كتب – محمد الدابولي
شكلت وفاة الرئيس التنزاني الراحل «جون ماجوفولي» في 17 مارس 2021 الذي تمت إعادة انتخابه مؤخرا لفترة رئاسية ثانية في أكتوبر/ نوفمبر 2020 صدمة في الأوساط السياسية التنزانية والأفريقية على حد سواء، نظرا لما مثله الراحل من تجربة سياسية أفريقية مزجت بين تحقيق التنمية والنمو ومكافحة الفساد وبين الاستبداد والسلطوية وملاحقة المعارضين وتصفيتهم جسدياً.
شكل إرث «ماجوفولي» محاولة أفريقية شعبوية للتمرد على القيم الغربية والانصياع والتبعية للدول الكبرى، فخلال فترة حكمه التي وصلت إلي ست سنوات تقريباً خطي فيها على خُطى الرعيل الأول من الزعماء الأفارقة الذين قاموا بتأميم الشركات الأجنبية والحد من نفوذها في الاقتصاديات الأفريقية، إلا أن استقلالية ماجوفولي السياسية غُلب عليها الطابع الشعبوى المُنغلق على الذات، الأمر الذي دفعه إلي إنكار وجود جائحة عالمية «فيروس كورونا المستجد» والتي تسببت في وفاة العديد من المسئوليين التنزانيين، وترجح العديد من المصادر المحسوبة على المعارضة وفاة «ماجوفولي» جراء إصابته بفيروس كورونا.
ووفقا للترتيبات الدستورية تمت ترقية نائبة الرئيس «سامية صلوحي» لتكون رئيسة جديدة للبلاد خلفا للرئيس المتوفي ولتستكمل باقي المدة الدستورية والمقررة خمس سنوات حتي أكتوبر 2025، لتكون بذلك أول رئيسة مسلمة للبلاد من إقليم زنجبار الذي يعاني منذ الإطاحة بالسلطان العربي جمشيد بن سعيد في يناير 1964 من أزمة هوية واندماج سياسي في البلاد.
قادت الترتيبات القدرية الإلهية السيدة «صلوحي» لتكون أمام جمة من التحديات المشتركة بعضها متعلق بأزمة النظام السياسي التنزاني وإرث ماجوفولي الذي سيظل يلاحقها خلال السنوات القادمة والبعض الأخر متعلق بمظلومية موطنها ومسقط رأسها إقليم زنجبار والأزمة التي يعانينها منذ اتحاده مع إقليم تنجانيقا في يناير 1964.
أولا. مقومات النجاح
رغم وصولها لقمة السلطة بشكل مفاجئ ودون ترتيب مسبق، إلا أن «سامية صلوحي» تمتلك المزيد من مقومات التي قد تؤهلها للنجاح في مهمتها الجديدة كرئيسة للبلاد أولها على الإطلاق هي تمتعتها بالمدة الدستورية الكاملة والمقررة بخمس سنوات فوفاة ماجوفولي جاءت بعد أقل من ستة أشهر من إعادة انتخابه كرئيس للبلاد وانتخاب صلوحي كنائبة له، وبالإضافة إلي ما سبق تمتلك «صلوحي» بعض المقومات منها على سبيل المثال:
- تأهيل سياسي مناسب: تمتلك «سامية صلوحي» خبرة سياسية مناسبة بدأت في عام 2000 من خلال عضويتها في الحزب الحاكم في البلاد «تشاما تشا مابيندوزي ـــ CCM)، حين تم اختيارهاكعضو في المجلس التشريعي لولاية زنجبار، وفي عاممسئولية وزارة العمل والتنمية الجنسانية والأطفال في ولاية زنجبار، كما أنها أختيرت في عام 2014 لتكون عضو في الهيئة التأسيسية التي شكلت لوضع دستور جديد للبلاد، وخلال الفترة من عام 2010 وإلي 2015 انتخبت كعضو في البرلمان، كما كانت وزيرةالدولة لشئون الاتحاد، وفي عام 2015 اختارها الرئيس الراحل ماجوفولي لتكون أول نائبة رئيس في تاريخ البلاد، إذ تم انتخابها في بطاقة مشتركة مع الرئيس ماجوفولي، وفي أكتوبر 2020 تمت اعادة انتخابها كنائب للرئيس وفي 19 مارس 2021 تم تصعيدها دستوريا كرئيس للبلاد.
