كتبت – أماني ربيع
فاز الروائي التنزاني عبدالرزاق جرنة (72 عاما) بجائزة نوبل في الأدب لعام 2021، عن أعماله التي تستكشف موروثات الاستعمار وتأثيره على المهاجرين العالقين بين الثقافات والقارات في سرد متعاطف وبدون مساومات.
سرد متعاطف
وبهذا الفوز يصبح جرنة، خامس أفريقي يفوز بجائزة نوبل في الأدب، وهو أول أفريقي يفوز بالجائزة – التي تُعتبر الأكثر شهرة في الأدب العالمي – منذ ما يقرب من عقدين.
وهو الخامس في الترتيب العام بعد وول سوينكا النيجيري عام 1986 أول أفريقي يفوز بنوبل للأدب، ونجيب محفوظ المصري الذي فاز عام 1988، وهو أول أديب من شمال أفريقيا، وأول أديب عربي مسلم يفوز بها، والفائزة من جنوب أفريقيا نادين جورديمر عام 1991 ، التي كرست قلمها لإدانة نظام الفصل العنصري، وجون ماكسويل كوتزي الذي فاز بالجائزة عام 2003.
وحسبما أفادت الهيئة المانحة للجائزة فإن أدبه يتميز بـ “التغلغل الشديد والعاطفي لآثار الاستعمار لدى اللاجئين الذين فروا إلى الغرب ومصيرهم بين الثقافات المختلفة”، خاصة وهو نفسه انتقل إلى بريطانيا كلاجئ في الستينيات من القرن الماضي، بحسب وكالة رويترز.
وقال أندرس أولسون -رئيس اللجنة التي تمنح الجائزة، في المؤتمر الصحفي، اليوم الخميس- إن جرنة “معترف به على نطاق واسع كواحد من أكثر الكتاب شهرة في العالم في فترة ما بعد الاستعمار، ورواياته تنأى بنفسها عن الأوصاف النمطية وتفتح أنظارنا على شرق أفريقيا المتنوع ثقافيًا غير مألوف للكثيرين في أجزاء أخرى من العالم”.
وأوضح أن جرنة “توغل باستمرار وبكثير من التعاطف في آثار الاستعمار في شرق أفريقيا على حياة الأفراد المقتلعين والمهاجرين من أوطانهم وسط مجتمعاتهم الجديدة”.
وأضاف أولسون أن الشخصيات في رواياته “تجد نفسها في الفجوة بين الثقافات والقارات، بين الحياة التي خلفوها وراءهم والحياة الجديدة، في مواجهة العنصرية والتحيز، وكيف يجبرون أنفسهم على إسكات الحقيقة أو إعادة اختراع السيرة الذاتية لتجنب الصراع مع الواقع.”
أديب لم يقدره أحد
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، قالت الوكيل الأدبي الخاص به ألكسندرا برينجل في دار بلومزبري، إن فوز جرنة كان الأكثر استحقاقًا لكاتب لم يحصل من قبل على التقدير الواجب لعمله، إنه أحد أعظم الكتاب الأفارقة الأحياء، ولم ينتبه إليه أحد من قبل، لقد قمت بعمل بودكاست الأسبوع الماضي وقلت فيه إنه كان أحد الكتاب الذين تم تجاهلهم والآن حصل على نوبل”.
وأضافت “برينجل”: إن جرنه كان يكتب دائمًا عن التشرد “ولكن بأجمل الطرق وأكثرها حفظا للأخلاق”، وأول رواياته التي كتبتها في بلومزبري بعنوان By the Sea ، وتجسد هذه الصورة المؤرقة لرجل في مطار هيثرو بصندوق بخور منحوت، وهو كل ما يملك.”
وأكدت أن إن جرنة كاتب لا يقل أهمية عن تشينوا أتشيبي، وكتاباته جميلة وخطيرة بشكل خاص، كما أنها فكاهية ولطيفة وحساسة.
