كتبت – أسماء حمدي
أحيانًا تصنف مهن بعينها على أنها مهن ذكورية، يمتهنها الرجال فقط؛ بحكم أن القيام بها يتطلب بنيانًا جسمانيًّا يناسبها، أو لأن المجتمع تقبّل فكرة قيام الرجال فقط في هذه المهن، ومؤخرًا اقتحمت المرأة عديدًا من هذه الوظائف التي كانت حكرًا على الرجال حتى وقت قريب.
ومن الأعمال التي اتجهت إليها النساء قيادة الطائرات، ومنهن من اخترن أو دفعن دفعًا لأسباب اقتصادية فرضت عليهن، إلى مهن ذكوريّة شاقة كالنجارة والسباكة والميكانيكا وحتى الجزارة.
وفي واجادوجو، عاصمة بوركينا فاسو في غرب أفريقيا، يكافح برنامج مدرسي وتدريبي المواقف الراسخة والقوالب النمطية التي تحصر المرأة في عمل غير مربح يتقاضين فيه رواتب منخفضة.
ميكانيكي سيارات
في مدرسة “CFIAM ” بواجادوجو، يمكن للفتيات والشابات، أن يتدربن ليصبحن ميكانيكي سيارات، وهي مهنة توفر لهن المهارات اللازمة لتمكينهن من متابعة حياة مستقلة وتحقيق قدر من التقدم الاجتماعي-الاقتصادي، وحققت المدرسة نجاحًا هائلًا، ما جعلها وطلابها موضوعًا لفيلم وثائقي قصير Ouaga Girl.
عندما افتتحت المدرسة لأول مرة، لم تستقطب سوى حفنة من المتقدمين؛ أما الآن يدرس بها حوالي 200 طالبة، وترجع شعبيتها إلى أن نظام التعليم التقليدي في البلاد قد لا يكون ملائمًا لكل من سوق العمل واحتياجات السكان.
في نظام التعليم في بوركينا فاسو، يتسرب طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال تقريبا قبل إتمام الدراسة الإبتدائية، والتعليم الثانوي ليس خيارًا لغالبية الشباب، وخاصة الفتيات، على الرغم من رغبة الحكومة المعلنة في تعزيز التعليم والتدريب المهني كمحرك لتنمية البلد، ومحاولة جعله ملائم لمتطلبات سوق العمل.
تأسس أول فروع المدرسة CFIA، في مدينة كودوجو في عام 1997، وكان تُدرس حينها صيانة الدراجات النارية لحوالي 100 طالب، وفي 2002 افتتحت المدرسة فرعها العاصمة واجادوجو، وفي عام 2016 افتتحت ثالث أبوابها في مدينة سابو، ويتم دعمهم من قبل منظمة “أتاوس يونينجا المتخصصة”، وهي منظمة مخصصة لتأهيل المرأة في بوركينا فاسو للإسهام في عمليات التنمية، خاصة عندما لا يقتصر على القوالب النمطية، وذلك عبر توفير دورات في الميكانيكا وكهرباء السيارات والإلكترونيات وهيكل السيارة.
بالإضافة إلى التدريب العملي، حيث يتم تقديم الدعم النفسي للفتيات لتأهيلهن لمواجهة الصعوبات التي قد يواجهنها في البحث عن عمل في مجال يعتبر تقليديًّا ذكوريًّا بشكل حصري، كما تقدم المدرسة دورات تنمية بشرية لمساعدة الطالبات على تعلم كيفية تطوير إمكانياتهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن.
تقول إيفيت، مدرسة علم النفس لصحيفة “الجارديان” البريطانية: “في بوركينا فاسو، لا تنتظر الفتاة المنتمية إلى الطبقات الفقيرة إلى أحلامها، وليس أمامها سوى اتباع التقاليد المهيمنة على تلك المجتمعات، فيجب عليها البقاء في المنزل للمساعدة في جميع الأعمال المنزلية، التي تقوم بها النساء دائمًا، وبعد ذلك يمكنها أن تجد عملًا غير مربح؛ مثل بيع الفاكهة في الشارع، ويبقين يحلمن بمستقبل لن يأتي أبدًا”.
