كتبت – د. سالي محمد فريد

أستاذ الاقتصاد المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة

تتركز الثروات في الساحل والصحراء في المدن الكبرى وفي العواصم ويستقر السكان في المناطق الخصبة رغم محدودية مساحتها على حساب المساحات الكبرى قليلة السكان والجافة، مما سرع من وتيرة التمدن وما يرافقه من استمرار للفقر والحرمان فالثروات التي تحتويها أراضي الساحل لا يستفيد منها إلا الشركات المستغلة والفئات التي تدور في فلكها. هذا بالإضافة إلى ما تواجهه دول المنطقة مثل النيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو وموريتانيا من أزمات مُزمِنة مثل انتشار الإرهاب وتوسُّع رقعة الفقر والمجاعة والصراعات الإثنية والقبلية، وإنشاء قاعدة عسكرية في غرب أفريقيا، خاصة في النيجر قرب الحدود مع ليبيا.

وتهدف هذه الورقة لبحث الأطر المؤثرة على منطقة الساحل والصحراء من زاويتين الأولى الإمكانيات الاقتصادية وفرص الاستثمار الجاذبة والثانية تزايد ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال التعرف على الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدول الساحل والصحراء، وتحديد الإمكانيات الاقتصادية وعرض فرص الاستثمار الجاذبة، وتوضيح القوى الدولية المؤثرة في الساحل والصحراء ودورها في انتشار ظاهرة الإرهاب، ثم تعرض الورقة التحديات التي تواجه انطلاق دول الساحل والصحراء نحو التنمية باعتبار أن الإرهاب أخطر هذه التحديات، وذلك من خلال النقاط التالية:

أولا: الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدول الساحل والصحراء

ثانيا: الإمكانيات الاقتصادية وفرص الاستثمار الجاذبة في منطقة الساحل والصحراء

ثالثا: القوى الدولية في الساحل والصحراء وانتشار ظاهرة الإرهاب

رابعا: الإرهاب كتحدي يواجه انطلاق دول الساحل والصحراء نحو التنمية

أولا: الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدول الساحل والصحراء

تعاني منطقة الساحل والصحراء من عدة اختلالات اقتصادية ومن فساد سياسي واقتصادي، ومن الهشاشة والتدهور، حيث إن معظمها تصنف ضمن فئة البلدان الأقل نموا، هذا بالإضافة إلى الديون الخارجية الكبيرة التي تعاني منها هذه الدول. فبحسب إحصائيات مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، والاتحاد الأفريقي، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، فقد قدر حجم الديون الخارجية لبوركينافاسو بحوالي  1751مليون دولار، وتشاد بحوالي 2134 مليون دولار، ومالي بحوالي  1863مليون دولار، والسودان 34360 مليون دولار. وقدر الناتج المحلي الإجمالي لكل من المغرب والجزائر وتونس أعلى بـ 11 مرة من الناتج المحلي الإجمالي لكل من تشاد وموريتانيا ومالي والنيجر، ويشكل النفط حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي لدول الساحل والصحراء باستثناء ليبيا والجزائر، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل لدول الساحل59 % فقط من متوسط دخل الفرد في أفريقيا جنوب الصحراء مما زاد من هشاشة وضع سكان المنطقة التي يشكل فيها الشباب أقل من عشرين سنة  60%[1].

تعد دول الساحل والصحراء من بين أدنى دول العالم مرتبة على مؤشر رأس المال البشري، الذي يقيس مدى إسهام الصحة والتعليم في إنتاجية الجيل التالي من القوة العاملة. وفقا لتقرير “جول كيبرز”، تبلغ احتمالية وفاة الطفل في تشاد خلال السنوات الخمس الأولى من عمره 55 ضعفا مقارنة بنظيره في فنلندا. ويعيش نصف سكان تشاد تقريبا تحت خط الفقر، ويذهب 50% فقط من الأطفال إلى المدارس، فيما لا تتجاوز نسبة طلاب الصف السادس القادرين على قراءة قصة بسيطة 15%.  وهناك عوامل تؤدي إلى تزايد الفقر مثل تغير المناخ، والنزاعات، مما يزيد من صعوبة استثمار الأسر في رأس مالها البشري[2].

شكل رقم (1) معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة (2013 – 2023)

Source: the International Monetary Fund, Regional Economic Outlook Report 2020, Sub-Saharan Africa Recovery amid Elevated Uncertainty (Washington D.C: the IMF, 2020)

بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في دول أفريقيا جنوب الصحراء عام 2019 حوالي 4% ومن المتوقع أن يستمر هذا المعدل حتى عام 2023.

شكل رقم (2) متوسط نصيب الفرد من الدخل في بعض دول الساحل والصحراء عامي 2018، 2040

Source: OXFAM: Sahel: Fighting Inequality to Respond to Development and Security Challenges, OXFAM Report,  www.oxfam.org

بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل في الدول الأفريقية حوالي 5.5 ألف يورو عام 2018، وفي عدد من دول الساحل والصحراء نجد مثلا هذا المتوسط بلغ في النيجر ألف يورو، وفي بوركينافاسو 1.5 ألف يورو، وفي تشاد 2 ألف يورو، وفي مالي 2.5 ألف يورو عام 2018، ومن المتوقع أن يصل متوسط نصيب الفرد من الدخل في الدول الأفريقية إلى 7.5 ألف يورو عام 2040.

