أماني ربيع
في يناير عام 2020 اقتطع مصور من وكالة أسوشيتدبرس صورة الشابة الأوغندية فانيسا ناكاتي من صورة لناشطات شابات في مجال المناخ خلال حضورهن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، ظهرت اللقطة للعالم تحتلها صديقتها جرينا ثونبرج و3 شابات أخريات بيضاوات البشرة هن: لويزا نيوباور وإيزابيل أكسلسون ولوكينا تيل.
أثار الأمر غضبًا كبيرًا وقتها، واعتبرت ناكاتي تجربتها الشخصية رمزًا لما يحدث مع أصوات وتجارب مجتمعات السود والسكان الأصليين والتي يتم محوها والتغافل عنها بصورة تلقائية، تقول ناكاتي: إن أفريقيا بالفعل تحارب على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ لكنها للأسف لا تتصدر الصفحات الأولى في الجرائد العالمية.
تجاهل عالمي لنشطاء المناخ الأفارقة
“اعتبروني غير موجودة”، هكذا عبرت الناشطة الأوغندية عن رأيها فيما حدث، مشيرة إلى أن العديد من النشطاء الأفارقة يعانون من التجاهل منذ فترة طويلة، ويحاولون جاهدين لإيصال صوتهم، ويشعرون بالإحباط عندما لا يهتم أحد بهم، وبعد موجة من الغضب ، تم استبدال الصورة التي اقتطعت منها ناكاتي، واعتذرت الوكالة لها بشكل علني وشخصي، وقالت في بيان إن ما حدث كان خطأ صريحا لكن دون نية سيئة.
أوضحت ناكاتي أنها تلقت رسائل من نشطاء آخرين مروا بمواقف مماثلة لكنهم كانوا خائفين من التحدث علانية، أو لم يجدوا الكثير من الاهتمام عندما فعلوا ذلك، لكن الشابة الأوغندية حاولت النظر للأمر بصورة أكثر إيجابية لأنه جعل العالم ينتبه إلى وجود نشطاء في أفريقيا ويبدأ في البحث عن قصصهم عن المناخ، وقالت:” “ربما تبدأ وسائل الإعلام في الانتباه إلينا ليس فقط عندما نكون ضحايا مآسي المناخ”.
ومن جهتها عبرت الناشطة السويدية جريتا ثونبرج عن أسفها لما حدث، وقالت إنها تعي أنها تحظى باهتمام كبير من وسائل الإعلام وأن أي شيء تقوله يتحول إلى عنوان يتصدر المواقع الإخبارية، وهو أمر لا يلقاه الكثير من نشطاء المناخ الآخرين من جنوب الكرة الأرضية.
المناخ وأزمة الجوع في أفريقيا
تبلغ ناكاتي من العمر 25 عامًا، وهي ناشطة مناخية ذكية تتحدث عن أزمة بلادها من كامبالا عاصمة أوغندا التي تعتبر واحدة من أكثر الدول المعرضة لأخطار المناخ والكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحتباس الحراري، وفي هذا العام ضربت كارثة مناخية أوغندا توفى على إثرها نحو 29 شخصًا.
بينما نزح الآلاف من مدينة مبالي شرقي أوغندا بعد أن أغرقت الأمطار الغزيرة في فيضانات غمرت منازل ومتاجر وطرق المدينة، وفي شمال شرق أوغندا يواجه نحو نصف مليون شخص خطر المجاعة بسبب الجفاف في كاراموجا حيث مات مئات الأشخاص بالفعل، معظمهم من النساء والأطفال.
مؤخرًا، سافرت ناكتي إلى دولة كينيا المجاورة مع منظمة اليونيسيف باعتبارها سفيرة للنوايا الحسنة وهو الدور الذي سبقها إليه عدد من المشاهير في الرياضة والفن، شاركت الشابة الأوغندية في تجربة بمنطقة توركانا في شمال غرب كينيا والتي تضررت من موجة جفاف طويلة، حيث لم تنزل الأمطار لمدة عامين، هو ما ترك أكثر من 37 مليون شخص في منطقة القرن الأفريقي على شفا المجاعة، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني نحو 7 ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في المنطقة التي تعاني من أسوأ أزمة جوع منذ أكثر من 70 عامًا.
تمكنت ناكاتي عبر هذه التجربة من إدراك تأثير أزمة المناخ الكارثي على أرواح البشر وكيف تدمر سبل عيشهم، وكانت هذه المرة الأولى التي تواجه فيها مثل هذه المعاناة جراء أزمة المناخ بشكل مباشر، وهزها لقاء بطفل صغير في إحدى المستشفيات التي تعالج الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد.