- تعاطفها مع قوى المعارضة: من أبرز المقومات التي تمتلكها «صلوحي» هي امتلاكها رصيد جيد في التواصل مع قوى المعارضة السياسية في تنزانيا، فعلي العكس من أسلوب الرئيس ماجوفولي الذي غلب عليه الصدام مع المعارضة، فتحت «صلوحي» اتصالات طيبة مع زعماء المعارضة فعلي سبيل المثال قامت ـــــــ وهي تشغل منصب نائبة الرئيس ــــــــــــــــــ بزيارة زعيم المعارضة «توندو ليسو» في إحدى مستشفيات العاصمة الكينية نيروبي عقب نجاته من محاولة اغتيالفي عام 2017 اُتهم النظام بتدبيرها.
- رفيقة ماجوفولي الهادئة: تميزت «صلوحي» بأنها كانت رفيقة ماجوفولي السياسية، إذ كان لها دور بارز في عملية التنمية ومكافحة الفساد التي جرت في تنزانيا خلال السنوات الخمس الماضية، فنظام ماجوفولي قام بتطهير مؤسسات الدولة من العمال والعملاء الوهميين، كما ألزم الشركات الأجنبية بدفع فواتير الضرائب المتهربة منها، كما سمح بتدفق الاستثمارات الوطنية في مشاريع البنية التحتية كالطرق ومشاريع السكك الحديدية ورفع قدرة البلاد من انتاج الكهرباء والتي دُبرت تكلفتها من خلال الغاء الاحتفالات الوطنية ومظاهر البذخ التي كانت تغلب على الانفاق الحكومى التنزاني،كما تميزت صلوحي بنظافة اليد والنزاهة والبعد بصورة كبيرة عن شبهات الفساد التي عادة ما تلاحق السياسيين في العديد من الدول، كما تداولت العديد من التقارير الإخبارية عن اختلاف شخصيتها عن شخصية الرئيس ماجوفولي الصدامية، إذ تتميز صلوحي بالهدوء والروية في معالجة الأمور.
- زنجبارية مسلمة: رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول تعداد المسلمين في تنزانيا، إلا أن المسلمين يتمتعون بوجود قوي في البلاد، وتختلف المصادر في تقريب نسبتهم، فالمصادر المحسوبة على المسلمين تعظم من وجودهم ونسبتهم في البلاد، في حين نجد أن المصادر الأخرى المحسوبة على الحكومة والنظام السياسي تقلل من تلك الفرضيات، لكن الشاهد يشير إلي تركز أغلبية المسلمين في إقليم زنجبار الذي يتجاوز نسبة المسلمين به أكثر من 90%.
ومنذ اندماج اقليمي تنجانيقا وزنجبار في دولة واحدة عام 1964 يعاني المسلمون الزنجباريون من أزمة هوية سياسي، إذ يروا أنهم تم تهميشهم سياسيا واقتصاديا طوال العقود الماضية لصالح البر الرئيسي (تنجانيقا)، وعانى الإقليم من ديمومة الاضطرابات السياسية العنيفة خاصة مع كل انتخابات تشريعية مما دفع النظام السياسي إلي الدخول في مبادرات من شأنها امتصاص الغضب الزنجباري كالمبادرة التي تمت في عام 2010 والتي بموجبها تم تحقيق تقاسم للسلطة مؤقت، وفي عام 2015 عندما رشح الحزب الحاكم الرئيس الراحل جون ماجوفولي تم اختيار السيدة الزنجبارية المسلمة «سامية صلوحي» كنائبة له.
ومما لاشك فيه أن أداء «صلوحي» اليمين الدستورية في 19 مارس الماضي، وهي مُقسمة على المصحف الشريف يحمل دلالات وإشارات من شأنها محاولة تخفيف حدة التوترات الدينية والعرقية في البلاد وبث رسالة طمأنينة للمسلمين عموما والزنجباريين خاصة بمراعاة حقوقهم السياسية والاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
ثانيا. تحديات جاثمة
رغم امتلاك «صلوحي» العديد من مقومات النجاح التي تؤهلها للقيام بمهام وظيفتها الجديدة، إلا أنه ثمة تحديات جاثمة ستواجهها خلال الفترة المقبلة وهي كالتالي:
- الحرس القديم: مشكلةقديمة متجددة تواجه أي رئيس في بداية حكمه، خاصة إذا كان وصل للسلطة عن طريق الصدفة البحتة، فمن المؤكد أن الرئيسة الحالية ستواجه معارضة عنيفة من قبل أعضاء حزب تشاما مابيندوزي القدامى الذين قد يرون أنهم الأحق بتولي السلطة منها، ومما يعقد موقف الرئيسة سامية صلوحي أنها تنتمي إلي إقليم زنجبار ومسلمة الديانة وهو ما لا يتقبله بعض المتطرفين في تشاما تشا مابيندوزي، وقد يخلق توليها السلطة بعض التوترات الدينية في البلاد.