شكل رقم (3) مؤشرات قطاع الصحة عام 2020

Source: OXFAM: Sahel: Fighting Inequality to Respond to Development and Security Challenges, OXFAM  Report, www.oxfam.org

يتضح من الشكل السابق أنه بلغ الإنفاق على الصحة 10.7% من إجمالي الإنفاق العام و3% من الناتج المحلي الإجمالي في بوركينافاسو عام 2020، ووصلت هذه النسب إلى 6% و1.5% في مالي، وبلغت 7% و2.5% في موريتانيا، أما في النيجر فوصلت إلى 9% و2.5%، وفي السنغال 6.5% و1.5%، وفي تشاد بلغت 9.5% و1.8% على الترتيب.

شكل رقم (4) مؤشرات قطاع التعليم عام 2020

Source: OXFAM: Sahel: Fighting Inequality to Respond to Development and Security Challenges, OXFAM  Report, www.oxfam.org

يتضح من الشكل السابق أنه بلغ الإنفاق على التعليم 18.8% من إجمالي الإنفاق العام و4% من الناتج المحلي الإجمالي في بوركينافاسو عام 2020، ووصلت هذه النسب إلى 17% و4.5% في مالي، وبلغت 13% و2.5% في موريتانيا، أما في النيجر وصلت إلى 19.5% و5.5%، وفي السنغال 21.3% و6%، وفي تشاد بلغت 12.5% و2.8% على الترتيب.

لذا يجب على حكومات منطقة الساحل والصحراء الاستثمار بقدر أكبر في تكوين رأس المال البشري. وهذا يعني تقوية النظم التعليمية، حتى يستطيع السكان اكتساب المهارات التي يحتاجونها لتحقيق الازدهار الاقتصادي، كما يعني أيضا ضمان إتاحة خدمات صحية وتغذية جيدة.

ويسعى تجمع دول الساحل والصحراء (س.ص) إلى تحقيق الأهداف التالية :

  • إقامة اتحاد اقتصادي شامل وفقًا لاستراتيجية تنفـذ من خلال مخطط تنموي متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء وتشمل الاستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية وميادين الطاقة.
  • إزالة كافة العوائق التي تحول دون وحدة الدول الأعضاء عن طريق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان الآتي:-
    • تسهيل تحرك الأشخاص ورؤوس الأموال ومصالح مواطني الدول الأعضاء.
    • حرية الإقامة والعمل والتملك وممارسة النشاط الاقتصادي.
    • حرية تنقل البضائع والسلع ذات المنشأ الوطني والخدمات.
  • تشجيع التجارة الخارجية عن طريق رسم وتنفيذ سياسة الاستثمار في الدول الأعضاء.
  • زيادة وتطوير وسائل النقل والاتصالات الأرضية والجوية والبحرية فيما بين الدول الأعضاء عن طريق تنفيذ مشاريع مشتركة.
  • موافقة أعضاء التجمع على إعطاء مواطني الدول الأعضاء نفس الحقوق والامتيازات المعترف بها لمواطنيها وفقا لدستور كل دولة.
  • تنسيق النظم التعليمية والتربوية في مختلف مستويات التعليم والتنسيق في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية[3].

ويعد مصرف س.ص للتنمية والتجارة أحد الجهازين الإضافيين للتجمع، ويهدف إلى القيام بالأعمال التنموية داخل دول التجمع بالإضافة إلى ممارسة أي نشاط مصرفي مالي أو تجاري وإعطاء الأولوية في ذلك للدول الأعضاء، والجهاز الآخر هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ذو مهمة استشارية تتمثل في مساعدة أجهزة تجمع (س.ص) وإعداد سياسات وخطط وبرامج التنمية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويضم (5) أعضاء مختارين عن كل دولة عضو، وله (4) لجان: لجنة التخطيط والاقتصاد والمالية. لجنة التربية والثقافة والعلوم والإعلام والتنمية الريفية. لجنة الشئون الاجتماعية والصحة والبيئة. لجنة النقل والاتصالات والطاقة. يرتبط تجمع س.ص باتفاقيات شراكة مع العديد من المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز العمل المشترك في العديد من المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية[4].

ثانيا: الإمكانيات الاقتصادية وفرص الاستثمار الجاذبة في منطقة الساحل والصحراء

إنّ منطقة الساحل تعد منطقة ذات أهمية اقتصادية، كونها تزخر بالثروات المعدنية مثل الذهب، اليورانيوم، الفوسفات، وباتت الثروة النفطية عامل جذب كبير لدول العالم، إذ تصدر تشاد النفط بما يقارب 200 ألف برميل يوميًّا. وتعتبر مالي ثالث منتج أفريقي للذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا، وتتميز النيجر بكونها ثالث دولة مصدرة لليورانيوم في العالم بعد استراليا وكندا. وتعتبر نيجيريا أكبر دولة مصدرة للنفط بحجم إنتاج يومي يصل إلى 27  مليون برميل واحتياطي يبلغ 36 مليار برميل. إن استقرار منطقة الساحل والصحراء بصفة عامة يعني استقرار المصالح الغربية والأوروبية والمتمثلة في مصادر الطاقة واليورانيوم، حيث تمثل موريتانيا مخزونا هاما من الحديد المهم لصناعة الصلب في أوروبا، وتحتل النيجر المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم بنسبة 8.7% من الإنتاج العالمي وتغطي ما نسبته12 % من احتياجات الاتحاد الأوروبي، كما تشير الدراسات إلى أن تشاد، موريتانيا، النيجر يمثلوا ثروة بترولية[5].

