كتب – حسام عيد
على مدار أسبوع، استضافت مدينة مراكش المغربية الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي ركزت على العمل المطلوب للقضاء على الفقر على كوكب صالح للعيش، لكن يبدو أن أجواء الخريف قد حالت دون التوصل إلى توافق في الآراء إذ عقّدت حرب روسيا في أوكرانيا مرة أخرى محاولات توجيه رسالة موحَّدة بشأن القضايا الرئيسية.
لقد قيل كلام كثير حول أفريقيا لكن لم يُسجَّل الكثير من التقدم الملموس خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي خلال فترة انعقادها.
مقعد ثالث لأفريقيا جنوب الصحراء
تحمل هذه الاجتماعات دلالة رمزية كبيرة إذ إنها الأولى التي تنظم في القارة الإفريقية منذ 50 عاما وحرص المنظمون على التأكيد أن أفريقيا في قلب الاهتمامات.
لكن الأمر الوحيد الذي تكرّس هو الاعلان في 14 أكتوبر 2023 عن اتفاق لمنح مقعد ثالث في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، لأفريقيا جنوب الصحراء.
منذ كلمتها الأولى خلال الاجتماعات، أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، مرارًا الأهمية التي توليها لأفريقيا في تنمية الاقتصاد العالمي في المستقبل، وقالت “إن أردنا ان يكون القرن الحادي والعشرون مزدهرًا نحن بحاجة إلى أفريقيا مزدهرة”.
وتابعت جورجييفا “إن لم ننجح في مد جسور بين رأس المال المتركز خصوصًا في دول الشمال والشباب المتركزين في أفريقيا، لن ننجح أبدًا”، كما أوردت “وكالة الأنباء الفرنسية، أ ف ب”.
وأعلن صندوق النقد الدولي، أن أعضاءه اتفقوا خلال اجتماعاتهم في مراكش على مقعد خامس وعشرين إضافي في المجلس التنفيذي ليكون المقعد الثالث لأفريقيا جنوب الصحراء وهو إجراء يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بعد سنة ليحذو بذلك حذو البنك الدولي الذي أقدم على هذه الخطوة منذ 2014.
وأوضحت رئيسة لجنة صندوق النقد الدولي وزير المال الإسبانية ناديا كالفينو حصول اتفاق “للاستمرار في تعزيز صوت أفريقيا جنوب الصحراء وتمثيلها. لقد اتفقنا على معقد خامس وعشرين في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لصالح أفريقيا جنوب الصحراء”.
وتعليقا على منح هذا المقعد، قالت جورجييفا “ما أثلج صدري جدا هو الدعم الكامل لمقعد أفريقي ثالث في مجلسنا التنفيذي. هذا امر مهم للاجتماعات التي تقام على الأرض الأفريقية. رغم الصعوبات لا يسعني إلا أن أشيد بالأعضاء لسلوكهم طريق التضامن الذي يعتمد عليه مئات ملايين الأشخاص”.
وانطلاقًا من ذلك، كانت المؤسسات المالية الدولية حريصة على إعطاء ضمانات للقارة وأن تظهر لها أنها تصغي إلى اهتماماتها ومشاكلها.
معضلة الديون.. ومخاطر تفاقم الفقر
ومن تلك المخاوف التي جرى التعبير عنها قبل اجتماعات مراكش أن يطغى التمويل البيئي على مكافحة الفقر، وهي مسألة تبقى أساسية في قارة يتركز فيها جزء كبير من أفقر سكان العالم وتواجه بانتظام أزمات إنسانية.
كانت المخاطر المحتملة على الاقتصاد العالمي من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط -وما يعنيه ذلك بالنسبة للدول الفقيرة التي تعاني بالفعل من ضائقة الديون- بمثابة مصدر قلق رئيسي خلال الاجتماعات التي تُعقد في أفريقيا لأول مرة منذ 1973.
ودفع هذا الوضع الدول النامية المنضوية ضمن مجموعة الأربع والعشرين إلى المطالبة بـ”إلغاء ديون أضعف الدول التي غالبية ديونها مستحقة لمصارف التنمية المتعددة الأطراف ولصندوق النقد الدولي”، على لسان رئيسها وزير الاقتصاد في ساحل العاج أداما كوليبالي.
