كتبت – أسماء حمدي

هربا من الاضطرابات التي تجعل حياتهم مستحيلة، تعيش عددا من العائلات النازحة في قصر ملكي نصف مبني في أنكا، شمال غرب ولاية زامفارة بنيجيريا، معظمهم من النساء والأطفال، حيث يجتاح الصراع الولايات الشمالية، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى ترك منازلهم.

يواجه ما يقدر بنحو 6.8 مليون شخص في نيجيريا “موسم جوع سنوي” من يونيو إلى أغسطس، مع ما يقدر بنحو 211 مليون نسمة، وتعد نيجيريا هي أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا وسابع أكبر عدد في العالم.

“أود العودة”

يأوي قصر أمير أنكا المشيد جزئيًا، الآن بعض النازحين بسبب القتال، ومنذ ثلاث سنوات، تعيش كومايما دانسولي، 30 عاما مع زوجها وأطفالها الأربعة، في القصر، مثل معظم الناس هناك، الذين فروا من العنف وعدم الاستقرار في بلداته.

تقول دانسولي: “ليس لدينا دخل منتظم الآن، أقوم بعمل عرضي ولكن لا يمكنني كسب ما يكفي لإطعام أطفالنا، اعتاد زوجي على زراعة أرضنا وكنا نعيش منها، الآن كل شيء مختلف حيث لا يمكننا العودة إلى ديارنا”.

أما أسماء إيشيرو، تحكي وهي تحمل طفلتها الأصغر، فاطمة البالغة من العمر شهرًا واحدًا، حيث يتم فحص طفليها الآخرين للكشف عن سوء التغذية، أنها اضطرت وعائلتها إلى مغادرة منزلهم منذ 10 أشهر بسبب قطع الطرق، قائلة: “أود العودة، هنا أشعر بالأمان مع أطفالي، لكني أتمنى أن نتمكن يومًا ما من العودة إلى المنزل وبدء حياتنا مرة أخرى”.

مع انتشار الصراع من الشرق إلى الغرب في الولايات الشمالية لنيجيريا، يصبح إطعام النازحين داخليًا أكثر صعوبة من أي وقت مضى، مما يتسبب في إصابة الأطفال بأمراض سوء التغذية، ويقوم عاملون من برنامج الأغذية العالمي بإجراء تقييمات لسوء التغذية وتوزيع المكملات الغذائية على من يعانون من نقص التغذية.

وتقف روفا أتو مع أطفالها الخمسة، حيث مرت عامان منذ مغادرتهما منزلهما هربا من العنف وقطع الطرق، قائلة: “غادرنا في وقت مبكر صباح أحد الأيام بعد مقتل العديد من أفراد عائلتنا وأصدقائنا، هربنا مع المتعلقات التي استطعنا حملها وسرنا لمدة يومين للوصول إلى بر الأمان”.

أزمة إنسانية

رسمت منظمة أطباء بلا حدود، صورة قاتمة للأزمة الإنسانية في الشمال الغربي، حيث يسيطر الجوع والأمراض على المنطقة، ويقول رئيس البعثة في نيجيريا، فروكجي بيلسما: “إن حياة الناس في شمال غرب نيجيريا يهيمن عليها الآن الجوع وسوء المعاملة والأمراض التي يمكن الوقاية منها”.

ويضيف: “ما يحدث هنا هو حالة طوارئ إنسانية تحتاج إلى اهتمام عاجل واستجابة مناسبة، يجب على السلطات وجميع أصحاب المصلحة المعنيين تحمل مسؤولياتهم تجاه المجتمعات المتضررة”.

وفي حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، صرح الدكتور غودوين إيمودانوهو، من منظمة أطباء بلا حدود ، أن الأزمة في ولاية زامفارة كانت أكثر إثارة للشفقة، مضيفا: “شهدت فرقنا في ولاية زمفارا ارتفاعًا مقلقًا في الأمراض التي يمكن الوقاية منها والمرتبطة بنقص الغذاء ومياه الشرب والمأوى والتطعيمات”.