إلى جانب هذه الأهمية الاقتصادية، فإن منطقة الساحل تعد منطقة عبور استراتيجية لمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء ويمتد على مسافة 4128 كم بإمكانيات سنوية قد تصل إلى 30 مليار متر مكعب، ينطلق من واري في نيجيريا ويصل إلى حاسي الرمل بالجزائر مرورا بالنيجر، ويسمح لأوروبا التزود بالغاز الطبيعي، رغم ما قد يعترض تحقيقه من مخاطر جيوسياسية ترتبط بالوضع الأمني في المنطقة وبالتنافس الدولي على ثرواتها .وبذلك فإن مصادر الطاقة التي تتوفر عليها دول الساحل الأفريقي هي ما جعل دول الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى مثل الصين  والولايات المتحدة الأمريكية تتسابق عليها من أجل تنفيذ برامجها، فهي أصبحت تشكل أهمية بالغة لهذه الدول لما تتمتع به من موارد خام لم تستغل بعد وأصبح التنافس حول أخذ النصيب الأكبر منها وتأمين التزود بالطاقة انشغالا لمختلف القوى الدولية التقليدية منها والصاعدة، خاصة أن هذه الثروات لا تخضع لسيطرة سلطة مركزية قوية [6].

يتوفر في موريتانيا إمكانات هائلة وآفاق تنموية لقطاع الصناعة والمعادن، ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30% ، كما يساهم بأعلى صادرات للدولة، ويشغل القطاع بشكل مباشر وغير مباشر 15 ألف شخص.  وتقدر احتياطات الثروة المعدنية على النحو التالي؛ الحديد: أكثر من 1.5 مليار طن، الذهب: أكثر من 25 مليون أونصة،  النحاس: حوالي 28 مليون طن، الفوسفات: أكثر من 140 مليون طن، الكوارتز: أكثر من 11 مليون طن، الملح: أكثر من 245 مليون طن، الجبس: أكثر من 6 مليارات طن[7].  

يمكن للسياحة في موريتانيا أن تكون تجربة فريدة بالنسبة للمستثمرين، وتتميز موريتانيا التي تشكل نقطة التقاء العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء بمخزونها الثقافي، وبتنوع المناظر الطبيعية؛ بصحرائها الشاسعة التي تتيح فرص كبيرة للمغامرات الرياضية والصيد والبري، وتضاريسها الجبلية، ويساهم قطاع الصيد بشكل هام في التنمية الاقتصادية بموريتانيا، من خلال عائداته ومساهمته في التشغيل وتحقيق الأمن الغذائي. وبناء على أن هذا القطاع يعتبر مصدرا متجددا للثروة؛ فقد احتل مكانة هامة في الاقتصاد الوطني، ويراهن عليه بشكل كبير لأن يكون أحد محركات التحول الاقتصادي في المرحلة المقبلة. وتتميز الشواطئ الموريتانية بكونها من أغنى شواطئ العالم حيث تقدر الكميات الممكن اصطيادها، دون الإخلال بالتوازنات البيولوجية للمخزون بـ 1.8 مليون طن سنويا لا تزال نسبة كبيرة منها تصدر كمنتج خام دون تحويل ولا تصنيع .وعلى مستوى النقل البحري تم خلال السنوات الأخيرة توسيع ميناء نواذيبو المستقل، وتجديد الميناء المعدني في نواذيبو، ومضاعفة قدرات ميناء نواكشوط الذي يعرف نمو تجاريا سنويا يصل 9.5% ويمتلك مساحة تخزين تقدر بـ15 ألف هكتار، لا يستغل منها سوى 162 هكتار، وتعتبر هذه الإمكانيات التخزينية هائلة بالقياس لإمكانيات موانئ دول الجوار.

تمتلك موريتانيا ثروات حيوانية وفيرة ومتنوعة، وبمساحات رعوية شاسعة، مما مكن الدولة من تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوانية (لحوم، ألبان، جلود وغيرها من مشتقات حيوانية). وتقدر الثروة الحيوانية في موريتانيا بأكثر من 22 مليون رأس تتوزع على النحو التالي؛ 1,4  مليون رأس من الإبل؛ 1,8 مليون رأس من الأبقار؛ 19.3 مليون رأس من الماعز والضأن، وتتزايد هذه الثروة بشكل مستمر بنسبة تفوق 3.5% سنويا. وتقدر الأراضي الصالحة للزراعة في موريتانيا بأكثر من 500 ألف هكتار؛ منها أكثر من 135 ألف هكتار من الأراضي القابلة للري على الجانب الموريتاني من نهر السنغال؛ لم يستصلح منها حتى الآن سوى 46 ألف هكتار. وتتنوع الزراعة في موريتانيا ما بين الأرز، والقمح، ومختلف أنواع الحبوب، بالإضافة إلى قصب السكر، والخضروات، والبقول، والحمضيات، والزيتيات، والفواكه، كما توجد واحات نخيل كبيرة تنتج كميات من التمور، وتتميز التربة الزراعية بشكل عام بأنها ما تزال بكرا وذات إنتاجية عالية نسبيا.  لقد طورت موريتانيا من البنية التحتية في مجال الاتصالات التي تستجيب للمعايير الدولية، وتم ربط الدولة بأوروبا والدول الأفريقية الساحلية بواسطة كابل بحري من الألياف البصرية، وتتوفر كافة مناطق البلد تقريبا على خدمة الإنترنت والهاتف، ويعتبر هذا القطاع اليوم أحد أكثر القطاعات حيوية في موريتانيا[8].

