كتب – محمد الدابولي

وتيرة متسارعة من العمليات الإرهابية تشهدها حاليا نيجيريا، إثر هجمات متزامنة لتنظيم بوكو حرام سواء على أهداف مدنية أو عسكرية، فخلال الأيام الماضية شهدت ولاية كادونا الشمالية حادث اختطاف للعديد من تلاميذ المدارس الابتدائية بإحدى القرى بالولاية.

باتت حوادث اختطاف الطلاب وتلاميذ المدارس أمراً شائعا في نيجيريا خلال الشهور الماضية إذ تستغل بوكو حرام تلك الحوداث في طلب الفديات من ذوى وأهل الطلاب المختطفين، وفي المقابل يؤكد الرئيس النيجيري «محمد بوخاري» أن قوات الجيش والأمن في بلاده ناجحة في التصدي لمثل تلك الهجمات كما نجحت في إفشال العديد من الهجمات الإرهابية وإحباط اختطاف المزيد من المدنيين والطلاب.

لكن يبدو أن التصريحات الرسمية النيجيرية ليست معبرة عن واقع الحال في شمال البلاد، فقوات الجيش النيجيري هي الأخرى تتكبد خسائر فادحة نتيجة هجمات بوكو حرام المتتالية فوفقا لأخر المعلومات (15 مارس 2021) تعرضت قافلة عسكرية للجيش النيجيري في منطقة غودمبالي بمنطقة حوض بحيرة تشاد  لهجوم من مقاتلي الحركة مما أسفر عن مقتل 19 جندي نيجيري وإصافة العديد.

الهجمات المتكررة لبوكو حرام على المدنيين وبالأخص على طلاب وتلاميذ المدارس وكذلك استهداف دوريات وأرتال الجيش النيجيري دفعت حاكم ولاية بورنو في شمال البلاد «باباجانا زولوم» إلي دعوة الرئيس محمد بوخاري إلي استخدام شركات الأمن الخاصة (المرتزقة) في قتال بوكو حرام، وجاءت تلك التصريحات عقب هجمات ارهابية طالت العديد من مزارعي الأرز في الولاية في شهر نوفمبر 2020.

لاتزال دعوة «زولوم» يتردد صداها إلي اليوم خاصة بعد تسارع وتيرة العمليات الإرهابية، فالعديد من الأوساط في نيجيريا وأفريقيا تذكر بوضوح الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية النيجيرية (مارس 2015) والتي جري فيها التوسع في استخدام مقاتلي مرتزقة من قبل حكومة الرئيس السابق «غودلاك جوناثان»، إذ يسود اعتقاد أن توسع جوناثان في ذلك الوقت في استخدام المرتزقة ساهم بشكل كبير في وقف تمدد بوكو حرام وتوجيه ضربات قوية للتنظيم.

ميراث سئ

تمتلك نيجيريا ميراثا سيئا في استخدام المرتزقة فخلال أعوام الحرب الأهلية النيجيرية ما بين عامي 1967 و1970 استخدمت القوات الانفصالية في إقليم بيافرا المزيد من المرتزقة في قتالها مع القوات الحكومية الأمر الذي تسبب في خسائر فادحة للبلاد وساهم استخدامهم أيضا في إطالة أمد المعارك لفترة طويلة قاربت ثلاث سنوات.

بسبب ظروف حرب بيافرا تبنت نيجيريا موقفا مضادا من استخدام المرتزقة في حروبها الداخلية الأمر الذي دفعها للتصديق في عام 1986 على اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للقضاء على الارتزاق، كما أنها موقعة على الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم.

جوناثان واستخدام المرتزقة

في يونيو 2014 أعلن أبو بكر البغدادي مؤسس تنظيم داعش الإرهابي عن قيام دولته في الشام والعراق، الأمر الذي أعطى دفعه قوية لبقية التنظيمات الإرهابية في كافة أرجاء العالم للنشاط والتوسع وإنشاء دول خاصة بتلك التنظيمات على غرار دولة داعش في سوريا والعراق، ومن هنا تسارعت وتيرة العمليات الإرهابية التي تشنها بوكو حرام في محيط بحيرة تشاد مستهدفة جيوش نيجيريا وتشاد والنيجر وأخيرا الكاميرون.

