إعداد – د. جيهان عبد السلام عباس
أستاذ الاقتصاد المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
إن الثورة الصناعية الرابعة تسير على قدم وساق، حاملة معها موجة من التقدم التكنولوجي الذي لديه القدرة على إعادة تشكيل الصناعات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم. ويأتي الذكاء الاصطناعي في طليعة هذه الثورة، إذ يعد بإحداث تحول في مختلف القطاعات ودفع النمو الشامل والتنمية، كذلك المساعدة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
ويُقصد بمفهوم الذكاء الاصطناعي مجموعة من التقنيات التي تُمكن الآلات من العمل بمستويات أعلى من الذكاء ومحاكاة القدرات البشرية على الإحساس والفهم والتصرف[1]. وتعرِّفه المفوضية الأوروبية بأنه “تلك الأنظمة التقنية التي تعرض سلوكًا ذكيًا من خلال تحليل بيئتها وأخذ الإجراءات – بدرجة معينة من الاستقلالية – لتحقيق أهداف محددة”، كما تُعرّفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأنه “نظام قائم على الآلة يمكنه تحقيق مجموعة معينة من الأهداف التي يحددها الإنسان سواء في شكل التنبؤات أو التوصيات أو القرارات التي تؤثر في البيئات الحقيقية أو الافتراضية، وتم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي للعمل بمستويات مختلفة من الاستقلالية”[2] .
ومن هذا المنطلق، تتناول تلك الدراسة ملامح التحول نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، وما قد ينتج عن ذلك من مزايا تنموية عديدة تخدم أهداف التنمية المستدامة، كذلك ما يصاحبه من تحديات عديدة لا بد من سرعة النظر فيها ومعالجتها، وذلك فيما يلي:-
أولاً – واقع وإمكانات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا:
يوجد في أفريقيا أكثر من 2400 منظمة للذكاء الاصطناعي تم تأسيس 40% منها في السنوات الخمس الماضية، وتعمل في مختلف الصناعات، بما في ذلك الصحة واللياقة البدنية والزراعة والقانون والتدريب والتأمين.[3] يُعزَى جزء كبير من نمو الذكاء الاصطناعي في أفريقيا إلى جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تسريع التحول الرقمي، وما زالت في مراحل نموها الأولية؛ فنحو 34% من الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي هي مؤسسات متوسطة تضم أقل من 100 موظف، بينما 41% شركات ناشئة تضم أقل من عشرة موظفين[4]. ويوجد بالفعل عدد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، خاصة في مجالات الصحة وإمدادات المياه والتنبؤ بالطاقة النظيفة والتنبؤات بتغير المناخ والاقتصاد والتمويل، فضلاً عن الحوكمة[5]. وقد اجتذب الاستثمار في الذكاء الاصطناعي 500 مليون دولار من قبل 120 شركة في 12 دولة مختلفة في المنطقة.[6]
ووفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الاتحاد الأوروبي و60 دولة أخرى لديها شكل من أشكال استراتيجيات الذكاء الاصطناعي التي تغطي أكثر من 600 مبادرة سياسية. وهناك أكثر من خمسين مبادرة من هذا القبيل في الاتحاد الأوروبي، وما يقرب من خمسين مبادرة في الولايات المتحدة، ولكن القليل من هذه المبادرات في أفريقيا؛ فوفقًا لمؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي لعام 2022، تحتل أفريقيا المرتبة الأدنى مقارنة بجميع المناطق الأخرى، وتقع العديد من البلدان الأفريقية في أدنى نطاق من التصنيف، ولا توجد بلدان كثيرة في القارة لديها استراتيجيات شاملة للابتكار والتحول الرقمي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي[7].
وبحلول عام 2030، يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 1.5 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا – حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي – إذا تمكن من الاستحواذ على 10% فقط من سوق الذكاء الاصطناعي العالمي سريع النمو. كما تتوقع شركة برايس ووترهاوس كوبرز أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في عام، منها 6.6 تريليون دولار تأتي من زيادة الإنتاجية و9.1 تريليون دولار من تأثيرات الاستهلاك. 2030، أي أكثر من الناتج الحالي للصين والهند مجتمعتين.