وتعرضت لصدمة عند وفاة الطفل في اليوم التالي، تقول ناكاتي إنها في توركانا فهمت أن أزمة المناخ ليست مجرد إحصائيات أو نسب التغير في الطقس، وأن هناك أحلام وحيوات تنتهي بالموت جراء ذلك.
لن يشهد معظم الناس تأثير هذه الكوارث بأنفسهم، وهو ما يجعل هناك ضرورة لتمكين أصوات وتجارب البلاد والفئات الأكثر تضررا من الوصول إلى المسرح الدولي عبر وسائل الإعلام والمشاركة في مؤتمرات صنع القرار مثل محادثات المناخ في الأمم المتحدة.
أفريقيا الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية
خلال رحلتها إلى كينيا أيضًا، التقت ناكاتي بشاب سألها لماذا تساهم بلدان شمال العالم بالقدر الأكبر من الانبعاثات في الوقت الذي تعاني فيه الأماكن الفقيرة في الجنوب أكثر من غيرها، كان الشاب يعتقد أنهم يعانون بسبب ارتكبا خطأ ما، ووجدت ناكاتي صعوبة في أن تشرح له سبب أن المتأثرين بأزمات المناخ هم الأقل مسؤولية عن هذه الأزمة وهي واحدة من الحقائق المروعة لأزمة المناخ.
تمثل قارة أفريقيا بدولها الـ45 15% من سكان العالم ولكنها تساهم بأقل من 4% من انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية، في الوقت الذي تساهم فيه الصين بـ 23% والولايات المتحدة بـ19%، والاتحاد الأوروبي بـ13%.
تتطلع الدول من جميع أنحاء أفريقيا، ومن جنوب العالم من تأمين مليارات الدولارات من التمويل المناخي للتكيف والتحول إلى الطاقة الخضراء، بالإضافة إلى بحث إنشاء صناديق منفصلة لتعويضات عن الخسائر والأضرار من دول الشمال التي لها الدور الأكبر في تفاقم أزمة المناخ.
حكاية ناكاتي مع قضية المناخ
لم تتخيل ناكاتي أبدا أن تكون جزء من حركة احتجاجية، خاصة وقد نشأت في عائلة ليس لديها توجه سياسي، لكن في بداية عام 2019، كانت على وشك التخرج من كلية إدارة الأعمال بجامعة ماكيريري، وكانت تتوقع الحصول على وظيفة في مجال التسويق، وقبل التحرج طلب من الطلال القيام بعمل تطوعي في مجتمعاتهم، وبدأت ناكاتي في البحث عن التحديات التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية.
فهمت ناكاتي عبر هذه التجربة ما يعنيه الاحتباس الحراري ومدى تأثيره على الصناعة والزراعة بشكل حي وليس من خلال الإحصائيات في الكتب، وعرفت تأثير عدم انتظام هطول الأمطار على المزارعين الأوغنديين وكيف يؤثر ذلك بدوره على إنتاج الغذاء والذي ينعكس على الأهالي بما فيهم أفراد عائلتها، حيث يعتمد نحو 70% من المواطنين على الزراعة وتربية الماشية، وتعد الزارعة العمود الفقري لاقتصاد أوغندا وتمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي.
ومع تقدم عام 2019، بدأت موجات الطقس القاسي تضرب القارة، ففي مارس وأبريل، ضرب إعصار إيداي وكينيث جنوب شرق أفريقيا وترك 2.2 مليون شخص بحاجة إلى الإغاثة من الفيضانات، وفي موزمبيق، نزح بالفعل ما يقرب من مليون شخص بسبب هذه الفيضانات، وخلال الصيف هددت الفيضانات 200 ألأف شخص في النيجر، وفي نوفمبر، سجلت جيبوتي ما يعادل عامين من الأمطار في يوم واحد، بحسب مجلة تايم الأمريكية.
احتجاجات ومجموعات عمل مناخي
أطلقت ناكاتي حركتها الخاصة بالمناخ في نفس العام، وبدأت في الاحتجاج خارج أبواب البرلمان ضد تقاعس الحكومة عن معالجة أزمة المناخ، ثم أسست مجموعة العمل المناخي الشباب من أجل مستقبل أفريقيا وحركة Rise Up، ومشروع the Green Schools ، وقامت بحملات لإطلاق مبادرات المناخ في جميع أنحاء القارة ، بما في ذلك حماية الغابات المطيرة في الكونغو، وتعد الآن واحدة من أكثر الناشطين الشباب شهرة في العالم.