وتعتبر أهم ثلاثة قطاعات ذات إمكانيات كبيرة للنمو وخلق الوظائف في دول الساحل والصحراء، هي الصناعات الزراعية، والنقل والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية الرقمية، فالزراعة تعد قطاع اقتصادي حيوي في غرب أفريقيا، إذ إنها تساهم بنسبة 35% من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة وتوظف 60% من الأيدي العاملة النشطة[9]. ويتضح من الشكل التالي عائد القطاع الزراعي لكل هكتار في دول الساحل والصحراء ويتزايد هذا العائد حتى عام 2040.  

شكل رقم (5) عائد القطاع الزراعي لكل هكتار في دول الساحل والصحراء

Source: Stellah Kwasi, Jakkie Cilliers, Zachary Donnenfeld, Lily Welborn and Ibrahim Maïga: “Prospects for the G5 Sahel countries to 2040”, West Africa Report 25, (Institute for insecurity studies, November 2019).

لقد عرض المنتدى العالمي الأفريقي للأعمال الذي تنظمه غرفة دبي و«إكسبو 2020 دبي» في نسخته السادسة نتائج الاستبيان الذي أوضح ما يلي:- إن 61% من المشاركين يرون أن الزراعة تمثل القطاع الأكثر جذبًا للاستثمار في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من بين 14 قطاعًا تم تقييمها، يتبعها قطاع الاتصالات بنسبة 45%. من جهة أخرى، أن البيع بالتجزئة والتصنيع المجالان اللذان يوفران أقل عوائد، إذ سجل قطاع التجزئة أدنى مستوى له عند نسبة 17%، والتصنيع عند نسبة 27%، والشكل الأكثر تفضيلًا للاستثمار هو الدفع النقدي بنسبة 61%، والسلع بنسبة 48%، تليها صناديق التحوط المالي والأسهم الخاصة 42%، ومن ثم السندات بنسبة 32%، والأسهم بنسبة 24%، وصناديق الاستثمار بنسبة 18%. وتشكل وفرة الموارد الطبيعية العامل الأكثر تأثيرًا من الناحية الإيجابية في فرص الاستثمار قبل النمو الاقتصادي، والتركيبة السكانية، والأسواق المحلية، والقوى العاملة الكبيرة منخفضة التكلفة، والبيئة السياسية والاجتماعية. وأوضحت نتائج الاستبيان الذي شمل 10 دول من دول أفريقيا جنوب الصحراء، أن غانا الوجهة الأكثر تفضيلًا للاستثمار وحظيت بنحو 63% من آراء المشاركين، تليها نيجيريا بنسبة وصلت إلى  62%، وسجلت غانا أيضًا بالاشتراك مع رواندا درجات عالية باعتبارهما في صدارة الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء والتي تعد الأسهل في ممارسة الأعمال بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وكلاهما حصل على نسبة 53%، في حين اعتبر المشاركون في الاستطلاع أن كوت ديفوار والسنغال البلدان الأقل تفضيلًا لممارسة الأعمال التجارية؛ إذ سجلت كوت ديفوار نسبة 12% والسنغال نسبة 15%[10].

أما عن المعوقات التي تحول دون جذب الاستثمارات إلى منطقة الساحل والصحراء، تبرز مجموعة من العوامل؛ ومنها غياب سياسات تنظيمية واضحة ومتسقة وذلك بنسبة 65%، في حين أشار 61% من المشاركين إلى أن ضعف البنية التحتية هو أحد الأسباب المهمة في هذا المجال. ويبرز نقص العمالة الماهرة ذات المستوى العالي ضمن قائمة التحديات التي تؤثر سلبًا في الاستثمار وذلك بحسب آراء 33% من المشاركين. وأن وجود الأنظمة التجارية الشفافة والأطر القانونية يمكن أن يعطي دفعة قوية للعلاقات التجارية بين أفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ أكد 66% من المشاركين أهمية هذه العوامل، في حين أكد 61% من المشاركين أن قطاعات مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي تمتلك أعلى معدلات فرص الاستثمار في مرحلة ما بعد الجائحة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، تليهما تقنية «بلوك تشين» بنسبة 46%، والطائرات من دون طيار بنسبة 27% والواقع الافتراضي بنسبة 25%، وعلم الروبوتات بنسبة 23%، والطباعة ثلاثية الأبعاد بنسبة 22% وتقنية الواقع المعزز بنسبة 9%[11].

ثالثا: القوى الدولية في الساحل والصحراء وانتشار ظاهرة الإرهاب

أضحت منطقة الساحل والصحراء ساحة للتنافس على النفوذ والهيمنة من القوى الدولية، وذلك في ضوء تشابك العديد من المقومات والمحددات الخاصة بأهمية المنطقة الاستراتيجية التي يشكل التفاعل معها منطلقًا مهمًّا لحصول القوى الدولية على موطئ قدم في منطقة الساحل والصحراء، وذلك في ظل إلحاح بعض القضايا مثل تنامي ظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا، واستمرار أزمة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فضلًا عن مزاحمة بعض القوى الأوروبية في الساحل والصحراء مثل فرنسا وألمانيا، ومحاولاتها المستمرة للتأثير في الملف الليبي بهدف تعزيز نفوذها، وتطويق المصالح الاستراتيجية للقوى المحلية والإقليمية والدولية المناوئة لدور تركيا السلبي هناك، ومنها على سبيل المثال النيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو وموريتانيا في ضوء ما تواجهه تلك الدول من أزمات مُزمِنة مثل انتشار الإرهاب وتوسُّع رقعة الفقر والمجاعة والصراعات الإثنية والقبلية، وإنشاء قاعدة عسكرية في غرب أفريقيا، خاصة في النيجر قرب الحدود مع ليبيا، والأزمات الناشبة في الساحل والصحراء، من موجة الإرهاب التي تجتاح دول المنطقة بفعل انتشار التنظيمات الإرهابية، عبر تقديم المساعدات والتدريب والخبرات العسكرية إلى الدول الأفريقية[12].

