كتبت – أسماء حمدي
من رحم المعاناة يولد النجاح والتفوق، مقولة أثبتها وجعلها حقيقة كثير من أبناء القارة السمراء، الذين يعيشون أصعب الظروف في بلادهم، ويعانون من الحرمان من أبسط حقوقهم الأساسية، لا سيما التعليم والخدمات الصحية.
بالرغم من ضعف الإمكانيات إلا إن أطفال أفريقيا طرقوا باب التحدي، لكي يُثبتوا أن الحياة تستمر ما دام العقل يعمل، فقلة الإمكانيات تعيقنا بعض الوقت لكنها لا تخنق الأمل.
من غانا.. أصغر طالب جامعي
في حين أن العديد من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا يبحرون في الصف السادس من المدرسة، فإن الآخرين يبدون اهتمامهم بالجامعة، هذا هو الحال مع الطفل العبقري “فيمنز بامفو”، الصبي الذي يبلغ من العمر 12 عامًا والذي حصل على القبول في جامعة غانا.
حقق الفتى الغاني فيمنز بامفو، معجزة أكاديمية حقيقية بعد التحاقه بالجامعة في هذا السن المبكر حيث سيصبح أصغر طالب جامعي في العالم، من بين 2900 من الطلاب الجدد الذين سيبدأون دراستهم الجامعية هذا العام.
في مثل عمره يذهب الأطفال إلى المدرسة، لكن فيمنز الطالب الفذ يدخل عامه الأول في جامعة غانا، ليصبح أصغر طالب يحقق هذا الإنجاز في البلاد.
“فيمنز”، هو الطفل الثاني في عائلته الذي خاض دروسًا منزلية من والده روبرت بامفو؛ حيث تلقى أخيه دروسا منزليا أيضا من أبيه، وتخرج شقيقه الأكبر، إدوين بامفو، من جامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا (KNUST) كعالم بيئي في سن العشرين.
يقول الأب “قررت أن أدرس لأطفالي في المنزل بعد أن مررت ببعض الصعوبات المالية، ولم اتوقع أبدًا أن تسفر جهودي عن نتائج غير مسبوقة”، موضحًا طريقة التدريس، قال: “لقد استخدمنا منهج كامبريدج ومنهج WASSCE لذلك فهمت بعض الأشياء الأساسية عنهم، ما أدرسه أولاً هو مهارات القاموس حتى يتمكن الطفل من نطق كل كلمة بشكل صحيح، نحن نقوم بالمهارات الصوتية وبمجرد ذلك تم تدريس اللغة اللاتينية، حتى اجتاز امتحان شهادة الثانوية العامة لغرب إفريقيا (WASSCE)”.
يدرس بامفو الإدارة العامة ويأمل أن يصبح رئيس غانا عندما يكبر، ولدى سؤاله عن السبب، قال الصبي الصغير “أريد أن أصبح رئيس غانا، أريد رفع علم غانا وجعل غانا دولة مستقلة حقًا مثل الصين والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى”، ويشير إلى أنه يتخذ الرئيس أكوفو أدو وباراك أوباما كقدوة له.
من كينيا.. بطلة الشطرنج
فازت سارة موماني الطالبة في المرحلة الابتدائية والبالغة من العمر 13 عامًا، ببطولتين وطنيتين للشطرنج في كينيا بعد حصولها على أفضل اللاعبين في الفئة العمرية لسنتين على التوالي.
لا شك أن التلميذة الشابة لديها القدرة على المضي قدمًا، لكن دورها للوصول إلى القمة يعوقه تحدٍ لا يشبه أي شخص جلس معها في لعبة شطرنج، فسارة تشق طريقها من وسط أكثر الأحياء الفقيرة في كينيا، ولكن طريقها ما زال محاط بجدار صلب.
تعيش سارة مع جدتها في موكورو؛ واحدة من أفقر الأحياء الفقيرة في العاصمة الكينية نيروبي، والتي تشتهر بالعناوين غير المألوفة مثل معارك العصابات، وحلقات الدعارة، وتفشي الكوليرا والتهديد بالهدم من الحكومة.
كانت والدة سارة مدمنة على الكحول وحاولت بيعها وهي طفلة رضيعة، لكن جدتها استطاعت استعادتها، وهما يعيشان الآن على في منطقة ينتشر فيها البلطجية، لكن سارة تمكنت من الحفاظ على نفسها، عندما كان معظم الناس في سنها على استعداد للخروج إلى حياة الشارع.
