوزت عدد الإصابات في أفريقيا وفقا للتاريخ المذكور 1021 إصابة ووفاة نحو 23 منهم، وتأتي تخوفات المنظمة الدولية نظرا لهشاشة الأنظمة الصحية في معظم البلدان الأفريقية والتي قد لا تحتمل مواجهة دخول الجائحة مراتبها المتقدمة كالثالثة والرابعة والخامسة.
ونظرا لتزايد التخوفات الأفريقية من احتماية تفشي الوباء العالمي فرضت معظم الدول الأفريقية حالة حظر جزئي أو كلي علي مواطنيها لأجل تقليل تداعيات فيروس كورونا على الوضع الصحي الأفريقي، لكن الحالة الصحية الأفريقية ليست هي الشاغل الوحيد للحكومات والشعوب الأفريقية، إذ يلوح في الأفق خطر مزدوج قد تعاني منه معظم الدول الأفريقية ألا وهو خطر التنظيمات الإرهابية، التي لا تنفك في توجيه ضرباتها اِلإرهاربية ضد الدول الأفريقية.
يتشابه انتشار فيروس كورونا في أفريقيا مع انتشار التنظيمات الإرهابية فكلاهما يتميز بحالة سيولة شديدة في الانتقال من قطر لأخر دون أية عائق، الأمر الذي يبعث تساؤلات عدة حول كيفيةاستغلال التنظيمات الإرهابية لوباء كورونا في أفريقيا؟.
قبل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي توضيح خصوصية الحالة الأفريقية في الجمع بين الإرهاب والأوبئة الفتاكة، ففيروس كورونا ليس الأول من نوعه الذي أصاب أفريقيا ففي السنوات الأخيرة عرفت أفريقيا تفشي وباء الإيبولا، فيما عانت أقطار مثل الصومال ومالي من خطر انتشار المجاعات والأمراض المرتبطة بها، أي أن أفريقيا خلال السنوات الأخيرة شهدت تلازما بين الأوبئة والإرهاب.
لم تصدر أية جماعة إرهابية بيانات خاصة بخصوص وباء كورونا سوى تنظيم داعش الذي طالب عناصره بضرورة تجنب السفر إلي الدول المصابة بالفيروس، فالأصحاء لا يجب أن يدخلوا أرض الوباء، كما حث أنصاره على الإلتزام بسلوكيات النظافة الشخصية مثل غسل اليدين وخلافه موضحا أن انتشار الوباء عقاب من الله للأمم الكافرة، ومطالبا في ذات الوقت بمواصلة الجهاد بأبسط الوسائل المتاحة دون أن يسميها.
تأتي بيانات داعش متوافقه مع حالته الراهنة في سوريا والعراق وأوروبا فالتنظيم لايريد أن يخسر عناصره ـــــــ التي أصبحت معدودة بعد نجاح عمليات مكافحة الإرهاب التي أجريت منذ عام 2014 وإلي اليومــــــــ بسبب تفشي وباء الكورونا، لكن قد لا يناسب بيان داعش حول كورونا مع فروعه في أفريقيا التي مازالت في حال نشاط دائم رغم تفشي الفيروس ففي 15 ـ 17 مارس 2020 تعرضت معسكرات للجيشين النيجيري والتشادي في منطقة “كوندوغا” في محيط بحيرة تشاد لهجمات إرهابية أدت إلي وفاة 162 جندي من البلدين (92 جندي تشادي و 70 جندي نيجيري)، فيما شهدت موزمبيق جنوبى شرقي أفريقيا تصاعدا مؤخرا في العمليات الإرهابية حيث استولى الإرهابيون على بعض القرى في إقليم كابو ديلجادو في شمال موزمبيق، ومن العمليات الإرهابية الأخيرة تبرز لنا ملامح استراتيجية التنظيمات الإرهابية في استغلال كورونا:
- تشتبك معظم الجيوش الأفريقية في شرق أفريقيا و منطقة الساحل وغرب أفريقيا مع التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر ومستمر منذ سنوات ليست بالقليلة، إلا أن تفشي وباء فيروس كورونا من شأنه إحداث فراغ أمني قد تستغله الجماعات الإرهابية، فالحكومات الأفريقية قد تلجأ إلي حشد طاقتها البشرية خاصة العسكرية في مواجهة انتشار الفيروس، فالجيوش سيكون منوط بها فرض حالة حظر تجول في المدن والقرى وتوزيع المواد الغذائية وخلافه الأمر الذي سيؤدي لتشتت تلك الجيوش وإنهاكها بشكل كبير جدا.
كما أن تلك الجيوش سوف تتخذ المزيد من الاجراءات والتدابير الاحترازية مثل الغاء أجازات الجنود والضباط لكي لا يخالطوا عناصر مصابة بالمرض الأمر الذي سوف يثقل كاهل الجنود بالمزيد من الأعباء النفسية، كما سيتم الغاء التجمعات داخل الوحدات العسكرية بشكل كبير الأمر الذي سيحد في النهاية من فعالية تلك الجيوش في مواجهة العمليات الإرهابية وهو ما اتضح في الهجمات الإرهابية الأخيرة في تشاد ونيجيريا.
