كتب – حسام عيد
كما هو معروف اقتصاديًا، يتحول أي بلد يشهد عدم استقرار سياسي، ويدخل في مراحل المعاناة من الاضطرابات، إلى بيئة منفرة، طاردة للاستثمارات، فرأس المال “جبان”، وعامل الثقة الرئيسي له، هو الاستقرار، الأمر الذي يفقده في مالي خلال الفترة الراهنة، ومن المتوقع استمرارها خلال الفترة الانتقالية، التي تستمر 18 شهرًا.
فما هي تداعيات انقلاب أغسطس في مالي على بيئتها الاستثمارية، وكيف ستبدو آفاق الأعمال على المدى الطويل؟!
مخاوف اقتصادية والذهب المتضرر الأكبر
بالنسبة للماليين الذين ملأوا شوارع العاصمة باماكو في أواخر أغسطس الماضي، وهم يهتفون للجيش بعد أن أطاح انقلاب بحكومة الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، ربما بدا الناتج الاقتصادي مصدر قلق ثانوي.
ومع ذلك، فإن اقتصاد منطقة الساحل غير المتنوع يقف على حافة الهاوية الاقتصادية. العقوبات واسعة النطاق المفروضة ردًا على الانقلاب من قبل الكتلة الإقليمية لغرب أفريقيا “إيكواس”، بما في ذلك إغلاق جميع حدود البلاد ووقف التدفقات المالية ، تهدد بتوجيه ضربة للاقتصاد.
وسط اضطراب سياسي كبير، يزداد قلق المستثمرين القلائل خارج قطاع الذهب المستقر. سيتطلب التقليل من الأضرار الاقتصادية طويلة الأجل للانقلاب الثاني في مالي خلال ثماني سنوات، انتقالًا سريعًا من الحكم العسكري إلى الحكم المدني.
ويقول ألكسندر راي ماكرز، المحلل في شركة استشارات المخاطر السياسية فيرسك مابلكروفت Verisk Maplecroft، “واجهت الدولة الواسعة القاحلة جائحة الفيروس التاجي “كوفيد-19″ بعد عام قوي. كان الاقتصاد المالي مرنًا بشكل مدهش”.
ويضيف، “على الرغم من أن ثلثي البلاد يخضع فعليًا لسيطرة الجماعات المسلحة أو تأثيرها، فقد سجلت مالي معدل نمو بنسبة 5.1% في عام 2019 على خلفية قطاع تعدين الذهب المزدهر والإنتاج الزراعي المرتفع بشكل استثنائي.
احتوت مالي إلى حد كبير الفيروس، الذي ضرب أفريقيا جنوب الصحراء في وقت متأخر نسبيًا. في حين أنها هددت بالتسبب في انكماش اقتصادي متواضع من خلال ضرب سلاسل التوريد والتحويلات والاقتصاد الحضري، فقد استفادت مالية البلاد من انهيار أسعار النفط الخام وتزايد قوة صادراتها الرئيسية، الذهب.
ويقول الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي في المعهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية (تشاتام هاوس)، بول ميلي، “نظرًا لأن الذهب يُنظر إليه على أنه ملاذ آمن للقيمة في الأوقات العصيبة، فقد ارتفع السعر بالفعل”.
وبعد أسبوعين من وصول السلعة إلى مستوى قياسي بلغ 2072 دولارًا للأونصة في أوائل أغسطس 2020، اعتقلت زمرة من الجنود المتمردين إبراهيم أبوبكر كيتا، رئيس مالي، مما أجبره على تقديم استقالة متلفزة، واقترحوا الانتقال إلى الحكم المدني لمدة عامين. بينما كان الماليون يهتفون في الشوارع، أعربت “إيكواس” والاتحاد الأفريقي والقوى الدولية -بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة- عن مخاوف خطيرة وطالبوا بانتقال بقيادة مدنية، مع إجراء انتخابات في 12 شهرًا.
في غضون أيام، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” عقوباتها على مالي وأغلقت الحدود وقلصت التجارة. نظرًا لأن مالي غير ساحلية، فقد عزل الحظر، البلاد، ماليًا وقطع وصولها إلى الموانئ البحرية الحيوية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ولا تزال المعاملات الدولية والتمويل معطلين، وكذلك ماكينات الصرف الآلي.
ويضيف الباحث بول ميلي، “عقوبات إيكواس إذا استمرت سيحدث شلل تام في النظام المصرفي لدولة مالي بأكمله”.
مما يعكس مخاوف المستثمرين الدوليين، تراجعت الأسهم في شركات التعدين ذات المواقع المالية بعد الانقلاب. وشهدت شركة Hummingbird Resources، المنتج والمطور والمستكشف الأفريقي للذهب في القارة السمراء وخاصة في دولتي مالي وليبيريا، وResolute Mining، المدرجتين في بورصة لندن انخفاضًا في أسهمهما بنسبة 12 و14% على التوالي، في حين انخفضت أسهم شركة Canadian B2Gold التي تدير منجم فيكولا Fekola في جنوب غرب مالي بنسبة 8%.
