كتب – محمد الدابولي
تشهد العاصمة القطرية “الدوحة” هذه الأيام محاولات لعقد مباحثات سياسية بين أطراف الأزمة التشادية بين المجلس العسكري الحاكم وقوى المعارضة التي سطرت قبل عام مضى تقدمًا ملموسًا من الناحية العسكرية، وكادت أن تقتلع النظام التشادي خاصة بعد تمكنها من اغتيال الرئيس التشادي الراحل “إدريس ديبي”، في أبريل 2021، خلال المواجهات التي اندلعت شمال البلاد.
شكّل اغتيال “ديبي” وقتها صدمةً عنيفةً ليس في الوسط التشادي فحسب، بل أيضًا في منطقة الساحل والصحراء الذي عُدّ بمثابة إعلان انهيار المنطقة وولوجها إلى مرحلة متطرفة من الفوضى الأمنية فـ”ديبي” الراحل كان يعتبر “شرطي المنطقة” والمستجيب الأول للحملات الدولية والأفريقية لمحاربة التنظيمات المسلحة والمتطرفة في منطقة الساحل والصحراء.
مأزق قديم وخطوة راديكالية
تأتي المباحثات التشادية في قطر حاليا لإنهاء مأزق قديم تعيشه البلاد منذ استقلالها يتمثل في حالة الاحتراب الأهليّ والتمرد المستمر، لذلك يدفع “محمد كاكا” نجل الرئيس الراحل “إدريس ديبي” ورئيس المجلس العسكري الذي تشكّل عقب اغتيال والده إلى إنهاء حالة الاحتراب والفوضى الأمنية في بلاده عبر اتخاذ خطوات أكثر راديكالية مغايرة لسياسة “ديبي” الأب، أولها تعزيز العلاقات القطرية التشادية عبر سلسلة من الإجراءات، أبرزها زيارة الدوحة في سبتمبر 2021، ولقاؤه بالأمير القطري “تميم بن حمد”، وأتت تلك الزيارة في محاولة منه للتقرب من قوى المعارضة التي تتخذ من الدوحة نقطة انطلاق لنشاطاتها المناوئة لحكم ديبي الأب سابقًا والمجلس العسكري حاليًّا.
ومما يضفي طابع الراديكالية على تلك الزيارة هي أنها أتت بعد سنوات من قطع العلاقات والتراشق السياسي بين الجانبين، فقد دأب نظام الرئيس الراحل “إدريس ديبي” على توجيه اتهامات لقطر بدعم المتمردين وإيواء “تيمان إرديمي” رئيس “اتحاد قوى المقاومة” التشادي.
ومما يعكس قوة تلك الزيارة أنها أتت في موضع قوة نسبي، خاصة بعد نجاح “كاكا”” في تثبيت الأمور نسبيًّا وتمكنه من صد هجمات ميليشيات المعارضة والحيلولة دون سقوط العاصمة “نجامينا” وفرض حالة من التماسك داخل قطاعات الجيش التشادي.
وأعقب زيارة “كاكا” إلى الدوحة زيارات متتالية لمسئولين تشاديين لقطر لبحث مسألة إجراء حوار وطني شامل، ففي يناير 2022 قام وزير الخارجية التشادي “شريف محمد زين” بزيارة الدوحة والتقي نظيره القطري وذلك لوضع اللبنات الأولي للحوار التشادي بقطر الذي كان من المقرر انعقاده في يناير/ فبراير الماضي، وتتمحور أهداف المباحثات الحالية في إطلاق حوار وطني يمهد إلى إنهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات وتكوين نظام سياسي مدني في البلاد
وتتمثل الخطوة الثانية في إصدار المجلس العسكري في نوفمبر 2021 عفوًا عامًّا عن المتمردين والمعارضين المدانين (300 معارض) في قضايا سياسية وجرائم الرأي أو حتى قضايا المساس بوحدة الدولة، وذلك كبادرة طيبة تشجع على بدء إجراءات حوار وطني شامل بين جميع الأطراف التشادية، وشمل ذلك العفو عن بعض قادة “اتحاد قوى المقاومة” العنصر الأول في المعارضة التشادية.
مباحثات أم حوار وطني
ما يجري في الدوحة حاليًّا لا يمكن اعتباره حوارًا وطنيًّا تسفر مخرجاته عن آليات وخارطة طريق لمستقبل النظام السياسي التشادي، إذ يُنظر إليها على أنها مقدمات ذات طابع إيجابي لما ستسفر عنه الأوضاع في شهر مايو القادم، والمقرر فيه عقد الحوار الوطني الذي من المحتمل أن يفضي إلى حكومة انتقالية تكون مهمتها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي الحكم العسكري وتنشئ حكمًا مدنيًّا جديدًا في البلاد.
