كتبت – د.أماني الطويل
مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
خلال العقدين الماضيين من القرن الحادي والعشرين تعددت الاستراتيجيات الدولية في البحر الأحمر، كما تكثفت حالة التدافع التنافسي بين الأطراف بما خلق حالة صراعية مؤثرة على التفاعلات الإقليمية من جهة، وأيضًا على التفاعلات الداخلية، والمعادلات السياسية لبعض دول شرق أفريقيا من جهة ثانية، وفي سياق مواز يتصاعد حجم التهديدات الأمنية بكافة أنواعها بما يشكل ضغوطًا غير مسبوقة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر .
في هذا السياق تبرز نقاط تماس للمصالح بين الأطراف الدولية؛ حيث تهتم هذه الدراسة بعدد من المحاور
منها:
رصْد طبيعة استراتيجيات الأطراف الدولية في البحر الأحمر .
تتبع التحولات في المصالح ونقاط التماس بين الأطراف الدولية.
تداعيات تصادم المصالح بين الأطراف الدولية على المشهد الإقليمي وأمن دول المنطقة.
أولًا: استراتيجيات الأطراف الدولية:
ربما يكون من المنظور في مشهد البحر الأحمر بروز الاستراتيجيات الدولية المتصارعة وتوظيف منصة البحر الأحمر كإحدى منصات صراعات النفوذ في النظام الدولي بين الأقطاب التقليدية والأقطاب الصاعدة فيه، وذلك على اعتبار أن التحكم في البحر الأحمر باعتباره ممرًّا بحريًّا دوليًّا وناقلًا للطاقة بامتياز هو أحد عوامل تشكيل الأوزان النسبية لكل طرف في سياق النظام الدولي الذي تتشكل ملامحه الجديدة في المرحلة الراهنة.ويمكن القول إن ملامح الاستراتيجيات الدولية، وآليات عملها ذات أهمية بالغة للنطاق الإقليمي لدول البحر الأحمر بهدف التعامل معها من ناحية ومحاولة الحد من آثارها السلبية من ناحية أخرى .
أ – الولايات المتحددة الأمريكية :
صعود الطرف الأمريكي كقطب مهيمن في النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة فرض اهتمامًا برسم السياسات الدولية وتحديد خطوطها الرئيسية، في كافة أنحاء العالم، حيث كانت أهم عناصر هذه السياسيات السيطرة على الممرات البحرية. وهو الأمر الذي لعب دورًا كبيرًا في تزايد الاهتمام الأمريكي بالبحر الأحمر لكونه يمثل طريقًا استراتيجيًا لحركة المواصلات العالمية، فضلًا عن علاقته العضوية بأهم دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط وناقلًا رئيسيًا له، وكذلك علاقته العضوية بالقارة الأفريقية، فضلًا عن تأثيره الفعال على عدد من النزاعات الإقليمية والدولية كالصراع العربي الإسرائيلي والصراع الإيراني الأمريكي وكذلك مع ظاهرة عسكرة البحر الأحمر بإنشاء قواعد عسكرية على سواحله الممتدة لعشرات الآلاف من الكيلومترات لما يزيد عن ١٦ دولة حول العالم.
وتشكل الديناميات الجيوسياسية المتغيرة بين اللاعبين الدوليين، إحدى الإشكاليات المطروحة بشأن مصالح الولايات المتحدة في البحر الأحمر؛ فعلى الرغم من بعض اللاعبين هم حلفاء مهمين لواشنطن، فضلًا عن تركيا التي هي حليف معاهدات أمنية وعسكرية مع واشنطن، ولكن هذا لا ينفي القلق الأمريكي من كل من الصين وروسيا في البحر الأحمر، وطبقًا لذلك فإنه يمكن تحديد أهم نقاط الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر في عدد من المحاور منها :
١- ضمان أمن الطاقة :
البحر الأحمر هو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر وأيضًا نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأمريكية عبره بينما 40% من الاحتياجات الأوروبية يتم تلبيتها من أسواق آسيا؛ حيث كشفت أزمة سفينة إيفر جرين عام 2021 التي استمرت حوالي أسبوع عن تأثير البحر الأحمر وقناة السويس إذ تم احتجاز 100 سفينة من كل جانب وتم انقطاع ما يقدر بنحو 9.6 مليار دولار من تدفق التجارة كل يوم. بالنظر إلى أن حوالي 12٪ من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس، فإن أثر اضطراب حركة المرور ليس فقط على صناعة الشحن العالمية ولكن أيضًا على عدد لا يحصى من الأعمال والقيمة والسلاسل، من الشركات المصنعة إلى مزودي النقل المحليين إلى تجار التجزئة ومحلات السوبر ماركت. أصبح البحر الأحمر أيضًا مركزيًا في الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية على سلاسل الإمدادات الاستراتيجية لكافة أنحاء العالم[1] .