في منتصف سبتمبر، التقى القادة الإقليميون بالعقيد آسيمي غويتا زعيم المجلس العسكري في مالي، للضغط من أجل العودة إلى الحكم المدني. وقال رئيس غانا، نانا أفوكو أدو: “لم يعد بإمكان مالي تحمل أي تأخير في تشكيل حكومة مسؤولة”.
وفي أواخر سبتمبر، عينت لجنة انتخابية اختارها المجلس العسكري وزير الدفاع السابق “با نداو” رئيسًا لحكومة انتقالية مدتها 18 شهرًا، والتي ستقود مالي إلى الانتخابات. وقال العقيد غويتا: “المجتمع الدولي يراقبنا، ولهذا قبلنا مبادئ إيكواس”. في الأيام المقبلة، يتعين على “إيكواس” رفع هذه العقوبات.
قد تواجه مالي فترة طويلة من عدم الاستقرار، مما يؤدي إلى تقويض ثقة الشركات والمستثمرين وتثبيط تدفقات رأس المال من الخارج. حتى مع وجود الحكومة الانتقالية في السلطة، فإن حركات التمرد في الشمال ستجعل إجراء الانتخابات أمرًا شاقًا.
حذر المستثمرين
ويقول ألكسندر راي ماكرز، الذي يتوقع أن يستمر نظام العقوبات لمدة شهرين، وعدم الاستقرار السياسي لمدة عامين، إن المستثمرين العاملين في مالي يتبنون نهج “الانتظار والترقب”.
ويوضح: “لم نر أي علامات على نزوح جماعي. من المرجح أن ينتظر المستثمرون إشارة واضحة إلى الشكل الذي ستتخذه عملية الانتقال السياسي”.
لطالما ابتليت مالي بالإرهاب والعنف والفساد. فاز كيتا في عام 2013 بالتعهد بمعالجة الكسب غير المشروع، لكنه واجه انتقادات شديدة بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية. كان قرار المحكمة الدستورية بإلغاء نتائج الانتخابات جزئيًا هو الذي أثار احتجاجات هذا العام، لكن عدم قدرة مالي على احتواء انعدام الأمن في شمالها الذي مزقته الحرب هو الذي منع اقتصادها من الانطلاق حقًا.
ونتيجة لذلك، كان 43% من الماليين يعيشون في فقر مدقع في عام 2019، على الرغم من الإنتاج الزراعي الرائع في السنوات الأخيرة، وخاصة القطن. على المدى الطويل، سيعرض تغير المناخ والنمو الديموغرافي السريع الأمن الغذائي للخطر. يعتمد البلد على شركاء إقليميين، ولا سيما السنغال وساحل العاج، ويواجه عجزًا كبيرًا في الحساب الجاري. في الوقت الراهن، يمكن فقط للماليين الحصول على الأطعمة الأساسية والكهرباء والأدوية والوقود، فالآفاق تبدو ضبابية.
التداعيات على القطاعات الرئيسية
حتى إذا عاد الاستقرار السياسي، فإن الانطباع العام عن مالي على أنها ممزقة بالصراعات وغير مستقرة قد يدفع المستثمرين الجدد إلى البحث عن بدائل إقليمية أكثر استقرارًا، ولا سيما الدول الساحلية مثل بنين والسنغال وكوت ديفوار.
الذهب؛ أحد القطاعات التي تضفي بريقًا خاصًا لاقتصاد مالي، فهو يمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي و30% من الإيرادات الحكومية، مع بقاء عمال المناجم على دراية جيدة بمخاطر العمل في مالي.
ونظرًا لأن الذهب المنتج في مالي لا يتم تصديره إلى دول “إيكواس”، فمن المتوقع عدم تضرر شركات التعدين بشكل كبير.
القطن هو تصدير مهم آخر مع إمكانات النمو. اليوم 40% من سكان الريف يعتمدون على المحصول، الذي يستخدم على نطاق واسع في ملابس غرب أفريقيا.
قد تعاني إيكواس في الفترة المقبلة إذا ظلت مالي معزولة لفترة طويلة، بسبب غياب الصادرات المالية ومن ثم حدوث تراجع في حجم التبادل التجاري.
وختامًا؛ قبل الانقلاب، توقع البنك الدولي أن مالي ستكافح للحفاظ على نفسها ماليًا على المدى الطويل في سياق عدم اليقين العالمي والنزاع المسلح وفيروس “كوفيد -19”. وأوصى الحكومة “بإعادة توجيه الإنفاق نحو خدمات الصحة العامة واتخاذ خطوات لزيادة مصادر إيراداتها”.
وفي ضوء الانقلاب، يجب مراجعة أولويات مالي، من معالجة انعدام الأمن في الشمال والعنف الطائفي في وسطها، إلى تنويع اقتصادها والعمل من أجل تعزيز مناخ أعمال أكثر استقرارًا.
فاستمرار حالة عدم الاستقرار والأزمة السياسية تقوض فرص مالي في إقناع المستثمر من حين لآخر بأن الدولة الواقعة في غرب أفريقيا هي المكان المناسب للاستثمار.