كتبت – أماني ربيع
في قمة الأرض بريو دي جانيرو في البرازيل عام 1990، بدا الحديث عن البيئة وما يمثله النشاط البشري المتزايد والغير مدروس من إيذاء لها، قد يؤدي غلى أضرار جسيمة بالمستقبل، مضحكا وبعيدا جدا بالنسبة للكثيرين، كانت قضايا البيئة في هذا الوقت تبدو للجمهور والساسة وأصحاب الأعمال ترفا ونوعا من الرفاهية، ينظرون له باستخفاف، لكن الآن وبعد أن لمسنا جميعا ما تفعله التغيرات المناخية بالأرض، والعواقب الوخيمة من جفاف وتصحر وحرائق غابات واحتباس حراري وأعاصير وكوارث طبيعية مدمرة، أصبح تسليط الضوء على التوعية بقضايا المناخ والبيئة أمرا ملحا.
وخلال الآونة الأخيرة تزايد الحديث عن الحاجة العالمية لخفض انبعاثات الكربون التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وهو الأمر الذي يتطلب من المجتمعات خططا للتكيف مع المتغيرات الجديدة وإدارتها بشكل جيد.
لكن نظريا تبدو الأمور قابلة للتحقيق، لكن الموافقة على قرارات التكيف شيء، وتنفيذها شيء آخر، وبخاصة في المجتمعات الفقيرة والنامية، كما هو الحال مع معظم الدول الأفريقية، فهو أمر معقد يحتاج لدراسة متأنية ودراسة للأولويات على مدار فترات زمنية مختلفة.
وبحسب البروفيسور دوكلان دونواي، الأستاذ بمعهد جرانثام للتغير المناخي والبيئة بكلية لندن للاقتصاد، في هذه النقطة تبرز الحاجة للمعلومات كداعم لعملية التكيف، وتقديم أشكال جديدة للبيانات، مع ابتكار طرق للتعامل مع الأشخاص الذين سوف يستخدمونها، وهو الأمر الذي لايزال غير مخططا له في أفريقيا.
وتستلزم القدرة على التكيف واتخاذ القرارات التي تقلل من الآثار الجانبية لتغير المناخ، وجود مستوى معين من المعلومات حول الظروف المناخية المستقبلية، وهو أمر يمكن توفيره على نطاقات زمنية مختلفة، من المدى القصير – مثل التنبؤات الموسمية – إلى المدى الطويل عبر محاكاة النماذج المناخية.
المعلومات داعم للتكيف
وقدم موقع منظمة “carbonbrief”، مجموعة من الأفكار حول كيفية بناء خطط للتكيف مع قضية تغير المناخ بأفريقيا، وهناك عدة تطبيقات لاستخدام المعلومات المناخية منها أنظمة الإنذار المبكر، وتنمية أحواض الأنهار، والتخطيط الحضري وتعزيز سبل العيش الريفية.
مثل العديد من الدول الأفريقية الأخرى، أصبحت المعلومات عن المناخ في مالاوي في تزايد مع الوقت، لكن هذا التزايد لم يؤد دائما إلى استخدامها بفعالية، ويرجع ذلك إلى أن طبيعة المعلومات لا تلبي بالضرورة احتياجات صنع القرار كما أن طريقة تقديمها ليست مفهومة بشكل جيد دائما من قبل المستخدمين، وأغلبهم من المزارعين البسطاء غير المتعلمين.
وهناك طريقة جديدة لزيادة فعالية المعلومات الموجودة بالفعل هي “تخطيط السيناريو التشاركي” (PSP) وهي أداة تهدف إلى توليد معلومات مفيدة وقابلة للاستخدام حول التنبؤات المستقبلية المحتملة.
وبعد الاستخدام الناجح في بلدان أفريقية أخرى ، قامت دوروثي تيمبو-نهلما من منظمة Lilongwe Wildlife Trust وزملاؤها باستكشاف كيفية تطبيق هذا النموذج في ملاوي.