تندرج الاهتمامات الدولية بمنطقة الساحل الإفريقي ضمن جوهر السياسة الشاملة للدول الكبرى في القارة الأفريقية. فقد برز الساحل الإفريقي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بوصفه منطقة استراتيجية في ظل الحملة العالمية للحرب على الإرهاب، بسبب انتشار مجموعة من التهديدات الأمنية العابرة للحدود. وثمة أسباب تحولت على إثرها منطقة الساحل -التي تحظى بأهمية جيوستراتيجية في سياسات القوى الدولية- إلى ساحة تنافس يتدافع نحوها العديد من اللاعبين الدوليين بحثًا عن النفوذ والهيمنة والموارد.

فبالنسبة لفرنسا، فإنها تنظر إلى منطقة الساحل باعتبارها منطقة نفوذ تقليدية لها نظرًا لماضيها الاستعماري هناك، تعزز من خلالها موقعها ومكانتها في النظام الدولي في ضوء اعتمادها على الكتلة التصويتية لدول المنطقة التي تدور معظمها في الفلك الفرنسي منذ عقود، وذلك للدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية. كما تعد المنطقة سوقًا واسعة للصادرات الفرنسية، ومصدرًا مهمًّا للحصول على الموارد والثروات الطبيعية، خاصة أن المنطقة قد أضحت إحدى محددات أمن الطاقة بالنسبة لبعض القوى الغربية لا سيما النفط والغاز واليورانيوم[13].

وتزداد أهمية منطقة الساحل في السياسة الروسية نظرًا لوضعها الاستراتيجي كمفترق طرق يربط بين الأقاليم الخمسة للقارة الأفريقية، مما يمكّن موسكو من نسج علاقات جيدة مع دول المنطقة بما يضمن الحصول على دعم أكبر على المستوى الدولي في مواجهة العقوبات الغربية وتحديدًا الأمريكية. إضافة إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في المنطقة من أجل الوصول للموارد والثروات الأفريقية، نظرًا لحاجة موسكو الحيوية إلى تأسيس تحالفات تجارية مع الدول الأفريقية بما فيها فتح أسواق جديدة لتوسيع المبيعات العسكرية الروسية، والمساهمة في تأسيس أسواق ناشئة سريعة التطور، مما يسهم في تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ 2014، وفي الوقت نفسه التواجد بالقرب من مناطق التأثير الجيوسياسي في شرق وشمال القارة بهدف تعزيز النفوذ والحضور الدولي[14].

وتحاول موسكو استغلال تنامي مشاعر العداء للوجود العسكري الفرنسي في بعض دول المنطقة بتقديم نفسها كبديل كفء في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، خاصة مع فشل الاستراتيجية الفرنسية في تحقيق إنجازات حقيقية في هذا الصدد منذ انخراط باريس في الساحل، واتهام البعض لها بأنها تسعى بالأساس لتأمين مصالحها الحيوية في المنطقة، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات الأمنية في دول المنطقة، على نحو قد يمنح موسكو تفوقًا استراتيجيًّا بالتحكم في موجات الهجرة غير الشرعية لأوروبا، وإدارة عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، وما تشكّلانه من ورقة ضغط سياسي يمكن توظيفها في مساومة أوروبا على تخفيف العقوبات وفي ملفات أخرى في مناطق استراتيجية مختلفة في المستقبل. ويعزز هذا الطرح ترحيب بعض دول المنطقة مثل بوركينافاسو والنيجر بانخراط روسي في محاربة الإرهاب، وإدراك موسكو أن باريس باتت وحيدة وسط أزمات المنطقة بعد التراجع الأمريكي خلال السنوات الأخيرة بتخفيض التواجد العسكري بنسبة 10%، وتباطؤ القوى الأوروبية في تقديم المساعدة لها، في الوقت الذي تواجه صعوبات مادية ولوجيستية في تحقيق تقدم في ملف الإرهاب؛ مما يدفع بمنطقة الساحل للتحول باتجاه روسيا التي تسعى لإيجاد موطئ قدم يعزز نفوذها المتنامي في القارة[15].

وتعتمد موسكو في ذلك على عدد من الأدوات من أبرزها تطوير العلاقات الدبلوماسية، وتوقيع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع دول الساحل، ودعم التيارات السياسية المناهضة للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، وتعزيز وجود مجموعة “فاجنر” التي تمثل ذراعًا عسكرية للسياسة الروسية في القارة وتنشط في عدد من دول المنطقة مثل أفريقيا الوسطى ومالي.

وعلى المستوى الاقتصادي، تدرك باريس أثر مخاطر التوجه الروسي نحو الساحل فيما يتعلق بالاستحواذ على موارد وثروات المنطقة، إذ تسعى موسكو إلى تأسيس شراكات اقتصادية وتجارية مع دول الساحل، بهدف الحصول على فرص تجارية واستثمارية قابلة للاستمرار في المنطقة مثل مشروعات الطاقة، وتطوير الطاقة النووية، وبيع الأسلحة الروسية. إذ تستحوذ موسكو على 37.6% من سوق السلاح الأفريقية، وأبرمت شركة “روس أوبورون إكسبورت” الروسية في عام 2019 عددًا من صفقات الأسلحة مع بعض دول المنطقة مثل بوركينافاسو ومالي ونيجيريا وأنجولا. ويشكل الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية نقطة قوة للنفوذ الاقتصادي الروسي في المنطقة. وتسعى موسكو للحصول على الموارد الطبيعية من دول المنطقة الغنية بها مثل الكاميرون وتشاد ونيجيريا ومالي وبوركينافاسو، وتستورد بعض الموارد المعدنية مثل الماس من أفريقيا الوسطى، والبوكسيت من غينيا، والبلاتين من زيمبابوي. كما تتوسع بعض الشركات الروسية مثل “Nordgold” في الاستثمار بقطاع الثروات المعدنية مثل الذهب في دول غينيا وبوركينافاسو ومالي. وتشهد بعض الشركات الفرنسية والروسية تنافسًا في بعض المجالات، فهناك تنافس قوي بين شركة “Rosatom” الروسية للطاقة النووية ونظيرتها الفرنسية “Avenda” للحصول على المزيد من العقود والامتيازات في دول المنطقة[16].

