كتبت – أسماء حمدي
تنتشر ظاهرة الزواج القسري والمبكر في جزء كبير من غرب إفريقيا، وتحديدا في النيجر التي لديها أعلى معدل في العالم، حيث تتزوج واحدة من كل فتاتين قبل بلوغ سن الخامسة عشر، وتتزوج حوالي ربع الفتيات في هذا السن.
وتعد ظاهرة الزواج القسري والمبكر الذي ينتشر في بعض المناطق، أقرب إلى العبودية حيث تبيع العائلات الفقيرة بناتها القاصرات إما بسبب الحاجة المادية أو مقابل إلغاء ديونها، وتحاول أطراف عدة التصدي لهذه الظاهرة لا سيما وأن الفتيات يتعرضن لمعاملة سيئة كالضرب والإغتصاب.
قد يكون زواج الأطفال متجذرًا في التقاليد، لكن قبل انتشار فيروس كورونا المستجد، كانت حكومة النيجر حريصة على قلب هذه الممارسات، حيث شجبها الرئيس محمد إيسوفو العام الماضي باعتباره ميولًا للأطفال.
في مقدمة الكفاح ضد هذه الممارسة، توجد لجان حماية الطفل، التي أنشئت الآن في كل قرية في النيجر، وتتألف من مختلف الشيوخ والمسؤولين مثل المعلمين والزعماء التقليديين والدينيين.
ومع ذلك، تم تعليق الكثير من العمل لمنع زواج الأطفال خلال الأيام الأولى للوباء، بعد الإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في مارس، وتم إغلاق المدارس وحظر التجمعات ولم تفتح حتى يونيو.
يقول إيف هابوموجيشا، المدير الوطني لمنظمة الرؤية العالمية، التي تدعم الحكومة في سعيها لإنهاء هذه الممارسات: “المدرسة هي آلية حماية للفتيات، لكن وجود الفتيات في المنزل وفي حالة إغلاق، يعني أنهن فريسة سهلة لهذه الزيجات، بالإضافة إلى إن تفاقم الفقر يعني أيضًا أن الأسرة ستكون أكثر عرضة لتزويجهم”.
يشير هابوموجيشا إلى أن التقارير تظهر أن العديد من الفتيات تزوجن خلال فترة الإغلاق، لكن من الصعب الحصول على أدلة قاطعة، حتى عندما أعيد فتح المدارس في يونيو، كان الآباء مترددين في إعادة أطفالهم، ويخشى هابوموجيشا من أن بعض الفتيات والأولاد قد يضيعون دون التعليم إلى الأبد.
وأعرب هابوموجيشا عن شعوره بالقلق من أن الوباء والاضطراب الاقتصادي الناتج عن ذلك وتقليل تمويل المانحين، قد يؤدي أيضًا إلى تعليق خطط الحكومة لمعالجة مشكلة زواج الأطفال.
يبلغ سن الزواج القانوني حاليًا في النيجر 18 عامًا للفتيات و 15 عامًا للأولاد، لكن الحكومة تأمل في رفعه إلى 21 عامًا، كما أن لديها هدفًا لخفض معدل زواج الأطفال من 27 في المائة من الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا إلى 17 في المائة من خلال 2022.
وخططت منظمة الرؤية العالمية، هذا العام للجمع بين القادة الدينيين والمجتمعيين المؤثرين من جميع أنحاء البلاد لمناقشة هذه القضية، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الاجتماع سيمضي قدمًا، حيث يُنظر إلى الحصول على دعم القادة الدينيين والمجتمعيين على أنه أمر بالغ الأهمية لإنهاء هذه الممارسة.
عواقب وخيمة
في تورودي وهي بلدة صغيرة تقع على بعد حوالي ساعة بالسيارة من العاصمة نيامي، وبالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو، والتي تعد معقل للنشاط الجهادي يلعب كل من القس والإمام المحليين دورًا مهمًا، على الرغم من اختلاف معتقداتهم، ويرى القس إريك العديد من الفتيات يتزوجن رغما عنهن، وقد انتهى الأمر ببعضهن إلى الانتحار، قائلا: “إن زواج الأطفال له عواقب وخيمة”.
في موسم الرياح الدافئة التي تهب من الصحراء وتغطي كل شيء بغبار برتقالي ناعم، وفي يوم هادئًا، تجلس كريمة التي تعيش مع عائلتها في كوخ صغير أثاثه الوحيد عبارة عن سريرين معدنيين وبعض السجاد الملون، وفي الفناء الواقع خارج المنزل يركض الدجاج تحت الأقدام و يخترق الماعز جدران الكوخ الرقيقة، وتتناثر القمامة البلاستيكية المتناثرة وشواحن الهواتف المحمولة التي تعمل بالطاقة الشمسية.
وفي حديث لصحيفة “التليجراف”، تحكي كريمة قصتها بتردد، وهي تحارب دموعها وتلف الحجاب بين أصابعها، وتتذكر اليوم الذي علمت فيه العام الماضي، أنها ستصبح الزوجة الثانية لابن عمها الذي يكبرها بكثير، قائلة: “عندما سمعت أنني سأتزوج، كنت أبكي وكنت غاضبة جدًا”.
