كتبت – أسماء حمدي
في وسط لاجوس أكبر مدن نيجيريا، كان هناك مبنى يضم قاعة تذكارية وحوض سباحة يشكلان جزءًا لا يتجزأ من المدينة، وهي نقطة تجمع شعبية تثير شعورًا بالفخر للسكان.
هذا العام، وبعد عقود من تعرضه للإهمال، سيتم افتتاح المبنى والذي أصبح يضم مركز “جون راندل” وهو متحف حديث مخصص لثقافة اليوروبا يتميز بالألوان والصوت في خروج مبهر عن نموذج البناء الاستعماري بالإضافة إلى مسبح جديد للزوار.


مركز جون راندل
يقع مركز جون راندل لثقافة وتاريخ اليوروبا، الذي يوصف بأنه رمز مناسب لتعدد الهويات في المدينة، في منطقة أونيكان، القلب الثقافي لجزيرة لاجوس.
وفي حديث لصحيفة الجارديان البريطانية، يقول المهندس الرئيسي للموقع سيون أودوول، إن مركز يوروبا بني على عكس المتحف الوطني، الذي بني في أواخر الخمسينيات على النموذج الغربي من قبل عالم الآثار الإنجليزي كينيث موراي.
يضيف أودوول: “إذا ذهبت إلى متحف غربي، فغالبًا ما يكون القسم الإفريقي موجودًا في الطابق السفلي، ويكون الجو مظلمًا، لكن هذا المتحف يتميز بالألوان والصوت لتسليط الضوء على حيوية وديناميكية ثقافة اليوروبا”، مشيرا إلى أن كلمات اليوروبا تملك النصيب الأكبر من نظيرتها الإنجليزية على اللافتات والشاشات.
من جانبه، يضيف المنسق والأكاديمي النيجيري المولد الذي ساعد في توجيه المشروع، ويل ريا: “المركز مختلف تمامًا عن المتحف الأوروبي، فأنت تمشي في مشهد صوتي صاخب، وأدائي، يجعلك تحرك جسدك طوال الوقت”.


ثقافة اليوروبا
بنيت الجدران الخارجية لمركز يوروبا، الذي تبلغ مساحته 1000 متر مربع من مساحة العرض، من الخرسانة ومزخرفة بأصباغ ذات ألوان ترابية تذكرنا بالملامح الطينية في مستوطنات يوروبا القديمة، كما أن الشبكة الذهبية الخارجية للبناء هي إشارة إلى براعة شعب اليوروبا.
في الداخل، يتم الترحيب بالزوار من خلال عرض صوتي ومرئي يحيي أساطير اليوروبا عن أصل العالم، وذلك باستخدام شكل القرع، والذي يشكل أهمية كبيرة في ثقافة ومعتقدات اليوروبا.
يضم المتحف غرفة منفصلة تعرض مختلف الآلهة عند اليوروبا وتجليات القديسين، بما في ذلك شانجو إله الرعد، وأوشون إلهة الأنوثة والخصوبة، كما يوجد مساحة محددة لرواية القصص، لتعكس تقاليد اليوروبا، بالإضافة إلى أقسام حول العادات والممارسات.
وكشف الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري عن المركز، الذي أنشأته حكومة ولاية لاجوس، في يناير 2023، لكنه سيفتح أبوابه أمام الجمهور هذا الخريف.


مسرح للذاكرة الحية
بنى حوض السباحة الأصلي في الموقع بواسطة جون راندل، وهو طبيب ولد في سيراليون وينحدر من عائلة من الأفارقة العائدين، والذي رأى كيف كان شباب لاجوس يغرقون في البحيرة المحيطة وقرر بناء حمام سباحة عندما رفض الحكام الاستعماريون القيام بذلك.
أصبح المسبح الذي بناه راندل في العشرينيات من القرن الماضي في ما كان يُعرف آنذاك باسم متنزه جورج الخامس، مصدر جذب كبير حيث تم استبعاد سكان لاجوس من النادي القريب المخصص للأعضاء فقط والذي يديره البريطانيون، وتمت إضافة قاعة تذكارية إلى الموقع في الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن مع توسع لاجوس في العقود اللاحقة، أصبحت المباني في حالة سيئة وأغلقت في أواخر السبعينيات.
إلى جانب المتحف، يضم المركز أيضًا 3 مطاعم تقدم مأكولات اليوروبا المعاصرة ومكتبة ومعرض مؤقت وغرف ندوات ومحل لبيع الهدايا.
يقول أودوول، الذي يعمل في شركة “إس آي إس إيه” ومقرها لاجوس، إن العديد من سكان لاجوس من جيل والديه تعلموا السباحة في مسبح راندل الأصلي وذهبوا إلى المسرح في القاعة التذكارية.
يضيف: “أحد الأشياء التي أردنا القيام بها هنا هو استجواب علم المتاحف كبناء وطرح سؤال حول سبب عدم نجاح النموذج الغربي في السياق الإفريقي، وكيف يمكننا إنشاء مساحة ليست متحفًا في إفريقيا بالمعنى التقليدي، لكنه أشبه بمسرح للذاكرة الحية”.


روابط عميقة
تجري المحادثات حاليًا لاستلام 12 قطعة معارة طويلة الأجل من المتحف البريطاني، بما في ذلك كرسي لاندر، وهو أحد أول قطع اليوروبا التي أخذها البريطانيون من نيجيريا، والتي كانت موضوع مطالبات بإعادتها إلى وطنها، ومن بين العناصر التي تم التبرع بها للمتحف زي يرتديه الموسيقار النيجيري البارز فيلا كوتي، الذي يعتبر ملك الأفروبيت.
يقول ريا، وهو أحد كبار المحاضرين في جامعة ليدز: “ثقافة اليوروبا هي بلا شك واحدة من أعظم الثقافات الأدبية الفنية والموسيقية في العالم، إنها مذهلة في إبداعها وتاريخها الفني”.
يضيف ريا: “حتى اليوم، نجد أن ثقافة اليوروبا تؤثر على العالم بشتى الطرق، حيث أخرجتها فيلا كوتي من تقاليد الغناء الأوريكي إلى مزيج من موسيقى الجاز الأمريكية في الساحل الغربي، كما إن فكرة السالسا، على سبيل المثال، هي في الأصل حركة رقص يوروبا ظهرت في البرازيل، ونجد الآن مطبخ اليوروبا في لندن ونيويورك، وهناك شعور حقيقي بأن ثقافة اليوروبا تحتاج إلى مزيد من الوضوح”.
وقد ساهم فريق من الأكاديميين والخبراء في تصميم المركز والغرض منه، بما في ذلك الباحث النيجيري الأمريكي رولاند أبيودون، الذي يعد كتابه، فن ولغة اليوروبا، مصدرًا رئيسيًا في العالم الأكاديمي.
يقول ريا إن لاجوس لديها روابط عميقة بتراث اليوروبا، مضيفا: “لقد أصبحت منطقة أونيكان بأكملها ضائعة إلى حد ما وسط توسع مدينة لاجوس، لذا فإن المركز الجديد يهدف إلى حد كبير إلى تطوير هذه المنطقة باعتبارها حيًا ثقافيًا”، مشيرا إلى أن شعب اليوروبا يتحدثون لغة مماثلة ولديهم هوية ثقافية مشتركة وعلم كوني مشترك يعود إلى الزمن.

بلغ الاهتمام بتراث اليوروبا ذروته بين الشباب النيجيريين على مدى السنوات الـ10 الماضية وهذا ما يلعبه مركز راندل بالتركيز على تقاليد ثقافة اليوروبا وتاريخها الفني، وفقًا لريا.