ولد جرنة في زنجبار، التي أصبحت الآن جزءًا من تنزانيا ، عام 1948، لكنه يعيش حاليًا في بريطانيا، وغادر زنجبار في سن 18 كلاجئ بعد انتفاضة عام 1964 العنيفة التي أطاح فيها الجنود بحكومة البلاد، ولم يتمكن من العودة إلى زنجبار إلا في عام 1984 ، مما سمح له برؤية والده قبل وقت قصير من وفاته.
ومن عام 1980 إلى عام 1982 ، حاضر جرنة في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1982، وهو الآن أستاذ ومدير الدراسات العليا هناك في قسم اللغة الإنجليزية، واهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو الكتابة ما بعد الاستعمار والخطابات المرتبطة بالاستعمار ، خاصة فيما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.
وهو مؤلف لعشر روايات ، بما في ذلك “الجنة” أشهر أعماله، التي أدرجت في القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 1994، وتدور أحداثها في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى، وهناك روايات “عن طريق البحر” و”الهجران” و”ذكرى المغادرة” و “طريق الحجاج” و “دوتي”، وكلها تتناول تجربة الهجرة في بريطانيا.
لغة جرنة الأولى هي السواحيلية ، لكنه اعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أدبية في أعماله المختلفة.
وللذاكرة أهمية حيوية في أعماله، مثل روايته الخامسة “الإعجاب بالصمت” (1996) والتي تحكي لنا قصة رجل ترك زنجبار وهاجر إلى إنجلترا، وتعلم ليصبح مدرسًا وتزوج، وبعد عقدين من الزمان، أثرت العودة إلى وطنه بشكل عميق على موقفه تجاه نفسه وتجاه زواجه وحياته.
افتقار للتنوع
وكانت جائزة نوبل في الأدب، من الفئات التي تفتقر إلى التنوع بين الفائزين بها، وأشارت الصحفية جريتا ثورفيل ، التي كتبت في صحيفة “داجينز نيهتر” السويدية ، إلى أن 95 من الحائزين على جائزة نوبل السابقة وعددهم 117 كانوا من أوروبا أو أمريكا الشمالية، بنسبة تتجاوز 80%، وحصلت فرنسا وحدها على 13% من الجوائز أما عدد الفائزين الرجال فهو 101 رجل مقابل 16 امرأة فقط.
وتنوع الفائزون السابقون بجائزة نوبل في الأدب بين روائيين مثل: إرنست همنجواي وجابرييل جارسيا ماركيز وتوني موريسون ، وشعراء مثل بابلو نيرودا وجوزيف برودسكي ورابندرانات طاغور، أو الكتاب المسرحيين مثل هارولد بينتر ويوجين أونيل.
وهناك كتاب فازوا أيضًا بمجموعات الأعمال التي تتضمن قصصًا خيالية قصيرة أو تاريخًا أو مقالات أو سيرة ذاتية أو صحافة، حيث فاز ونستون تشرشل بمذكراته ، وبرتراند راسل عن فلسفته ، وبوب ديلان على كلمات أغنيه، وفازت بجائزة العام الماضي الشاعرة الأمريكية لويز جلوك.
إلى جانب الجائزة المالية الكبيرة، التي تبلغ قيمتها 10 ملايين كرونة سويدية (1.14 مليون دولار)، بالإضافة إلى القيمة التي تمنحها للكاتب، توفر ت جائزة نوبل للأدب قدرًا كبيرًا من الاهتمام بالمؤلف الفائز، وغالبًا ما تحفز مبيعات كتبه، وتقدم الفائزين الأقل شهرة إلى جمهور دولي أوسع.
مُنحت جائزة العام الماضي للشاعرة الأمريكية لويز جلوك، والتي خيارًا شائعًا بعد عدة سنوات من الجدل، ففي عام 2018 ، تم تأجيل الجائزة بعد أن هزت مزاعم الاعتداء الجنسي الأكاديمية السويدية، كما تسبب منح جائزة 2019 للكاتب النمساوي بيتر هاندكه في احتجاجات بسبب دعمه القوي للصرب خلال حروب البلقان في التسعينيات.