مركز فاروس – هيئة التحرير

نشر مركز تريندز للبحوث دراسة للكاتب إيهاب نافع حول الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا بين تنامي ظاهرة الإرهاب وصراع النفوذ الدولي في هذه المنطقة خاصة بين روسيا وفرنسا، وذلك عبر تناول النقاط التالية: أولاً، ظاهرة الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا. ثانياً، الإرهاب.. وطبيعة التهديدات وحجم الوجود. ثالثاً، القوات العسكرية الفرنسية في غرب أفريقيا.. الانسحابات والتراجعات. رابعاً حجم التدخل الروسي.. الحضور والطموح. وأخيراً العلاقة بين الانقلابات العسكرية والصراع الغربي – الروسي على تنامي الإرهاب.

تناولت الدراسة في محورها الأول: حجم الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا، وتم استعراض أبرز الانقلابات خلال العقد الأخير، وهي كالآتي:

•       دولة مالي: في 22 مارس 2012، أطاح عسكريون نظام أمادو توماني توري. وأقدمت “لجنة وطنية للنهوض بالديمقراطية وإعادة بناء الدولة” برئاسة الكابتن أمادو هايا سانوغو على حل المؤسسات.

•       غينيا بيساو: في 12 إبريل 2012، أدى انقلاب عسكري إلى تعطيل العملية الانتخابية قبل أسبوعين من الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وخلع الانقلابيون بقيادة الجنرال أنطونيو إندجاي الرئيس ريموندو بيريرا ورئيس حكومته.

•       بوركينا فاسو: في 17 سبتمبر 2015، وبعد أقل من عام على سقوط بليز كومباوري الذي أطاحته انتفاضة شعبية، أطاح انقلاب الرئيس ميشال كافاندو، بقيادة وحدة نخبة من الجيش. وأعيد إلى مهامه بعد أسبوع، إثر اتفاق بين الجنود الموالين والانقلابيين.

•       زيمبابوي: في 21 نوفمبر 2017، أُجبر الرئيس روبرت موجابي (93 عامًا)، في حينه، الرئيس الأكبر سناً في العالم، على تقديم استقالته بدفع من الجيش وحزبه وضغط الشارع، في ختام أسبوع من الأزمة، بينما كانت الجمعية الوطنية تبحث إقالته.

•       دولة مالي: في 18 أغسطس 2020، أطيح الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا بعد بضعة أشهر من أزمة سياسية. وأدى الانقلاب العسكري إلى فرض عقوبات دولية، رفعت بعد تشكيل حكومة انتقالية، بهدف تسليم السلطة للمدنيين خلال 18 شهراً.

•       دولة تشاد: في 20 إبريل 2021، غداة وفاة الرئيس إدريس ديبي، أقدم مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجل الرئيس الراحل محمد إدريس ديبي، الذي كان قائداً للحرس الرئاسي، آنذاك، على حل الحكومة والجمعية الوطنية. ومن ثم وعد ديبي “الابن” بمؤسسات جديدة بعد انتخابات “حرة وديمقراطية” في غضون عام ونصف العام. ولم يستبعد الجنرال ديبي في الآونة الأخيرة تمديد الانتقال 18 شهراً ما لم تُستوفَ “بعض الشروط”.

•       دولة مالي: في 24 مايو 2021، اعتقل العسكريون الرئيس ورئيس الوزراء بعد تعيين حكومة انتقالية جديدة أثارت استياءهم. وتم تنصيب الكولونيل آسيمي جويتا في يونيو رئيساً انتقالياً.

•       دولة غينيا: في 5 سبتمبر 2021، أطاح انقلاب عسكري الرئيس ألفا كوندي، ووعد الانقلابيون بقيادة الكولونيل مامادي دومبويا بإجراء “مشاورات” وطنية بهدف تحقيق انتقال سياسي يوكل إلى «حكومة وحدة وطنية».

•       دولة بوركينا فاسو: في 23 يناير 2022، استولى عسكريون متمردون على القاعدة العسكرية في العاصمة واجادوجو، واعتقلوا الرئيس كريستيان كابوري، وفي 24 يناير، أعلن الجيش على شاشة التلفزيون أن كابوري قد عُزل من الرئاسة، وبعد الإعلان صرح الجيش بحلّ البرلمان والحكومة ووقف العمل بالدستور. وفي 31 يناير، أعلن المجلس العسكري إعادة العمل بالدستور، وتعيين قائد الانقلاب المقدم بول هنري سانوجو داميبا رئيساً مؤقتاً.