وتم تصميم (PSP) كنهج مجتمعي متكامل يهدف إلى تعزيز القدرة على التكيف ودعم تخطيط وتنفيذ الحد من مخاطر الكوارث والتنمية المقاومة للمناخ ، مستعينا بالمعلومات عن المخاطر المناخية، كما يسمح بالتفسير الجماعي للتنبؤات الموسمية من خلال إشراك المنتجين والمستخدمين والوسطاء في إنشاء سيناريوهات قائمة على التنبؤات المناخية الموسمية.
على سبيل المثال، قد تركز مثل هذه السيناريوهات على احتمالية هطول الأمطار أقل من المعتاد والعادي وفوق المعدل الطبيعي في مكان ما في توقيت معين.
تم تطبيق نموذج PSP رسميًا لأول مرة في ملاوي بين عامي 2015-2016، في اجتماع ضم “فريقًا أساسيًا” من المنظمات غير الحكومية في ملاوي ، وإدارة شؤون إدارة الكوارث ووزارة الزراعة والري وتنمية المياه ، تم تقديم التوقعات الموسمية من قبل إدارة تغير المناخ وخدمات الأرصاد الجوية.
وناقشت المجموعات ثلاثة سيناريوهات للموسم وتبادلوا الآثار والفرص والتوصيات المحتملة، في المرحلة التالية ، ساعدت المؤسسات المجتمعية ذات الصلة وأفراد المجتمع في تفسير التنبؤات الموسمية ووضعها في سياق تجاربهم السابقة والمؤشرات المحلية المتعلقة بالطقس والمناخ.
وعبر مراقبة هذه العملية خلال الفترة 2015-2016 ، ظهر نجاح نموذج PSP كطريقة لإنتاج معلومات مناخية مفيدة وقابلة للاستخدام لصنع القرار.
تمكن المزارعون الذين استخدموا المعلومات الصادرة عن PSP من الحفاظ على الإنتاج حتى في الظروف الجوية السيئة، وساعد PSP المزارعين في اتخاذ القرارات ، مثل توقيت زراعة البذور بحيث يتزامن مع وقت بدء هطول الأمطار بشكل فعال، وتحديد نوع البذور بناءً على طول توقعات موسم النمو، وتحديد الممارسات الزراعية التي يجب إكمالها خلال أشهر من فترات الجفاف الطويلة.
لكن وحتى مع استمرار PSP ، هناك حاجة لمزيد من التحليل والتقييم المكثف، لتغطية المزيد من المناطق، ومراعاة الاحتياجات المختلفة للرجال والنساء، ودمج وجهات نظر أولئك الذين ينتجون المعلومات ويستخدمونها.
ولمزيد من تكامل نموذج PSP، مع السياسات وأطر التخطيط بالدول الأفريقية، يجب ضمان استخدامه بانتظام، ودمجه في هياكل الحوكمة الرسمية بالدول، وتجنب الاعتماد على المشاريع قصيرة الأجل.
وعبر التعاون بين الدكتورة آنا تايلور من مجموعة تحليل نظام المناخ (CSAG) في جامعة كيب تاون، والدكتور جيلبرت سيامي من جامعة زامبيا والباحثة بريندا موالوكانجا، تم استكشاف فرص دمج مخاطر المناخ في “الخطة الاستراتيجية لمجلس مدينة لوساكا” “لعام 2017-21، بحسب منظمة “carbonbrief”.
وتحدد مثل هذه الخطط أولويات الإنفاق العام وعمل الموظفين العموميين في إدارة المدينة وإدارتها.
وجمع الفريق ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص وعضو مجلس المدينة وعلماء الاجتماع والمناخ لمناقشة مخاطر المناخ، وقاموا باستخدام تقنيات تفاعلية مثل “مختبرات التعلم” و”حوارات المدينة”، وزيارات تبادل المدن وفعاليات التدريب.
معالجة شاملة
وكجزء من هذه العملية ، صمم الدكتور كريس جاك وزملاؤه من CSAG مشروع “فلترة” المعلومات لتوضيح القرارات الضمنية والأحكام القيمية التي تحدث خلال عملية تكوين المعلومات حول مخاطر المناخ، ما أدى إلى تطوير “سرديات مخاطر المناخ” مدعومة بالأدلة العلمية كأداة لشرح أحوال المدينة في ظل ظروف مناخية مستقبلية متناقضة.
