حسام عيد – محلل اقتصادي
يعتبر الكثيرون الكاميرون مصدرًا للحياة في أفريقيا؛ نظرًا لحجمها، وترابطها، وموقعها المتميز، وخطها الساحلي النشط والمنفتح.
إنه بمثابة مدخل إلى البلدان غير الساحلية الأخرى، وموانئه تضع الاقتصاد الكاميروني في اتجاه صعودي، حيث سجل نموًا سنويًا بلغ 4.2% في 2019، مع تقديرات بأن تصل المعدلات إلى 5% في عام 2020، بحسب بيانات “البنك الدولي”.
ويعزى الكثير من النمو الاقتصادي للكاميرون إلى تنوعه، فتحت توجيهات ودعم الرئيس بول بيا ورئيس الوزراء جوزيف ديون نغيوتوت، تلتزم الكاميرون بتعزيز دورها كلاعب اقتصادي رئيسي من خلال تحسين قطاعات البنية التحتية والتمويل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وغيرها.
هذه التغيرات الإيجابية ستمكن الكاميرون من خلق فرص جديدة للاستثمار وتحسين تصنيف البلاد على مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال.
بناء أضخم وأوسع ميناء بوسط أفريقيا
في قطاع البنية التحتية، تعمل الكاميرون على تحسين أسسها التي يمكنها بناء المستقبل عليها. فاليوم، يقوم قطاع الموانئ ببناء واستحداث مواني جديدة لتعزيز التجارة والصادرات والنقل.
على سبيل المثال، مشروع ميناء “كريبي”؛ يعد منفذًا جديدًا مصممًا لتخفيف تدفق حركة المرور من المنافذ الحالية التي تواجه زخمًا كبيرًا.
ونظرًا لكونه الميناء الأحدث في الكاميرون، فهو يتمتع بموقع جيد في وسط أفريقيا، مما يجعله موقعًا متميزًا لفرص الاستثمار الجديدة.
ويقول باتريس ميلوم، مدير عام هيئة ميناء كريبي: “إنه واحد من أعمق (الموانئ) في منطقة خليج غينيا، وبنيته التحتية ومعداته حديثة للغاية”.
فيما أبدى مستثمرون صينيون رغبتهم الحثيثة في تحويل الكاميرونية إلى أضخم وأوسع ميناء في وسط أفريقيا، ومن ثم التحول إلى بؤرة انتعاش اقتصادي نشطة.
ويعد مشروع ميناء كيربي الذاتي الإدارة واحدًا من أكبر المشروعات الاستثمارية الصينية في العالم، إذ إنه سيصنف بعد افتتاحه وبدء تشغيله كأكبر ميناء في المياه العميقة بوسط أفريقيا.
ويتولى بنك الصادرات والواردات الصيني “إكسيم بنك” تمويل 85% من المشروع الذي تقدر تكاليفه الإجمالية بـ1.1 مليار يورو (بما يعادل 1.3 مليار دولار)، فيما تتحمل حكومة الكاميرون تمويل النسبة المتبقية. وتشرف شركة التعاون البحري الصيني “CHEC”، المملوكة للدولة، الإشراف على عمليات التشييد للميناء الجديد.
وتأمل حكومة الكاميرون أن يسهم الميناء الجديد في تحفيز اقتصادها وإحياء ميناء مدينة دوالا، المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، فضلاً عن إتاحة أرصفة شحن واستقبال للسفن العملاقة.
خطوط جوية قارية ومجمعات رياضية
بالإضافة إلى ذلك، جمعت قطاعات البنية التحتية والسياحة قواها لإنشاء طرق جديدة للخطوط الجوية الكاميرونية (شركة الطيران الوطنية كاميرو كو).
فمع توسيع شركة الطيران لأنشطتها ورحلاتها من الداخلية إلى الرحلات الجوية الإقليمية-القارية، سيستمتع اقتصاد الكاميرون بتدفق كبير من العملات الأجنبية لتعزيز الاقتصاد، وكأنها شريان حيوي متدفق.
ناهيك عن مشروع “جابوما”؛ المجمع الرياضي الأكبر، والذي سيساهم في نجاح تنظيم العرس القاري لبطولة الأمم الأفريقية 2021، وهو حدث يهدف إلى استقطاب الزوار ليس فقط من القارة السمراء، ولكن أيضًا من مختلف أنحاء العالم، وكذلك جعل الجميع منبهرًا بما تقدمه الكاميرون والتعرف على إمكاناتها في استضافة وتنظيم الأحداث القارية والعالمية.
