حسام عيد – محلل اقتصادي
مع تمدد فيروس كورونا المميت (كوفيد-19) خارج الصين، بعد أن أصاب بالفعل آلاف الأشخاص، وقتل المئات شخص هناك، فإن العلاقات والتقارب الكبير مع أفريقيا تخاطر بإدخال القارة السمراء في أزمة صحية واقتصادية كبيرة.
فالعلاقات التجارية الواسعة مع الصين وأنظمة الرعاية الصحية التي تتحمل أساسًا فوق طاقتها أثارت القلق بشأن مدى قدرة الدول الأفريقية على الاستجابة في حال تفشي الوباء في القارّة.
وقد أظهر تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا خلال الفترة بين 2014 – 2016، ضعف أفريقيا أمام الأوبئة الفتاكة، وتفشي المرض مثل وباء إنفلونزا الخنازير H1N1 في عام 2009، والذي أثر بشكل غير متناسب على السكان الذين يعيشون في فقر مدقع، وفقًا لمؤسسة “بيل وميليندا جيتس” الخيرية.
فكيف يمكن لأفريقيا مواجهة تحدي فيروس كورونا المستجد المميت؟!.
12 دولة معرضة للخطر
ومما يثير القلق، الخطر المباشر على صحة ملايين الأفارقة، فلا مفر من تجنب العلاقات بين الناس في بعض المناطق المناطق والمدن.
يعيش حوالي مليون صيني ويعملون في أفريقيا بينما تضم الصين ما يقدر بنحو 80 ألف طالب أفريقي.
فيما أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك 12 دولة أفريقية معرضة بشكل خاص لتسجيل حالات إصابة بفيروس كورونا، وذلك نظرًا لروابطها الوثيقة مع الصين.
وفي ظل الضعف الجوهري للعديد من النظم الصحية الأفريقية، فإن الاستجابة الفورية لمعالجة الحالات أو حتى الكشف عنها ستسجل تباطؤًا ملحوظًا، ما يعني أن مخاطر وتداعيات كورونا ستكون كبيرة.
ودول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية معرضة بشكل خاص للعدوى، بالنظر إلى صلاتها الوثيقة بالصين، والحالة الضعيفة لمعظم أنظمة الرعاية الصحية الوطنية والافتقار إلى القدرة على الفحص والاختبار والحجر الصحي للحالات المشتبه فيها.
بينما أكدت وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجلة “الإيكونوميست”، أن جنوب أفريقيا والسنغال وحدهما لديهما مرافق اختبار مخصصة، وإمكانياتهم الصحية جيدة.
ويبدو أن معظم حالات الوفاة تقتصر على كبار السن وذوي الظروف القائمة من قبل، وقد تساعد المستويات الأقل تحضرًا في أفريقيا وشبكات السفر الأقل كثافة والطقس الأكثر دفئًا في وقف تقدم فيروس كورونا.
وهذا ما دفع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إلى الإعراب عن قلقه الكبير بشأن القدرة على مجابهة عدوى محتملة من جانب الدول ذات القطاع الصحي المحفوف بالمخاطر.
كما أن عدم وجود احتياطيات مالية ونقدية ونفقات صحية تقل عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي يقلل في الواقع فرص التدخل الطارئ لمكافحة الفيروس.
وحتى الآن فإن مصر هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي سجلت إصابة واحدة، لشخص أجنبي حامل للفيروس، لكن منظمة الصحة العالمية أكدت أن المريض أخذ يتماثل للشفاء، بعدما أظهرت أحدث الفحوص خلوه من الفيروس.
وقالت مديرة المكتب الإقليمي لأفريقيا في منظمة الصحة ماتشيديسو ريبيكا إنه جرى إحصاء أكثر من 200 اشتباه في إصابة في الدول الأفريقية ولكن تبين أن معظمها سلبي.
ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، القادة الأفارقة إلى “اتخاذ تدابير جذرية للوقاية والسيطرة” لأن أفريقيا معرضة “بسبب أنظمتها الصحية البدائية”.
والتحدي الذي تواجهه هذه الدول أيضا هو تطوير قدرات لإجراء فحوصات لكشف الفيروس.
تحدي اقتصادي
على نفس القدر من الأهمية يأتي التحدي الاقتصادي. إن اعتماد أفريقيا على الاقتصاد الصيني -لا سيما أن شهية الدولة الآسيوية شديدة لمنتجات النفط والغاز والتعدين الأفريقية- قد يضعف.