قدم الفريق ورش عمل معملية تعليمية، وأجروا مناقشات حول مخاطر المناخ في سياق تحديات التنمية الحضرية الأوسع – تسليط الضوء على ندرة المياه ، وتدهور نوعية المياه الجوفية والفيضانات المتكررة كنقاط تركيز للتداول وإدخالها في الخطة الاستراتيجية.
كانت الخطوة الأخيرة التي حددوها هي ترجمة الخطة الإستراتيجية إلى “خطة التنمية المتكاملة”، ومن خلال التجربة، حددت آنا وزملاؤها أربعة دروس رئيسية مستفادة منها: ضرورة بناء الثقة والعلاقات القوية، إشراك أصحاب المصلحة، وجود أطر تمكينية أوسع للقوانين والسياسات والتمويل، الحاجة إلى وسطاء مهرة يمكنهم المساعدة في التعامل مع المقاومة والأجندات المتضاربة.
تعتمد هذه التجارب على عدد من المبادئ المصممة لتعزيز المشاركة الفعالة بشأن مخاطر المناخ، ومعظم المناهج تؤكد بشكل عام على أهمية إشراك الأشخاص الذين سيستخدمون المعلومات في النهاية، وهم يدركون أيضًا أن العمل بشأن التكيف يحتاج إلى معالجة بصورة شاملة، لأن المناخ لا يؤثر على مجال أو فئة بعينها، بل في الواقع يرثر على قطاعات متعددة من المجتمع في نفس الوقت.
ويتطلب هذا دمج المعلومات حول الشكل الذي سيبدو عليه المناخ في المستقبل مع وضع رؤى حول كيفية استجابة المجتمع للتغيير والضغوط الخارجية.
الأمر هنا، يتجاوز البيانات العلمية إلى الخدمات والمؤسسات التي يمكن أن تقدمها ومجتمعات الممولين التي يمكن أن تساهم، فلابد من تعزيز ودعم خدمات الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا الوطنية والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية والهيئات المرتبطة بها، وتحديد الاختصاصات وتعزيز المهارات وتوفير الدعم والموارد المالية.
كما لابد من توفير وسطاء بين الباحثين والمزارعين، لتسهيل عملية التواصل، وإقامة روابط بين المعرفة والعمل، وهنا تبرز الحاجة إلى وسائل الإعلام كوسيط من أجل التوعية، وكذلك عمال الإرشاد الزراعي للتواجد في الميدان.
ولن يقتصر مستخدمي استراتيجيات التكيف على الباحثين والمزارعين فحسب، فهناك مخططي التنمية الريفية ومديري الكوارث على المستوى الوطني ، والمزارعين والرعاة على مستوى المجتمع المحلي.
ولابد من الأخذ في الاعتبار أنه يجب أن تتناسب المعلومات المقدمة أيضًا مع حجم موقف القرار، وبالنسبة لمعظم القرارات الصغيرة وقصيرة المدى لا يتطلب الأمر سوى معلومات فنية محدودة لتحقيق الثقة في اتخاذ القرارات.
وبالنسبة للقرارات المتعلقة بالاستثمارات طويلة المدى – مثل البنية التحتية واسعة النطاق والتخطيط الحضري – فإن التقييمات التفصيلية أكثر ملاءمة باستخدام الإسقاطات من النماذج المناخية والتحليل التفصيلي لتقلبات سابقة.
وهكذا عبر زيادة الوعي وتبادل المعرفة بين مختلف الجهات الفاعلة وتعزيز الإدماج ، سوف تتمكن المجتمعات الفقيرة والنامية من التكيف مع بيئتها المتغيرة.
ويكمن الأمل في أن تكون المجتمعات الأفريقية مستقبلا أكثر وعياً بالمناخ وأكثر إلماماً بالمناخ وأكثر استعداداً للمناخ من أجل تعزيز عملية صنع القرار، التي تعمل على استمرارية التنمية رغم تقلبات المناخ، وتقليل الخسائر على المستوى المحلي والوطني.