ويشير إيمودانوهو  إلى أن الأطفال يصلون إلى المستشفى وهم في حالة سيئة للغاية، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، عالجت فرقنا في أنكا وزورمي وشينكافي 10300 طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم والحصبة والملاريا والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي، لافتا إلى أن هذه النسبة  أعلى بـ54 في المائة من العام الماضي.

لذلك، دعت المنظمة إلى استجابة إنسانية عاجلة للأشخاص في المنطقة الذين يعانون فيها من نقص شديد في الغذاء ومياه الشرب والمأوى والحماية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.

وذكرت أطباء بلا حدود، أن ما بدأ على شكل اشتباكات عرضية بين المزارعين والرعاة الذين يتنافسون على الأراضي والموارد المائية النادرة بشكل متزايد قد تطور إلى أعمال عنف من قبل الجماعات المسلحة، التي استخدمت الاختطاف والنهب كمصدر دخل مربح.

وفقًا لفرق المنظمة، عادة ما يقول الأشخاص الذين يصلون إلى المرافق الصحية التابعة للمنظمة، أن تصاعد العنف دفعهم إلى الفرار من منازلهم ومزارعهم وأراضي الرعي، ويأتي بعضهم  إلى بلدات زامفارة الأكبر، مثل أنكا، بحثا عن الأمن والحماية، حيث كانوا يحتمون في مخيمات رسمية وغير رسمية.

حرمان ومعاناة

تصف أطباء بلا حدود الظروف المعيشية في مخيمات أنكا بأنها “مزرية”، مع عدم وجود توزيع منتظم للأغذية أو مأوى مناسب، وعدم كفاية مرافق المياه والصرف الصحي.

وبحسب النازحين، فقد بقي أشخاص آخرون في القرى، خائفين جدًا من السفر في طرق غير آمنة، ويؤخرون رحلاتهم للحصول على الرعاية الصحية أو تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى، تقول امرأة تدعى حليمة: “لا يكاد يوجد أي طعام لأقدمه لأولادي”.

تشير حليمة، إلى أن طفليها يعالجان من سوء التغذية الحاد الوخيم من قبل منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى أنكا، مضيفة: “لم نعد قادرين على زراعة المحاصيل لأن المجرمين يهاجمون مزارعنا، أصيب اثنان من أطفالي بالحصبة وكانا نحيفين للغاية، الطرق خطيرة للغاية ولكن كان علي المخاطرة بحياتنا وإحضارهم إلى المستشفى، في المرة الأخيرة التي أصيبت فيها أختهم الكبرى بالحصبة، قررت أن الوقت قد فات على السفر برا وإحضارها إلى المستشفى، لكنها كانت تعاني من مضاعفات وهي الآن عمياء”.

في فبراير 2021، كان هناك أكثر من 124 ألف نازح يعيشون في ولاية زامفارة، وهي زيادة بأكثر من 12 ألفًا منذ أغسطس 2020، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.

 في بلدة أنكا وحدها، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن فرقها أحصت أكثر من 14000 نازح، مع وصول حوالي 1599 شخصًا في الأشهر الأربعة الماضية.

من جهتها، حثت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قادة العالم على تكثيف جهودهم لتعزيز السلام والاستقرار والتعاون من أجل وقف الاتجاه السائد منذ ما يقرب من عقد من الزمان والبدء في قلب مساره، والمتمثل في الارتفاع المتزايد لمستويات النزوح جراء العنف والاضطهاد.

وعلى الرغم من فيروس كورونا، فقد ارتفع عدد الأشخاص الفارين من الحروب والعنف والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان في عام 2020 إلى ما يقرب من 82.4 مليون شخص، وذلك وفقاً لآخر تقرير للمفوضية حول “الاتجاهات العالمية” والذي صدر في جنيف.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي: “وراء كل رقم شخص أجبر على مغادرة دياره قصة من قصص النزوح والحرمان والمعاناة، إنهم يستحقون اهتمامنا ودعمنا ليس فقط بالمساعدات الإنسانية، ولكن في إيجاد حلول لمحنتهم”.