عوائق المباحثات وجدول الأعمال
رغم المقدمات الإيجابية للمباحثات في الدوحة إلا أنها تخللتها بعض العوائق والمؤشرات السلبية، إذ تم تأجيل جلسات المباحثات لمدة 48 ساعة لتتم في 18 مارس الحالي لكنها ما زالت معلقةً، إذ كان من المقرر أن تبدأ الجلسات يوم الأحد 13 مارس الماضي إلا أنها تأجلت لمدة 72 ساعة ثم 48 ساعة أخرى، وذلك بسبب انسحاب قادة جبهة التغيير والوفاق احتجاجًا على الوسيط المسئول عن الاتصال بالجماعات المسلحة، فضلًا عن رفض قادة الجبهة أي ضغوط يمارسها الوسيط (قطر) على الجماعات المتمردة للحصول على ضمانات لأي التزامات سياسية، أي أن يكون الدور القطري هو الوساطة فحسب دون التدخل في فرض وجهة نظر معينة أو إلزام الأطراف بضمانات معينة.
ونقطة أخرى أثارتها الجماعات والتنظيمات المتمردة، التي قد تكون عائقًا أمام إتمام المباحثات ونجاحها هي ضخامة العدد المشارك في المباحثات، فمن المقرر أن يكون لكل جماعة 10 ممثلين، وهو العدد الذي قد يعيق إجراء المباحثات، خاصة إذا عرفنا أن عدد الجماعات المتمردة حوالي 44 جماعة وذلك وفق موقع Africa News وفي مواقع إعلامية أخرى ترجح بأن العدد 52 جماعة، كما أن تلك المباحثات لم تحظ بتغطية إعلامية متميزة من قبل الصحافة التشادية إذ لم تصرح السلطات التشادية للصحفيين بالسفر إلى الدوحة لتغطية المباحثات.
ومن المرجح أن يقتصر جدول أعمال جلسات المباحثات على 3 قضايا رئيسية، وهي مصير مقاتلي الجماعات المتمردة المتمركزين في ليبيا والسودان، وكيفية إدماجهم مرة أخرى في المجتمع التشادي وتسليم أسلحتهم للجيش، وأيضًا مسألة إكمال العفو عن قادة الجماعات المتمردة، حيث إن العفو الذي أصدره المجلس العسكري في نوفمبر الماضي لم يشمل بعض القيادات، والنقطة الأخيرة الأكثر أهمية وهي مسألة استعانة الجماعات المتمردة بمرتزقة فاجنر الروسية، إذ يدعى المجلس العسكري أن رصد مكالمة بين رئيس جماعة “اتحاد قوى المقاومة” المتمردة تيمان إرديمي، وبين مؤسس جماعة مرتزقة فاجنر الروسية، إذ يرغب “إرتيمي” في استجلاب مرتزقة فاجنر ودعم النفوذ الروسي في تشاد على حساب النفوذ الفرنسي.
استجلاب النموذج الرواندي
من المرجح أن يسعى حاليًّا الرئيس التشاد “محمد كاكا” إلى استجلاب التجربة الرواندية في تحقيق السلام الاجتماعي بعد عقود طويلة من عدم الاستقرار والاحتراب الأهلي، إذ أجرى “كاكا” خلال اليومين الماضيين زيارة خاصة إلى روندا التقى خلالها بالرئيس “بول كاجامي” الذي يسعى إلى الترويج لتجربة بلاده في مسألة الإصلاح السياسي والاجتماعي بعد حروب أهلية مدمرة.
مآلات الوساطة القطرية
تعول الدوحة حاليًّا على تجاربها السابقة في مجال الوساطات في النزاعات الدولية سواء في أفريقيا أم في خارجها، مثل وساطتها في المباحثات بين حركة طالبان الأفغانية والحكومة الأمريكية، وفي أفريقيا اتفاق السلام في الدوحة لإنهاء الحرب في دارفور عام 2010، كما تدخلت في التوتر الصومالي الكيني في مايو 2021، وأيضًا التدخل في الصراع الإريتري الجيبوتي عام 2008.
لكن التجربة القطرية هذه المرة مختلفة نسبيًّا نظرا لحساسية الوضع التشادي، فقبل عام تقريبًا كانت قطر داعمًا رئيسًا للجماعات المتمردة وملاذ أمن لقادتها والآن تلعب دور الوسيط السياسي أي أنها زحزحت دورها من داعم للجماعات إلى وسيط بين الجماعات والمجلس العسكري الحاكم وهو ما يضع علامات استفهام حول مدي نزاهة الوسيط القطري في المفاوضات، وهو ما طالبت به بعض الأطراف التي نادت بأن يكون الدور القطري منحصرًا في الوساطة فحسب، وليس التدخل لفرض التزامات أو ضمانات سياسية. وأخيرًا يعتبر انشطار الجماعات المتمردة إلى نيف وخمسين جماعةً من العوائق التي تحول دون إتمام قطر لدورها في الوساطة فما زالت تلك الجماعات تضع العراقيل أمام الوسيط لمنعه من إتمام المباحثات فعلى سبيل المثال كيف يتم إجراء حوار بين أكثر من 500 شخصية تشادية ممثلة عن تلك الجماعات.