أما على الصعيد الأمني والعسكري، فيشكل المتغير الأمني والعسكري مرتكزًا مهمًّا بالنسبة للسياسة الروسية في الساحل، وذلك في إطار مساعي موسكو لتطوير علاقات التعاون مع دول المنطقة من خلال توقيع أكبر عدد من اتفاقيات الدفاع المشترك والترويج لبيع الأسلحة الروسية لجيوش المنطقة وتعزيز دور مجموعة “فاجنر” العسكرية. فقد وقعت روسيا أكثر من 30 اتفاقًا أمنيًّا مع دول القارة منها مالي وأفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينافاسو والكاميرون وجامبيا وغانا وغيرها.

شكل رقم (6) اثر تزايد الصراعات على النمو الاقتصادي

Source: the International Monetary Fund, Regional Economic Outlook Report 2020, Sub-Saharan Africa Recovery amid Elevated Uncertainty (Washington D.C: the IMF, 2020)

يتضح من الشكل السابق أن تزايد الصراعات يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، حيث يؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي في دول أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 3%.

ومع تصاعد حدة الأزمات الأمنية في المنطقة وتزايد نشاط التنظيمات الإرهابية، سعت بعض دول المنطقة للحصول على الخبرة الأمنية الروسية من خلال شراء الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية، حيث تشير التقديرات إلى اعتماد الجيش المالي على أسلحة روسية الصنع، وكذلك الجيش التشادي الذي يعتمد في تسليحه على السلاح الروسي بنسبة 90%، بالتوازي مع إرسال المستشارين الأمنيين إلى دول مثل أفريقيا الوسطى، وتوظيف شركة “فاجنر” العسكرية التي ينتشر عناصرها في بعض دول المنطقة مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي والسودان وجنوب السودان وتشاد والكاميرون[17].

وفي مؤشر لمساعي تعزيز النفوذ في المنطقة، شرعت روسيا في بناء بعض القواعد العسكرية الخاصة بها في المنطقة مثل تدشين القاعدة العسكرية في السودان وفقًا لاتفاق أُبرم بين البلدين في ديسمبر 2020، كما أنها تدرس بناء قاعدة عسكرية لها في أفريقيا الوسطى؛ وهو ما يفتح المجال أمام بناء قواعد عسكرية روسية أخرى في بعض دول الساحل، وذلك بهدف تطويق التحركات الفرنسية والأوروبية، وتقديم موسكو نفسها بديلًا للدور الفرنسي في مجال الحرب على الإرهاب في المنطقة. وتجد موسكو فرصة جيدة لتوسيع دورها الأمني والعسكري في الساحل والصحراء، خاصة في ظل إخفاق باريس في احتواء نشاط التنظيمات الإرهابية بالرغم من تواجد أكثر من 5200 جندي فرنسي وانطلاق عملية تاكوبا منذ 2020 لمواجهة الإرهاب، وتردد الدول الغربية في التزامها بالأمن في المنطقة، والتأييد الشعبي والسياسي لدور روسي متنامي في مكافحة الإرهاب، حيث تتجه أنظار بعض الدول الأفريقية إلى روسيا كبديل لفرنسا يستطيع القضاء على التنظيمات الإرهابية في الساحل[18].

شكل رقم (7) اثر تزايد الصراعات على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي


Source: the International Monetary Fund, Regional Economic Outlook Report 2020, Sub-Saharan Africa Recovery amid Elevated Uncertainty (Washington D.C: the IMF, 2020)

يتضح من الشكل السابق أن تزايد الصراعات يؤثر سلبا على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يؤدي إلى انخفاض متوسط نصيب الفرد بنسبة 8% في دول أفريقيا جنوب الصحراء.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن حصر اهتمام الولايات المتحدة بتأزم الوضع الأمني في المنطقة فحسب، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى دواع جيو-اقتصادية لها صلة مباشرة بالتنافس فيما بين القوى الكبرى من أجل الظفر بعدد من الاحتياطات النفطية والمعدنیة في منطقة الساحل والمناطق المتاخمة لها خاصة خليج غينيا، وجعلتها تخصص برامج وآليات متنوعة لتحقيق أهدافها فيها. إن تزايد الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية عموما والساحل والصحراء خصوصا مرده إلى كونها مصدرا رئيسا للموارد الطبيعية باعتبار الموقع الحاسم الذي تحتله على خريطة إنتاج النفط العالمي، حيث بلغ إنتاجها بحسب اللجنة الأفريقية للطاقة 11% من الإنتاج العالمي، في حين أن احتياطي القارة من النفط الخام تبعا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية يبلغ 80% من الاحتياطي العالمي الخام، ويتمركز احتياطي النفط في أفريقيا بشكل خاص في غرب أفريقيا ومنطقتي البحيرات العظمى وشمـال أفريقيا، حيث يمتاز النفط الأفريقي بقربه من الأسواق الأوروبية والأمريكية على السواء مقارنة بالنفط الخليجي، كما أن أغلب الدول المنتجة له تعاني أزمات مردها إلى التنافس والصراع على السلطة مما يسهل اختراقها[19].