فالتداعيات الاقتصادية متوقعة على الدول الأفريقية لانتشار الفيروس في الصين التي تعد الشريك التجاري الرئيسي للقارة باستثمارات ضخمة وتوسع في وجود الشركات الصينية في المنطقة خلال الـ15 عامًا الماضية.
هناك 21 دولة أفريقية غنية بالموارد الطبيعية، بينما تعتمد دول مثل جنوب السودان وأنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل خاص على الصادرات إلى الصين.
وانخفضت أسعار النفط بحوالي 13% حتى الوقت الراهن؛ حيث توقف النشاط الاقتصادي في المدن والمصانع الصينية.
فيما دفعت عمليات إغلاق الموانئ المستوردين الصينيين إلى إلغاء عمليات الشراء، وتم تحويل الشحنات من أنجولا وبيعها في أماكن أخرى بخصم.
ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تبلغ خسائر أفريقيا جنوب الصحراء أربعة مليارات دولار، وذلك وفقا لتقديرات معهد التنمية لما وراء البحار، ويعتبر هذا المبلغ كبيرا بالنظر إلى الصعوبات التي تواجهها العديد من البلدان الأفريقية.
وتعدان زامبيا وأنجولا -وهما من كبار منتجي النحاس والنفط على التوالي وشريكان تجاريان رئيسيان للصين- الأكثر تضررًا من انخفاض الواردات.
وكانت واردات النحاس هبطت 7% منذ ظهور الفيروس، مما نتجت عنه عواقب على ديون زامبيا المزمنة، وأجبرت شركة سونانجول -وهي شركة النفط الأنجولية المملوكة للدولة- على إعادة بيع حمولة كاملة من النفط الخام كانت في طريقها إلى الصين بسعر مخفض بسبب إغلاق الموانئ.
وأوضحت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” لأبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن انخفاض أسعار السلع الأساسية “يضرب الاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة”.
وهناك ما هو أبعد تضرر قطاع الموارد الطبيعية، فانقطاع سلاسل التوريد قد يصيب قطاع السيارات العالمي بخسائر كبيرة للغاية.
علاوة على ذلك، تستورد بكين المواد الغذائية من أفريقيا، حيث أدى الحجر الصحي المطول لملايين الصينيين إلى انخفاض كبير في الاستهلاك، خاصة فيما يتعلق باللحوم الناميبية والنبيذ الجنوب أفريقي والقهوة المتأتية من رواندا وكينيا.
ووفقا لتقرير معهد التنمية لما وراء البحار، فإن من المحتمل أن تكون الكونغو من الدول الأفريقية الأكثر تأثرًا على المستوى الاقتصادي جراء الفيروس، نظرا لكونها جزءًا من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين.
كما مولت البنوك الصينية العديد من البنى التحتية التي بنيت في السنوات الأخيرة، ناهيك عن أن جمال كينيا الطبيعي يجذب الآلاف من الزوار الصينيين.
تشكيل جبهة موحدة صلبة
وإلى أن يتم العثور على لقاح، يتعين على القارة مواصلة تعزيز إجراءات الفحص والحجر الصحي بدعم من المنظمات الدولية.
سيتعين تقييم تأثير وفعالية إلغاء الرحلات الجوية إلى الصين، كما حاولت بعض شركات طيران شرق أفريقيا.
وخلال اجتماع لوزراء صحة دول الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الدول الأفريقية إلى “تشكيل جبهة موحدة لتكون أكثر صلابة” لمكافحة الفيروس كوفيد-19.
وختاما يمكن القول، أنه مرة أخرى، جلبت الأزمة، الحاجة الملحة لتنويع العلاقات الاقتصادية للقارة السمراء، بعيدًا عن نموذج تصدير الموارد المعرض للصدمات العالمية والصينية.
يجب توجيه إيرادات قطاع الموارد إلى الإنفاق الصحي الوطني، والذي يعتبر دون مستوى الكثير من نظرائه الدوليين.
فيروس كورونا يقدم دعوة أخرى للاستيقاظ، إن لزم الأمر، فالنموذج الاقتصادي لأفريقيا منكشف بشكل كبير على المخاطر العالمية، وحان وقت ابتكار نماذج وأساليب جديدة في الانفتاح على العالم، وخاصة في العلاقات التجارية، لا ينشأ عنها تكاليف وخسائر باهظة قد تصل إلى حد الموت.