وتتمثل الدول التي تهيمن على الذكاء الاصطناعي في المناطق الأساسية للقارة في: جنوب أفريقيا وكينيا ومصر ونيجيريا. ومع ذلك، كانت موريشيوس أول دولة في أفريقيا تنشر استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وتتمتع بنظام بيئي تكنولوجي واستثماري جذاب[8].
شكل رقم (1) عدد الشركات المتخصصة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي بدول أفريقيا لعام 2022
Source : Faustine Ngila , ” Africa is joining the global AI revolution” , Quartz , June 23, 2022, available at :
ثانيًا – دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا:
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث تغيير جذري في الطريقة التي تعمل بها الشركات، ودفع الابتكار، وتحسين حياة الملايين من الناس في جميع أنحاء أفريقيا، أي دعم أهداف التنمية المستدامة كما يلي:-
- التطبيقات الصحية والطبية (الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة):خلال جائحة كوفيد، تم استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بذُروات الوباء، وفي جامعة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، توقع العلماء حدوث الموجة الأولى من كوفيد-19 قبل أن ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد. كما تمكن علماء الذكاء الاصطناعي من دعم صناع سياسات الصحة العامة في تحديد تأثير التدخلات الحكومية، ما سمح لهم بالتخطيط للمستقبل، ولذلك يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي دور محوري في تحسين الصحة في أفريقيا[9].
والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد أصبحت تكنولوجيا الهاتف المحمول منصة لتحسين البيانات الطبية وتقديم الخدمات، فمثلًا يستخدم حوالي 27000 من العاملين في مجال الصحة العامة في أوغندا نظامًا متنقلًا يُسمى mTrac للإبلاغ عن مخزون الأدوية. كما أصبحت رواندا أول دولة تدمج الطائرات بدون طيار في خدماتها الصحية. نظام الرعاية، باستخدام المركبات الجوية المستقلة لتوصيل عمليات نقل الدم إلى المناطق النائية. كما أسهمت التكنولوجيا في تحسين الاستجابة للكوارث: فخلال تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014. كما يتم تنفيذ الذكاء الاصطناعي ببطء في إثيوبيا لمساعدة المهنيين الطبيين على تشخيص أمراض السرطان والملاريا[10].
- الوصول إلى المياه (الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة):
يستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلب على المياه لتمكين الكيانات المختلفة من توفير إمدادات كافية من المياه النظيفة والآمنة لتلبية احتياجات المستهلكين. وهذا أمر ضروري لضمان حقوق الإنسان في المياه والصرف الصحي، ويتيح الذكاء الاصطناعي مراقبة جودة المياه للكشف عن الملوثات والتغيرات في جودة المياه. قد يكون الاكتشاف المبكر مفيدًا في الوقاية من الأمراض المنقولة بالمياه وحماية إمدادات المياه.
- التنبؤ بالطاقة النظيفة (الهدفان السابع والثالث عشر من أهداف من أهداف التنمية المستدامة)
يتطلب تسريع اعتماد الطاقة النظيفة وضع نماذج دقيقة لإمدادات الطاقة المتجددة لتلبية الطلب المتزايد، وقد استخدمت الدراسات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بسرعة الرياح للطاقة المحصودة باستخدام طواحين الهواء لضمان قياسات دقيقة لإمدادات طاقة الرياح، وسيقطع هذا التنبؤ شوطًا طويلًا في إدارة الموارد المتجددة وضمان إمدادات طاقة نظيفة ثابتة وبأسعار معقولة.