ومع انها لم تستجب لهذا الطلب، تريد المؤسسات المالية أن تظهر أنها تأخذ بالاعتبار وضع الدول الأفريقية.
إلا أنه لم تتبلور بعد تحركات ملموسة أساسية ولا سيما مسألة المديونية في حين تواجه حوالي 20 دولة أزمة دين أو تشارف على الوقوع فيها.
في بعض دول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تمثل خدمة الدين أكثر من 40% من ميزانية الدولة وهو مستوى مرتفع جدا خصوصا أن الخدمات الأساسية مثل تأمين مياه الشرب والطاقة تشكل تحديا وتحتاج إلى استثمارات واسعة.
لكن غالبا ما تكون مفاوضات إعادة هيكلة الديون معقدة بسبب مصالح مختلفة للدائنين ولا سيما الصين وأعضاء نادي باريس الذي يضم خصوصا الدول الغربية.
وكان وزير المالية الزامبي سيتومبيكو موسوكوتواني، الذي أعلنت بلاده الموافقة على مذكرة تفاهم مع دائنيها الخارجيين لإعادة هيكلة دينها، قد قال “إذا ما جمعنا ما ننفقه من أجور لموظفينا الرسميين وخدمة الدين فإنها تشكل أكثر من 90% من الضرائب التي تتم جبايتها”.
بينما تُعد كينيا واحدة من الدول التي يتعين عليها إعادة تمويل (ديونها) في مناخ يتسم بأسعار فائدة أعلى بكثير، وتدرس الاستدانة من جهات الإقراض المتعددة الأطراف، والدائنين الثنائيين لسداد سندات باليورو بقيمة ملياري دولار في يونيو.
وقال وزير الخزانة نجوجونا ندونغو: “نحن لا نواجه أزمة ملاءة، بل نواجه تحدياً في السيولة.. لكن كيفية حل تحديات السيولة هذه يمكن أن تصبح مشكلة ملاءة”.
أوضاع اقتصادية صعبة
الدول الأفريقية لديها أحيانا شعور بأن الإفراج عن الأموال يتم بسهولة أكبر في بعض الحالات كما هي الحال مع أوكرانيا التي وفر لها البنك الدولي نحو 20 مليار دولار منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
أما صندوق النقد الدولي فوقع مع الحكومة الأوكرانية نهاية مارس خطة مساعدة بقيمة 15,6 مليار دولار في إطار خطة أوسع تشارك فيها دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي بقيمة إجمالية قدرها 115 مليار دولار.
وقال ممثل دول أفريقية حضر الاجتماعات “الكل يعترف بأهمية مساعدة أوكرانيا ماليًا لكن في بعض الدول ثمة شعور بأن الوضع ملح جدًا في بلدانهم أيضًا من دون أن تؤخذ هذه المخاوف بالاعتبار بالطريقة نفسها”.
بالانتظار لا تزال أفريقيا تواجه وضعًا اقتصاديًا صعبًا؛ ففي مطلع أكتوبر 2023 حذر البنك الدولي من خطر تسجيل “عقد مهدور” للقارة في حين يتوقع أن يحافظ نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد على مستواه بين 2015-2025.
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي حول أفريقيا جنوب الصحراء الذي نُشر في 13 أكتوبر 2023، إلى أن النمو سيبلغ 3.3% فقط في 2023 للسنة الثانية على التوالي قبل أن يرتفع إلى 4% في 2024 فيما يستمر التضخم متجاوزًا نسبة 10% في حوالي 15 دولة أفريقية.
وختامًا، تحتاج أفريقيا إلى مساندة عالمية للخروج من أزمة التمويل القاسية التي دفعت ما يقارب 8 من دولها إلى الحاجة إلى إعادة هيكلة الديون، وفق بيانات وتأكيدات صندوق النقد الدولي.
اليوم، دول أفريقيا جنوب الصحراء، ترغب في إسماع صوتها وحصولها على التمويل، في ظل تحديات الديون لدى العديد من دول هذه المنطقة، لكن أصبحت مشاركة القطاع الخاص في عمليات التمويل “بالنظر إلى قدرته على استخدام الرأسمال والتكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة”؛ أمرًا حتميًا.