حسام عيد – محلل اقتصادي
في مواجهة جائحة تهدد كل شيء، بداية من مصادر الرزق والمعيشة الفردية، إلى النظام الاقتصادي العام، يواجه العالم خيارًا بين الانعزالية القومية أو تضامن عالمي أكبر، ومن أجل البشرية كلها يجب أن نختار الأخير.
لقد تحدّى فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” العالم بطرق عديدة، أبرزها؛ الأنماط الاجتماعية وأساليب الحياة؛ العقيدة الاقتصادية، العولمة.
في جميع أنحاء العالم، أجبر “كورونا”، الحكومة والصناعة والناس على التعاون بطريقة لم يكن من الممكن تصورها قبل ستة أشهر.
فكما نعلم ونشاهد جمعيًا الأحداث والتغيرات الحاصلة بوتيرة متسارعة غير متوقعة، فقد تسبب فيروس كورونا في تعطيل الحياة من خلال عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي والدخول في عزلة تامة مع التقييد الفعّال للحدود.
لكن من المحن تولد المنح، فرغم الأعباء والتداعيات الكبيرة للغاية حتى وقتنا هذا، نجح الفيروس القاتل في أن يكون سببًا ملهمًا لتلاقي العقول البشرية من كل صوب وحدب، حاملة إيجابية فكرية وآمال التكاتف في مواجهة أزمة شائعة عشوائية في ضحاياها.
مبادرة الأيادي الآمنة في كينيا
نفس الشيء يحدث في جميع أنحاء العالم، في كينيا، في مبادرة تسمىSafe Hands Kenya (أيدٍ آمنة في كينيا)، يتعاون عدد من الشركات الناشئة بما في ذلك Twiga Foods وJumia وCellulant لتوفير معقم اليدين والصابون والمطهرات.
فيما يتعاون اتحاد آخر من الشركات لتحويل قصب السكر إلى إيثانول (مكون رئيسي لصنع جل الكحول) والعمل مع الشركات المصنعة الأخرى للمساعدة في التعبئة والتوزيع مجانًا للجماهير.
تبرعات وصناديق تضامن بجنوب أفريقيا ونيجيريا
في بعض الحالات، الأموال (الكاش) تكون مطلوبة للمساعدة في الحفاظ على الأعمال، في جنوب إفريقيا، تبرعت عائلة رجل الأعمال “نيكي أوبنهايمر” بمبلغ مليار راند جنوب أفريقي (55 مليون دولار) لمساعدة الشركات الصغيرة.
بينما تم إنشاء صناديق التضامن في جميع أنحاء القارة؛ ففي نيجيريا حشد القطاع الخاص لتوفير شبكة الأمان وكذلك المرافق الصحية التي تبني المستشفيات الميدانية في بعض المراكز الحضرية في البلاد.
نظرًا للوقت المحدود والقدرة المحدودة، يتعين على الحكومات والأفراد والشركات البحث عن طرق جديدة للتغلب على التحديات الصحية والاقتصادية التي تعرض لها الفيروس.
ضخ أجهزة التنفس الاصطناعي
في الولايات المتحدة، دفع الرئيس دونالد ترامب للشركات المصنعة في جميع أنحاء البلاد، إلى تحويل مصانعهم لإنتاج معدات مهمة على نطاق واسع، وضخها في مختلف أنحاء العالم.
فشركات تصنيع السيارات مثل فورد وجنرال موتورز اليوم تصنع أجهزة التنفس الاصطناعي (تهوية الرئة ميكانيكيًّا)، فيما تحولت مواقف السيارات الخاصة بالمحلات ومتاجر التغذية لمختبرات جماعية.
وفي المملكة المتحدة، يعمل جيمس دايسون، المخترع البريطاني ومؤسس شركة “دايسون” Dyson للمنتجات الكهربائية والتكنولوجية، على تصميم وبناء 10 آلاف جهاز تنفس طبي مبدئيًّا، لوضعها في تصرف المؤسسات الصحية والمستشفيات التي تستضيف مرضى فيروس كورونا.
كما أطلقت سبعة فرق مشاركة في بطولة العالم للفورمولا 1، وهي التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًّا لها، وهي (مرسيدس، ريد بُل، رينو، ماكلارين، هاس، رايسنغ بوينت، ويليامز)، ما يُسمى مشروع Pitlane (مشروع منطقة الصيانة) وهو جزء من عملية التصنيع في المملكة المتحدة لتقديم أجهزة تنفس لكل الهيئات التي تحتاج تلك الأجهزة. وبالفعل نجحوا في تطوير نموذج أولي لتصنيع 10 آلاف جهاز تنفس اصطناعي.
وكانت شركة ميدترونيك العالمية المتخصصة في مجال التكنولوجيا الطبية، أعلنت عن إسقاطها حقوق الملكية الفكرية عن أجهزة التنفس الاصطناعي التي تمتلكها، ومشاركة كل التصميمات مع الدول للبدء في تصنيعها فورًا، قائلة: “إن هذا القرار جاء استجابة لاحتياجات الوكالات الحكومية على مستوى العالم”.
تضامن غير مسبوق
وتقدم شركة أوب Uber ، وهي شركة نقل الأجرة، 300 ألف رحلة مجانية لنقل طاقم الممرضات والأطباء في المملكة المتحدة (NHS staff) من وإلى العمل.
تعاون مجموعة من المطاعم (التي تم إغلاقها فعليًّا) عبر شركةDeliveroo الإلكترونية لتوصيل الطعام، للمساعدة في توفير وتوصيل وجبات الطعام لعمالNHS المنهكين على مدار الساعة.
فيما تستخدم العلامات التجارية الفاخرة سلاسل التوريد الخاصة كمواد خام ومصادر لإنتاج المعدات الوقائية، وتنتج بربري بيت الأزياء البريطاني الفاخر- المعروفة بمعاطف الخندق، أقنعة الوجه اليوم، بينما قامت العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة LVMH (مويت هنسي لوي فيتون) بتحويل مصانعها من إنتاج العطور إلى صناعة جل اليد (مطهر) الذي تم توزيعه على المستشفيات في جميع أنحاء فرنسا.
وختامًا، يمكن القول: أصبح من الواضح أن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذا الوباء هي زيادة التعاون، متمثلًا في؛ عمل الحكومة وقطاع الأعمال معًا؛ تعزيز العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب؛ وزيادة الشفافية والتعاون بين الدول.
الجهد المنسق العالمي فقط هو الذي سيسمح بإنتاج أكثر كفاءة للمعدات، بالإضافة إلى القدرة على توزيعها بشكل أكثر عدالة إلى حيث تشتد الحاجة إليها، بالإضافة إلى خطة اقتصادية عالمية، لأولئك الذين لا يمتلكون قدرة تحفيزية بــ2 تريليون دولار.