وفي سياق تطور الاهتمام الإيراني بتوسيع نفوذه في أفريقيا تلبية لمتطلبات دعم مكانته الإقليمية ومتطلبات التنافس مع النظام العربي من منطلقات أيديولوجية فقد احتل البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي مكانة استراتيجية لدى طهران؛ حيث طورت الأخيرة تفاعلاتها فيه بداية من السودان حتى اليمن، بما شكل تصعيدًا لتهديد النطاق الخليجي وكانت المحصلة النهائية الحرب الجارية في اليمن منذ عدة سنوات؛ حيث تشكل التفاعلات الجارية في نطاق هذه الحرب مهددًا كبيرًا لأمن الطاقة ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق يقود الأسطول الخامس الأمريكي تحالفًا بحريا لتعزيز أمن البحر الأحمر وخليج عدن، اعتبارًا من أبريل ٢٠٢٢، وهي رابع فرقة معنية بهذه المهام؛ حيث تكونت الفرقة الأولى من ١٢ دولة عام 2001[2] ، كما أن الاستراتيجية الأمريكية إزاء أفريقيا المعلنة في أغسطس ٢٠٢٢، ستكون أحد معطيات التحرك الأمريكي إزاء الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
٢- ضمان أمن إسرائيل :
تطور الوجود الإسرائيلي في الاستراتيجيات الأمريكية من مجرد السعي لضمان الأمن الإسرائيلي إلى الاعتماد عليها كدولة قائد في منطقة الشرق الأوسط، في ضوء النزوع الأمريكي لتركيز قدراته في مواجهة الصين في مناطق الشرق الأدنى، ونظرًا لما يشكله البحر الأحمر من أهمية استراتيجية لإسرائيل وتأثيره علي اقتصادها عبر التفاعل مع كل من آسيا وشرق أفريقيا، فضلا عما يشكله النفوذ الإيراني فيه من تهديدات أمنية لإسرائيل، فإن السياسات الإسرائيلية عنصر فعال في الآليات الأمريكية لضمان أمن البحر الأحمر خصوصًا بعد درس إغلاق باب المندب في حرب أكتوبر ١٩٧٣.
في هذا السياق فإن هناك وجودًا عسكريًّا مباشرًا لإسرائيل في البحر الأحمر في قواعد في رواجيات ومكهلاوي; كما تمتلك إسرائيل قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك حيث أقامت قاعدة بحرية، كما تقوم إسرائيل بعمليات متابعة ومراقبة عسكرية مستمرة؛ حيث إن حوالي نصف القوات الجوية الإسرائيلية (449 طائرة قتال) توجد قريبًا من البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي.
فضلا عن وجود قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة توجد في المنطقة العسكرية الجنوبية قريبًا من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع والمساحة وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأمريكية في المنطقة،[3] وهي عضو فاعل في عملية CTF-153.
ب: الاستراتيجيات الصينية في البحر الأحمر:
يشكل البحر الأحمر أهمية استراتيجية كبرى للصين في ضوء مشروعها الضخم الحزام والطريق، وذلك على اعتبار أن البحر الأحمر (كما توضح الخريطة) هو شريان هذا المشروع إلى الشرق الأوسط وأوروبا؛ حيث يتم تصنيفه غربيًا بأنه مشروع هيمنة صيني على المقدرات العالمية.