صممت جدة سارة أول رقعة شطرنج لها من حجر الصابون، بعد أن أظهرت الفتاة الصغيرة اهتمامها وقدرتها على لعب الشطرنج، وشاركت سارة في عدة مسابقات فازت بها ولديها ميداليات وشهادات.
“موكورو صعبة، لكن سارة لديها العقل” يقول جوزيف أويلا مدرب سارة، والذي يعمل في جمعية خيرية مسيحية، مضيفا “لا أحد يستطيع أن يضرها”.
يمكن أن تساعد مواهب الفتاة الصغيرة في دعم جدتها العجوز، وإلهام مجتمعها، وربما تكون تذكرة سفرها لرؤية العالم خارج موكورو، وما وراء كينيا، لكن فرصتها في فعل ذلك يعوقه تفصيل مؤسف فهي غير موثقة رسميا.
في الآونة الأخيرة، تلقت سارة موماني دعوات لحضور العديد من البطولات القارية والعالمية، بما في ذلك بطولة الشباب الأفريقية للشطرنج التي تقام في ناميبيا، لكنها لم تحضر، وذلك لكونها واحدة من 35 في المائة من الكينيين الذين ليس لديهم شهادة ميلاد، ما يعني أنها لا تستطيع الوصول إلى أي خدمات عامة، ناهيك عن الحصول على جواز سفر.
وقالت جانيت موشيرو ، مديرة إدارة خدمات التسجيل المدني في الحكومة الكينية، إنه من المستحيل معرفة عدد الكينيين الذين لا يحملون وثائق رسمية من قبل حكومتهم، لكن عددهم بالملايين، مضيفة :”المشكلة الأكبر لدينا هي قلة الوعي بين الآباء والأمهات، إنهم لا يعرفون أن شهادة الميلاد ضرورية للوصول إلى الخدمات الحكومية”.
بمجرد أن بدأت سارة بالفوز أدركت جدتها كريستين كيباجيندي، والمدرب أويلا أن عدم وجود شهادة ميلاد سيكون عقبة رئيسية، وتقول كيباجيندي: “إنني أبذل قصارى جهدي لمعرفة كيفية الحصول على أوراقها بالترتيب حتى تتمكن من الذهاب إلى أماكن مختلفة”.
من نيجيريا.. صانعي الأفلام القصيرة
بشاشة هاتف محطمة وحامل ميكروفون مكسور ومجفف يد وبضعة أمتار من القماش الأخضر، قام مجموعة من الطلاب النيجيريين وهم أربعة أولاد يبلغ متوسط أعمارهم 15 عاما وفتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات، بنحت مكانة خاصة بين صانعي الأفلام القصيرة.
أطلق الطلاب الذين يعيشون في كادونا بشمال نيجيريا، على أنفسهم اسم “النقاد” وقالوا إنهم يصنعون أفلامًا قصيرة بموارد قليلة، ويتطلعون لأن يكونوا مخرجين.
يواجه “النقاد” عدة مشكلات، فهم يستخدمون جهاز كمبيوتر محمول قديم؛ إلى جانب سوء استخدام الإنترنت في المنطقة، مع عدم توافر الكهرباء بشكل مستمر، يقول ريموند يوسف، وهو عضو في طاقم التصوير: “نحن نصارع هنا، فيلمنا مدته خمس دقائق لكنه استغرق يومين في تنفيذه”.
يقول جودوين جوشيا وهو طالب بالمدرسة الثانوية وأحد أعضاء الفريق “أردنا فقط أن يرى الناس أن هناك أطفال في كادونا يقومون بعمل مختلف، أعطوا النيجيريين الكهرباء وتكنولوجيا صغيرة، وستحدث المعجزات”.
على الرغم من كل الارتجال الذي اضطروا إلى فعله وكل العيوب التي تعين عليهم مواجهتها، لكن أفلامهم تخرج بشكل مدهش، وهو بالضبط ما يجعل أعمالهم أكثر إثارة للإعجاب، فأفلامهم القصيرة تظهر أفضل بكثير مما كان متوقعًا من مجموعة من الأطفال بدون تدريب ولا أدوات.