وأضافت: “معظم الفتيات اللاتي يذهبن إلى هذه المدرسة ينتمين إلى أسر تعاني من الفقر الشديد، وغالبًا ما يتركن المدرسة إما للعمل أو لعدم القدرة على تحمل تكاليف التعليم” بحسب إيفيت. هذه المدرسة هي بداية جديدة لهن، وهي فرصة جديدة غير متوقعة، كل شيء تغير عندما بدأن الدراسة فيها، أصبحن واثقات بأنفسهن، وفهمن أنه يمكنهن أخيرًا أن يكن أصحاب القرارات في حياتهن، وأن يقررن مستقبلهن، أصبحن يدركن أنهن يستحققن شيئًا مهمًّا وقيمًا”.
تحديات اقتصادية
بوركينا فاسو بلد من البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى ذات الدخل المنخفض، وذو موارد طبيعية محدودة، يقدر عدد سكانها، الذي ينمو بمعدل سنوي متوسط قدره 3.1%، بحوالي 18.6 مليون نسمة.
يعتمد الاقتصاد اعتمادًا كبيرًا على الزراعة، حيث يعمل حوالي 80% من السكان في هذا القطاع، ويعد القطن أهم المحاصيل النقدية في البلاد، بينما اكتسبت صادرات الذهب أهمية في السنوات الأخيرة.
يدعم البنك الدولي العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم والبيئة والتنمية الحضرية والريفية والصحة والنقل والزراعة.
مثل بلدان أخرى في القارة الأفريقية، تعاني بوركينا فاسو من ظروف أمنية صعبة، على الرغم من كونها محمية لفترة طويلة، فقد دخلت البلاد في حلقة من الهجمات الإرهابية الأكثر تواترًا، خاصة في شمال البلاد بالقرب من الحدود مع مالي والنيجر.
في يوليو 2017، تم إنشاء تحالف الساحل الأفريقي من قبل الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي لدعم جهود هذه البلدان والمساعدة في تحقيق الاستقرار الإقليمي، كما انضمت إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى التحالف.
في العام الماضي، دعا الرئيس روش كابوري -في قمة مجموعة السبع الأخيرة في بياريتز- المجتمع الدولي إلى توخي المزيد من اليقظة وتعزيز الجهود المبذولة لوقف تصاعد الإرهاب في أفريقيا، وبشكل أكثر تحديداً، في منطقة الساحل.
في السنوات الأخيرة، وبالرغم من تصاعد الهجمات الإرهابية، أحرزت بوركينا فاسو تقدمًا ملحوظًا في مجال التعليم، حيث بلغ معدل إتمام التعليم الابتدائي 64.3٪ للبنات و56.6٪ للبنين.
في عام 2014، قدّر معدل معرفة القراءة والكتابة لدى البالغين بـ 34.5%، ومع ذلك كان الوصول إلى التعليم العالي أضعف في عام 2017، تم تسجيل 554 طالبًا فقط من بين كل 100000 نسمة على أنهم مسجلون في التعليم العالي، مع 35،410 فتاة فقط من إجمالي 105404 طلاب (34%).
علاوة على ذلك كان لارتفاع حالة انعدام الأمن والإرهاب في عدد من المناطق في البلد تأثير سلبي على قطاع التعليم، في 2019 تم إغلاق حوالي 1035 مدرسة ابتدائية وثانوية في تلك المناطق، مما أدى إلى حرمان حوالي 141000 تلميذ من التعليم، وللتصدي لهذا النزوح من التلاميذ، أعدت الحكومة استراتيجية تعليمية للتلاميذ في المناطق التي تواجه تحديات أمنية شديدة.