– تغير المناخ (الهدفان 13 و15 من أهداف التنمية المستدامة):
يمكن لعلم المناخ أيضًا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لدعم التنبؤات الجوية، ويمكن أن يكون ذلك مفيدًا للتنبؤ بمستويات المياه ومخاطر الفيضانات، أو على العكس من ذلك، خطر الجفاف والتصحر. كما يعد اكتشاف الفيضانات والجفاف أمرًا مهمًا بشكل خاص للتخطيط الزراعي. ويمكن للتنبؤات الدقيقة أن تدعم تدابير التكيف وتساعد المسؤولين الحكوميين وواضعي السياسات على التخطيط والإعداد من أجل تقليل الآثار السلبية لتغيرات المناخ. يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تسهيل إنشاء نماذج مناخية تحاكي التفاعلات المعقدة التي يمكن أن تؤثر على تغير المناخ في أفريقيا. ويمكنه دعم تحليل البيانات باستخدام البيانات التاريخية ومتغيرات المناخ وصور الأقمار الصناعية جنبًا إلى جنب مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة وموثوقية التنبؤات المناخية فيما يتعلق بأنماط هطول الأمطار والأحداث المتطرفة وتغير درجات الحرارة مما يسهل التخطيط الاستباقي وتحديد المخاطر المحتملة.
- العمل اللائق ونمو الاقتصاد (الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة):
يساعد الذكاء الاصطناعي على الحصول على المعلومات الاقتصادية، وتقليل هوامش الخطأ، وتحسين التنبؤات بنتائج السوق، وتحقيق نتائج أفضل لتوازن الأسعار وخيارات أفضل لدعم النمو الاقتصادي، كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تخصيص أكثر كفاءة للموارد ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وتغذية النمو الاقتصادي، ويظهر ذلك بشكل كبير في القطاع الزراعي؛ حيث إن ضعف الإنتاجية، والتعرض لتغيرات المناخ، يزيد من مخاطر ندرة الغذاء، ويساعد الذكاء الاصطناعي، وصور الأقمار الصناعية، والتحليلات المتقدمة، في القدرة على تحسين الإنتاجية والكفاءة في جميع مراحل سلسلة القيمة الزراعية، فضلًا عن المعلومات المتعلقة بالأسعار التنافسية، والمحاصيل، ونصائح الوقاية من الأمراض، ودعم التخفيف من آثار الكوارث. كما توفر تقنيات الثورة الصناعية الرابعة الفرصة لدعم كفاءة القطاع الزراعي الأفريقي الذي يعمل به نحو 60 % من إجمالي العمالة في أفريقيا جنوب الصحراء، وما يقرب من 50 % من إجمالي الدخل الريفي في بلدان مثل إثيوبيا وملاوي ونيجيريا وتنزانيا.
وتجدر الاشارة هنا إلى ما تقدمه شركتا Farmerline وAgrocenta، ومقرهما غانا، للمزارعين من تكنولوجيا الهاتف المحمول والويب للحصول على المشورة الزراعية ومعلومات الطقس والنصائح المالية، وتقوم شركة Zenvus، وهي شركة نيجيرية ناشئة، بقياس وتحليل بيانات التربة لمساعدة المزارعين على استخدام الأسمدة المناسبة وري المزارع على النحو الأمثل، وتستخدم “Sparky Dryer”، وهي آلة تجفيف اخترعها مهندس أوغندي، الوقود الحيوي لتجفيف المنتجات وتقليل هدر الطعام، كما يساعد الذكاء الاصطناعي على دعم التحول الاقتصادي الهيكلي في أفريقيا.
في السنوات الأخيرة، استمر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا في النمو، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر، وفي الآونة الأخيرة، ولَّدت تكنولوجيات وخدمات الهاتف المحمول 1.7 مليون فرصة عمل مباشرة (سواء رسمية أو غير رسمية)، وأسهمت في 144 مليار دولار من القيمة الاقتصادية (8.5 %) من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة جنوب الصحراء.[11]
هناك أيضًا تقنيات أخرى للثورة الصناعية الرابعة لها تأثيرها. على سبيل المثال، في غرب أفريقيا وكينيا، أتاحت تقنية blockchain التحقق الفعال من سجلات الملكية والمعاملات، ووسعت الوصول إلى الائتمان في بعض قطاعات الاقتصاد غير الرسمية سابقًا. وقد يساعد على تنمية القطاع المالي كعامل رئيس في الحد من الفقر؛ إذ يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحقيق ذلك من خلال تغيير الطريقة التي يحصل بها الأفارقة على الخدمات المالية، وتوفير المال، والاستثمار، والحصول على التأمين[12].