- استغلال تخبط الحكومات الأفريقية: بعض الحكومات الأفريقية حاليا تعاني من تخبط شديد إثر إصابة أفرادها بوباء كورونا، فحكومة بوركينافاسو تعاني من تفشي الوباء بين وزرائها إذ دخل أربعة من وزرائها الحجر الصحي نتيجة إصابتهم بالفيروس يوم 22 مارس من ضمنهم وزير الداخلية، وهو ما قد يتيح فرصة ذهبية أمام جماعة نصرة الإسلام في إقليم السوم من أجل اعادة الانتشار.
- تعزيز السخط الشعبي: من المعلوم أن السخط الشعبي هو وقود الجماعات الإرهابية في أفريقيا، حيث تستثمر التنظيمات الإرهابية شعبويتها في البيئات الاجتماعية المهمشة والأكثر معاناة، فلو انتشر الفيروس بشكل قاتل في بعض الأقطار الأفريقية خاصة في المناطق المهمشة سوف يزيد ذلك من حالة السخط العام تجاه الحكومات الأمر الذي قد تتلقفه التنظيمات الإرهابية من أجل توسيع دائرة نفوذها العسكري والعملياتي.
فعلي سبيل المثال تعد مناطق شمال كينيا «منطقة داب داب» من أكثر المناطقة تهميشا في البلاد الأمر الذي عزز من حضور حركة شباب المجاهدين الصومالية في تلك المنطقة، فلو افترضنا فشل الحكومة الكينية في التصدي للوباء خاصة في المناطق الشمالية سيؤدي ذلك إلى تعاظم وجود حركة الشباب بصورة أكبر، كما ينطبق الحال على أقاليم أخرى في أفريقيا مثل إقليم السوم شمال بوركينافاسو والمنطقة الإنجليزية في شمال الكاميرون وغيرها من الأقاليم.
- نشر الإشاعات: تكلمة للنقطة السابقة قد تلجأت التنظيمات الإرهابية إلي نشر الإشاعات والتهويل من انتشار الفيروس من أجل خلق رأي عام مجتمعي ناقم علي اجراءات الحكومات الأفريقية في مجابهة الفيروس القاتل.
- العمل على نشر الفيروس: يلوح في الأفق سيناريو أكثر إخافة ألا وهو سيناريو الإرهابالبيولوجي، حيث يدور تساؤل ماذا لو لجأت التنظيمات الإرهابية في أفريقيا إلي نشر الفيروس من خلال حث عناصرها المصابة على الاختلاط بأكبر عدد من المواطنين الغير مصابيين، ولعل خطابات داعش الأخيرة التي تحث على مواصلة الجهاد بأبسط الوسائل المتاحة قد تكون مدخلا للإرهاب البيولوجي.
- خفض الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب: منذ تفشي الحالة الإرهابية في أفريقيا عام 2012 عملت العديد من القوى الدولية كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على دعم الحكومات الأفريقية في مواجهة الإرهابية، كما نفذت فرنسا حملتين عسكريتين في مالي ومنطقة الساحل هما السرفال وبرخان وساهمت العمليتين لحد كبير في تقزيم التنظيم الإرهابية في الساحل ودفعها بعيدا عن المدن الكبرى، إلا أن متغير جائحة كورونا قد يساهم في خفض الجهود الدولية خاصة الفرنسية، فالمؤشرات الاقتصادية تشير بوضوح إلي خسائر مليارية سوف تعاني منها الدول الكبرى وفي مقدمتها فرنسا الأمر الذي سيدفع صناع القرار في باريس إلي المزيد من الاجراءات التقشفية التيس ستطال الأمن والدفاع وبالتالي تقليل الوجود الفرنسي في أفريقيا عموما ومنطقة الساحل خصوصا.
- تداعي الحكومات الأفريقية في مرحلة ما بعد كورونا: تشير المؤشرات الأولية إلي معانة الاقتصاد العالمي من انكماش حاد خلال الفترة الراهنة والمستقبل القريبفوفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الاونكتاد إلي انخفاض النمو الاقتصادي في العالم بمقدار 2.5 % الأمر الذي قد يدخل الاقتصاديات العالمية في عجز مالي يقدر بـ 2 تريليون دولار تقريبا مما يمهد لدخول الاقتصاد العالمي حالة كساد كبير كالذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، وبالقياس على الاقتصاديات الأفريقية يمكن التنبؤ بانهيارات وشيكة في تلك الاقتصاديات على خلفية انخفاض أسعار المواد الأولية وانخفاض قيمة المنح والمساعدات الأمر الذي سيعرض الحكومات والأنظمة السياسية للانهيار التام تاركة المجال متاحا أمام التنظيمات الإرهابية التي قد ترى في الوباء الحالي طوق نجاه لها من اجراءات مكافحة الإرهاب.