كتبت – زينب مصطفى رويحة
باحثة في الشؤون الأفريقية
تشهد منطقة الساحل الأفريقي تحولات جيوسياسية حادة؛ حيث أعلنت مالي والنيجر وبوركينافاسو الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “الإيكواس” مؤخرًا، مما يضيف جدارًا عازلًا جديدًا بين الدول الثلاث ودول الجوار في الساحل وغرب أفريقيا، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها هذه الدول من إطار إقليمي كما سبق، وانسحبت من مجموعة الساحل الخمس، وتمضي تلك التحركات في ترسيخ التوجهات الإقليمية الجديدة التي أنشأتها الدول الثلاث بإعلان كيان حلف دول الساحل في سبتمبر 2023.
وتأتي الإقليمية الجديدة بالتزامن مع ظهور لاعبين سياسيين مستحدثين في منطقة الساحل، إذ استقبلت بوركينافاسو فرقة مقاتلين روس للمشاركة في الدفاع عن أمن البلاد، بالإضافة إلى دور قوات فاغنر في مساعدة الجيش المالي في حربه ضد المتمردين الطوارق، وذلك في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الفرنسية والدولية من المنطقة، وهو ما ينبئ ببداية عصر جديد تتعاون فيه روسيا مع الأنظمة العسكرية الانقلابية في دول مالي، والنيجر، وبوركينافاسو.
وفي ظل ما تواجهه دول الساحل الأفريقي من ظروف غير عادية ناجمة عن نشاط الجماعات الإرهابية والتغيرات المرتبطة بخريطة انتشار القوات الأجنبية، وسيطرة نظم عسكرية انقلابية على السلطة، قررت الدول الثلاث أن الحلف الجديد ستؤول إليه مهام الدفاع المشترك فيما بينهم ضد التهديدات الإرهابية وحركات التمرد.
تطور فكرة حلف دول الساحل Alliance of Sahel States (AES)
يعتبر الحلف Alliance من أقدم صور الروابط الدولية التي تنشأ نتيجة رغبة دولتين أو أكثر في تحقيق أهداف مشتركة في مجالات الأمن أو الدفاع أو التعاون الاقتصادي، وتتضمن مبادئ الحلف التزامًا قويًا من جانب الدول الأعضاء بالدفاع المتبادل في مواجهة التهديدات المشتركة، أي إن الغرض الأساسي من العلاقة فيما بينهم يستهدف تعزيز الأمن، والقدرات العسكرية، وتوثيق التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، كما أنه ينشأ بغرض تحقيق أهداف طويل المدى، وهو ما يتناقض مع مفهوم التحالف الذي ينشأ بغرض تجاوز أزمة محددة أو موقف خطر.
ومرت عملية تأسيس حلف دول الساحل بعدة مراحل، أبرزها ما أظهرته الدول الثلاث من دعم متبادل عقب انقلاب النيجر، حينما هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكريًا لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، وسرعان ما ردت مالي وبوركينا فاسو بالتهديد من أن أي عملية من هذا القبيل ستعتبر إعلان حرب ضدهما، وتكللت هذه التحركات في النهاية بتوقيع المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر على ميثاق ليبتاكو- غورما في 16 سبتمبر 2023، مما أدى إلى إنشاء حلف دول الساحل (AES) بهدف إقامة منظومة دفاع مشتركة بين الأعضاء، وفي سياق المبادئ التقليدية لطبيعة الأحلاف، التزمت الدول الثلاث بمكافحة كافة أشكال الإرهاب والجريمة المنظمة، فضلاً عن مواجهة التمرد المسلح أو أي تهديدات أخرى لسلامة أراضيها وسيادتها، وشددت على أن أي انتهاك لسيادة أحد الأعضاء وسلامته الإقليمية سيعتبر عملاً عدوانيًا ضد جميع الأعضاء (1).
