كتب. محمد الدابولي
تموج الدول المتشاطئة على مضيق باب المندب باضطرابات سياسية وأمنية عديدة أدت إلي تزايد نشاطات الجماعات الإرهابية به وتفاقم الأوضاع الإنسانية من جانب أخر ، الأمر الذي ألقى بالمسئولية علي الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط بالتدخل السريع لأجل وقف تمدد الجماعات الإرهابية ورفع المعاناة الإنسانية التي تعانى منها دول المنطقة.
وتعد الأهمية الاقتصادية لمضيق باب المندب هي الدافع من أجل التدخل في شئون الدول المتشاطئة عليه وذلك عبر دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، ففي الوقت الذي بدأت جماعة الحوثي في الظهور والاشتباك مع الجيش اليمني في «حروب صعدة الست»، كانت حركة شباب المجاهدين توزع هجماتها الإرهابية في الصومال مستهدفة استقرار ومعيشة الشعب الصومالي.
تفاقمت الأوضاع الانسانية والسياسية والأمنية في المنطقة عقب ثورة الشباب اليمنية عام 2011، حيث أدي ذلك إلي إضعاف الدولة المركزية في صنعاء الأمر الذي مهد الطريق أمام جماعة الحوثي الوكيل الإيراني في منطقة باب المندب من أجل التمدد والانتشار والانقلاب على السلطة في سبتمبر 2014 مخلفة أزمة انسانية وسياسية في اليمن، وعلى الجانب الأخر كانت الهجمات الإرهابية لحركة الشباب في الصومال بلغت ذروتها ما بين عامي 2009 و 2011 حيث نجحت في السيطرة على 16 ولاية صومالية الأمر الذي دفع الاتحاد الأفريقي لتشكيل قوة «أميصوم» لمحاربة الحركة ومنعها من السيطرة على باقي الصومال، وخلف تمدد الحركات الإرهابية في اليمن والصومال إلبي تفاقم الأزمات الانسانية بهما.
أبدت دولة الامارات استجابة سريعة لتلك الأزمات التي تعاني منها اليمن أو الصومال، واتخذت الاستجابة الإماراتية ثلاث مسارات أولها المسار العسكري المتمثل في المشاركة ضمن قوات التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، أما المسار الثاني ويعد الأبرز وهو تقديم المساعدات التنموية والإغاثية إلي الشعبين الصومالي واليمني، وأخيرا يتمحور المسار الثالث حول تدعيم وتأهيل القوي المحلية في تلك الدولتين على محاربة الإرهاب والنهوض الاقتصادي والاجتماعي بهما، وسنتناول في مقالنا المسار الثاني المتمثل في المساعدات التنموية والإغاثية لكلا الدولتين.
أولا. جسور التنمية والاغاثة في اليمن
منذ بدء عملية عاصفة الحزم في اليمن في مارس 2015 لم تكتف الإمارات بالمشاركة في العمليات العسكرية لدحر تنظيم الحوثي في اليمن، بل عمدت أيضا إلى رفع المعاناة عن كاهل الشعب اليمني عبر مد أساطيل وجسور المساعدات إلى اليمن، فأبوظبي تعتلى قمة الدول المانحة للمساعدات الإغاثية في اليمن.
فخلال الفترة الممتدة من عام 2015 وحتي 2019 بلغت إجمالي المساعدات الإمارتية إلي اليمن نحو 20.57 مليار درهم أي بما يوازي أكثر من 5 مليار دولار أمريكي، ونجحت المساعدات الإمارتية في تقديم الغوث والعون لنحو 17 مليون يمني أي أكثر من 60% من الشعب اليمني ـ موزعين على 12 محافظة ـ استفاد من تلك المساعدات، والمثير أن تلك المساعدات الإمارتية كانت موجهة بعناية نحو الفئات الأكثر ضعفا وتشردا في المجتمع اليمني وهم النساء والأطفال، حيث تشير التقديرات إلي استفادة نحو 11 مليون طفل و3.3 امرأة من تلك المساعدات، وتنوعت برامج تلك المساعدات ما بين الصحة والتعليم وتوليد الطاقة وغيرها من الخدمات الاجتماعية.
تأهيل المشافي
ففي القطاع الصحي امتدت يد المساعدات الإماراتية إلى المشافي والمؤسسات الصحية التي تضررت جراء العمليات الإرهابية والمواجهات العسكرية، حيث نجحت هيئة الهلال الأحمر الإماراتية في إعادة تـأهيل وصيانة نحو 55 مؤسسة صحية منهم خمس مستشفيات كبرى في عدن، كما تم تقديم 75 سيارة إسعاف لتكون في خدمة القطاعات الصحية اليمنية، كما تم تحصين حوالي 488 ألف طفل يمني ضد مرض شلل الأطفال والحصبة، وتشير التقديرات إلي أن الإمارات قدمت حوالي 845 مليون درهم لدعم القطاع الصحي اليمني خلال الفترة الممتدة من عام 2015 وحتي 2018.