وينقسم المشروع إلى طريق بري (الحزام الاقتصادي)، وطريق بحري (الطريق). وتتضمن استثمارات بقيمة 5 تريليون دولار، منها 43% في قطاعات الطاقة، و41% في قطاع النقل السككي، و6% مجمعات صناعية، 2% طرق، 3% موانئ و5% معدات.
ويعقد سنويًّا ببكين منتدى لهذا المشروع حيث تتزايد الاتفاقات بين الصين والدول المعنية بشأن الترتيبات الخاصة به ومن الجدير بذكره هنا أن مصر سنويًّا هذا المنتدى؛ حيث أعلنت مصر عن جاهزية مصر سياسيًا واقتصاديًا لاستقبال هذا الممر التجاري الضخم على مسرحها الجغرافي[4] .
وفي هذا السياق تعمل الصين على عدة محاور سياسية وعسكرية، حيث حققت اختراقًا سياسيًا لمعظم دول أفريقيا عمومًا وشرق أفريقيا، خصوصًا وذلك عبر المشروعات التنموية خصوصًا في مجالات البنية التحتية، وربما يكون من أهمها خط السكة الحديدية بين إثيوبيا وجيبوتي، فضلًا عن التنقيب عن البترول في جنوب السودان، كذلك المشروعات الاقتصادية والتبادل التجاري مع السودان، وقد توجت الصين أداءها السياسي مؤخرًا بتعيين لها لمنطقة شرق أفريقيا في خطوة غير مسبوقة في الدبلوماسية الصين.
أما على الصعيد العسكري فإن الصين تقوم حاليًا ببناء قواعد عسكرية في مناطق متاخمة للنفوذ الأمريكي في خليج غينيا، كما أنها تقوم بتطوير البنية التحتية للقاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، وهي الأولى من نوعها خارج الحدود الصينية، وافتُتحت رسميّا عام 2017 ويتم تطويرها لدرجة تثير حساسية الولايات المتحدة، فطبقًا لشهادة الجنرال ستيفن تاونسند قائد (أفريكوم) السابق، ذكر في شهادته أمام الكونجرس في أبريل ٢٠٢١ أن جيش التحرير الشعبي الصيني يقوم بتوسيع منشآته البحرية الحالية في جيبوتي، لدرجة تتيح استقبال حاملات طائرات صينية[5] .
ج:الاستراتيجيات الروسية في البحر الأحمر
ثمة صعود روسي على المسرح العالمي اعتبارًا من عام ٢٠٠٠ وقد تأسس هذه الصعود طبقًا لعقيدة عسكرية يتم إعلانها بشكل دوري ومنها العقيدة البحرية التي كانت أول نسخها عام ٢٠٠١ وآخرها في يوليو ٢٠٢٢ أثناءعرض عسكري تم في سان بطرس برج وكانت أهم ملامح العقيدة الجديدة أنها اعتمدت على التوسع في إقامة القواعد العسكرية ومن ضمنها منطقة البحر الأحمر .
وتعد أهم ملامح الاستراتيجيات الروسية في البحر الأحمر هي تحجيم قدرات الوجود والنفوذ الأمريكي تحت مظلة تعاون مع الصين، سعيًا لبلورة نظام دولي متعدد الأقطاب، وذلك فضلًا عن السعي للحصول على الموارد الأفريقية خاصة الذهب والماس واليورانيوم[6].