وبدأت الأحداث في الساحل تأخذ مسارًا مختلفًا منذ وقوع انقلاب مالي في عام 2020، حيث مثَّل الضربة الأولى لجهود فرنسا في المنطقة، نظرًا لأن القيادة العسكرية الجديدة تمردت على فرنسا وحمَّلتها مسؤولية استمرار الهجمات الإرهابية في البلاد، كما سارع القادة العسكريون بالخروج من مجموعة دول الساحل الخمس، وطالبوا بسحب القوات الفرنسية “باراخان” من مالي، وكانت الفرصة المواتية أمام روسيا لتوسيع أذرعها من خلال نشر قوات فاغنر التي تعاونت مع الجيش المالي ضد حركة متمردي أزواد، ثم توالت عدوى الانقلابات في المنطقة، حيث أطيح بالقائد العسكري بول – هنري داميبا في بوركينافاسو في سبتمبر 2022، وجاء الانقلاب العسكري الذي أسقط الرئيس المنتخب في النيجر محمد بازوم في يوليو 2023 ليسبب صدمة كبيرة لمختلف القوى الغربية الفاعلة باعتباره آخر الأنظمة الديمقراطية في الساحل باستثناء موريتانيا.
وصدَّرت أغلب الانقلابات العسكرية والأنظمة الحاكمة الجديدة خطابات تندد بوجود قوات غربية، حيث طلبت مالي مغادرة بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار (مينوسما) في 16 يونيو 2023، كما انسحبت بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة الخمس لمنطقة الساحل (G5 الساحل) في 2 ديسمبر 2023، واكتمل انسحاب قوات مينوسما من مالي بحلول 31 ديسمبر 2023، كما تفككت قوات تاكوبا وقوة بارخان ليبدأ عصر جديد تتعامل فيه الجيوش الوطنية بآليات جديدة إزاء الحركات الإرهابية.
مقومات التعاون
تشترك الأنظمة في مالي والنيجر وبوركينافاسو في مجموعة من الروابط الأيديولوجية والعقائدية التي أسهمت في تقارب وجهات النظر بين الدول الثلاث مما حفزهم لتبني مناهج واستراتيجيات مشتركة دفعت باتجاه توقيع ميثاق ليبتاكو – غورما، ومن أهمها:
نظم انقلابية:
وكأن مالي وبوركينافاسو كانتا بانتظار أن تشاركهم النيجر نفس آلية الحكم العسكري، فما أن وقع انقلاب العسكريين بقيادة عبد الرحمن تشياني على الرئيس محمد بازوم في النيجر في أواخر يوليو 2023، ليلحق بآخر انقلاب في بوركينافاسو في سبتمبر 2022، وسبقتهم مالي عندما استولى الجيش على السلطة في مايو 2021، ليعلن الدول الثلاث دول دعمهم المتبادل لبعضهما البعض، وتوحيد المصالح والمناهج الحاكمة، والاتفاق على التحديات الخارجية المشتركة، حيث يعكس الدعم المتبادل لكل منهم شيء من الشرعية، وكسر العزلة.
الابتعاد عن فرنسا:
منذ أن رسخت فرنسا أقدامها في دول الساحل وغرب أفريقيا، أصبحت الوصي الفعلي والفاعل في المنطقة، واستطاعت تطويق هذه الدول بجملة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المتعلقة بالفرنك ودعم الأنظمة الحليفة، لذا شكلت الانقلابات العسكرية في الدول الثلاث بمثابة انقلاب على فرنسا ذاتها، وتسابقت تلك الأنظمة العسكرية في إدانة فرنسا وإلقاء مسؤولية تفاقم الإرهاب على عاتقها في محاولة لتبرير وشرعنة ممارسات الانقلاب، كما حاولت الابتعاد عن كل ما هو فرنسي والضغط على السفراء الفرنسيين وطردهم، وحشد الرأي العام ضد وجود القوات الفرنسية إلى أن خرجت قوة بارخان(2).
الاختلاف عن تجمع الدول الخمس:
لا يمثل ميثاق ليبتاكو – غورما المحاولة الأولى لتشكيل حلف عسكري أمني بين الدول الثلاث، حيث كانوا أعضاء في مجموعة دول الساحل الخمس G5 Sahel، الذي أسس في 2014 بجهود فرنسية، وقامت فرنسا بقيادة وحشد الجهود الأوروبية لأجل تسيير عمل هذه المبادرة، ولكن انسحبت مالي من هذه المجموعة في 2022، ثم أعلن النيجر وبوركينافاسو انسحابهما في ديسمبر 2023، وفي سياق الرغبة في تغيير منهجية العمل العسكري والاستراتيجية الدفاعية في الساحل، اتجهت الدول الثلاث إلى تشكيل حلف دول الساحل منذ سبتمبر ليمثل حجر أساس لتعاون أفريقي إقليمي، ومن المختلف في هذا الحلف أنه لم يتضمن كلا من تشاد وموريتانيا كما كان الحال في التحالف السابق، ويرجع ذلك إلى بعض الاعتبارات السياسية والعلاقات التي تجمع هاتين الدولتين مع فرنسا، لا سيما إشادة رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني مؤخرًا بجهود فرنسا ومدى احتياج المنطقة للدور الفرنسي لضمان الأمن والسلام في مواجهة الحركات الإرهابية.