بدا الوضع حينذاك مضطربا إزاء عجز الجيوش النظامية في الدول الأربعة السابقة عن مواجهة التنظيم الإرهابي الأمر الذي دفع حكومات تلك الدول وبالأخص النيجيرية إلي اللجوء إلي أسهل الحلول ألا وهو الاعتماد على شركات أمنية تقدم خدمات أمنية وعسكرية تساعد في القضاء على تمدد بوكو حرام.

وفي تقرير صادر عن  المركز الدولي للتحقيقات الاستقصائية (International Center For Investigative Reporting) أشار إلي مشاركة ثلاث شركات عسكرية وأمنية في تقديم خدمات الإرتزاق إلي الجيش النيجيري خلال الفترة ما بين عامي 2014 و2015 وهم شركات conella services limited البريطانية، وشركة Pilgrims Africa الكائنة بمدينة لاجوس النيجيرية والتي تتبع شركة Pilgrims Group Limited  البريطانية وأخيرا شركة “المهام المتخصصة والتدريب والمعدات والحماية” ــــ ــ Specialised Tasks, Training, Equipment and Protection Internationalـ والتي تأسست عام 2006 في نيجيريا على يد الجنوب أفريقي «إيبن بارلو» المدير والمؤسس السابق لشركة شركة Executive Outcomes  الجنوب الأفريقية والتي تمتلك ميراثا كبيرا في تزويد الأنظمة السياسية الأفريقية في سير بعناصر المرتزقة كما حدث في سيراليون وأنجولا، ونتيجة لنشاط تبك الشركة المثير للريبة أقدمت جنوب أفريقيا على حل تلك الشركة في عام 1998.

مهام متعددة

لم تقتصر  الشركات الأمنية العاملة في نيجيريا على تقديم عناصر المرتزقة فقط بل أيضا عمدت إلي تقديم الخدمات والخبرات القتالية لمقاتلي الجيش النيجيري وتلك المهمة هي التي يحرص المسئولين في أبوجا على إظهارها في إطار تعاونهم مع تلك الشركات، إذ يؤكد معهد الدراسات الأمنية في جنوب أفريقيا إلي تعاون الجيش النيجيري مع شركات المرتزقة في تدريب الوحدات الخاصة في الجيش على أساليب المطاردة الحثيثة واستخدام المروحيات في المطاردات واقتناص العناصر الإرهابية.

وعلى الرغم من الادعاءات النيجيرية في عام 2015 التي تؤكد اقتصار التعاون مع تلك الشركات على أمور التدريب فقط، إلا أن المزيد من التقارير الإخبارية الدولية أكدت مشاركة مرتزقة في عمليات قتالية ضد بوكو حرام، كما جاء مقتل المرتزق الجنوب أفريقي ليون لوتز في مارس 2015 ليؤكد على ذلك.

بوخاري وتقويض دور المرتزقة

توسع الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان في استخدام شركات المرتزقة، إلا أن الأمر كان مغايرا للرئيس الحالي محمد بوخاري الذي تم انتخابه في مارس 2015، فخلال فترة الحملة الانتخابية هاجم سياسات الحكومة الفيدرالية في استخدام المرتزقة وفي إبريل 2015 أي بعد نجاحه بأيام قليلة اتخذ قرارا بتعليق أعمال الشركات الأمنية في مواجهة بوكو حرام.

وفي هذا الإطار أشار   «إيبن بارلو» مؤسس شركتي EXCUTIVE OUTCOMES  والمهام المتخصصة والتدريب والحماية الدولية إلي استيائه من قرارات بوخاري موجها له اتهام بتسيس قضية استخدام شركات الأمن في نيجيريا من أجل تحقيق أهداف سياسية.