في هذا السياق برزت أفريقيا في إطار تجديد روسيا لاستراتيجيتها الدَّوليَّة؛ حيث نصت وثيقة السياسة الخارجيَّة للاتحاد الرُّوسِيّ التي وقَّعها الرئيس بوتين في2016م على أن روسيا ستتوسَّع في علاقاتها مع دول قارَّة أفريقيا في مختلف المجالات؛ سواء على المستوى الثنائيّ، أو المستوى الجماعيّ، وذلك من خلال المساهمة في تسوية الصراعات والأزمات الإقليميَّة، كما أن تعزيز علاقات الشراكة مع الاتحاد الأفريقي هو بمثابة عنصر مُهِمّ في السياسة الرُّوسِيَّة إزاء أفريقيا.[7]
وتعد الدول المشاطئة للبحر الأحمر من أهم نقاط ارتكاز السياسيات الروسية في أفريقيا، وتقع مصر في مقدمة الدول التي تهتم بها روسيا في منطقة شمال أفريقيا، حيث عملت موسكو على دعم علاقتها مع القاهرة من خلال إبرام عقود وصفقات أسلحة مع القاهرة وإنشاء مفاعلات نووية ودعم العلاقات الثنائية على الصعد العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها. كما تتشارك كل من موسكو والقاهرة الرأي حول عدد من القضايا الإقليمية، أهمها المسألة السورية.
وتعتبر موسكو القاهرة البوابة الحقيقية لتمدد النفوذ الروسي نحو أفريقيا جنوب الصحراء وخاصة نحو السودان، من خلال الرغبة الروسية في الحصول على صفقات التنقيب عن المواد الخام والثروات الطبيعية هناك .[8]
أما فيما يخص دول القرن الأفريقي روسيا فإن مداخل مكافحة الإرهاب وتعزيز السلم من أهم المداخل الروسية في هذه المنطقة؛ حيث تلعب روسيا دورًا نشطًا في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا؛ وتشارك قوات رُوسِيَّة في حفظ السلام في دول إريتريا وإثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، والكونغو الديمقراطية، إضافة إلى كوت ديفوار وليبيريا، والصحراء الغربية، ويتجاوز حجم الجنود الروس المشاركين في تلك العمليات حجم نظرائهم من دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة .[9]
كما تستخدم روسيا التجارة في السلاح كمدخل مهم لتوسيع شراكاتها في المنطقة، وتعميق العلاقات السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة مع دول المنطقة. [10]
وقد حققت روسيا اختراقا مهما على الساحة الأفريقية حينما استطاعت أن تحصل على موافقة أممية بتسليم الأسلحة لأفريقيا الوسطى عام 2017 والقيام بتدريب الجنود في أفريقيا الوسطى على استخدام الأسلحة، والتي يفرض عليها حظر أممي منذ 2013 بسبب النزاع المسلح بين الطوائف، وذلك في ديسمبر، في هذا السياق تمت الاستجابة لطلب من رئيس أفريقيا الوسطى بالحصول على الأسلحة، ولذا قامت روسيا بتسليم أسلحة خفيفة وقوات لتدريب في يناير 2018، وكذلك عقدت صفقة أسلحة أخرى في أغسطس 2018.
لم تكتف روسيا بالأسلحة فقط، حيث أصدرت مجلة أتلانتك الأمريكية تقريرًا عن الوجود الروسي في أفريقيا الوسطي، فضلًا عن توفير قوات خاصة لتأمين السيد فوستين أرشانج تواديرا، رئيس جمهورية أفريقياالوسطى، كما تمت الإشارة إلى ظهور شركة عسكرية أخرى تسمى باتريوت، والتي يبدو أنها تمتلك صلات جيدة بمسؤولي وزارة الدفاع وتقدم أجورًا عالية تصل إلى مليون روبل في الشهر، الأمر الذى يزيد من احتمالية استمرار الوجود في أفريقيا الوسطى والانتشار في مزيد من الدول الأفريقية.
ثانيًا: مناطق التماس الاستراتيجي :-
تتصارع الاستراتيجيات الدولية لحد كبير في البحر الأحمر في عمليات بالغة الدقة والتعقيد وتتميز بالتحول السريع، ويمكن رصد أهم مناطق التماس في النقاط التالية :
أ- العلاقات الصينية الإسرائيلية :
لعله يكون من اللافت تنامي العلاقات الصينية الإسرائيلية وهو ما سبب قلقًا للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يشير تقرير لمؤسسة رند الأمريكية لهذا التطور في تقريرها لعام ٢٠١٩ ذلك أن كلا الجانبين الصيني والإسرائيلي يستفيد من تطوير العلاقات الثنائية حيث تسعى إسرائيل إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع أسرع اقتصادات العالم نموًا، وهو ما يتيح لها تنوع علاقاتها الدولية، وتنوع الأسواق المتعاملة معها على صعيدي الاستيراد والتصدير .
