حسام عيد – محلل اقتصادي
أمل جديد يتدفق في مالاوي، عبر تدشين فرع بنك في مخيم للاجئين -وهو الأول من نوعه في العالم- يعمل على توفير الخدمات المصرفية والائتمان للمقيمين، فمعظمهم لديهم أعمالهم التجارية الخاصة، كما أن آخرين يرغبون في تدشين مشروعاتهم الصغيرة الخاصة بآمال ملامسة الفرص في حياة أفضل.
على بعد سبعين كيلومترًا من عاصمة مالاوي، ليلونجوي، تطور مخيم دزاليكا للاجئين في مقاطعة دوا بالإقليم الأوسط، الذي شُيد في عام 1994، بمكان معسكر سجن قديم يقع على مساحة 201 هكتار فقط من أراضي البلدة الشاسعة، التي تضم 42 ألف لاجئ وطالب لجوء.
وارتفع عدد الأشخاص الذين فروا ونزحوا إلى مالاوي من حوالي 17 ألف في عام 2013 إلى ما يقرب من 45 ألف بنهاية عام 2019، حيث تضخم عدد طالبي اللجوء من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا والصومال وإثيوبيا هربًا من الفقر ودوامات العنف.
كما هو الحال مع مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء القارة، فإن العديد من سكان دزاليكا غير نشطين اقتصاديًّا ويكافحون من أجل الوصول إلى فرص العمل والتمويل والرعاية الصحية المستدامة.
وقد يبدو من غير المعقول أن تنظر أي شركة خدمات مالية في تقديم الإقراض للنازحين، ويعاني اللاجئون عادةً للحصول على الائتمان نظرًا لأن العديد منهم يفتقر إلى عنوان دائم ووثائق رسمية وأوراق هوية.
لكن شركة الخدمات المالية MyBucks -شركة عالمية رائدة في تقديم منتجات وخدمات مالية عبر تقنيات التكنولوجيا، وعملاؤها في 12 دولة في أفريقيا وأوروبا وأستراليا- تساعد الآن في تزويد المقيمين بشريان حياة ائتماني، كما تقدم خدمات للعملاء الذين لديهم سجل ائتماني ضعيف أو غير موجود.
الأول من نوعه
مبادرة انطلقت في أبريل 2018 عندما افتتحت شركة New Finance Bank التابعة لشركة فرانكفورت المدرجة في بورصة فرانكفورت، أول فرع مصرفي على الإطلاق في مخيم للاجئين، يعمل الفرع كقاعدة للخدمات المصرفية والتحويلات وأجهزة الصراف الآلي، بينما تمكن التكنولوجيا البنك من توزيع القروض الصغيرة لرواد الأعمال الناشئين -يمكن لبرنامج الإقراض MyBucks أن يتنبأ بقدرة المقترضين على السداد- مما يسمح للبنك بتقديم وإدارة القروض.
ويوظف البنك وكلاء اللاجئين للترويج لخدماته لسكان المخيم الآخرين، وتشير الأرقام الصادرة في نوفمبر 2019 إلى أنه منذ إطلاق المبادرة تم فتح أكثر من 7500 حساب لسكان دزاليكا.
وشهد المخيم زيادة في ريادة الأعمال، مما أدى إلى ظهور شركات صغيرة ناجحة، تتنوع بين الخنازير وتربية الدواجن إلى تصميم الأزياء ومحلات البقالة وصالونات تصفيف الشعر والمطاعم.
فيما تساعد المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR)، التي تشارك في إدارة المخيم إلى جانب حكومة مالاوي، على دعم المبادرة من خلال توفير مدخلات لمؤسسات اللاجئين.
وتعمل المفوضية على ضمان حصول اللاجئين وطالبي اللجوء على الحماية الدولية وحصولهم على التعليم والرعاية الصحية والغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي.
اقتصاد محلي نابض بالحياة
يقول ريتشموند مسوويا، مسؤول سبل كسب العيش في المفوضية في دزاليكا، إن العديد من النازحين في المخيم لديهم المهارات لإدارة مزارع أصحاب الحيازات الصغيرة وتفاوضوا مع أصحاب الأراضي المحليين من أجل قطع الأراضي حيث يمكنهم تربية المحاصيل عالية القيمة مثل فول الصويا الكرنب، البصل، الطماطم والتوابل.
توفر معالجة اللحوم ومعالجة الألبان وصناعة الأعلاف ومؤسسات الدواجن والبيض وزراعة الفطر مصادر دخل متنوعة.
وتلعب المفوضية دورها في هذه المشاريع عن طريق حفر الآبار وتركيب مضخات تعمل بالطاقة الشمسية لري المحاصيل، وقد أدى ذلك إلى أن تصبح دزاليكا واحدة من مناطق زراعة الطماطم الرئيسية في مالاوي.
التركيز الرئيسي لمبادرة التمويل هو الإقراض الجماعي -حيث تأتي المجموعة بفكرة ريادية وجماعية لتنظيم المشاريع من خلال الحصول على قرض صغير من البنك- ويقوم البنك بتسهيل تدريب إدارة القروض لهذه المجموعات، بما في ذلك تقديم المشورة بشأن إدارة الأعمال، وإدارة النقد وتنمية الأعمال التجارية.