- الاعتراف بوباء كورونا: يعد أبرز التحديات الحالية في تنزانيا، فمنذ بدء الجائحة أنكرت الحكومة التنزانية وجود الجائحة من أساسه، واتخذ الرئيس الراحل ماجوفولي خطابا عدائيا تجاه الجائحة واصفا إياها بالمؤامرة وأنه لا أساس لوجودها ومحذرا حكومته وشعبه من الانجرار وارء المعلومات المتداولة ومتجاهلا جميع الاجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها من قبل جميع الدول ومنظمة الصحة العالمية الأمر الذي أدي إلي اطلاق المنظمة العالمية تحذيرات متقاعبة لتنزانيا بضرورة إجراءات مسحات لفيروس كورونا وتزويد المنظمة بالأرقام الحقيقية إذ توقفت البلاد عن تسجيل الحالات الجديدة منذ إبريل 2020.
وتأتي أهمية الاعتراف بوجود الوباء خاصة بعد تداول المعلومات التي تسفر الوفيات المتتالية في الحكومة التنزانية والتي انتهت بوفاة الرئيس ماجوفولي نفسه في مارس 2021، فقبل أسابيع قليلة توفي سكرتير رئيس الجمهورية جون كيجازي في أحد المستشفيات المحلية في دار السلام، كما توفي نائب رئيس إقليم زنجبار «سيف شريف حمد» الذي تؤكد المصادر وفاة جراء إصابته بفيروس كورونا،كما توفيت السكرتيرة الثالثة في السفارة التنزانية في نامبيا جراء إصابتها بنفس الوباء.
- أزمة المعارضة التنزانية: تجربة التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في تنزانيا متفردة عن بقية التجارب الأفريقية، ففي تنزانيا يتم تحقيق التداول السلمي للسلطة في إطار الحزب الحاكم فقط «تشاما تشا مابيدوزي»، فمنذ اندماج اقليمي تنجانيقا وزنجبار في 12 يناير 1964 واندماج الحزب الأفروشيرازي في زنجبار في حزب الثورة «تشاما مبيدوزي»، ظل الحزب الحاكم مسيطرا إلي الآن في البلاد.
سيطرة حزب «تشاما» على السلطة منذ عام 1964 وإلي الآن أدى لانغلاق الأفق السياسي في البلاد خالقا نخبة سياسية محدودة مسيطرة على البلاد، مما أدخل البلاد في أزمات سياسية متعاقبة تتجدد مع كل انتخابات تشريعية ورئاسية، مما يدفعى قوى المعارضة إلي توجيه اتهامات إلي النظام والحزب الحاكم بتزوير الانتخابات والتضييق على قوي المعارضة، وخلال فترة حكم الرئيس الراحل ماجوفولي ازدادت عمليات تعقب قوى المعارضة والتضييق عليها فعلي سبيل المثال تعرض زعيم المعارضة تيندي ليسو ومنافس ماجوفولي في الانتخابات الأخيرة إلي محاولة اغتيال بالرصاص في سبتمبر 2017 مما أدي إلي خروجه من البلاد واختياره لبلجيكا كمنفي اختياري قبل عودة مرة أخرى قبيل الانتخابات الأخيرة التي وصفها ـ أي ليسو ـ بعدم الشفافية والنزاهة، وخلال الانتخابات الأخيرة جري اعتقال زعيم المعارضة في اقليم زنجبار الراحل «سيف شريف حماد» بسبب تشكيكه في نتائج الانتخابات الأخيرة.