وشهدت الآونة الأخيرة انتهاء الكاميرون من تشييد استاد جابوما الوطني في مدينة دوالا، والذي يسع 50 ألف متفرج بتكلفة قيمتها 143 مليون دولار.
ومن المتوقع أن يتحول إلى أيقونة داعمة للازدهار في الكاميرون، ومعززة القطاعات الأخرى.
ويقول توفان سركان، المدير الإقليمي لشركة ينيجين التركية للهندسة والإنشاءات وهي المشرفة على تنفيذ المشروع، إن “جابوما سوف يكون مجمعًا رائعًا، ومن المؤكد أنه سيجذب المستثمرين العقاريين، وسيحدث طفرة عقارية بالكاميرون”.
الوصول الشامل للطاقة النظيفة
ومع تقدم البلد في البنية التحتية والسياحة، فإن قطاع الطاقة جاهز أيضًا للتعامل مع تدفق الزوار والسياح إلى الكاميرون.
بداية، تستثمر الكاميرون في الطاقة النظيفة كوسيلة للقضاء على الاعتماد على الوقود المستورد.
ويحتل الوصول الشامل إلى الطاقة قمة جدول أعمال الحكومة الكاميرونية. ولا يعمل القطاع من أجل تعزيز قطاع الكهرباء فحسب، بل إنه يستكشف أيضًا خيارات الغاز الطبيعي التي ستجعل البلاد أكثر اكتفاءً ذاتيًا.
كما أن البلاد لديها ثروة من مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة المائية، والشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية وطاقة الرياح.
وسمح التنفيذ الناجح لسد “لوم بانجار” في شرق الكاميرون بتقليل اعتماد البلاد على محطات الطاقة الحرارية، حيث يضمن خفض التكلفة والتلوث، بالإضافة إلى توليد 700 جيجاوات ساعة إضافية من الطاقة الكهرومائية، أي ما يقرب من ضعف محطة توليد الطاقة الحرارية التي تعمل على زيت الوقود الثقيل.
ويقول الدكتور ثيودور نسانجو، “هذه الجهود هي السبب في أن البنك الدولي يستشهد بمشروع لوم بانجار كنموذج ناجح لتطوير الطاقة الكهرومائية”.
وسيحسّن هذا السد القائم على نهر ساناجا من انتظام التيار الكهربي ويخفض تكلفته لنحو خمسة ملايين كاميروني. وسيمهد مشروع لوم بانجار الطريق أيضًا أمام تنمية كامل إمكانيات نهر ساناجا من الطاقة المائية والتي تصل إلى 6000 ميجاوات وذلك عن طريق تنظيم تدفق مياه النهر، بحسب “البنك الدولي”.
ثورة الإنترنت والتحول الرقمي
في عالم اليوم، يرتبط التمويل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ارتباطًا وثيقًا؛ وذلك نظرًا لأن تغطية الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء البلاد قد انفجرت من 4.3% في عام 2013 إلى 43.6% في عام 2018، وأصبح المزيد من الكاميرونيين متصلين الآن أكثر من أي وقت مضى.
ومع الأخذ في الاعتبار، يقوم القطاع المالي برقمنة خدماته للتأكد من أن الإدماج المالي هو شيء من الماضي.
إيكو بنك، المجموعة المالية العملاقة بغرب أفريقيا، على سبيل المثال، تدرك أن الرقمنة هي واحدة من أكبر التغييرات التي يشهدها القطاع المالي الكاميروني اليوم، وترى أنها فرصة لتعزيز دورها كرائد رقمي في السوق.
ويقول جويندولين نزو-نغوتي أبوناو، المدير العام لإيكو بنك: “من خلال خدماتنا، يمكن للعملاء إرسال الأموال إلى أي شخص في أي مكان يوجد فيه إيكو بنك”.
وختامًا، يمكن الإشارة إلى مثل قديم يقول: “هناك أسد في كل قلب”. وبما أن الكاميرون هي واحدة من قلوب أفريقيا، يمكن أن ينطبق هذا المثل على إمكانات البلد ومكانته الفريدة في القارة السمراء، من خلال الاستعدادات للبنية التحتية، والتي تؤدي بشكل مباشر إلى مساعدة قطاع السياحة وتحفيز القطاعات الأخرى مثل الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتمويل.
فمن الواضح أن الكاميرون تستعد لمستقبل مزدهر يسمح بسماع “زئير الأسد” من جميع أنحاء العالم.