أما المحور الثاني فدار حول طبيعة التهديدات الإرهابية وحجم الوجود في غرب أفريقيا، فقد شهدت القارة الأفريقية خلال عام 2021 ارتفاعاً ملحوظاً في عدد العمليات الإرهابية مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث بلغ عدد العمليات 735 عملية تنوعت ما بين هجمات إرهابية وعمليات انتحارية واغتيالات، الأمر الذي اتسق مع التحديات الأمنية المتعددة التي شهدتها القارة، وخاصة منطقة غرب أفريقيا، التي من بينها استمرار جائحة كورونا “كوفيد19″، وعدم الاستقرار الأمني المرتبط بكثرة الانقلابات العسكرية وتعددها، واستمرار تصدر أفريقيا كوجهة مفضلة لبقايا عناصر داعش في سوريا والعراق، كبيئة حاضنة ومهيأة لاستقبال المزيد من عناصر الجماعات الإرهابية، في ظل غياب الاستقرار الأمني، واستمرار الصراعات السياسية، والتوترات الإقليمية، واهتراء كثير من المناطق الحدودية بين البلدان المختلفة الأمر الذي يجعل انتقال العناصر إليها أسهل، فضلاً عن توافر الموارد الطبيعية التي تمنح تلك الجماعات قدرة أكبر على الاستمرار والتمدد، الأمر الذي يفسر فتح تلك الجماعات الإرهابية لمسرح عملياتي جديد في بلدان ربما لم يطرقها الإرهاب من قبل وفي مقدمتها أوغندا وبنين وتوجو، وكذلك ساحل العاج التي رصد تمدد النشاط الإرهابي إليها من جارتها بوركينا فاسو منذ عام 2020.

وتناول المحور الثالث للدراسة الحضور الفرنسي في المشهد السياسي في غرب أفريقيا، وهو امتداد لعقود طويلة من الاحتلال المصحوب بتأثيرات أيديولوجية وسياسية، ورغم استقلال غالب تلك البلدان في الستينيات من القرن الماضي، فإن فرنسا ما زالت تتعامل معها على كونها حضوراً واجباً بامتداد تاريخي وضرورات حاضرة، ولذا تسعى باريس رغم كثرة المعوقات إلى الاستمرار في المشهد الأفريقي، وهو ما يفسر الأرقام المرتبطة بانتشار قواتها حيث تنشر فرنسا قوات عسكرية قوامها يصل إلى نحو 4,600 فرد، تتوزع بحسب وزارة الجيوش الفرنسية إلى 2,400 فرد في مالي (قبل أن تقلص عددها مؤخرا)، و400 فرد في بوركينا فاسو، و800 فرد في نيجيريا، و1,000 فرد في تشاد، ومع الحديث عن تخفيض الوجود أو الانسحاب من مالي بحثت باريس عن خيارات جديدة لإعادة تموضعها في المنطقة. وتفسر الهجمات التي نفذت في شمال بنين، والتي أوقعت ما لا يقل عن 9 قتلى بينهم فرنسي، هذا القرار، رغم التوترات مع المجلس العسكري الحاكم في مالي.

ودار المحور الرابع عن حجم التدخل الروسي في المنطقة، وذلك عن طريق شركة فاجنر الروسية التي باتت تحظى بقدرٍ كبيرٍ من الترحيب الأفريقي على المستويين الرسمي والشعبي في بعض الدول الأفريقية مثل مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، خاصة في ظل الإخفاق الأوروبي لا سيما الفرنسي في مواجهة التنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما ترتب عليه المطالبة بطرد القوات الفرنسية والاستعانة بالدور الروسي لمواجهة الإرهاب، وخروج التظاهرات الشعبية التي شهدتها بعض دول الساحل على مدار الأعوام الثلاثة الماضية مثل بوركينا فاسو ومالي وكذلك أفريقيا الوسطى ضد القوات الغربية، فضلاً عن التقارب الواضح بين موسكو وبعض النخب العسكرية التي استطاعت الوصول إلى الحكم في منطقة الساحل خلال الأعوام السابقة، ما أثار المخاوف الدولية من تنامٍ ملحوظ للدور الروسي على حساب المصالح الغربية في أفريقيا.

وقد مثلت الاستعانة بفاجنر صفعة أفريقية على وجه فرنسا، وانعكاساً لحالة تراجع وضعف الدور الأوروبي إجمالاً في مواجهة الاستقواء والنفوذ الروسي الآخذ في التوسع والتمدد، الأمر الذي لن يتوقف عند حدود مالي بل سيمتد لغالب الدول الأفريقية التي ظلت لعقود مضت ترضخ للنفوذ الفرنسي، بلا منافس ولا بديل، الأمر الذي سيغير وجه المنطقة بأكملها، ولن يكون ذلك ببعيد عن انعكاسات نتائج الحرب في أوكرانيا، والتي سترسخ قواعد جديد للعبة النفوذ الروسي والغربي على مستوى العالم.

