كتب – حسام عيد
تصاعد الحديث في الفترة الأخيرة عن الذهب السوداني المهرب بأحجام كبيرة إلى خارج البلاد، ليتفاعل معه المجلس السيادي الانتقالي في 19 فبراير 2022 بالإعلان عن إجراءات والتي تمثل بعضها في منع تهريب المعادن وخاصة الذهب، وملاحقة المهربين من خلال فرض قوانين مشددة تصل إلى السجن بين عام وعشرة أعوام، مع تشديد المراقبة على الحدود وإدخال كافة الذهب إلى بنك السودان المركزي.
ويعاني السودان الذي يحتل المرتبة الثالثة عالميًا على المستوى الأفريقي في إنتاج الذهب، من تهريب ممنهج للمعدن النفيس على مدار السنوات العشرة الأخيرة، حتى وصل الفرق بين المنتج من الذهب في البلاد والمصدر إلى الخارج ما بين 3 و4 مليارات دولار سنويًا، بحسب تقرير سابق لوزارة المعادن السودانية.
ويعتمد السودان على عوائد تصدير الذهب الذي يمثل 37% من إجمالي صادرات البلاد خلال الأعوام الماضية، وقد تعزز هذا المورد بصورة أكبر بعد فقدان السودان قرابة 75% من عوائد النفط عقب استقلال جنوب السودان 2011، وفقدان 80% من موارد النقد الأجنبي، ما يجعل عملية التهريب ضربةً موجعةً سيكون لها ارتداداتها الكارثية على الاقتصاد الذي لم تعد لديه القدرة على تحمل أزمات جديدة.
واليوم، قطع منتجو الذهب في السودان عهدًا مع الحكومة بتوريد إنتاجهم إلى البنك المركزي في البلاد، لإنقاذ الاقتصاد من أزماته المتشعبة.
مكافحة التهريب عبر “بورصة للذهب”
منذ مطلع العام الجاري 2022 توقفت صادرات الذهب بسبب مشكلة قلة أرباح المصدرين الذين يقومون بالبيع للبنوك التجارية والتي تحوله بدورها إلى البنك المركزي، ما خلق سوقا موازيا للذهب بأعلى من السعر المعلن.
الأمر الذي دفع اللجنة التيسيرية لسوق مال المعادن في السودان في نهاية فبراير الماضي إلى الإعلان عن طرح مناقصة لإنشاء بورصة للذهب في البلاد؛ وفقًا للمعايير العالمية، ومن المتوقع أن تداول بين 70 و80 في المئة من الذهب المنتج من خلالها.
وكانت وزارة المالية السودانية قد أعلنت عن اكتمال الشروط المطلوبة عالميًا لإنشاء بورصة للذهب، وذلك بعد ستة أشهر من شروعها في إقامة البورصة التي قررتها في شهر أغسطس 2021.
وتأمل الحكومة السودانية من خلال تأسيس البورصة الحد من عمليات تهريب الذهب، وتطبيق أسعار البيع والشراء وفق الأسعار العالمية، لتوفير النقد الأجنبي وسد تكلفة حاجات الاستيراد الضرورية. وبحسب بيان وزارة المالية تم تأليف لجنة تيسيرية للإعداد لإطلاق سوق المال والمعادن، برئاسة وكيل وزارة المالية، وعضوية كل من وكيل وزارة المعادن، ونائب محافظ بنك السودان، والمدير العام لمصفاة السودان للذهب، وسوق الخرطوم للأوراق المالية، إضافة إلى عدد من الخبراء المتخصصين في أسواق المال العالمية والمعادن الثمينة.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن السودان ينتج سنوياً حوالى 95 طنًا من الذهب، لكن معظمها يتم تهريبه إلى الخارج ولا تستفيد خزينة الدولة سوى من مردود 35 طنًا تصدّر بطرق رسمية.
وقد كشف تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا وفريق الاتحاد الأفريقي، في سبتمبر 2021، فقدان السودان قرابة 267 طنًا من الذهب خلال 7 سنوات (من 2013- 2018) عن طريق التهريب، بمعدل 80 كيلوجرامًا يوميًا.