- تعزيز الحوكمة (الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة( :
تحتاج الحكومات إلى تنبؤات دقيقة للتخطيط للمستقبل واتخاذ خيارات الحكم الرشيد، ومن المجالات التي استفادت من استخدام الذكاء الاصطناعي، هو التنبؤ باندلاع الحروب والصراعات على أساس المخاطر والمتغيرات الأخرى، ويمكن أن تؤدي هذه المعلومات الاستخبارية إلى اتخاذ تدابير لمنع الصراع أو تقليل انتشاره والأضرار الناجمة عنه خاصة في أفريقيا تلك القارة التي تعاني دائمًا الصراعات.
وفي حالة الخدمات العامة، فإن قدرة الحكومات على ضمان الاستخدام الفعال للموارد في تقديم الخدمات العامة تضعف بسبب عوامل مثل الفساد وانعدام الشفافية، فضلاً عن أساليب تقديم الخدمات العامة التي تكافح من أجل الاستجابة للاحتياجات الحالية. ومن خلال الأتمتة، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تبسيط العمليات وخفض التكاليف بشكل كبير، فضلًا عن تخفف الأعباء الإدارية والأعمال الورقية والتراكمات، ما يزيد من كفاءة القطاع العام والسرعة التي يمكن بها تقديم الخدمات العامة[13].
- التعليم (الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة):
يعد التعليم أحد المجالات التي من المتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي فيها تأثير كبير. يمكن استخدام هذه التقنية لأتمتة الأنشطة الأساسية، مثل وضع الدرجات، وإتاحة الوقت للمعلمين لأداء مهام مهمة أخرى، بما في ذلك التفاعل مع الطلاب، أو التحضير للفصل الدراسي، أو العمل على التطوير المهني.
- محاربة الفقر وعدم المساواة (الهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة):
من الممكن أن يؤدي انتشار التكنولوجيات الرقمية إلى تمكين الفقراء من الوصول إلى المعلومات وفرص العمل والخدمات التي تعمل على تحسين مستوى معيشتهم؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي وإنترنت أن يعزز فرص جمع البيانات وتحليلها، من أجل وضع استراتيجيات أكثر استهدافًا وفعالية للحد من الفقر. وأقرب مثال على ذلك تقنية M.Pesa g لهواتف المحمولة، التي تصل إلى الفئات المحرومة، بما في ذلك النساء، اللاتي يشكلن محركات مهمة للقضاء على الفقر بشكل مستدام، وتسمح هذه الخدمات المالية للأسر بالادخار في أدوات آمنة لتوسيع قاعدة أصولها والهروب من دورات الفقر[14].
ثالثًا – تحديات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا:
على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في أفريقيا، فإن اعتماده وتنفيذه في أفريقيا يواجه العديد من التحديات تتمثل في ما يلي:-
- فجوة المهارات: يشكل الافتقار إلى المهارات التقنية ذات الصلة، وخاصة بين الشباب، عائقًا رئيسًا أمام اعتماد الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، وتمنع هذه الفجوة في المهارات القارة من الاستفادة الكاملة من إمكانات التكنولوجيات والصناعات التحويلية.
- توفير البيانات: يعتمد نجاح تطبيقات الذكاء الاصطناعي على توافر بيانات عالية الجودة ومتنوعة. وفي أفريقيا، هناك تحدٍّ كبير يتمثل في صعوبة تدريب سكانها على أنظمة الذكاء الاصطناعي، كذلك صعوبة توفير البيانات التي تعكس بدقة السكان المحليين وتعالج التحديات الفريدة التي تواجهها القارة، ما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الرقمية بين شمال العالم وجنوبه.