حلف دفاعي:
ينص الميثاق على أن “أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداءً على الأطراف الأخرى إلى حد استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”، في مقاربة للبند الخامس من ميثاق حلف الناتو، من حيث أن الاعتداء على إحدى الدول يستدعي حالة الضرورة لحشد قوات باقي الدول الأعضاء، وهو ما يعكس بطبيعة الحال محاولة الدول الأعضاء الثلاثة تصوير وضعها كدول في حالة حرب محاطة بتهديدات خارجية من جانب الدول في محيطها الكلاسيكي، ويؤكد ذلك أنه بدأ تشكيل هذا الحلف في أعقاب مطالبة مجموعة الإيكواس بإعادة الحكم المدني في النيجر.
العلاقة مع روسيا:
تعتبر القارة الأفريقية بشكل عام ومحور غرب أفريقيا على وجه التحديد محط اهتمام رئيسي بالنسبة للقيادة الروسية، وتسعى روسيا خلال السنوات الأخيرة بشكل منهجي منظم نحو مد أذرعها في القارة من خلال الأداتين العسكرية والاقتصادية، حيث تعمل فاغنر في عدة دول منها ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي، وخلال الحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت الساحة الأفريقية إحدى ساحات المواجهة بين روسيا والغرب، وأفسح تراجع النفوذ الفرنسي الأوروبي في غرب القارة المجال أمام موسكو لعرض خدماتها، ووظفت تلك الورقة لإقامة علاقات مع النظم العسكرية الجديدة، ونظرًا لتشكك بعض الدول في مستقبل علاقتها مع فاغنر بعد اغتيال زعيمها بريجوزين يفغيني في أغسطس 2023، كثفت روسيا زياراتها إلى الدول الأفريقية الصديقة لطمأنة الحلفاء من حيث إمكانية مواصلة الاعتماد على فاغنر، وهو ما يؤكد وجود علاقة لروسيا بالحلف المنشأ حديثًا، حيث جاء توقيع الميثاق في أثناء زيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس يفكوروف ورئيس العمليات السرية في المخابرات العسكرية الروسية أندريه أفريانوف إلى مالي، كما أعلنت روسيا مؤخرًا تأسيس الفيلق الأفريقي كبديل لفاغنر وأرسلت فرقة مقاتلين إلى بوركينافاسو، وهي أيضًا بصدد الاتفاق مع النيجر لإرسال عناصر مرتزقة (3).
الانسحاب من الإيكواس:
استكمالًا لسلسلة الانسحاب من المنظمات الإقليمية، والتنصل من الالتزامات الدولية السابقة، وتمكين آليات إقليمية جديدة، اتفقت الدول الثلاث على الخروج الجماعي في بيان مشترك من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” في 28 يناير الماضي، تحت مزاعم تقاعس المؤسسة عن دعم تلك البلدان في حربهم ضد الإرهاب، واعتراضًا على العقوبات الاقتصادية الموقعة ضدهم من قبل المنظمة، وهو ما يخلق بدوره عزلة إقليمية لهذه الدول في علاقتها مع باقي دول الساحل وغرب القارة.
