كتب – حسام عيد
في تقريره الأخير عن “آفاق الاقتصاد العالمي” الذي صدر في أبريل 2022، سلط صندوق النقد الدولي الضوء على الأوضاع المتردية للاقتصاد الليبي، محذرًا من كارثة تحدق بالبلاد مع ارتفاع معدل التضخم بسبب الغلاء الناجم عن الاضطرابات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وكذلك الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا، إضافة إلى انهيار القوة الشرائية للدينار، وتزايد إغلاقات مواقع إنتاج وضخ النفط.
تضخم متصاعد وتآكل قيمة الدينار
وتوقع صندوق النقد الدولي، استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا خلال العام 2022 ليصل إلى 3.7%، وأشار إلى إمكانية هبوطها لحدود 2.4% العام المقبل.
وقال الصندوق، إن موثوقية البيانات الليبية، خاصة فيما يتعلق بالحسابات والتوقعات متوسطة الأجل منخفضة، على خلفية الحرب وضعف القدرات.
وأضاف صندوق النقد الدولي، أن نمو الناتج المحلي الليبي سيبلغ 3.5% خلال العام الجاري ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4.4% في 2023 ويهبط إلى حدود 3.6 في 2027، وفق بيانات آفاق الاقتصاد العالمي.
وكان محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، ناقش في وقت سابق، مع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لصندوق النقد الدولي “جهاد أزور” ونائب مدير إدارة الأسواق المالية والنقدية “ميقل سافاستانو”، دعم صندوق النقد الدولي لقدرات المركزي في مجال الإحصائيات والمؤشرات والسياسات النقدية وبرنامج زيارات الفرق الفنية للصندوق إلى ليبيا.
فيما وصف المحلل الاقتصادي الليبي، خالد بوزعكوك، التقرير الصادر عن صندوق النقد بالمخيف على الدينار، بحسب وسائل إعلام ليبية محلية.
وأكد “بوزعكوك” أن التقرير يحذر من تآكل قيمة الدينار الليبي وارتفاع الأسعار ويساهم في تقليل المدخرات ومشتريات المواطن كذلك مرتباتهم التي لا تتخطي 200 دولار وهي قيمة متدنية لمستوى المعيشي المتوسط في العالم.
وتابع: “تعود الاقتصاد الليبي على الاستيراد فقط، والاستهلاك بدون إدخال الصناعات الصغيرة والمتوسطة والزراعة والسياحة للبلاد، وزيادة التضخم إلى 3.7% وموجة الغلاء بالتأكيد ستؤدي لعدم استقرار الاقتصاد”.
اقتصاد هش
ويواجه الاقتصاد الليبي الهش تحديات هائلة أدت بدورها لمناشدات من المؤسسات الدولية للبلد الغني بالنفط بضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية.
ويُقدّر الدين المتراكم على الدولة الليبية بنحو 155 مليار دينار (34.5 مليار دولار)، وتأتي المخاوف المتصاعدة في ظل عدم قدرة المصارف التجارية على تحصيل قروض وتسهيلات ائتمانية بالغة 13.2 مليار دينار (2.9 مليار دولار)، أو ما نسبته 67% من إجمالي القروض.
من جانبه، قال المدير الإقليمي للبنك الدولي لمنطقة المغرب العربي ومالطا، “جيسكو هينتشل”، إن ليبيا تحتاج بشدة إلى مؤسسات موحدة، وإدارة جيدة، وإرادة سياسية قوية، وإصلاحات طال انتظارها.
وأوصى البنك الدولي، في تقرير صادر عن المرصد الاقتصادي الليبي، التابع له يوم الثلاثاء 26 أبريل 2022، إلى حاجة البلاد إلى استثمارات عاجلة في البنية التحتية، والمساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة، بما في ذلك حملة تطعيم ضد الجائحة أكثر فعالية وانتظامًا.