شكل رقم (8) اثر تزايد الصراعات على الاستثمار والصادرات والإنتاجية

Source: the International Monetary Fund, Regional Economic Outlook Report 2020, Sub-Saharan Africa Recovery amid Elevated Uncertainty (Washington D.C: the IMF, 2020)

يتضح من الشكل السابق أن تزايد الصراعات يؤثر سلبا على الاستثمار والصادرات والإنتاجية، حيث تنخفض الاستثمارات بنسبة 5%، وينخفض ائتمان القطاع الخاص بنسبة 7%، وتنخفض الصادرات بنسبة 5%، وتنخفض الإنتاجية بنسبة 1% نتيجة حدوث الصراعات في دول أفريقيا جنوب الصحراء.

تعد الأهداف الاقتصادية في طليعة الاستراتيجية الأمريكية في الساحل والصحراء، خصوصا بعد تزايد الاكتشافات النفطية فيها، حيث هدفت إلى فتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها الصناعية بالإضافة إلى وجود فرص هائلة للاستثمار في مجال البنية التحتية. فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر السيطرة على النفط الأفريقي إلى إحكام سيطرتها على مخزون النفط العالمي، مما يسهل عليها التحكم في اقتصاديات الدول الكبرى المنافسة خصوصا الصين والاتحاد الأوروبي.

ومن جهة أخرى دخلت الصين منطقة الساحل والصحراء بفضل الاستثمارات الضخمة خاصة الشركات المختصة في الإنشاءات والبني التحتية، إضافة إلى اكتساحها سوق التنقيب، حيث كسرت الاحتكار الفرنسي للتنقيب عن اليورانيوم بحصولها على عقود في المغرب وعقود أخرى للتنقيب عن النفط في تشاد والسودان وموريتانيا، ويمتاز المد الصيني في المنطقة بكونه امتداد براجماتي اقتصادي بحت يخلوا في الغالب من أي تبعات سياسية وهو ما يفضله حكـام القارة[20].

وفي هذا السياق، ربما تجد دول الساحل هامش مناورة أكبر بين القوى الدولية الفاعلة في المنطقة من خلال اللعب على المتناقضات بينها والاستفادة من كافة أشكال الدعم المقدم لها، إلا أنها تظل رهينة للسياسات الدولية في إيجاد حلول قد لا تناسبها لقضايا الأمن والإرهاب ومكافحة الهجرة طالما ظلت قدراتها الاقتصادية والعسكرية ضعيفة، بشكل ينعكس بدوره على فشل التحالفات الإقليمية في مواجهة التحديات والتهديدات بالمنطقة، مما يعني في النهاية الدوران في حلقة مفرغة.

رابعا: الإرهاب كتحدي يواجه انطلاق دول الساحل والصحراء نحو التنمية

إن منطقة الساحل تُعد نموذجًا لمدى قدرة الإرهابيين على استغلال كل أشكال الهشاشة، لكي يجدوا لأنفسهم على حسابها مرتكزات وجود وتكاثر، كما لو أن الأمر أشبه ما يكون بطفيليات تتكاثر على كل جسم استسلم لعوامل المرض والضعف. لقد استطاعت التنظيمات الإرهابية أن تستغل الهشاشة الجغرافية للمنطقة، التي تتأرجح بين المناطق الصحراوية الشاسعة، وبين المناطق الاستوائية التي يغلب عليها الطابع الغابي، وهو ما سمح لها بأن تجد بسهولة مهربا ومخبئا استراتيجية، تصَعِّب مهمة ضبطها ومحاربتها. كما استغلت الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية السائدة، حيث تعد المنطقة من أفقر بقاع العالم كما أنها منطقة تهريب مفتوحة لا يحسب فيها شأن للحدود المحلية، الأمر الذي يجعل جزءًا كبيرًا من التبادلات يتم في إطار غير رسمي، وبالتالي يوفر مناخًا مناسبًا للفساد المالي، وهو وضع يزيد في تعقيد مهام محاربة الإرهاب، على اعتبار أن هذا الأخير يجد سهولة أكبر في تمويل عملياته، وكذلك في الخروج من قبضة القانون، الذي لا يبدو أنه يملك صلاحيات صارمة وحاسمة في المنطقة.

وهذا الوضع والظروف الاقتصادية شجع الإرهابيين على أن يقدموا أنفسهم كبديل عن الدول نفسها، فجعلوا يجْبُون من السكان إتاوات باسم جمع الزكاة، ويروجون لأنفسهم كضمانات للأمن أكثر مما تستطيعه الجيوش النظامية، وذلك في إطار بروباجندا تحاول تبييض الوجه الدموي للتنظيمات الإرهابية. وبسبب قلّة مصادر الدخل البديلة في المنطقة وعدم وجود أي مصدر قادر على منافسة المكاسب التي يمكن تحقيقها بفضل النشاط الإجرامي، فإن اتخاذ خطوات قوية لتفكيك الشبكات الإجرامية يمكن أن يضرّ أكثر مما ينفع. ولعل أفضل ما يمكن أن تقوم به الأطراف الخارجية هو تقديم يد العون في إضعاف الشبكات الإجرامية في شمال مالي، تدريجيًا عن طريق وضع مقاربة دولية متماسكة للحدّ من عمليات دفع الفدية، والتي تعدّ أحد مصادر التمويل الرئيسية للتنظيم، والمساعدة في تعزيز التعاون الإقليمي.