ويقوم فريق متخصص داخل البنك بتسهيل مثل هذه الدورات التدريبية قبل وصول المجموعات إلى القروض.
بحلول نوفمبر 2019، أخذ البنك ما يعادل 177.173 ألف دولار من الودائع وفتح 280 حساب اقتراض، وهذا ما يشير إلى ظهور اقتصاد نشط ومتنامي في دزاليكا.
يتم تطوير منتجات جديدة باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول للأفراد، ولكن في الوقت الحالي، تظل مبالغ القروض صغيرة نسبيًّا، مما يعكس المخاطر المستمرة لهذه القروض، ومع ذلك، فإن التاريخ الائتماني القوي والنجاح المؤكد سيؤدي إلى مزيد من ضخ التمويل.
تنمية مهارات النجاح
إن مثل هذه المخططات هي مجرد إجابة لدعم الكثير من اللاجئين، ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستضيف دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 26% من اللاجئين في العالم.
وإجمالاً، أُجبر أكثر من 18 مليون شخص على الفرار من منازلهم في القارة، بما في ذلك اللاجئون وطالبو اللجوء والمشردون داخليًّا.
وقد شهدت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نزوحًا داخليًّا أكثر من أي منطقة أخرى في عام 2018، وفقًا لتقرير صادر عن مركز مراقبة النزوح الداخلي التابع لمجلس اللاجئين النرويجي.
وأدى الصراع غير المحسوم والدوري إلى جانب موجات جديدة من العنف إلى نزوح 7.4 مليون شخص بين يناير وديسمبر 2018.
ومن أجل زيادة تحسين ودعم وصول اللاجئين إلى التمويل، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن تحليل بيانات السوق، وتوسيع نطاق هوية اللاجئين المقبولة، وتعزيز المساعدة التقنية وفتح اتصالات منتظمة بين موظفي القروض والعملاء يمكن أن يساعد.
ولتعزيز آفاق اللاجئين، تدير المفوضية خطط تدريب في المخيم مصممة لتعليم المهارات لتعزيز آفاق سبل العيش.
ويتم نشر المخططات المعروضة على محطة إذاعة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين Yetu Community Radio، التي تم إطلاقها في أغسطس 2018. ويحصل المرشحون الناجحون على منحة صغيرة طوال فترة دراستهم.
واحدة من أنجح دورات وخطط التدريب كانت App Factory، وهي مبادرة لتدريب اللاجئين على برمجة التطبيقات والبرمجة، بدعم من مبادرة Microsoft 4Afrika ، التي تدير 15 موقعًا آخر من هذا القبيل في جميع أنحاء القارة، وطور اللاجئون تطبيقًا لمشاركة المعلومات حول أيام توزيع الطعام.
عمل آخرون في مشروع لرقمنة تسجيل الإجراءات البرلمانية. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين عدد من خريجي App Factory كمتدربين من قبل MyBucks لزيادة تطوير العروض الرقمية للبنك.
تعميم النموذج
يقول الرئيس التنفيذي لـ MyBucks ، تيم نوي: إن تمديد التمويل إلى اللاجئين قد أثبت نجاحه، ويمكن قريبًا تعميمه على مخيمات اللاجئين الأخرى في جميع أنحاء أفريقيا.
ولدى الشركة عمليات أفريقية واسعة النطاق لها وجود في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق وبوتسوانا وأوغندا وتنزانيا وسوازيلاند وناميبيا وزامبيا وكينيا.
ويقول نوي: “كان أداء فرعنا في دزاليكا جيدًا للغاية، فاق التوقعات”، وبناء على ذلك، نحن حريصون على التوسع في عام 2020، بهدف تكرار هذه المبادرة في موزمبيق وأوغندا.
وختامًا، يمكن القول أنه يتعين على البنوك أن تعمل الآن على توسيع خدماتها للاجئين، وبوسعها أن تحذو حذو شركة التكنولوجيا المالية MyBucks، التي افتتحت بالفعل فرعًا مصرفيًّا في مخيم دزاليكا للاجئين في دولة مالاوي الواقعة بجنوب شرق أفريقيا، لتقديم القروض والخدمات المصرفية المحمولة وخدمات التدريب.
بطبيعة الحال، سيتطلب حل أزمة اللاجئين والاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لأكثر من 25 مليون لاجئ في مختلف أنحاء العالم إجراء تغييرات في مناطق أخرى، بدءا بالسرد السياسي في بلدان المقصد. في العديد من البلدان، كان الساسة والقائمون على وسائل الإعلام يصورون اللاجئين على أنهم يشكلون تهديدا للأمن، والتماسك الثقافي، والموارد العامة.
اليوم، على الدول المضيفة أن تحرر الفرص الاقتصادية للاجئين، ومن الممكن أن تلعب شركات تقديم الخدمات المالية وشركات التكنولوجيا المالية، المعروفة بقدرتها على تعطيل الأنظمة القائمة، دورًا أساسيًّا في هذه العملية.