أما المحور الأخير للدراسة فدار حول الارتباط بين الإرهاب والانقلابات العسكرية والصراع الغربي – الروسي، فالإرهاب كان ولا يزال المبرر الحاضر والجاهز لدى الحكومات كافة في غرب أفريقيا ولدى دول الغرب وغيرهم لوجود قوات أجنبية في البلاد. ففي عام 2013، أرسلت فرنسا 5,000 جندي إلى مالي بناء على طلب الحكومة حيث كانت تواجه تمرداً مسلحاً، وبعد إطاحة الزعيم الليبي معمر القذافي وقتله، عادت ميليشيات الطوارق التي كانت تقاتل في صفه إلى موطنها في مالي، مصممة على القتال من أجل استقلال شمال البلاد، وبفضل أسلحة القذافي، شكلوا تحالفاً مع المتطرفين المرتبطين بالقاعدة ليصبحوا أقوى الشركاء، وليسيطروا على شمال مالي مهددين بالسيطرة على البلاد بأكملها، ولأن مالي كانت مستعمرة فرنسية حتى عام 1960. أعلنت الحكومة الفرنسية أنها تريد حماية سكان مالي والمواطنين الفرنسيين الذين يعيشون هناك ويبلغ عددهم 6,000 فرد، حيث تمركز 2,400 فرد من هذه القوات في شمال مالي، بينما استخدم آخرون الطائرات من دون طيار والمروحيات لتعقب الخلايا المتطرفة التي تعمل في منطقة الساحل، وذلك إلى جانب 14,000 فرد من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تعمل جنباً إلى جنب مع القوات العسكرية المحلية، وتقوم بدوريات عبر صحراء الساحل.ومع زيادة تداعيات المواجهة مع الإرهاب والفشل الحكومي المتتالي في مواجهته، ووجود حالة من الضجر الشعبي تكررت الانقلابات العسكرية مرتين في مالي في نحو عام، ومرة في بوركينا فاسو مؤخراً، على النسق ذاته، الأمر الذي أزعج باريس الرافضة للانقلابات العسكرية، وهو ما قوبل بالرفض بقوة من الحكومات الحالية وعلى رأسها مالي، وجرى في إطار رد الفعل البحث عن البديل للقوات الفرنسية، وهو القادم بقوة المتمثل في قوة فاجنر الروسية، ومع زيادة الغضب الفرنسي واصلت مالي التصعيد حتى وصلت أقصى مداها بطرد السفير الفرنسي، في مواجهة إعلان باريس سحب قواتها من مالي، وما تبعها من إجراءات مماثلة لبعض الدول الأوروبية الرافضة للوجود الروسي، بل وأصدرت دول عدة أوروبية بياناً مشتركاً بهذا الشأن، حيث أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن إغلاق آخر القواعد الفرنسية في مالي سيستغرق “4 إلى 6 أشهر” معلناً انسحاب الجنود الفرنسيين والأوروبيين والكنديين من هذا البلد الذي يديره مجلس عسكري، وأن فرنسا ستواصل مهام الحفاظ على الأمن مع بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) التي تعد أكثر من 13 ألف عنصر حفظ سلام، واعتبر أن مجموعة المرتزقة الروسية فاجنر المعروفة بقربها من الرئيس فلاديمير بوتين، موجودة في مالي خدمة “لمصالحها الاقتصادية” ولضمان أمن المجلس العسكري الحاكم في باماكو، وأن هؤلاء المرتزقة “أتوا بشكل خاص لضمان مصالحهم الاقتصادية ومصالح المجلس العسكري، هذا هو الواقع الذي نراه” فيما لا تزال سلطات مالي تنفي وجودها على أراضيها.

وخلصت الدراسة في نهايتها إلى مجموعة من النقاط هي:

•       تعاني القارة الأفريقية من حالة عدم الاستقرار وكثرة الانقلابات العسكرية التي يعد الإرهاب سبباً مباشراً فيها أحيانًا، وعاملاً مساعداً في حالات أخرى.

•       إن الإرهاب الذي تمارسه الحركات التكفيرية، هو السبب الرئيسي لاستحضار كل من القوات الفرنسية والغربية وكذلك الروسية فاجنر في الغرب الأفريقي.

•       إن أفريقيا ستشهد تزايداً في الصراع الغربي – الروسي مع رغبة روسية في توسيع دائرة النفوذ في أفريقيا في مواجهة الوجود التاريخي لأوروبا عامة، وباريس خاصة.

•       تسعى بعض دول غرب أفريقيا للخروج من العباءة الفرنسية بالاحتماء بقوات فاجنر الروسية، وعدوى هذا التمرد على باريس آخذة في الانتقال لدول أفريقية أخرى بعد ما حدث في مالي.

•       وأخيرًا، إن صراع النفوذ الغربي الروسي في أفريقيا سيتأثر بشكل واضح بنتائج ومآلات الأزمة الأوكرانية، والترتيبات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة في مركز تريندز .. اضغط هنا