- ضعف البحث والتطوير: يعد الاستثمار في البحث والتطوير أمرًا بالغ الأهمية لدفع الابتكار وتعزيز نمو تقنيات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا. ومع ذلك، فإن القارة متراجعة بشكل كبير في هذا المجال، مع محدودية التمويل المتاح للمشروعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وللتغلب على هذا التحدي، يتعين على أفريقيا أن تطور أدوات مالية مبتكرة لتمويل تنمية رأس المال البشري والاستثمار فيه.
- تهجير الوظائف: هناك خوف من أن يؤدي نمو الذكاءالاصطناعي والأتمتة إلى إزاحة الوظائف ما يؤثر في مستقبل سوق العمل، وقد توقعت دراسات مختلفة أن ظهور الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى الاستغناء عن أدوار الملايين من الموظفين بحلول عام 2030، ولكنه في الوقت نفسه، سيخلق عددًا كبيرًا من الوظائف الجديدة التي تتطلب مهارات تقنية عالية، وقدر استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، نُشر في 30 أبريل 2023، أنه سيتم فقدان حوالي 14 مليون وظيفة على مستوى العالم بحلول عام 2027. وأكدت الدراسة على أنه سيتم الإعلان عن أن 83 مليون وظيفة أصبحت قديمة بسبب الذكاء الاصطناعي، فإن حوالي 69 مليون فرصة عمل جديدة ستنشأ، ما سيؤدي إلى خسارة صافية قدرها 14 مليون وظيفة بحلول عام 2027.
كما توقع بنك التنمية الأفريقي (ADB) في عام 2019 أن حوالي 100 مليون شاب في القارة لن يتمكنوا من العثور على أي وظائف جديدة بحلول عام 2030، مع الإشارة إلى العوامل التكنولوجية كجزء من أسباب الندرة، ويؤكد تقرير بعنوان “مستقبل العمل في جنوب أفريقيا” أعدته شركة الاستشارات الإدارية “ماكينزي آند كومباني”، إن عمليات النزوح في سوق العمل نتيجة للتقدم التكنولوجي “لا يمكن إيقافها”[15].
- الفجوة في البنية الرقمية: يستطيع حوالي 40% فقط من الأفارقة الوصول إلى الإنترنت، مقارنة بنحو 87% في أوروبا و95% في أمريكا الشمالية، وهناك ما يقدر بنحو 267 مليون فرد لا يستخدمون الإنترنت في أفريقيا، وحوالي 53 مليون أسرة، ودون الاتصال الكافي، سيتم استبعاد مناطق بأكملها من كل ما يمكن أن تقدمه هذه التكنولوجيا، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن كل زيادة بنسبة 10% في انتشار الإنترنت عبر الهاتف المحمول في أفريقيا يمكن أن تولد زيادة بنسبة 2.5% في الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت الحالي، تتم تغطية أكثر من 60% من أفريقيا بشبكات الهاتف المحمول من الجيل الرابع، وهناك ما يقدر بنحو 570 مليون مستخدم للإنترنت[16]. وتشكل القضايا المترابطة المتمثلة في عدم كفاية البنية التحتية والافتقار إلى القدرة على تحمُّل التكاليف العقبات الرئيسة. إن ما يقدر بنحو 30% من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا بعيدون عن متناول حتى الشبكة الأساسية للانترنت [17].
- ضعف الشركات العاملة: كبرى الشركات في أفريقيا – الشركات الوطنية الرائدة – لا تدافع بحماس عن قضية الذكاء الاصطناعي أو تنشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، ما يجعلها تتخلف عن منافسيها العالميين، أما القلة التي استثمرت في الذكاء الاصطناعي فقد تكبدت تكاليف أعلى من المتوسط؛ لأنها استوردت المواهب والتكنولوجيا. علاوة على ذلك، تستخدم هذه الشركات الذكاء الاصطناعي بطرق محدودة فقط، ومع محدودية القدرة على المساومة في مواجهة الشركات الرقمية العملاقة الأجنبية، والفشل حتى الآن في تطوير المواهب المحلية، فإن الشركات الأفريقية تخاطر بأن تصبح أقل قدرة على المنافسة من منافساتها المتعددة الجنسيات في أسواقها المحلية[18].
