كتبت – أسماء حمدي
جبال تعانق السحاب وسهول خضراء، وطبيعة سخية خلابة، تراها عندما تطئ قدمك مدينة “ساو تومي”، عاصمة “سان تومي وبرينسيب” جعلتها جنة من جنان الأرض المنسية.
كانت “ساو تومي وبرينسيب” وهي عبارة عن أرخبيل صغير يقع خارج خليج غينيا، غير مأهولتين بالسكان حتى اكتشفها البرتغاليون نهاية القرن الخامس عشر.
وتحت الحكم البرتغالي، كان الأرخبيل مركزا لتجار الرقيق، وكان من أبرز صادرته قصب السكر، والكاكاو، والقهوة.
لحسن الحظ، تحسنت ممارسات العمل على مر القرون، وجاء استقلال الأرخبيل مع مغادرة البرتغاليين في منتصف سبعينيات القرن العشرين.
مع أن ذلك يجذب انتباه السياح، إلا أن “ساو تومي وبرينسيب” لا تزال واحدة من البلدان الأقل زيارة في العالم، إذ زارها نحو 30 ألف شخص في عام 2018، لكن هذا لا يزال يمثل زيادة كبيرة في السنوات الماضية، إذ زاره 7 آلاف و900 شخص فقط في عام 2010، وفقاً لمدير السياحة العامة في ساو تومي وبرينسيب،.
ويضيف هيوغو مينيزيس، أن هدف البلاد هو زيادة عدد الزوار بنسبة 10% كل عام، حتى تصبح السياحة ركيزة اقتصادية بارزة، بحسب “سي إن إن”.
جنة على الأرض
تسحرك المدينة الأفريقية ببساطتها الإستوائية، ويُعد جمالها واضحا منذ وصولك إليها، كما ساهمت عزلة الجزيرتين في الحفاظ على نظام بيئي متنوع، فهو يبعد عن ساحل الجابون بما يقارب 260 كيلومترًا تقريبا.
تغطي الغابات الغنية بالنباتات مساحات كبيرة من كلتا الجزيرتين، في حين أن الشواطئ الرملية البيضاء والمياه الصافية وفيرة.
ومن الأنشطة التي يمكنك القيام بها هناك، هي الغوص، والغطس، واستكشاف النباتات والحيوانات الفريدة في المنطقة، والمشي لمسافات طويلة، بالإضافةً إلى معالم بارزة مثل “Pico Cao Grande”، وهي عبارة عن قمة يفوق ارتفاعها ألف و200 قدم.
يقول لويس ميغيل، وهو مرشد سياحي في ساو تومي، إن معظم السياح يشعرون وكأنهم زاروا “جنة على الأرض”، مشيرا إلى أن تاريخ الجزيرة وثقافتها ومطبخها الفريد بالنكهات الإستوائية هما جوانب أخرى يمكن للزوار استكشافها.
وفوق “روكا ساو جواو دوس أنغولاريس” إحدى أعالي جزر الأرخبيل، أسس الطاهي التلفزيوني جواو كارلوس سيلفا، مطعم وفندق، وأصبح المطعم علامة سياحية مميزة، ذاع صيته في الأرخبيل كله.
بات “جواو” رمزا ثقافيا في المنطقة، حيث أصبح المطعم مقصدا للسكان والسائحين الذين يزورونه لتذوق أطباقه الفريده، بما تضمه من خضروات وفواكه محلية.
وأصبح جواو سفيرا للأغذية البيعية في بلده، قائلا: “لا نستخدم منتجات كيميائية هنا، واعتقد أن كل ما في جزرنا طبيعيا”.
وبالإضافة إلى مطعم “جواو”، هناك مزرعة Monte Cafe، حيث يمكن للزوار التعرف على عملية صنع القهوة بالإضافة إلى التعرف على التاريخ الوحشي لأولئك الذين تم نقلهم إلى الجزيرة كعبيد وعمال مستعبدين.
وعرف الأرخبيل شهرة لجودة الكاكاو الذي ينتجه ويصدره، لكنه ظل بعيدا عن أنماط الزراعة المكثفة وإنتاج الثمار المعدلة وراثيا.
يمكن التعرف على ثقافة الجزيرة وتاريخها من خلال المسرح العام، المعروف باسم Tchiloli ، حيث يقام مهرجان Auto de Floripes في أغسطس من كل عام حيث يقدم عروضًا تاريخيا عن الأرخبيل.
بيئة فريدة
على الرغم من جمالها الطبيعي الذي تحسد عليه، تظل “سان تومي وبرينسيب” دولة نامية، يقدر البنك الدولي أن حوالي ثلث 200000 مواطن يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم.
ولا تزال هناك تحديات كبيرة عندما يأتي الأمر لتحديث البنية التحتية في الأرخبيل، ولا يوجد حالياً أي صرافات آلية في الجزيرة، كما تغطي حفر عميقة العديد من الطرق في المدينة.
يقول ديلسون كارفالهو من مجلس السياحة في العاصمة، إن هناك خطط لإضافة أجهزة الصرف الآلي بحلول منتصف عام 2020، وتحسين الطرق، مشيرا إلى أنه من خلال تعزيز السياحة، نأمل في زيادة الوعي للحاجة إلى حماية النظام البيئي الفريد والهش للبلاد، وذلك أثناء توفير الفرصة الاقتصادية للمواطنين أيضًا.
وأشار إلى أن التركيز على الاستدامة أمر سعت العديد من المنتجعات في الأرخبيل إلى تطويره بالفعل بمحض إرادتها.
وفي برينسيب، وعلى بعد حوالي 112 ميلا شمال شرق ساو تومي، قامت عدد من المنتجعات الفاخرة بوضع الحفاظ على التركيب البيئي الفريد للجزيرة في محور عملياتها، كما تُعد الجزيرة من معازل المحيط الحيوي التابعة لليونسكو بفضل نباتاتها المتنوعة، إضافةً إلى أنواع الحشرات والكائنات البحرية التي تتواجد هناك أيضاً.
جزر جالاباجوس
يمتلك رجل الأعمال الملياردير الجنوب أفريقي مارك شاتلورث، ثلاثة منتجعات راقية في برينسيب، بما في ذلك ساندي برايا لودج فئة الخمس نجوم، والتي تهدف إلى وضع الاستدامة في قلب عروضهم.
على بعد مسافة قصيرة، يتيح فندق “روكا بيلو مونتي” للضيوف الاختلاط بالباحثين الذين تمت دعوتهم لاستخدام الفندق كقاعدة لعملهم ودراساتهم.
يقول سوانبورن مالك إحدى المنتجعات، عرفت الجزر باسم “جزر جالاباجوس الأفريقية” بسبب العدد الهائل من النباتات والأنواع الفريدة هناك، والتي جاءت من مختلف مناطق العالم على مدى ملايين السنين.
يتم إعادة استثمار بعض الأرباح الناتجة عن “روكا بيلو مونتي” في مشاريع الحفاظ على برينسيبي، ويشير مالك المنتجع إلى أن السياحة أصبحت أحد كبار أرباب العمل في الجزيرة.
يضيف سوانبورن: “ما نحاول إظهاره هو أن السياحة الراقية يمكنها الحفاظ على الطبيعة وخلق فرص العمل والرفاهية المحلية”.
ويعتمد اقتصاد الأرخبيل بشكل شبه تام على المساعدات الدولية، لكن الشياحة بدأت تأخذ حظها هنا مساهمة في التنمية بشكل ملحوظ، ويتمنى السكان أن تلك التنمية لا تؤثر على ثقافة الأرخبيل، التي يرون أنها هي سر سحره وجماله.