وحذر التقرير من مواجهة ليبيا تحديات اقتصادية هائلة، في ظل تفكك مؤسسات الدولة وتحديات اجتماعية، مع توتر الأوضاع السياسية، موضحا أن أداء اقتصاد البلاد في معظم العام 2020 هو الأسوأ في آخر السنوات، في ظل مشكلات في قطاع النفط، وجائحة كورونا.
ونبه التقرير إلى أن النمو في القطاعات غير النفط ظل ضعيفا، يعوقه الصراع المستمر، وسوء الخدمات، مشددًا البنك الدولي على التزامه بدعم ليبيا من خلال المساعدة الفنية والخدمات التحليلية، إضافة إلى تمويل الصناديق الائتمانية والمنح.
فقدان 550 ألف برميل نفط يوميًا
فيما انخفض إنتاج النفط الليبي بأكثر من نصف مليون برميل يوميًّا بسبب موجة من المظاهرات السياسية التي اجتاحت صناعة الطاقة في الدولة العضو في “أوبك”.
تم إغلاق حقل الشرارة في غرب البلاد، والذي تبلغ قدرته الإنتاجيه 300 ألف برميل يوميًا، بعد أن تجمع محتجون في الموقع مطالبين بتنحي رئيس الوزراء عبدالحميد دبيبة. جاء ذلك بعد توقف عمل حقل الفيل القريب، بطاقة يومية 65 ألف برميل لنفس السبب.
وتم إغلاق محطات تصدير البريقة يوم 18 أبريل 2022. وبحسب وكالة “بلومبيرج”، تراجع إنتاج ليبيا بمقدار 535 ألف برميل يوميًّا، ومن المحتمل أن ينخفض أكثر. ووفق مصدر مطلع، بلغ الإنتاج اليومي 1.1 مليون برميل حتى الأحد 17 أبريل 2022.
و أوقفت شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة رسميًا الشحنات من ميناء الزويتينة الشرقي يوم 18 أبريل الماضي، وقالت إنها كانت “بداية موجة مؤلمة من الإغلاق”.
كما أعلنت المؤسسة القوة القاهرة (بند في العقود يسمح بوقف الصادرات) على الشحنات من مليتة، وهي ميناء غربي يغذيه حقل الفيل، وكذلك من حقل الشرارة. ويهدد المتظاهرون بوقف العمليات في محطتي السدر ورأس لانوف.
وحسب “وكالة الأنباء الليبية”، وقف مواطنون إنتاج وتصدير النفطمن حقل “الفيل”، ومن ميناء الزويتينة بمنطقة الهلال النفطي، احتجاجاً على عدم تمكين الحكومة المكلفة من مجلس النواب تسلم السلطة في العاصمة طرابلس، وتحويل المؤسسة الوطنية للنفط عائدات النفط إلى حكومة الوحدة الوطنية.
ورغم مرور أكثر من شهر على أداء الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا، اليمين الدستورية، لكن لا تزال حكومة عبدالحميد الدبيبة تتمسك بالسلطة.
وفي الوقت الذي تسلم نائبا فتحي باشاغا مقرات الحكومة شرقي وجنوبي ليبيا إلا أن الوساطات الدولية لا تزال جارية بين الطرفين بشأن انتقال سلمي للسلطة في العاصمة طرابلس.
وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، وغالباً ما كان إنتاجها من الطاقة في قلب الصراع السياسي، إذ تغلق الجماعات المسلحة أو المحتجون المنشآت بشكل دوري للضغط من أجل تحقيق المطالب.
وقال المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا- في بيان مقتضب، الأربعاء 20 أبريل 2022- إن ليبيا تخسر حاليًا نحو نصف إنتاجها النفطي بسبب الحصار المضروب على حقول ومرافئ تصدير رئيسية.
وقالت مؤسسة النفط، إنه في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط انتعاشا كبيرًا نظرا لزيادة الطلب العالمي عليه، الأمر الذي تستغله كل الدول المنتجة لزيادة إيراداتها، يتعرض الخام الليبي لموجة إغلاقات وصفتها بـ”غير شرعية”، محذرة من أنها سيكون لها بالغ الضرر على الآبار والمكامن والمعدات السطحية لقطاع النفط، بالإضافة إلى فقدان خزينة الدولة لفرص بيعية محققة بأسعار قد لا تتكرر لعقود قادمة.