- سيطرة القوى العظمى: تتخلف أفريقيا بشكل كبير عن ما يسمى بالقوى العظمى للذكاء الاصطناعي؛ ففي عام 2018، أعلنت مجلة فوربس أن الصين في طريقها لتصبح القوة العظمى الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي عام 2020، حذر الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، إريك شميدت، من أن الصين سوف تتفوق على الولايات المتحدة في قدرات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025. وفي حين أن أكثر من 20 دولة لديها بالفعل استراتيجيات للذكاء الاصطناعي، فإن الصين هي الأكثر طموحًا على الإطلاق.
وقد ارتفع إجمالي إنفاق الصين على البحث والتطوير من 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4% في العقد الماضي وحده، وأنفقت الصين أكثر من 550 مليار دولار على البحث والتطوير في عام 2020، وهو ضعف إنفاقها في عام 2012. أما ميزانية البحث والتطوير الأمريكية فتبلغ 650 مليار دولار، أي إن الدولتين تنفقان أكثر من نصف إجمالي الإنفاق العالمي البالغ 1.7 تريليون دولار. ولوحظ أن حجم الأموال التي استثمرتها الولايات المتحدة في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بين عامي 2012 و2016 بلغ 17.9 مليار دولار، تليها الصين 2.6 مليار دولار، ثم كندا 800 مليون دولار. ونظرًا لهذا التباين في الاستثمارات، فإن البلدان التي تتخلف عن الركب سوف تتعرض للاستعمار السيبراني[19].
- ندرة السياسات والتشريعات: هناك ندرة في السياسات ذات الصلة التي تعطي الأولوية لتطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في أفريقيا؛ فهناك دول أخرى مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وغانا وكينيا وافقت على تشريعات خصوصية البيانات التي يمكن استخدامها للتحكم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن جميع أطر السياسات لا تزال في مهدها، مما يترك نشر الذكاء الاصطناعي غير منظم إلى حد كبير[20]
- خاتمة الدراسة:
من المؤكد أن الثورة الصناعية الرابعة تقدم فرصًا تنموية كبيرة لأفريقيا، وكذلك يلازمها تحديات عديدة، خاصة أن تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره في أفريقيا لا يزال في مراحله الأولى. ومع ذلك، فإن طبيعة الذكاء الاصطناعي تَعِد بإحداث تغييرات اجتماعية وثقافية جوهرية في أفريقيا بما في ذلك في مجالات مثل الأنشطة السياسية والحد من الفقر والاستدامة البيئية، وتتلخص القضية الرئيسة بالنسبة لصناع السياسات في أفريقيا في كيفية وضع اقتصاداتهم في موقع يسمح لهم بالاستفادة من تلك الثورة وفي الوقت نفسه إدارة التحديات التي تفرضها، وفي هذا الإطار توصي الدراسة بالآتي:-
- ينبغي على الحكومات الأفريقية أن تسعى إلى إنشاء مجموعات عمل تركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم؛ حيث تعد الجامعات والمؤسسات البحثية بمثابة حاضنة للأنظمة البيئية للذكاء الاصطناعي.
- تعد الصناعة أمرًا أساسيًا لإنشاء نظام بيئي مزدهر للذكاء الاصطناعي في أفريقيا باعتبارها المطور الرئيس لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما تخلق الصناعة منتجات مبتكرة توفر معرفة ورؤية وخبرة لا تقدر بثمن للحكومة من أجل صنع سياسات فعالة؛ ويسهم في تنمية المواهب والمهارات المحلية للشباب الأفريقي.