تم “الزواج” في غياب الفتاة البالغة من العمر 11 عامًا، وقد صُدمت عندما أخبرها والديها أنها ستنتقل إلى قرية أخرى للعيش مع ابن عمها، تقول وعيناها تبكيان: “لم أستطع الزواج من ذلك الرجل”.
تدخلت المنظمة وأنقذت كريمة، كما تدخلت معلمتها وتمكنت من إقناع والديها بوقف الزواج تمامًا، يقول والد كريمة إنه كان سيسمح لها بالتأجيل لكن كريمة كانت مصرة على أنها لا تريد الزواج على الإطلاق.
لكن غضب كريمة المستمر من الموقف كان واضحًا عندما بدأت في البكاء: “من الصعب جدًا أن تعيش مع شخص لا تحبه، إذا كنت لا أحب هذا الشخص، فهذا صعب، أنا أتحدث من كل قلبي، إذا تزوجت فتاة صغيرة فإنها تحمل، يمكن أن تواجه مشاكل عندما تلد، أقول لأصدقائي ألا يتزوجوا في سن مبكرة، وأنا أريد أن أذهب إلى المدرسة للحصول على المعرفة، وليكون لي مستقبل”.
مشاهد صادمة
يقول علي سفري، أمين المظالم الحكومي الذي تتمثل مهمته في التدخل عندما يكون الآباء عازمين على الزواج من بناتهم، إن الآباء يفضلون رؤية ابنتهم متزوجة بشكل غير سعيد على إنجاب طفل خارج إطار الزواج.
شهد سفري في رحلاته حول البلاد بعض المشاهد الصادمة، التقى بأرملة تبلغ من العمر سبع سنوات، والتي أصيبت فيما بعد بالجنون، لأنك في النيجر إذا فقدت زوجك فإنك تفقد الحق في الكلام، مضيفا: “لقد فقدت طفولتها”.
يضيف: “قابلت فتاة تزوجت في الثانية عشرة من عمرها، كان الزوج في الخمسين من عمره وسمع الجيران الفتاة تصرخ في الليل، لكن الجيران قالوا إن الفتاة كانت تبكي من شدة الفرح، ولم يتدخلوا هذه معاملة غير إنسانية، هذه ليست جريمة بحق الإنسان، إنها جريمة بحق الله، لا أحد لديه الحق في القيام بذلك”.
ويرى العديد من الأشخاص، إن الأئمة هم من يحتاجون إلى إقناع أكبر بأمراض هذه الممارسة، لكن الإمام إبراهيم اللطيف ليس من بينهم، قائلا: “نحن نعي مخاطر ذلك وأفضل إقناع الناس بمخاطر الزواج المبكر من خلال خطبة الصلاة”.
يعتقد البعض أن القرآن يسمح بزواج الأطفال لكن الإمام إبراهيم يوضح موقف الإسلام عن ذلك، قائلا: ” لقد نهى الإسلام عن زواج الفتاة بالقوة، وزواج الأطفال مرادف للزواج القسري، ونص الإسلام واضح في ذلك”، مشيرا إلى أن المعايير الثقافية هي التي تشكل عقبة كبيرة.
تقول إلباك زينبو تاري باكو، وزيرة شؤون المرأة والطفل في النيجر، نحن مصممون على رؤية نهاية لزواج الأطفال وحقيقة أنه يجري الحديث عنه هي تقدم، ففي الماضي لم نكن نجرؤ على الحديث عن زواج الأطفال ولكن الناس يتحدثون عنه الآن، مما يعني أن سلوك الناس بدأ يتغير.
وتسلط باكو الضوء على أهمية إشراك الفتيات في التدريب والتعليم، لكن النقاش لا يزال يعود إلى الفقر والأمن وهما مشكلتان متشابكتان بشكل لا ينفصم.
يوافق هابوموجيشا على وجود إرادة سياسية قوية، لكنه يقول إن الوباء والاضطراب الاقتصادي الناتج عن ذلك وانخفاض تمويل المانحين سيجعل المشكلة أسوأ، مضيفا: “أنا قلق من أن الوباء يضيف صعوبة إلى قائمة أولويات الحكومة، وهناك انعدام للأمن وتغير مناخي وخطر الجراد القادم من الشرق إلى الغرب وعواقب كورونا على الاقتصاد، وهذا يجعلني أخشى أن زواج الأطفال قد يجد نفسه في أسفل قائمة الأولويات”.
يعني الوضع الأمني المعقد بشكل متزايد أن 21 في المائة من ميزانية الحكومة تذهب الآن للأمن، مقارنة بـ 3 في المائة فقط للتغذية والتعليم.
عندما تعيش في فقر مدقع، يكون لدى العائلات خيارات محدودة، العائلات ذات المستوى التعليمي العالي هي العائلات التي تبقي أطفالها في المدرسة، بينما تنظر العائلات الفقيرة إلى هذه الزيجات كمساعدة لها على البقاء، خاصة في الأوقات الصعبة.
“إذا استثمرت في التعليم وخلقت فرصًا وبدائل لهؤلاء الشباب، فأنت تضع أسس الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”، بحسب هابوموجيشا.