التحديات القائمة
تدور التساؤلات بشأن إمكانية الكيان الجديد إحلال محل القوات الفرنسية وتحقيق أهدافه المتعلقة بالدفاع ومكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من أن التفاهم بين الدول الأعضاء يسهم في مرونة التنسيق التشغيلي والعملياتي للقوات العسكرية، ولكن توجد عدد من التحديات التي تشكك في قدرات وقابلية أهداف هذا الحلف للتطبيق، منها:
حالة الإرهاب:
تواجه دول الساحل الأفريقي في الوقت الراهن دفعة شرسة من النشاط الإرهابي يحفزها خروج القوات الأجنبية وارتباك المؤسسات الحاكمة التي استولت على السلطة بالقوة، وجاءت مالي والنيجر وبوركينافاسو في المراكز الأولى على مؤشر الإرهاب عام 2022، وشهدت بلدان الساحل زيادة بنسبة 50٪ في الوفيات الناجمة عن الصراع في العام ذاته بواقع 9 آلاف من القتلى ارتفاعًا من حوالي 6 آلاف في عام 2021، كما نمت أراضي الإرهابيين في الساحل بنسبة 50٪ على مدار نفس العام، ومنذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة في أكتوبر 2022، تضاعفت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في بوركينا فاسو 3 مرات، وفقًا لتقرير المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية (ACSS)(4).
وفي غرب أفريقيا، تم تسجيل أكثر من 1800 هجوم إرهابي في النصف الأول من عام 2023، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 4600 شخص، وفي أعقاب انقلاب يوليو في النيجر، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن إصابات جماعية ضد الجيش أعنفها هجوم أكتوبر الذي أسفر عن مقتل حوالي 60 جندياً، وفي 5 نوفمبر، وقع هجوم إرهابي في منطقة زاونغو شمال بوركينا فاسو، مما أسفر عن مقتل 70 شخصًا، وحتى إن إعلان انطلاق حلف دول الساحل لم يرهب الجماعات المتطرفة، بل تشهد المنطقة ارتفاع وتيرة العمل الإرهابي(5).
القدرات العسكرية المنفردة لكل جيش:
تعتبر الركيزة الأساسية لميثاق عمل حلف دول الساحل هي إنشاء منظومة دفاعية مشتركة تستهدف التنظيمات الإرهابية، وهو ما يتطلب توافر قدرات دفاعية وعسكرية وجيوش مؤهلة، وبالانتقال إلى الأرقام، تقع مالي في المركز 106 عالميًا من جملة 145 دولة في مؤشر الجيوش القوية، وتفتقر إلى وجود قوات مدربة كافية العدد، بينما تقع النيجر في المرتبة 121 عالميًا، وتعاني أزمة عميقة في توافر أسلحة الدبابات والمدفعية، أما بوركينافاسو جاءت في المركز 127، هذا فضلًا عن نقص الموارد الجوية التي تعاني منها الدول الثلاث والتي مكنت التنظيمات الإرهابية من استخدام المسيرات على نطاق واسع، وبالتالي فإن القدرة التشغيلية الضعيفة لدى العديد من الجيوش الأفريقية تجعلها غير قادرة على لعب هذا الدور، مما يدعو إلى التشكيك في فاعلية بند الأمن الجماعي(6).
تشتت الجهود بين مواجهة الإرهاب والحركات الانفصالية:
أعلن المجلس العسكري في مالي في 26 يناير الماضي انهيار اتفاق السلام المبرم عام 2015 مع الجماعات الانفصالية المسلحة، ومنذ أغسطس 2023، وقعت البلاد في خضم اشتباكات دامية، حيث يحاول الطوارق تحقيق مكاسب ميدانية استغلالًا للفراغ الذي خلفه رحيل قوات حفظ السلام مينوسما من مالي، وكان الطوارق حذروا مسبقًا من أن رحيل الأمم المتحدة سيوجه “ضربة قاتلة” لاتفاق السلام، وبالفعل أطلق المتمردون عمليات هجومية كجزء من الإطار الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية (CSP-PSD) وحاولت الحركة السيطرة على عدد من مواقع الجيش المالي، بينما يقاتل الجيش المالي مدعوما من عناصر فاغنر(7).
آلية خروج القوات الأجنبية:
يمتد وجود القوات الفرنسية في الساحل لمدة تزيد عن 10 سنوات منذ أن أطلقت باريس عملية سرفال في مالي عام 2013، مما خلق لدى الجيوش الوطنية حالة من الاعتماد على الدعم الخارجي لا سيما مع توالي المبادرات الدولية في الساحل (بارخان، تاكوبا، مينوسما)، ولكن أضافت التوترات التي نشأت بين دول الساحل والأوروبيين، صعوبات عرقلت عمل القوات الدولية مما أجبرها على الانسحاب، وفي ظرف يشابه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما أسفر عنه من سقوط البلاد في يد حركة طالبان، يتسم خروج القوات الأجنبية من الساحل بالعشوائية والاندفاعية وغياب الخطة، وما أن أنهت مالي معاهدة التعاون الدفاعي مع فرنسا إلى جانب وقف اتفاقيتها مع الاتحاد الأوروبي، حتى أعلنت مختلف الجماعات الجهادية والمتطرفة انتصارها على القوى الغربية وسارعت في تكثيف هجماتها، وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2022 زيادة كبيرة في الهجمات، لا سيما في منطقة ليبتاكو – غورما، وقُتل أكثر من ألفي مدني خلال هذه الفترة، أي بزيادة تزيد عن 50% عن عام 2021.