- يجب على أصحاب المصلحة الأفارقة العمل معًا لضمان تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي بواسطة فرق ذات خلفيات ديموغرافية وجنسانية وعرقية واجتماعية واقتصادية متنوعة.
- إحدى القوى الدافعة وراء تقدم الذكاء الاصطناعي في العديد من البلدان هو تطوير استراتيجية وطنية لدعم البحث والتطوير، فضلاً عن تخصيص الأموال لتحقيق ذلك.
- يمكن للشركات الأفريقية أن تساعد على صياغة مخطط عابر للقارات لتوجيه استراتيجية الذكاء الاصطناعي من خلال إشراك الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الأفريقية وشركات القطاع العام.
- من أجل اكتساب الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، سيحتاج الأفارقة إلى طرق أفضل لتأمين بياناتهم، ويمكن للشركات الأفريقية أن تساعد على معالجة تحديات خصوصية البيانات من خلال وضع القواعد التي ستحكم كيفية جمع البيانات ومشاركتها وبيعها وتخزينها وتطبيقها، ومن خلال إنشاء البنية التحتية اللازمة، مثل منصات الدفع.
- تعزيز الحوكمة الرشيدة من أجل إدارة آمنة وفعالة للثورة الصناعية الرابعة والاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
قائمة مراجع الدراسة
[1]) Wathinote , Artificial Intelligence for Africa: An Opportunity for Growth, Development and Democratisation, Access, November.2018 ,available at:-
https://www.wathi.org/artificial-intelligence-for-africa-an-opportunity-for-growth-development-and-democratisation-access-partnership-november-2018
[2]) Arthur Gwagwa , et.al , “Artificial Intelligence (AI) Deployments in Africa: Benefits, Challenges and Policy Dimensions” , The African Journal of Information and Communication (AJIC), Issue 26, 2020 , PP.3-4.
[3]) the Centre for Intellectual Property and Information Technology Law , THE STATE OF AI IN AFRICA REPORT 2023 , (Nairobi : the Centre for Intellectual Property and Information Technology Law (CIPIT) , 2023) ,P.8.
[4]) Faustine Ngila , ” Africa is joining the global AI revolution” , Quartz , June 23, 2022, available at :
[5]) Qondi Moyo ,” AI Is Here to Stay! How Artificial Intelligence Can Contribute to Economic Growth in Africa”, Reliefweb ,23 Jun 2023, available at :
https://reliefweb.int/report/world/ai-here-stay-how-artificial-intelligence-can-contribute-economic-growth-africa
[6])Faustine Ngila ,Op.cit.
-And :
– Aleksandra Gadzala , Coming to Life: Artificial Intelligence in Africa, ( Atlantic Council , Africa Center , Novemer.2018) , PP.2-3 , available at : https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/issue-brief/coming-to-life-artificial-intelligence-in-africa/
[7]) Brian Okoth , How artificial intelligence will affect jobs in Africa , 13 Jun 2023, available at :
[8)Faustine Ngila , Op.cit.
[9])Wathinote , Op.cit.
[10) Nguguna Ndungu , et.al , “The Fourth Industrial Revolution and Digitization Will Transform Africa Into aglobal Power house” , Brookings economy , 2020 :
[11]) Nguguna Ndungu , et.al , Op.cit.
[12]) Idem.
[13]) Brick Stone , ” How Artificial Intelligence Can Contribute to Economic Growth in Africa” 17 Aug 2023, available at :
[14]) Faustine Ngila, Op.cit.
[15]) Brian Okoth , Op.cit.
[16]) Tshilidzi Marwala , Op.cit.
[17])Wathinote , Op.cit.
[18] François Candelon , ” Developing an Artificial Intelligence for Africa strategy” , OCED Development Matters , 9 FEBRUARY 2021
[19])Tshilidzi Marwala , Op.cit.
[20]( the Centre for Intellectual Property and Information Technology Law , THE STATE OF AI IN AFRICA REPORT 2023 , Op.cit., PP.6-7.