ولم يسلم مغنين الراب من القمع السياسي ففي عام 2017 تم احتجاز مغني الراب ناي وامتينغو إثر أغنية وجه فيها انتقادات للحكومة الأمر الذي أثار ماجوفولي ودفعه لاعتقاله، وإزاء تصاعد موجات الانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي أصدرت تنزانيا العديد من التشريعات التي تهدف إلي تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك سن القوانين التي تهدف إلي القيام بالدراسات الاحصائية في البلاد.
- الغاز الطبيعي محرك الصراع في تنزانيا: كما أوضحنا سابقا أن إقليم زنجبار يعاني من أزمة اندماج سياسي، إلا أنه من المرجح أن تتصاعد وتيرة أزمات الإقليم في الفترة المقبلة بصورة غير طبيعية قد تلفت نظر المجتمع الدولي للاقليم الذي لعب خلال الحقب الاستعماريةدورا محوريا في فرض الهيمنة البريطانية على المحيط الهندي، وذلك لثلاثة أسباب أشارت إليهم مجموعة الأزمات الدولية وهم أولا الفشل قفي تحقيق تجربة الحكم الفيدرالي في البلاد فرغم تمتع الاقليم من الناحية الدستورية بالاستقلالية إلا أن ممارسات الحزب الحاكم تحول دون تحقيق تلك الاستقلالية فلا تزال التدخلات الحكومية في نتائج الانتخابات دالخ الإقليم مستمرة إلي اليوم، وثانيا هي اكتشافات الغاز الطبيعي قبالة السواحل التنزانية الأمر الذي فجر خلاف كبير بين اقليمي تنجانيقا وزنجبار حول السيطرة علي تلك الموارد أي أننا أمام معضلة ترسيم حدود بحرية داخل الدولة ذاتها، ومن وجهة نظري أن الرئيسة الحالية سامية صلوحي ستحاول إعادة فتح ذاك الملف من جديد باعتمادها على الدعم المزدوج سواء من الحزب الحاكم الذي تمثله ومن أبناء إقليمها.
مؤخرا باتت اكتشافات الغاز الطبيعي في أفريقيا مصحوبة بنمو الظاهرة الإرهابية كما هو الحال حاليا في موزمبيق وليبيا، الأمر الذي ينقلنا إلي السبب الثالث وهو تزايد المخاوف في دار السلام وتحديدا داخل دوائر بعينها في الحزب الحاكم من تزايد السخط لدي الشباب المسلم في زنجبار والذي قد يتحول في وقت ما إلي أعمال عنف، فعلي سبيل المثال يتم توجيه اتهامات متكررة إلي حزب «الجبهة المدنية المتحدة ـــــــــ Civic United Front» على أنه يضم في طياته العديد من العناصر المتشددة في اقلايم زنجبار وقد تؤدي في النهاية إلي اندلاع أعمال عنف في الإقليم.
ثالثا. مآلات مستقبلية
بات من الضروري في تنزانيا ضرورة اعادة التفكير في فلسفة الأوجاما التي ابتدعها الرئيس الراحل ومؤسس الاتحاد التنزاني «جوليوس نيريري» فيعد مرور أكثر من نصف قرن على تطبيقها حظيت بمشاكل مختلفة معظمها متعلق بعدم تحقيق المساواة بين الاقليمين الكبييرين وسيطرة حزب واحد على الحكم والموارد في الدولة.
فالأوجاما كلمة سواحلية تعني العائلة وفلسفيا هي مجموعة من الأفكار التي طورها الرئيس التنزاني الراحل جوليوس نيريري خلال عقد الستينيات كانت قائمة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطبيق المبادئ الاشتراكية وذلك من الناحية الاقتصادية أما من الناحية السياسية والاجتماعي فكانت تهدف إلي الوحدة وإزالة الفوارق بين المجتمعات والجماعات والأقاليم وممارسة أمور الحكم والإدارة وفقا للثقافة الأفريقية التقليدية القائمة تحقيق الاجماع السياسي «ديمقراطية الشجرة».
أدت ممارسات حزب تشاما تشا مابيدوزي الرامية ‘إلي الاستحواذ والسيطرة وحرمان المعارضة والتضييق على إقليم زنجبار إلي إفراغ فلسفة الأوجاما من مضمونها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي سيحتم على الرئيسة الجديدة «سامية صلوحي» إلي إعادة التفكير في فلسفة الأوجاما وتحقيق المصالحة الاجتماعية.