نظم انقلابية لا تتمتع بالشرعية الدستورية:
أثبت النظرية والتجربة فشل الأنظمة غير الشرعية في تحقيق إنجازات ملموسة تتعلق بالملف الأمني، حيث تفتقر النخبة الحاكمة للدعم الدولي والإقليمي كونها أنظمة انبثقت نتيجة ممارسات غير دستورية، وأيضا تعمل هذه الأنظمة على تقويض مكاسب الديمقراطية التي تكافح الشعوب الأفريقية من أجل الوصول إلى الحد الأدنى منها، كما أن موجة الانقلابات في غرب أفريقيا لم تنتهِ بعد، ويمثل الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو في النيجر المحاولة التاسعة للإطاحة بحكومة في غرب أفريقيا في السنوات الثلاث الماضية، كما تعرض النظام العسكري الحاكم في بوركينافاسو لمحاولة انقلاب فاشلة في ديسمبر 2023، مما يعني أن توازنات القوة لم تستقر بعد، وما زالت الأنظمة العسكرية في البلدان الثلاثة في خطر، الذي يشكك في استدامة أي خطط أو مبادرات أمنية، نظرًا لأن هذا الحلف مرتبط بأشخاص وليس مؤسسات راسخة.
مسألة التمويل:
تتطلب عملية تجهيز جيوش الساحل لمواجهة خطر التهديدات الإرهابية ميزانية عسكرية مرتفعة، إذ إن الفراغ الذي تركته القوات الدولية إذا لم تحشده الدول الثلاث بالجنود والمعدات العسكرية فهو بطبيعة الحال محل استهداف من قبل الإرهابيين، كما أن مسألة إحلال جهود وطنية محل الأجنبية تتطلب تعزيز القدرات الاستخباراتية والجوية على وجه التحديد، وكانت الدول الأعضاء باعتبارها من الدول الفقيرة تعتمد على المساعدات والمنح الغربية، ولكن كإحدى نتائج الانقلابات وقطع العلاقة مع الدول الغربية، فقدت تلك الدول مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي، وفي الوقت الحالي، تعمل القيادات العسكرية على التعبئة الشعبية للإسهام في تحقيق الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، كما ظهر في بوركينافاسو، حيث استطاعت الدولة الحصول على معدات عسكرية عبر التبرعات الشعبية.
غياب القائد:
ظلت تلك البلدان لمدة تزيد عن العقد تحت قيادة فرنسا، وتولت باريس مسؤولية التنسيق بين مختلف المبادرات والقوى الدولية المنتشرة في الساحل، ولكن في ظل الظرف الراهن حيث غياب القائد الدولي القادر على حشد التمويل والتعبئة الدولية، من المؤكد أن المنطقة تعاني انكشاف ملحوظ، وغياب الرؤية الموحدة والتنسيق مع باقي محيطها في غرب أفريقيا.
ضعف التكتيك:
واجهت قوات الأمن في مالي وبوركينا فاسو إدانات أممية نتيجة ارتكاب مذابح ضد المدنيين، حيث قام الجيش المالي بالتعاون مع فاغنر في إطار حربه ضد المتمردين الطوارق بارتكاب مذبحة مورا التي أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص في أواخر مارس 2022، وقام جيش بوركينافاسو بمذبحة الكرمة في أبريل الماضي التي راح إثرها 136 مدنيًا.
وفي أواخر عام 2022، قام المجلس العسكري في بوركينافاسو بتجنيد ما يقدر بنحو 50 ألف شخص في ميليشيات متطوعي الدفاع عن الوطن (VDP)، وتورطت الميليشيات المتطوعة في مقتل أكثر من 760 مدنيًا على مدار العام، الذي بدوره يعمل على زيادة العنف، كما يظهر عمق الأزمة الأمنية وتخبط الخطط وافتقار الجيوش النظامية للعنصر البشري(8).