في المقابل تتمتع الشركات الصينية بسجل جيد لإنجاز مشروعات البنية التحتية في إسرائيل بتكلفة أقل وفي أطر زمنية قصيرة، كما تنظر الصين إلى إسرائيل كدولة يمكن أن تساعدهم في تحفيز الابتكار والبحث والتطوير، خصوصًا أن الصين تستثمر في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية وهو ما ينتج عنه مخاوف أمنية وسياسية قد تنتهي بتباعد مصالح إسرائيل عن مصالح واشنطن طبقًا للتقديرات الأمريكية .
وفيما يتعلق بالأبعاد الجيوسياسية فإن إسرائيل هي لاعب مهم في سياسة الصين الشاملة للشرق الأوسط، حيث تسعى الصين للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة. ضمن هذا السياق، وربما يمكن تحقيق اختراق صيني مع حليف رئيسي للولايات المتحدة، كما يمكن لإسرائيل أن تكون بمثابة عقدة مفيدة في مبادرة الحزام والطريق، لربط منطقة أوراسيا وأفريقيا برًا وبحرًا.
وفي ضوء اهتمام الولايات المتحدة بشكل أساسي بنقل التكنولوجيا ذات الصلة بالدفاع الأمريكي إلى الصين فإنها تشعر بالقلق من علاقات الشركات الصينية العاملة في إسرائيل، ومدى قدرتها على الحصول على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية خصوصًا في ضوء طبيعة العلاقات بين الشركات الصينية العاملة في إسرائيل والحكومة الصينية أو القوات المسلحة أو الكيانات العسكرية.
يضاف إلى ذلك أنه قد تنطوي المشاركة الصينية في مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والسكك الحديدية المتاخمة للقواعد العسكرية الهامة على مخاطر تتعلق بالأمن السيبراني وخصوصية البيانات وتفتح إمكانية أمام التجسس، لا سيما إذا قامت الشركات الصينية بتثبيت الكاميرات والراديو والبصريات الضوئية والشبكات الخلوية والحصول عليها. يثير كل من نشاط البناء والاستثمار مخاوف من النفوذ الاجتماعي والسياسي الصيني؛ حيث تجلى مثال على هذا التأثير في عام 2013 عندما اشترطت الحكومة الصينية زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو [للصين] لإنهاء محاكمة محكمة اتحادية في نيويورك ضد بنك الصين المملوك للدولة، والذي اتُّهم بغسل الأموال الإيرانية بسبب نشاط من قبل حماس والجهاد الإسلامي التي تم رفعها في نيويورك.
وينظر تقرير رند إلي أن مشاركة الصينيين في بعض الهياكل الأساسية الرئيسية في إسرائيل – وخاصة في موانئ أشدود وحيفا (الأخير هو ميناء للأسطول السادس الأمريكي ويخدم كقاعدة للغواصات الإسرائيلية) والسكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب، التي تديرها كيريا، (مقر قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب )- يمكن أن يكون لها آثار أمنية على إسرائيل، بما في ذلك استعداد الجيش الأمريكي للعمل في هذه المناطق.
ويختتم تقرير رند بأنه على الرغم من التطور السريع للعلاقات مع الصين، فإن الفهم الإسرائيلي للصين وسياساتها الخارجية والاقتصادية محدود. تستطيع واشنطن مساعدة إسرائيل على تطوير خبرتها في الصين، والتعلم من تجربتها الخاصة التي بدأت في السبعينيات[11] .
وبطبيعة الحال فإن التقارب الصيني الإسرائيلي في ضوء خطة الحزام والطريق من شأنه زيادة وزن إسرائيل في أية ترتيبات إقليمية بشأن منظومة أمن البحر الأحمر، وذلك رغم محدودية شواطئها على هذا البحر التي لا تزيد عن أربعة أميال.