لقد كان الساحل والصحراء على مر التاريخ مركزا للمبادلات والتجارة، وأصبحت الطرق الصحراوية ممرا لتجارة السلاح والمخدرات والمهاجرين، حيث يستفيدون من الدعم الذي تقدمه الجزائر وليبيا للسلع بالإضافة إلى انفلاتها من دفع الحقوق الجمركية، هذا الاقتصاد يطرح تحديات فعلية، وتعتبر ديناميكية التعاون بين شبكات التهريب المنتشرة بين غرب أفريقيا وشمال أفريقيا هي الشاهد على اندماج اقتصادي لجهتي الصحراء.

وتنبع أهمية النشاط الإجرامي المنظم في منطقة الساحل والصحراء من أن ثمّة قلّة من الأنشطة البديلة التي تحقق أرباحًا وثراءً سريعًا مماثلًا. وهذا ينطبق خصوصًا على ثلاث مهمّات توسّعت بشكل ملحوظ وهي؛ تهريب صمغ الحشيش المغربي، وتهريب الكوكايين، وعمليات الاختطاف للحصول على فدية. وقد حوّل الأفراد والشبكات العاملة في هذه الأنشطة ثرواتهم إلى نفوذ سياسي وقوة عسكرية. ووضعت التجارة في السلع المهرّبة المشروعة، والتي تطوّرت في جميع أنحاء المنطقة في العقود السابقة، الركيزة المؤسّسية لتطوير هذه الأنشطة ذات الربحية العالية. في حين تمثّل السلع المشروعة الجزء الأكبر من التدفّقات التجارية عبر الصحراء، والتي غالبًا ما تعتمد على ترتيبات غير رسمية مع أجهزة الأمن والجمارك، ولا تبدو الحدود الفاصلة بين التجارة المشروعة وغير المشروعة واضحة. وتنتشر الشبكات التجارية والاجتماعية التقليدية التي تستند في الغالب إلى الأُسر والمجتمعات المحلية المتخصّصة في التجارة عبر المراكز التجارية في بلدان مختلفة[21].

ومما سبق يمكن القول أنه على دول الساحل والصحراء، أن تعكف على تقوية أساس رأس المال البشري لديها. ولن تكون هذه بالمهمة الهينة، وإن كانت الخبرة تبين أنها مهمة ممكنة في حال توافر استثمار مستدام، وتنسيق وثيق، ونهج شامل. إنَّ النمو الاقتصادي قادر على إحداث تحولات في المجتمعات، وتعزيز الرخاء، وتمكين المواطنين من النجاح والازدهار، ولكن حتى يعود النمو الاقتصادي بالنفع على أفقر أفراد المجتمع يجب أن يصاحبه خلق وظائف أكثر وأفضل، وهو أحد السبل الرئيسية للخروج من الفقر. ولذلك، لا يزال خلق الوظائف من أهم الأولويات الإنمائية لدول الساحل والصحراء وتحديًا جسيمًا.

الهوامش 


[1] International Crisis Group, Islamist Terrorism in the Sahel: Fact or Fiction (Brussels: International Crisis Group, 2020).

[2] OXFAM: Sahel: Fighting Inequality to Respond to Development and Security Challenges, www.oxfam.org

[3] – مصرف الساحل والصحراء للاستثمار والتجارة

http://bsicbank.com

4- المرجع السابق مباشرة

[5] Amy Mackinnon, With Base in Sudan, Military Reach in Africa, Foreign Policy, 14/12/2020, available at: https://bit.ly/3rYFCQP

[6] Ibid

[7]– موريتانيا بلد المليون فرصة استثمار.. وفرة وتنوع في الموارد

https://www.economie.gov.mr

[8] – المرجع السابق مباشرة

[9] Stellah Kwasi, Jakkie Cilliers, Zachary Donnenfeld, Lily Welborn and Ibrahim Maïga: “Prospects for the G5 Sahel countries to 2040”, West Africa Report 25, (Institute for insecurity studies, November 2019).

[10] – المنتدى العالمي الإفريقي للأعمال

[11] – المرجع السابق مباشرة

[12] Theo Locherer, Strategy in Africa, Global Risk Insights, 4/10/2020, available at: https://bit.ly/3cJmLF3

[13] In the CAR, France and Russia engage in a mini Cold War, The Africa Report, 17/2/2021, available at: https://bit.ly/3cZxjjz

[14] Ibid

[15] – أ.د. حمدي عبدالرحمن، تمدد إرهابي: الساحل الأفريقي.. تعثر فرنسي وصعود روسي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 17 ديسمبر 2019.

https://bit.ly/3fsFjeB

[16] Quentin Velluet, France/Russia: Propaganda war on Facebook targets Mali & the CAR, The Africa Report, 21/12/ 2020, available at: https://bit.ly/39x1JaQ

[17] Ibid

[18] Laurent Ribadeau Dumas, La Russie exerce-t-elle une influence au Mali?, Franceinfo: Afrique, 21/11/2020, available at: https://bit.ly/3dMij7S

[19] the International Monetary Fund, Regional Economic outlook Report 2020, Sub-Saharan Africa Recovery amid Elevated Uncertainty (Washington D.C: the IMF, 2020)

[20] Ibid

[21]  الجريمة المنظَّمة والصراع في منطقة الساحل والصحراء

https://carnegie-mec.org/2012/09/13/ar-pub-49370