السيناريوهات المحتملة
ويتراوح مستقبل هذا الحلف بين عدة سيناريوهات كالآتي:
تحقيق مكاسب قصيرة الأجل:
بطبيعة الحال، تستمد هذه الأنظمة العسكرية شرعيتها من خلال قدرتها على مواجهة الإرهاب، لذا ستحاول دعم الكيان الجديد لإثبات صحة قرارها بأنها قادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية دون الحاجة إلى الدعم الفرنسي والغربي، وقد ينضم إلى الحلف بعض الدول في غرب أفريقيا خاصة تلك التي تعرضت إلى انقلابات مؤخرًا، وقد يتمكن الأعضاء من توجيه بعض الضربات الناجحة ضد التنظيمات الإرهابية، ولكن إذا لم يستطع الحلف مواجهة التحديات الراهنة، ستظل هذه النجاحات قصيرة الأجل.
تعثر الحلف:
تقف العديد من العوامل وراء التكنهات التي تؤكد احتمالية تعثر هذا الحلف، حيث إن القدرات العسكرية للجيوش الثلاث مجتمعة لا تؤهلها لمواجهة حجم التوغل الإرهابي المنتشر في ظل وجود تنافس شرس بين تنظيمي القاعدة وداعش في الساحة الأفريقية، أيضًا لن تستطيع قوات فاغنر إحلال محل هذا العدد الهائل من القوات الغربية في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، هذا بالإضافة إلى أن المشكلة في دول الساحل ليس أمنية أو عسكرية فقط، ولكن الأزمة مركبة وترتبط بالظروف الاقتصادية والسياسية والمناخية والانعزال الدولي الذي جلبته الأنظمة الانقلابية في الدول الثلاث.
استمرار هش:
قد يتحول الحلف في مرحلة ما إلى منظمة تفتقر إلى الفاعلية ويصبح كغيره من المنظمات الإقليمية الأفريقية المتكلسة، ويستمر وجوده رمزيًا لدعم فكرة الانقلاب على الأفكار الغربية.
وحاصل ما تقدم، من الواضح جليًا أن المناخ السياسي الراهن في منطقة الساحل يتجه نحو تبني أفكار وآليات جديدة تجاه قضايا الأمن والتنمية، ويدفع باتجاه استبدال الشركاء التقليديين بفاعلين جدد، ولا يمكن الرهان على مدى نجاح هذه الآليات، إذ إن الملامح العامة للنظام السياسي في دول الساحل الوسطى على وجه التحديد لم تستقر بعد، كما تفسح هذه المتغيرات المجال لموجة جديدة من الانقلابات العسكرية.
المراجع
([1]) Moda Dieng and Philippe M. Frowd, Burkina Faso, Mali and Niger have a new defence alliance: an expert view of its chances of success, The Conversation, October 19, 2023. On http://tinyurl.com/a4nsrdjh
([2]) —————————, West Africa: Can a new defence alliance replace France?, Global Bar Magazine, October 27, 2023. On http://tinyurl.com/ykr94v4e
([3]) Katarina Hoije, Russian Troops Begin Burkina Faso Deployment to Bolster Security, Bloomberg, January 24, 2024. On http://tinyurl.com/2s4enkuh
([4]) Joseph Siegle and Candace Cook, Africa’s 2024 Elections: Challenges and Opportunities to Regain Democratic Momentum, ACSS, January 17, 2024. On http://tinyurl.com/2re5b6kb
([5]) Press Un, West Africa, Sahel Requires Tangible, Long-Term Support to Eliminate Terrorism, Address Humanitarian Crisis, Special Representative Tells Security Council, July 25, 2023. on http://tinyurl.com/4vejt7f4
([6]) Global Firepower 2024, on http://tinyurl.com/3t9jj5rk
[7] Ilaria Allegrozzi, Mali’s Peace Deal Ends, relief web, January 27, 2024. On http://tinyurl.com/5dndxbb2
([8]) Abiodun Jamiu, Earthquake, Terror Attacks, Coups … 10 Of Africa’s Most Fatal Incidents In 2023, Hum Angle, December 24, 2023. On http://tinyurl.com/5n7epvau