تزور مؤسسات التي ناكاتي المدارس لتوعية الأطفال والتلاميذ بقضايا البيئة، وللمساعدة في تركيب الألواح الشمسية والمواقد البيئية، وشاركت في مؤتمرات Cop25 و Cop26، وإلى جانب الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في منتدى ألباخ.
تعويضات وليست مساعدات
ما تحاول ناكاتي إضافته إلى جدول الأعمال العالمي فيما يتعلق بقضايا المناخ، هو تقييم الخسائر والأضرار، ومعرفة مقدار تكلفة انبعاثات العالم المتقدم للعالم النامي، من حيث الظواهر الجوية المتطرفة وتدمير الموائل وسبل العيش، خاصة وأن الدول الغنية تتعهد دوريًا بالمال من أجل إزالة الكربون وبناء البنية التحتية المستدامة لكن إيقاع التنفيذ بطيء للغاية خاصة وأن المجتمع الدولي يتعامل مع ما يدفعه باعتباره تمويل لمساعدة الدول في التكيف مع متغيرات المناخ وليس تعويضات عن مساهمتهم في التأثير الأكبر لهذه الأضرار.
تقول ناكاتي: “نحن بحاجة إلى صندوق منفصل للخسائر والأضرار، وأن تدفع الأموال للمجتمعات المتضررة ليس كمساعدات وإنما كتعويضات وأن تأتي في شكل منح وليس قروض، لا تريد أن تضيف أزمة المناخ إلى الديون الحالية والكبيرة على دول جنوب العالم”.
قصص أفريقية تبحث عمن يسمعها
تحاول ناكاتي باستمرار الإشارة إلى جهود العديد من النشطاء في أنحاء القارة السمراء، حتى من قبل أن تبدأ هي وترفض التركيز على شخصها باعتبارها صوت أفريقيا الوحيد، وفي نيروبي مثلا، التقت بمجموعة من الشباب الذين يصنعون وقود طهي بديل رخيص الثمن مصنع من النفايات المأخوذة من الأنهار وكونوا شركة طاقة خضراء باسم Motobrix، هدفها خلق وظائف محلية مستدامة، وأشارت الناشطة الأوغندية إلى أن مثل هذه التجارب والقصص بحاجة لأن يسمعها العالم.
توجد قصص أخرى أيضًا، عن تأثير تغيرات المناخ على الحياة في أفريقيا مثل انتشار الجراد في أفريقيا والذي سيؤدي مع الوقت إلى انعدام الأمن الغذائي وهو أمر لا يدرك العديد من الناس في دول الغرب أسبابه، بحسب ناشطة المناخ الكينية ماكينا مويجاي.
بينما أوضح عالم المناخ ندوني ماكونو من معهد التغير العالمي بجامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا، تبعات الجفاف والآثار الأخرى لتغير المناخ التي تجعل ما يقرب من 52 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، وهو أمر لا يلقى كثيرا من الاهتمام وهو ما يعد تحديا رئيسيا للقارة التي تساهم بنسبة 5٪ فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ، ومع ذلك فهي الأكثر تأثرًا.
ناكاتي تشارك في مؤتمر Cop27 بمصر
في عام 2021، تمكن عدد قليل جدًا من النشطاء الأفارقة من حضور مؤتمر المناخ COP26 في جلاسكو، بسبب نقص التمويل وتطعيمات فيروس كورونا، التي كانت متاحة في ذلك الوقت لأقل من 5% من الناس بقارة أفريقيا.
وفي هذا العام يقام مؤتمر Cop27 في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ في مصر، وستكون هذه ثالث محادثة مناخية تحضرها ناكاتي، وتتمنى أن تتمكن من إيصال صوت البلدان الأكثر تضررًا للعالم.
تتمنى الناشطة المناخية فانيسا ناكاتي أن يتمكن جميع النشطاء والمهتمين بمكافحة التغيرات المناخية من جميع أنحاء الأفريقية الحضور والمشاركة بشكل هادف في مؤتمر Cop27 بمصر، وإيصال صوتهم وطبيعة مشكلاتهم.
تقول ناكاتي: “الحكومات والمسؤولين وحتى المنظمات غير الحكومية بحاجة إلى الاستماع والتفاعل مع المجتمعات المتضررة لمعرفة ما يريدون وما يناسبهم وليس مجرد إغراقهم بحلول قد تكون غير مناسبة أو ضارة لهذه المجتمعات، لذا نأمل التوصل إلى حلول خلال المباحثات على طاولة المفاوضات في مصر”.