حسام عيد – محلل اقتصادي
في الوقت الذي يسارع فيه صناع السياسات الإقليميون إلى فهم اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وكيفية التحول نحو التكتل الاقتصادي الأكبر عالميًّا، بحجم 3.4 تريليون دولار، أحدثت نيجيريا صدمة كبيرة في غرب أفريقيا بتعطيلها لحركة السلع، وفرض الرقابة على عمليات الاستيراد، وكأنها تشيد جسورًا فاصلة مع جيرانها، متجاهلة التداعيات الإقليمية والقارية.
لكن دول شمال القارة لا تزال ترسل مؤشرات إيجابية متدفقة؛ فالآفاق المستقبلية تبدو أرحب نحو مواكبة الثورة الصناعية الرابعة ومتغيراتها.
ومن شرق القارة ستواصل كينيا، إثيوبيا، رواندا، إبهار العالم بالإنجازات الاقتصادية الواسعة والمتسارعة، كما أن بنيتها التحتية سيتهافت عليها مستثمرو العالم من كل حدب وصوب.
عبر كل هذا، يتطلع الاقتصاديون في أفريقيا والعالم إلى التنبؤ بما ينتظر القارة السمراء في عام 2020.
كفاح في جنوب القارة نحو الإصلاح
2020 عام الأمل، هكذا يتمناه رئيس جنوب أفريقيا سيريل راموفاسا، لكن الواقع لا يزال صعبًا، لذلك سيكافح راموفاسا كثيرًا من أجل تحويل وعوده إلى إصلاحات ملموسة في مفاصل اقتصاد البلاد.
هناك توقعات باستمرار تباطؤ معدلات النمو، بينما ستضعف البطالة، لكن أفق العام الجديد تنذر بعواصف أقوى؛ فجنوب أفريقيا قد تواجه احتمالًا حقيقيًّا بتخفيض تصنيفاتها الائتمانية، إذا فشلت الموازنة الجديدة للحكومة، في تقديم خطة تحول قابلة للتطبيق والتي تَعِدُ بنتائج إيجابية كبيرة للمستثمرين الدوليين.
وكان رصد مليارات الدولارات لإنقاذ شركة الكهرباء الحكومية المتعثرة في جنوب أفريقيا “إسكوم” وضعف حصيلة الضرائب قد أدى إلى ارتفاع عجز الميزانية في البلاد إلى أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في 2008، وهو ما يهدد باحتفاظ جنوب أفريقيا لتصنيفها الائتماني الحالي.
ويتوقع المحللون الاقتصاديون -الذين استطلعت وكالة “بلومبيرج” رأيهم- وصول عجز ميزانية جنوب أفريقيا خلال العام المالي الحالي إلى 6.1% من إجمالي الناتج المحلي.
فيما رأى الباحث المشارك في برنامج معهد “تشاتام هاوس” بأفريقيا، كريس فاندوم، أنه إذا تحولت ديون جنوب أفريقيا إلى درجة الاستثمار من الباطن، فقد يشعل ذلك عمليات بيع من قبل المستثمرين من المؤسسات الدولية بمختلف أنحاء العالم، بما في ذلك صناديق التقاعد وصناديق التحوط والبنوك.
واستشهد “فاندوم” بالأرقام الصادرة عن بنك نيويورك ميلون، قائلًا: “قد يؤدي ذلك إلى تخارج استثمارات فعلية بحجم 15 مليار دولار من جنوب أفريقيا”.
ومن شأن هذه التداعيات المالية الهائلة، رفع تكاليف الاقتراض في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى قروض ومحفظة استثمارية متنوعة وكبيرة لموازنة عجزها.
ومع انخفاض توقعات النمو من 1.2% إلى 0.7% بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2020، وسط سخط شعبي يختمر، فلا يوجد مجال للخطأ.
وربما يصبح الاتفاق الأولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين -المقرر توقيعه خلال شهر يناير الجاري، والذي من شأنه تخفيف التوترات التجارية- أحد العوامل الرئيسية لتخفيف أعباء اقتصاد جنوب أفريقيا.
بدوره، يتوقع تشارلي روبرتسون -كبير الاقتصاديين العالميين في بنك الاستثمار الروسي رينيسانس كابيتال- أن يوفر انتعاش التجارة دفعة للسلع الأساسية مثل البلاديوم في جنوب أفريقيا، والتي تشكل 40% من السوق العالمية، و10% من صادراتها.
وفي مكان آخر من جنوب وسط أفريقيا، من المتوقع أن تكافح أنجولا، ثاني أكبر اقتصاد في جنوب القارة السمراء، في عام 2020، نحو تقليص الانكماش إلى 1.9% مقارنة بـ 3.6٪ في عام 2019، وفقًا لتقديرات مجلة “الإيكونوميست”. لكن الإصلاحات النفطية المستمرة بعد نهاية عهد دوس سانتوس قد تبشر بالخير للمستقبل.
