كتب – حسام عيد
في 17 مارس 2022 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على تاجر الذهب البلجيكي آلان جويتز وشركته “أفريكان جولد ريفاينري، إحدى أكبر مصافي المعدن النفيس في القارة، بسبب ما تردد عن المساهمة في الصراع بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي بيان، أفادت الخزانة الأمريكية، أن جويتز وشركته ومقرهما أوغندا لاعبان رئيسيان في تجارة الذهب غير المشروعة بالكونغو، التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات كل عام، وهي أكبر مصدر لإيرادات الجماعات المسلحة في البلاد، كما أوردت وكالة “بلومبيرج”.
وبموجب العقوبات؛ ستُحظَر أصول جويتز وشركته وثماني شركات أخرى مرتبطة بهما، الموجودة في الولايات المتحدة.
وكانت وكالة “بلومبيرج” قد أفادت في عام 2021 بأن أسعار الذهب القياسية أحدثت قفزة كبيرة لصادرات الذهب الأفريقية.
ويُظهِر أحدث التقديرات لصادرات الذهب من أوغندا ورواندا أن القيمة الإجمالية للتجارة قد تصل إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ لا يعكس ما يجري تعدينه في البلدين.
ويقول فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، الذي يراقب العلاقات بين الصراع واستخراج الموارد الطبيعية في الكونغو، إن نسبة كبيرة من الذهب مصدرها الكونغو. وقد أدرج الفريق الأممي جويتز وشركته في عديد من تقاريره السنوية.
تأجيج الصراع في الكونغو الديمقراطية
وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، قال في البيان: “أسهم آلان جويتز وشبكته في الصراع المسلح من خلال تلقي الذهب من جمهورية الكونغو الديمقراطية دون التحقق من مصدره”.
وأضاف نيلسون: “كانت الخزانة واضحة جدًا: (في كل خطوة من سلسلة التوريد يجب أن تسهم أسواق الذهب العالمية في التوريد المسؤول وبذل العناية الواجبة إزاء سلسلة التوريد)”.
عوقب جويتز بموجب أمرين تنفيذيين جرى التوقيع عليهما خلال إدارتي جورج بوش الابن وباراك أوباما يستهدفان “الأشخاص الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة المحيطة بها”.
المعادن النفسية والحروب الأهلية
وقد اندلع الصراع في منطقة شرق الكونغو الغنية بالمعادن في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما انتشرت الحرب الأهلية والإبادة الجماعية في رواندا المجاورة عبر الحدود، مما أشعل فتيل حرب، شملت في نهاية المطاف أكثر من ست دول أفريقية.
على الرغم من إبرام اتفاق السلام في عام 2003، يتواصل القتال في شرق الكونغو. وتنشط أكثر من 100 جماعة مسلحة في المنطقة التي يوجد بها ما يقرب من 5 ملايين نازح، وهو أكبر عدد في أفريقيا حسب الأمم المتحدة.
في عام 2018، كررت شركة “أفريكان جولد ريفاينري” ذهبًا بقيمة نحو نصف مليار دولار، وفقاً لبيان الخزانة الأمريكية. وفي خطاب ألقاه عام 2020، قال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إنّ المصفاة تحقق أكثر من 1.25 مليار دولار سنويًا.
ووفق وزير الدولة للشؤون الخارجية هنري أوكيلو أورييمس، فالعقوبات تثير قلق أوغندا، حيث تعتزم الدولة الواقعة في شرق القارة دراسة البنود التي استندت إليها الولايات المتحدة (لفرض العقوبات)، والرد على تلك المسألة.
مناجم الذهب وصراع الميليشيات
يمثل نشاط التعدين والمحاجر حوالي 20% من الاقتصاد الأفريقي وتأتى عدد من الدول الأفريقية ضمن أكبر منتجي الذهب في العالم وهي جنوب أفريقيا وغانا ومالي وبوركينا فاسو والسودان، وتضم جنوب أفريقيا اثنين من أكبر مناجم الذهب في العالم.
منجم “ساوث ديب” والذي ينتج أكثر من 32.8 مليون أوقية ويقع على بعد 45 كم جنوب غرب جوهانسبرج، كما يصنف كسابع أعمق منجم في العالم، مع عمق يصل إلى 2998 متر تحت سطح الأرض.
ومنجم ذهب Mponeng، وهو منجم ذهب تحت الأرض أيضًا مع عمق أكثر من 4 كم ويحتوي على احتياطي من الذهب يبلغ 11.65 مليون أوقية.
وتسببت الموارد الطبيعية الغنية للتعدين في القارة السمراء في لفت نظر وتحريك أطماع الجماعات المسلحة والمتطرفة التي تسعى دائمًا للسيطرة على هذه الثروات لتصبح مصدر تمويل أساسي وسهل لها وخاصة في الدول التي تعاني من الصراعات الداخلية.
وتشهد الدول في غرب أفريقيا التي يتوافر بها الذهب تصاعد في محاولات استخراج المعدن النفيس بطريقة غير شرعية بوسائل بدائية، ووقوع حوادث قتل إما بين المنقبين عن الذهب أو من هجوم مسلح للسيطرة على بعض المناطق للتنقيب على الذهب حيث عُثر في أكثر من واقعة على جثث أشخاص وجثث لعمال مناجم أثناء محاولتهم التنقيب بطرق غير شرعية.
وفى إقليم نيونزو في الكونغو الديمقراطية أدت الخلافات بين الميليشيات المسلحة على الموارد الطبيعية بما في ذلك مواقع التعدين، إلى قتل أكثر من 100 مدني في الاشتباكات الأخيرة بين هذه الميليشيات؛ وفق الأمم المتحدة.
وكشف تقرير أممي أن العديد من الجماعات المسلحة والإرهابية تقوم بتمويل حملاتها العسكرية من خلال استغلال الموارد الطبيعية واحتلال المناجم الحرفية ومناطق التعدين وبيع الذهب بطرق غير مشروعة وبدائية.
وفى محاولة منها للسيطرة القانونية على الأوضاع قدمت بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الدعم التقني لمحاولة رسم خريطة للمناجم في المنطقة “التي تضمنت تحليل سلاسل التوريد والجهات الفاعلة في المنبع وشرعية الموقع” على أمل زيادة السيطرة المدنية والقانونية على الموارد.
ومن جانبهم، أكد أعضاء مجلس الأمن الدولي أن الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية وفى مقدمتها أعمال التعدين هو أحد الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار والتوترات في جمهورية الكونغو الديمقراطية في المنطقة.
وأفاد تقرير أممي في عام 2020 أن “الاستغلال غير القانوني للذهب غذى النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من 20 عامًا حيث يتم تداول الذهب المستغل بشكل غير قانوني بحجم أكبر بكثير من تداول الذهب بشكل قانوني، مما يؤدي إلى خسارة ملايين الدولارات من الدخل”.
وذكر التقرير أيضًا أن هناك بعض الأدلة على قيام القوات الكونغولية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بفرض ضرائب على عمليات التعدين غير القانونية. في حين استمرت الجهود لتحسين إمكانية تتبع المعادن الأخرى، وشكل التنفيذ تحديًا للجهود المبذولة.
ووفق الأمم المتحدة تسببت وتيرة الصراعات والهجمات في هذه المنطقة قتل أكثر من 36 ألف شخص منذ 2009 نتيجة العنف في المنطقة، ونزح أكثر من مليوني شخص.