ب- الفاعلية الروسية في القرن الأفريقي:-
رغم الفشل الروسي في الاستقرار على قاعدة عسكرية في البحر الأحمر بسبب المقاومة الأمريكية التي عرقلت وجود هذه القاعدة في جيبوتي، ودور واشنطن في تنفيذ اتفاق بين نظام البشير موسكو لإنشاء قاعدة عسكرية على السواحل السودانية 12 فإن المجهودات الروسية لاختراق هذا الوضع قائمة؛ حيث سعت موسكو خلال العام ونصف العام الماضيين لتطوير حضورها العسكري في عدد من دول المنطقة.
فعلى خلفية التباعد بين إثيوبيا والمنظومة الغربية عمومًا، جرى توقيع اتفاقية عسكرية بين أديس أبابا وموسكو في يوليو 2021. حيث عملت موسكو على المشاركة في إعادة تدريب وتسليح الجيش الإثيوبي الذي تضرر بشكل بالغ في الحرب في تيغراي، بكل ما لهذا من أبعاد أمنية استراتيجية تصب في تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة بالنظر إلى الدور المحوري لإثيوبيا في الإقليم، ولأهمية الجيش الإثيوبي الذي مثَّل أكبر الجيوش الأفريقية قبل الحرب في تيجراي.
وبجانب التنسيق السياسي العالي بين روسيا وإريتريا، فإن موسكو تعتبر المورِّد الأكبر للسلاح إلى الجيش الإريتري؛ حيث أعربت أسمرة عن رغبتها باستئناف التعاون العسكري مع روسيا في حين ذهبت بعض المصادر غير المؤكدة إلى حصول إريتريا على طائرات روسية مسيَّرة، وعلى كلٍّ، فبالنظر إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش الإريتري والتوتر الشديد في العلاقة بين الطرفين؛ فإن تطوير التعاون العسكري الأمني الروسي – الإريتري يبقى أفضل الخيارات لأسمرة التي رحبت ببناء مركز لوجيستي روسي على أراضيها.
وفي السودان هناك نشاط تعديني روسي خصوصًا عن الذهب لشركة مملوكة لرجل الأعمال الروسي وتقوم شركة فاغنر بتأمين هذه كما تذهب مصادر دبلوماسية إلى أن المجموعة يفغيني بروغوزين" تمارس بجانب التعدين أنشطة أمنية على علاقة بقوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو[12].
ج- الاختراق الصيني لشرق أفريقيا
عطفًا على مشروع الحزام والطريق الصيني، ومع توسيع النشاط البحري الصيني من خليج عدن وعبر البحر الأحمر وقناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط؛ فقد برزت احتكاكات صينية أمريكية ذات طابع عسكري حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين في أوائل عام 2018 باستهداف طيارين من الطائرات العسكرية الأمريكية بأشعة الليزر العسكرية، فضلًا عن التحسب لانعكاسات تطوير القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي وفي مواجهة النشاط المتزايد لبكين وموسكو، تتبنى واشنطن مقاربة أمنية جديدة للتعامل مع التحديات التي تواجهها في القرن الأفريقي؛ حيث قررت إعادة القوات الأمريكية إلى الصومال، وإقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعًا لشراكة أمنية مع أرض الصومال (صوماليلاند)، وذلك فضلًا عن عملية CTF-153
ثالثًا: تداعيات الصراع الدولي على الدول المشاطئة للبحر الأحمر
رصد مؤشر الدول الهشة[13] أن بعض بلدان البحر الأحمر هي من أكثر الدول ضعفًا وهشاشة حول العالم، مثل الصومال وإريتريا والسودان واليمن. وبطبيعة الحال تكون تداعيات ضعف مؤسسة الدولة هو الانفلات الأمني وبروز ظواهر تهريب الأسلحة، والإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ونهب الموارد الأولية[14] لصالح ميليشيات وفواعل غير رسمية بما يخلق مصدرًا من مصادر التهديد الأساسية لأمن البحرالأحمر ولدوله، وأيضًا بيئة مناسبة لصراعات الأطراف الدولية، انطلاقًا من منصات دول البحر الأحمر؛ حيث تبدو طبيعة التحديات المطروحة حاليًّا على دول البحر الأحمر مرتبطة بتقاطعات متشابكة منها ما يرتبط بالتضاغط الدولي الراهن الرامي إلى وضع محددات جديدة للنظام الدولي، وهو ما ينعكس إقليميًّا على دول البحر الأحمر، بينما تشكل الطموحات الإقليمية والرغبة في تأمين المصالح على دوافع لبعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا وهو ما يزيد المشهد تعقيدًا، وذلك دون نكران أن البيئة المحلية لكل دولة وطبيعة تفاعلاتها تشكل بعض معطيات التفاعلات الإقليمية، وتلك المتقاطعة مع المصالح الدولية .