وحذرت المؤسسة الليبية من أن إيقاف الإنتاج بشركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز ستكون له تداعياته على استقرار الشبكة العامة للكهرباء وخاصة في المنطقة الشرقية؛ إذ إن معظم المحطات الكهربائية تتغذى على الغاز المنتج من حقول الشركة.
وعمليات الإغلاق هي الأحدث في سلسلة من الاضطرابات التي تضرب قطاع الطاقة الليبي وسط الأزمة السياسية المتفاقمة.
كما تأتي الإغلاقات في وقت حساس لأسواق السلع العالمية إذ تقلصت إمدادات النفط منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وارتفع سعر خام برنت فوق 110 دولارات للبرميل.
وفي 30 أبريل 2022، حذّرت “المؤسسة الوطنية للنفط” من حدوث كارثة بيئية وشيكة بميناء الزويتينة في ليبيا قد تؤدي إلى فقدان تشغيل الخط بالكامل، وناشدت المؤسسة كل من يهمه الأمر السماح لها بتشغيل ميناء الزويتينة فورًا لتخفيف المخزون والحصول على سعات تخزينية.
وقد أكدت المؤسسة في بيان أنَّ التوقف المفاجئ للعمليات بميناء الزويتينة زاد الوضع سوءاً، مما اضطرها هي وشركاتها لإضافة ضخ خام “أمنا” إلى المنظومة بالزويتينة، بهدف ضمان إزاحة كاملة لخام “أبوالطفل” الموجود بالخط إلى ميناء الزويتينة، ومنه إلى الخزانات المخصصة لذلك عبر الخط 40 بوصة مسافة 212 كيلو مترًا، ويمر عبر محطة تسخين للمحافظة على درجة حرارته منعًا للتشمّع.
وأضافت المؤسسة أن هذا الخط يتسع لكمية تزيد عن مليون برميل، وتتم الإزاحة بطريقة منظّمة، وتتم كذلك جدولة البواخر الشاحنة لهذه الخامات بدقة بحيث يتم التصرف في هذه الخامات بطريقة سليمة.
وتطالب المؤسسة على أقل تقدير بالسماح لها بشحن شحنة واحدة لتخفيف المخزون والحصول على سعات تخزينية إضافية بالميناء لاستيعاب ما هو موجود بالخط.
خسائر بنحو 70 مليون دولار يوميًّا
وتتراوح خسائر ليبيا جرّاء إغلاق عدد من حقول النفط بين 50 إلى 70 مليون دولار يوميًا، وفقًا لما قاله وزير النفط الليبي محمد عون في مقابلة مع قناة “الشرق” للأخبار في 21 أبريل 2022.
ولفت الوزير محمد عون إلى أن الاضطرابات السياسية الأخيرة خفضت إنتاج النفط بنحو النصف، بعد أن كان نحو 1.2 مليون برميل نفط خام يوميًا، ونحو 2.5 مليار برميل غاز، مضيفاً: “شكّلنا لجنة لإعداد تقرير تفصيلي عن تأثيرات إغلاق حقول النفط في الاقتصاد المحلي وحياة الأفراد”.
وحسب عون، فإن الحكومة الليبية قد وضعت خطة لأن يصل الإنتاج بحلول نهاية العام إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، مضيفاً أن ليبيا لا تزال مستثناة من اتفاقية “أوبك+” ولم تصل بعد إلى حصص الإنتاج المحددة.
وقد بلغ متوسط إنتاج النفط الليبي مليونًا و148 ألف برميل يوميًا في عام 2021، وهذا الرقم هو الأعلى في البلاد منذ عام 2012، في حين كان الإنتاج الأقل في ليبيا خلال عام 2020، إذ بلغ الإنتاج اليومي حينها 367 ألف برميل.