جسور إغاثية لا تنضب
بالإضافة إلي المساهمة في الارتقاء بالوضع الصحي في اليمن لم تغفل أبوظبي مسألة المساعدات الغذائية الإغاثية، فخلال الشهرين الأخريين أوفد الهلال الأحمر الإماراتي نحو 60 طن مساعدات إغاثية إلي المحافظات اليمنية، ففي نهاية شهر يناير الماضي وزع الهلال الأحمر 32 طن مساعدات في مدينة حضرموت اليمنية لتلبية احتياجات نحو 2700 فرد من الأسر الفقيرة والمحتاجة في اليمن.
وقبل ذلك وتحديدا في 31 ديسمبر 2019 سيرت الامارات قافلة مساعدات تضم 28 طن مساعدات غذائية إلي القرى الفقيرة بمدينة المخا اليمنية على الساحل الغربي اليمني ليبلغ إجمالي المساعدات الإماراتية في عام 2019 حوالي 114 ألف و400 سلة غذائية.
مساعدات إجتماعية
لم تهمل أبوظبي الشق الاجتماعي في مساعدتها لليمن ففي يناير 2020 نظمت العرس الجماعي الـ(21) ليستفيد منه نحو 200 شاب وفتاة يمنية في مديرية المخا الساحلية التي شهدت أيضا تأهيل محطتها البخارية لتوليد الكهرباء بقدرة 20 ميجا وات، أما مدينة الحديدة فكان لها نصيب وافر من المساعدات التنموية مثل تأهيل المصايد البحرية، هذا بالاضافة إلي مشروعات حفر الآبار وتنقية المياه ودعم المشروعات التعليمية وافتتاح مدارس جديدة.
ثانيا. مشاريع تنموية في الصومال
وعلى الضفة الأخري من مضيق باب المندب لم تنقطع المساعدات التنموية الإماراتية، فخلال الفترة التي شهدت تزايد في أنشطة حركة الشباب وتفاقم الأزمة الانسانية في الصومال اندفعت الإمارات إلي تقديم يد العون والمساعدة إلي الشعب الصومالي انقاذا له من أخطار محدقة كالإرهاب والجفاف.
وخلال الفترة من عام 2009 وحتي 2016 قدمت أبوظبي نحو 941.810 مليون درهم، وشهدت المساعدات التنموية الإماراتية في الصومال تزايدا ملحوظا، ففي عام 2009 بلغت المساعدات حوالي 33 مليون درهم وصلت إلي 83 مليون في عام 2011 وفي عام 2013 لغت المساعدات الإمارتية حوالي 92 مليون درهم ووصلت المساعدات في عام 2016 حوالي 392 مليون درهم.
“لأجلك يا صومال”
في فبراير 2017، أطلقت الرئاسة الإماراتية حملة إعلامية في القنوات الإماراتية «أبوظبي، دبي، الشارقة» تحت عنوان “لأجلك يا صومال” من جمع المزيد من المساعدات الانسانية لانقاذ الشعب الصومالي من خطر الجوع والجفاف، وبلغت إجمالي التبرعات حوالي 165 مليون درهم من الشعب الإماراتي، وتزامنا مع الحملة الإعلامية التي أطلقها الشيخ خليفة بن زايد، سيرت أبوظبي سفينة مساعدات تحمل 4 آلاف و259 طن من المواد الإغاثية إلي الصومال وبلغت تكلفة تلك المواد الإغاثية حوالي 10 مليون و 311 ألف درهم.
مواجهة الجفاف ببناء السدود
تعاني الصومال من أزمة جفاف متزايدة الأمر الذي أدي لتزايد موجات النازحين خلال العشر سنوات الأخيرة جراء العطش والجفاف، ولمعالجة تلك الأزمة قامت مؤسسة خليفة الانسانية بالتعاون مع وزارة الموارد التعدينية والطاقة والمياه الصومالية ببناء 20 سدا مائيا في جنوب غرب هرجيسيا، كما تم حفر 14 بئر أخر في مناطق شمال شرق هرجيسا وحفر تسعة أخرين في منطقة يورعو فضلا عن إقامة محطات تجميعية لمياه الأمطار.
إغاثة الصومال
استكمالا للحملة الأولي لأجلك يا صومال نفذت مؤسسة خليفة الانسانية المرحلة الثانية من حملة إغاثة الصومال في يوليو 2018 لتوزيع المساعدات العاجلة على الأسر الصومالية في ولاية بونتلاند شمال شرق الصومال حيث وزعت المؤسسة حوالي 900 طن (20 ألف سلة غذائية) مساعدات غذائية لمعالجة أضرار التصحر والجفاف التي يعاني منها الشعب الصومالي.
وختاما.. يمكن القول أن سياسة الأيادي البيضاء الإماراتية في منطقة القرن الأفريقية هدفت إلى رفع المعاناة عن الشعبين اليمني والصومالي والارتقاء بالأحوال المعيشية في كلا البلدين لكي يكونوا قادرين على مواجهة التنظيمات الإرهاببة التي تستهدف استقرارهم واستقرار دول المنطقة، كما يمكننا القول بأن سياسة الأيادي البيضاء الإماراتية أثبتت صدق النوايا الإمارتية تجاه الارتقاء بشعوب المنطقة وكذب الادعاءات التي كانت تروج بأن الوجود الإماراتي في كلا البلدين هدفه نهب ثرواتهما، ولعل اعلان الامارات الأخير عن عودة جنودها العاملين في اليمن واستمرارها كداعم سياسي لوحدة اليمن خير دليل على نصاعة سياسة الأيادي البيضاء.