كتبت – أماني ربيع
بمرور السنين تغيرت طبيعة الأعمال الخيرية حول العالم، ولم تعد المؤسسات والمنظمات الخاصة بالمساعدات الإنسانية قاصرة على مجرد إرسال الأموال والدعم بشكل مباشر إلى المتضررين، خاصة مع تزايد معدلات الفساد، واحتمالية عدم حصول المستحقين على الدعم بشكل كامل أو عدم وصوله إليهم على الإطلاق، لذا بدأ البعض في ابتكار مفاهيم جديدة لمساعدة الآخرين بشكل فعال وأكثر كفاءة.
ومن هؤلاء ماجي جراوت الأمريكية مؤسسة منظمة « Thinking Huts» غير الربحية التي سعت لمنح الأطفال حول العالم فرصة للتعليم بشكل أسهل وذلك باستخدام التكنولوجيا لبناء مدرسة بالحجم الطبيعي عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد.
واختارت جراوت أن تكون المدرسة الرائدة والأولى من نوعها في أفريقيا وتحديدا في مدينة بمدينة فيانارانتسوا بمدغشقر.
ولتنفيذ هذا المشروع تعاونت جراوت مع وكالة التصميم المعماري « Studio Mortazavi » بسان فرانسيسكو، ويجري بناء المشروع التجريبي في الحرم الجامعي لـ « Ecole de Management et d’Innovation Technology (EMIT)».
مدرسة صديقة للبيئة
وفي مقطع فيديو حول المشروع قال، مؤسسوه إن البناء عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد سيكون فعالا أكثر من ناحية الوقت، لأنه سيختصر وقت الإنشاء من شهور إلى أيام، بالإضافة إلى أنه يقلل من البصمة الكربونية لإنتاجه نفايات أقل، ومن ثم هو بناء صديق للبيئة، حيث سيتم إنشاؤه عبر مواد قابلة للاستخدام مجددا، وبما يتماشى مع المعايير التي تدعم حماية البيئة، ومن المقرر أن تفتتح خلال الفترة من ديسمبر 2021 إلى مارس 2022.
وتعالج هذه الطريقة في البناء حاجة ملحة وبخاصة في الدول الأفريقية وهي الافتقار للبنية التحتية في إنشاء المدارس، بالإضافة لقلة العمال المهرة في هذا المجال.
وأطلقت مؤسسة Thinking Huts حملة تمويل جماعي بعنوان “العطاء المدروس” لجمع 350 ألف دولار أمريكي، من أجل دعم المشروع التجريبي في مدغشقر ، فضلاً عن بناء المدارس الثلاث التالية.
أسست جراوت هذه المنظمة عندما كان عمرها 15 عاما فقط، من أجل منح فرص تعليمية للمحرومين مثل التي منحها لها والديها بالتبني عندما كانت طفلة، ولأنها أصبحت مفتونة بإمكانيات التكنولوجيا في ابتكار حلول معمارية يمكن تقديمها لأجل خير العالم.
تقول: “كان من الممكن أن تتبع حياتي نمطا مختلفا تماما، لو لم أستطع الحصول على فرصة للتعليم، لذا كنت آمل بشدة في أن أجد حلال يزيد من فرص الوصول العالمي إلى التعليم.
لذا قدمت فكرتها إلى وكالة Studio Morazavi، ثم قاما معا بتجنيد الخبرة الفنية لشركة Hyperion Robotics، وهي شركة فنلندية مقرها هلسنكي تعمل في مجال الطباعة الخرسانية، وتصنع طابعات الأسمنت الكبيرة الخاصة بها، ولديها نظام يتألف من برنامج تحكم خاص بها قائم على توجيه الأذرع الروبوتية الصناعية لبناء التعزيزات الفولاذية، حيث إن استخدام حديد التسليح يتطلب عمالة مكثفة، لذا فتسليم المهمة لروبوت يجعل الأمر أكثر سهولة.
ولدى الشركة خبرة سابقة في التركيبات الفنية في جمهورية التشيك وتصميم الشعاب المرجانية الاصطناعية، والعديد من المشاريع التي تركز على الصناعة بما في ذلك قاعدة خرسانية مسطحة للآلات الصناعية.
وتصميم المباني سيأتي في صورة مرنة على شكل هيكل خلوي، بحيث يمكن دمج الوحدة مع وحدات أخرى في تكوين أشبه بـ “خلية نحل”.
بالطبع ، لا تزال طريقة البناء الجديدة بعيدة عن أن تكون شاملة وهناك أجزاء من المدرسة لا يمكن طباعتها مثل السقف والأبواب والنوافذ ، وكلها مصنوعة من مواد محلية المصدر، لذا فمن أجل إحداث تأثير دائم على المجتمع أقامت Thinking Huts شراكات محلية تكون جزءًا من عملية اتخاذ القرار في الموقع، كما سيتم توظيف التجار المحليين في تصنيع الأسقف والأبواب والنوافذ للمدارس، التي ستصنع من مواد محلية.