تصريحات «بارلو» نشرتها صحيفة الجارديان النيجيرية في 26 نوفمبر 2018 تحت عنوان “How Buhari stopped us from fighting Boko Haram- South African mercenary” والتي أكد فيها أيضا على دور مستشاري الرئيس بوخاري في تقويض استراتيجية شركة المهام المتخصصة والمعروفة باسم «السندان التشغيلي ـــــــ Operational  Anvil» والتي كانت الشركة تأمل في نجاحها في القضاء على تواجد بوكو حرام في ولاية بورنو، وإزاء تعنت الرئيس بوخاري أضاف «بارلو» إلي أنه قدم العديد من التقارير الاستخباراتية إلي الرئيس توضح خطورة الاستغناء عن شركته في مواجهة بوكو حرام موضحا أن التنظيم استغل الفراغ الذي تركته شركات الأمن في توجيه الضربات المتتالية للتنظيم وإحراج النظام السياسي الذي فشل حتي هذه اللحظة في القضاء على بوكو حرام كما وعد في حملته الانتخابية الأولي في عام 2015.

حديث «بارلو» السابق مع الجارديان النيجيرية وبعدها مطالبة حاكم ولاية برنو إلي اعادة الاعتماد علي شركات المرتزقة يدفعنا إلي تساؤل هام وهو هل فعلا كانت شركات الأمن وتحديدا شركة المهام المتعددة ناجحة في مواجهة ميليشيات بوكو حرام خلال عامي 2014 و2015.

للاجابة على هذا التساؤل ينبغي أولا إعادة النظر على السياق العالمي في ذلك الوقت حيث كانت هناك حالة استنفار دولي غير مسبوقة لمواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، إذ جاء إعلان قيام دولة داعش في سوريا والعراق ومبايعة العديد من التنظيمات سواء في أفريقيا أو آسيا لتنظيم داعش بمثابة صدمة عالمية نبهت معظم الدول إلي خطورة التنظيمات الإرهابية الأمر الذي دفع  العديد من الدول إلي تشكيل تكتلات عسكرية طارئة لمحاربة الإرهاب مثل التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي أسس في سبتمبر 2014، كما نهضت العديد من الدول الأفريقية ففي عام 2015 تشكل التحالف الأفريقي لقتال بوكو حرام والذي يتكون من جيوش دول تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون وساهم هذا التحالف رغم قلة امكانياته في محاصرة التنظيم ومنع تمدده وإبقاؤه في أحراش بحيرة تشاد وغابة سامبيسا.

مخاطر لا يمكن تجاهلها

تحمل دعوات إعادة استخدام المرتزقة في قتال بوكو حرام مخاطر متعددة لا يمكن تجاهل تأثيراتها، فعلي سبيل المثال يُخشى من أن تتحول تلك الشركات لعنصر تخريبي وباعث على عدم الاستقرار السياسي في البلاد، إذ يكون ولائهم الأول والأخير  للطرف القادر على الإيفاء بعقوده ودفع المخصصات المالية المناسبة لتلك الشركات.

ونقطة أخرى تثير المخاوف هي عدم وجود آلية محاسبة لتصرفات تلك العناصر، إذ قد يشكلون عبئا سياسيا نتيجة عدم مراعتهم لأبعاد حقوق الإنسان في عملياتهم الحربية فعلى سبيل المثال «كتيبة التدخل السريع» الكاميرونية تحظى بسجل حافل في انتهاكات حقوق الإنسان إذ تشرف شركات مرتزقة على اعداد وتدريب تلك الكتيبة.

ورغم الاغراءات التي تقدمها تلك الشركات للحكومة النيجيرية في إمكانية تشغيل مقاتليها ذوى الخبرات القتالية العالية والمتمرسة في حرب العصابات إلا أنها تحمل عيبا كبيرا على المدي المتوسط والطويل إذ سيؤدي الاعتماد على تلك العناصر إلي إفقار وحدات الجيش الوطني للمزيد من المهارات والخبرات القتالية فضلا عن تقويض الروح المعنوية لأفراد الجيش ودفع عناصره للفرار من الخدمة العسكرية والالتحاق بمثل تلك الشركات التي توفر عائد مالي أعلى مما يلاقيه في خدمته الوطنية، أي أن التوسع في استخدام تلك الشركات بمثابة خطوة تفكيكية للجيوش الأفريقية.