إجمالًا يبدو أن إدارة التفاعلات الإقليمية والدولية في البحر الأحمر تعد مهمة بالغة الصعوبة والتعقيد على دول البحر الأحمر الكبرى، كما أن التعاون والتنسيق بينهم يعد أحد أهم الضرورات في المرحلة الراهنة، وخصوصًا مع تفاقم التحديات، وهو ما يعني أن يتم تجاوز الخلافات الراهنة في إطار مجلس البحر الأحمر المعلن في الرياض بعضوية ثمان دول عربية وأفريقية ليكون فاعلًا لحماية مصالح الدول المشاطئة علي البحر الأحمر، وكذلك تنشيط العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف في محاولة درء مخاطر التصادم والتنافس الدولي الجاري راهنًا في بيئة البحر الأحمر، وذلك باعتباره نطاقًا حيويًا للدول المشاطئة للبحر. .
[1] Luigi Narbone* and Cyril Widdershoven,The Red Sea link.,Geo-economic projectionns ,shifting
alliances,and the threats to martime trade flows,p6.
[2] الإعلان عن العملية متاح على :
red-sea-security/
[3]– إسرائيل كلمة السر في البحر الأحمر، تقرير صحفي متاح على : https://1-
a1072.azureedge.net/news/reportsandinterviews/2017/12/27/
[4] خريطة إقتصادية سياسية عالمية،
مركز سيتا للدرسات متاح على الحزام والطريق
: https://sitainstitute.com/?p=4965
[5] تقرير على الجزيرة نت تحت عنوان جيوش ومرتزقة وقواعد عسكرية على مسرح البحر الأحمر
: https://2u.pw/wLYa4
[6] –Russia set to strengthen its presence in Africa, The Economist Intelligence Unit,11-10-
2018,available
onhttp://country.eiu.com/article.aspx?articleid=1917234575&Country=Russia&topic=Politics&su btopic=Recent+developments
[7] Jeanne L. WilsonThe Russian Pursuit of Regional Hegemony,Rising Powers Project,Volume 2, Issue 1, Feb. 2017,available onhttp://risingpowersproject.com/quarterly/russian-pursuit-regional- hegemony/
[8] – Isslam L aaroussi
Russia’s Search for Strategic Partnerships in North Africa: Balancing Algeria and Morocco,
available on:https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/russias-search-for-strategic-
partnerships-in-north-africa-balancing-algeria
[9][9] – Mehmet Cem O ğultürk ,Russia’s Renewed Interests in the Horn of Africa As a Traditional and
Rising Power,available on:
http://risingpowersproject.com/quarterly/russias-renewed-interests-in-the-horn-of-africa-as-a-
traditional-and-rising-power/ –
[10] – Isslam L aaroussi,مرجع سابق
[11]– Mercy A. Kuo
Israel Balancing US-China Relations: Geostrategic Context
http://thediplomat.com/2019/04/israel-balancing-us-china-relation، April 16, 2019— 11
[12] -ضغوط أمريكية على السودان للتراجع عن قاعدة روسية في البحر الأحمر متاح على :
[13] – https://fragilestatesindex.org/2017/05/13/fragile-states-index-and-cast-framework-
methodology
[14] – UNODC: Global Maritime Program: https://www.unodc.org/unodc/en/piracy/index.html