كما ستقوم بتوفير فرصا لتعليم أفراد المجتمع المحلي كيفية استخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد، وبالتالي السماح لهم ببناء المزيد من المدارس في المستقبل.
وأوضح القائمون على منظمة Thinking Huts المزيد عن المشروع قائلين: “تستخدم المباني المطبوعة ثلاثية الأبعاد خرسانة أقل من متوسط المبنى وتقصر من أمد مرحلة البناء، مع دعم سلامة البنية التحتية في المستقبل، فخليط الأسمنت لدينا قادر على تحمل الضغط البيئي وسيصدر كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالخرسانة التقليدية “.
أما وكالة التصميم Studio Mortazavi فتحدثت عن المزايا الجمالية والمعمارية للتصنيع للنموذج: “إن جمال الجدران المطبوعة ثلاثية الأبعاد هو أنه يقدم فرصة أسهل عند بناء المنحنيات بدلا من الزوايا القائمة، وستمكننا من إنشاء أنماط معمارية تكون أكثر صعوبة وتكلفة مع طريقة البناء التقليدية.
وأضافت الوكالة: “ربما البناء بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ليس حلا كاملا في حد ذاته، لكنه قادر على تقديم مساهمات هائلة في حل أزمة التعليم.”
تعميم المشروع عالميا
وتأمل مارجريت جراوت مؤسسة Thinking Huts وشركاؤها، Hyperion Robotics و Studio Mortazavi في التوسع في هذا النموذك ليشمل مناطق أخرى حول العالم، لكنهم يحتاجون إلى الوقت لأجل ضبط العملية التقنية، وتتمنى أن يكون لهذا المشروع الذي يتمتع بالابتكار تأثيرا عالميا
واختارت Thinking Huts انطلاق نموذج المدارس المطبوعة ثلاثية الأبعاد من مدغشقر بسبب امتلاكها للبنية التحتية التعليمية اللازمة، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي في الدولة ذات الاقتصاد الناشئ، وفرص النمو، فضلاً عن إمكانات الطاقة المتجددة، حيث يتضمن تصميم المدرسة الألواح الشمسية للتزود بالطاقة، لذا كانت هي المكان المثالي لأول مدرسة مطبوعة ثلاثية الأبعاد على الإطلاق.
كان من المقرر في البداية أن تصبح المدرسة جاهزة للعمل في وقت مبكر من هذا العام، لكن جائحة فيروس كورونا المستجد أخرت الجدول الزمني، وعندما تعود الأمور إلى طبيعتها ويصبح بالإمكان استمرار البناء ، يزعم المصممون أنه يمكن بناء المدرسة بأكملها في أسبوع واحد فقط، عادةً ما يستغرق بناء مدرسة من نفس الحجم شهورًا.
وإذا ما نجح هذا المخطط التجريبي فسوف يتم طرحه في بلدان نامية أخرى تحتاج لمباني تعليمية.
وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم أزمة التعليم المتردية بالفعل، حاليًا، هناك أكثر من 260 مليون طفل لا يحصلون على التعليم، وقد تزايد هذا الرقم خلال فترة الوباء الذي تسبب في نزوح أكثر من 1.2 مليار طفل حول العالم.
وبحسب منظمة يواجه 1.6 مليار طفل في جميع أنحاء العالم خطر التخلف عن التعليم بسبب إغلاق المدارس لاحتواء جائحة الفيروس التاجي، وفي الدول النامية والفقيرة تعتبر عودة الأطفال بأمان إلى المدرسة خطوة حيوية لمواصلة تعليمهم، خاصة مع ضعف الوصول إلى الإنترنت وأجهزة التعلم الشخصية.
و ربما يرى البعض أن التعليم عبر الإنترنت، واستمرار الدراسة عن بعد هو المستقبل، لكن هذا لا يلغي أبدا أهمية التعليم النظامي ودوره في تربية الأجيال وبخاصة في المراحل المبكرة.
فالمدرسة ليست مجرد مكانا لتحصيل الدرجات في الامتحان، بل هي بمثابة شريك للأسرة في تربية التلاميذ، كما أنها مكان للتواصل الاجتماعي والمشاركة في الأنشطة الرياضية والعلمية، والتواصل مع المعلمين والزملاء في نفس المرحلةا لعمرية يساهم في بناء شخصية الطالب وتنمية المهارات المعرفية والثقافية والاجتماعية لديه.
وفي الدول النامية والفقيرة، يتسبب فقر الموارد، في إعاقة العملية التعليمية، وحصول الأطفال على مستوى تعليمي مقبول، حيث لا توجد المواد الأساسية للبناء، ولا عمالة قادرة على البناء.