وأوضح التقرير وجود عجز 13.5 مليار دولار بين البيانات الرسمية للحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط من السودان، خلال ذات الفترة، ما يعني تكبد البلاد خسارة فادحة جراء عمليات التهريب
ويعتبر السودان ثالث دولة في أفريقيا بعد غانا وجنوب أفريقيا في إنتاج الذهب، والذي يتم استخلاص 75% عن طريق التعدين التقليدي، الذي يعمل فيه حوالى مليوني شخص ينتشرون في مناطق التعدين المختلفة في ولايات نهر النيل وجنوب كردفان والبحر الأحمر والقضارف، بينما تساهم شركات التعدين التي تبلغ 361 شركة بنسبة 25% من إجمالي الكميات المستخرجة من الذهب.
إنشاء البورصة خطوة في الاتجاه الصحيح، كما أفاد اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الزين. وتعتبر ضرورية في مسار مكافحة تهريب الذهب عبر القوانين الرادعة والخطط الاقتصادية الناجعة، وفق ما أوردت صحيفة “النهار” اللبنانية.
ربما تشكل بورصة الذهب حال إطلاقها على المدى القريب، دفعة حقيقية للإنتاج في قطاع التعدين. ويعد تدني سعر الشراء بالسوق المحلية، سببًا رئيسيًا لتهريب الذهب، وبالتالي يتحمل المنتج مخاطر التهريب وأيضًا مخاطر الاتجار في السوق السوداء، وضياع نسبة مقدّرة من الإنتاج. أما الآن، فسيتمكن المنتج من بيع الذهب بالسعر العالمي، فلا يجازف بالتهريب.
وجود البورصة سيحرّك عجلة الاقتصاد وسيسهم على المدى الطويل في توفير وظائف جديدة، وربما تصبح بمثابة أداة فعَّالة للقضاء على ما يسمى بـ”مافيا الذهب”.
تعهد توريد الإنتاج إلى البنك المركزي
وفي يوم الخميس الموافق 10 مارس 2022، تعهد منتجو الذهب في السودان بتوريد إنتاجهم من المعدن النفيس إلى البنك المركزي في البلاد.
جاء ذلك خلال لقاء منتجي الذهب بالفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، بحضور وزير المال والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم ، حسبما ذكرت “وكالة أنباء السودان، سونا”.
وأوضحت الوكالة أن توريد منتجي الذهب لجميع إنتاجهم من المعدن الأصفر إلى خزانة بنك السودان المركزي سيبدأ اعتبارًا من 11 مارس 2022.
من جانبه، وصف طارق صالح علي، عضو لجنة التعدين، لقاء دقلو بالناجح والمثمر، حيث توصل المجتمعون إلى تفاهمات لمعالجة جميع المشكلات التي تواجه عملية إنتاج الذهب.
وأضاف عضو لجنة التعدين أن هناك أخبارًا سارة كبيرة ستأتي خلال الأيام المقبلة، ستنعكس إيجابًا على سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.
وشدد على أن تجار الذهب التزموا لنائب رئيس مجلس السيادة، بتوريد إنتاج الذهب للبنك المركزي لتكون أرصدة تسهم في حل الأزمة الاقتصادية في البلاد.
الذهب ركيزة لنمو الاقتصاد
ويمثل الذهب ضلعًا أسياسيًا في اقتصاد السودان، إذ تشكل عوائد تصديره قرابة 37% من إجمالي صادرات البلاد، وعليه فإن أي مساس بهذا القطاع ستكون له انعكاساته الكارثية على الاقتصاد بصفة عامة، ومن ثم كانت الاستفاقة الأخيرة تلك بتدشين مظلة تشريعية قانونية مغلظة لوقف جرائم التهريب.
وقد بلغ حجم التضخم في السودان 359.09% في 2021 ارتفاعًا من 163.26% في 2020، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، فيما انكمش الاقتصاد بنسبة 72% خلال آخر 7 سنوات، كما تراجع الناتج المحلي إجمالًا من المحلي من 74.3 مليار دولار في عام 2015 إلى 24.3 مليار دولار عام 2020، وبالتزامن انخفض نصيب المواطن من الناتج بنسبة 77% في الفترة ذاتها وفق تقرير الأمم المتحدة في مارس 2021.