صدمة نيجيرية بغرب أفريقيا
بينما في غرب أفريقيا، صعّد الرئيس النيجيري محمد بخاري -المعاد انتخابه لولاية ثانية للبلاد- من السياسات المناهضة للتجارة، مع تغليظ قيود الاستيراد بشكل غير حكيم.
وهذا ما دفع جون آشبورن، الخبير الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس” لأبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى التحذير من أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة، والتي لم يستفد منها سوى عدد قليل من الصناعيين، ستضر المناخ الاقتصادي لأكبر اقتصاد في أفريقيا مع انتقال تداعيات سلبية غير مباشرة على الدول المجاورة مثل بنين وتوجو.
في شهر أغسطس، أمر بخاري البنك المركزي بالتوقف عن توفير العملات الأجنبية لمستوردي الأغذية لتحفيز الإنتاج الزراعي المحلي، وبحلول شهر أكتوبر قام بإغلاق حدود البلاد التي يسهل النفاذ منها أمام جميع السلع المستوردة دون سابق إنذار، في محاولة واضحة لكبح التهريب المتفشي وزيادة إنتاج الأرز.
واعتبر آشبورن أن هذا الحدث السياسي الكبير غيّر بالفعل ثروات ذلك الجزء كله من القارة إن لم يكن القارة ككل؛ فإغلاق الحدود البرية إلى أجل غير مسمى ومنع حركة كل البضائع من دول الجوار، لكبح تهريب البضائع المحظورة والمنتجات الغذائية والأسلحة، خطوة قوبلت بانتقادات قاسية من قبل دول الجوار ومسؤولي “المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا” (الإيكواس) ودعاة التكامل الأفريقي.
فيما رأى تشارلي روبرتسون أن هذه الجهود هي استحداث لنموذج وأسلوب إحلال الاستيراد بالتصنيع في أمريكا الجنوبية، ومن المتوقع أن يستمر بخاري في تطبيق هذا النهج حتى 2023، لكن من المحتمل أن ينتج عنه تباطؤ في معدلات النمو.
طفرة مشرقة بشرق القارة
أما في شرق القارة، فالسباق التنافسي على تطوير البنية التحتية متصاعد، فتنزانيا ورواندا تأملان في التفوق على كينيا وتمضيان بالفعل نحو التحول لمركز عبور إقليمي.
ويقوم الرئيس التنزاني جون ماجوفي ببناء شبكة قطارات سريعة بقيمة 2.5 مليار دولار بمساعدة رواندا في محاولة للسيطرة على التجارة الداخلية لشرق أفريقيا وقيادتها عبر ميناء دار السلام.
المشروع، الذي من المتوقع أن يكتمل في عام 2022، سوف يمتد من مدينة إساكا بغرب تنزانيا إلى العاصمة الرواندية كيجالي، في منافسة مباشرة مع طريق منافس في مومباسا الكينية على بعد 500 كم فقط من الساحل.
وفي 2020، أيضًا، في العام المقبل، ستستمر إثيوبيا وتنزانيا في النمو بنسبة 7.2% و4.5% على التوالي، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي.
فآفاق إعادة انتخاب آبي أحمد، مشرقة، فالزعيم النشط ذو العقلية الإصلاحية نجح في رسم رؤية إيجابية لمستقبل أفريقيا، والتي يتردد صداها مع الشباب، لذلك من المتوقع أن تواصل إثيوبيا الأداء القوي على مدار العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة.
وفي كينيا، أشرف الرئيس أوهورو كينياتا على نمو يقدر بنحو 5.6% ويأمل في استمرار الازدهار الاقتصادي، وقد أشاد صندوق النقد الدولي بالتقدم الذي أحرزته البلاد، لكنه حذر في نوفمبر من وجود عجز كبير في الميزانية والحاجة إلى مزيد من الإصلاحات الضريبية والنفقات لمساعدة البلاد على مواصلة مسيرتها.
ثورة صناعية في شمال أفريقيا
في شمال أفريقيا، يتقدم قطاع الصناعات التحويلية في المغرب مع استمراره في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ويساهم هذا القطاع بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستحوذ على 11% من القوى العاملة.
ويتوقع كبير الاقتصاديين العالميين في بنك الاستثمار الروسي رينيسانس كابيتال، تشارلي روبرتسون، أن تقود المغرب الموجة الصناعية الثانية في أفريقيا.
ومع تفاؤل أدخله الرئيس التونسي الجديد إلى اقتصاد البلاد، وحدوث طفرة في مصر مدعومة بعملة مستقرة وقوية، والتي شهدت انخفاض التضخم إلى 3.6%، قد يغري ذلك المستثمرين الدوليين ببناء مصانع جديدة في البلاد.
ويرى “روبرتسون” أن هناك 100 مليون شخص في مصر، هم بمثابة قوة تصنيعية، وبإمكانها تغذية السوق الأوروبية.
وأضاف قائلا: “هذا شيء سوف أشاهده بالتأكيد في عام 2020”.