في إطار تشجيع البحث العلمي في مصر، أقدمت مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام على منح جوائز لأفضل الرسائل العلمية المنشورة في الجامعات المصرية وذلك في مجالي القانون الدولي العام والتنظيم الدولي، ومجال الدراسات الأفريقية (العلوم السياسية والتنظيمات الأفريقية).

توجت كلية الدراسات العليا الأفريقية بالاستحواذ على جوائز مؤسسة كيميت بطرس غالي هذا العام في مجال الدرسات السياسية الأفريقية، حيث حازت رسالتي الدكتور محمود زكريا مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة والدكتور مادي كانتي من جمهورية مالي والحاصل على الدكتوراة من جامعة القاهرة، على جوائز المؤسسة في مجال الدراسات الأفريقية، فكلا الرسالتين تناولتا مسألة دور المنظمات الإقليمية الأفريقية في إحلال السلام والأمن ومكافحة الإرهاب في أفريقيا.

أهمية النظام الإقليمي الأفريقي

وخلصت رسالة الدكتور محمود زكريا إلى أن النظام الإقليمي الأفريقي لازال نظاماً نامياً وذلك على الرغم من الجذور الفكرية والتاريخية لنشأته، ويبدو ذلك من خلال بعدين رئيسيين, الأول يتمثل في عدم اكتمال بعض الأطر البنائية والهيكلية الكلية للنظام من جانب وعدم فعالية بعضها من جانب أخر وذلك على نحو يؤثر سلباً على قدرته على ممارسة وظائفه ومهامه، بينما البعد الثاني يتمثل في محدودية حجم وكثافة التفاعلات الإقليمية البينية المرتبطة بالنظام الإقليمي الأفريقي وذلك بالمقارنة بحجم وكثافة التفاعلات الخارجية, وهو ما يجعله نظاماً تابعاً (غير مستقلاً) أو خاضعاً للخارج في الكثير من القرارات والسياسات والممارسات المرتبطة به.

الإيكواس ودوره في مكافحة الإرهاب

وفي إطار موازي لأهمية التنظيمات الإقليمية الأفريقية ركز الدكتور «مادي إبراهيم كانتي» في سالته المعنونة «دور الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا» على أهمية دور منظمة الإيكواس في ضبط الأمن بدول غرب أفريقيا ومنع انتشار الإرهاب.

إذ يرى أنه بعد أحداث 11 سبتمبر تحولت القارة الأفريقية إلي ساحة معركة للمنظمات الإرهابية التي تستهدف مصالح الدول الغربية في البداية، وسرعان ما أسفرت هذه الأنشطة الإرهابية عن حالة من عدم الاستقرار الأمني في القارة الأفريقية، ثم أصبحت عائقًا أمام التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي اللذين تسعى إليهما دولها.

ويبرر الدكتور مادي كانت أهمية دور الإيكواس في مكافحة الإرهاب نظرا لوجود دول ضعيفة بالإقليم لا تملك قوة اقتصادية لبناء جيش قوي- فإن هذه الدول لا تستطيع السيطرة على أراضيها، وتعد منطقة الساحل (شمال غرب أفريقيا) مخزنًا للموارد الطبيعية، ولأنها الخط الحدودي بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى فمن الصعب السيطرة عليها، لذا أصبح شريط الساحل والصحراء ساحة التنقل بحرية للإرهابيين بين بلدان شمال وغرب أفريقيا، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة، وهو ما يعني أهمية التكتل الإقليمي لمواجهة الإرهاب.

يري «كانتي» أن الظروف منذ بداية الألفية الجديدة أصبحت مواتية لاستقبال ظاهرة الإرهاب فقد تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة الأمر الذي يتطلب سياسات قوية وفعالة لمعالجة ومنع انتشار الإرهاب الذي ضاعف من آثاره وجود تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا، وجماعة أنصار الدين… وغيرها من الجماعات في شمال غرب أفريقيا، وجماعة بوكو حرام في نيجيريا، والتي قامت باختراق عمق غرب أفريقيا باتجاه الجنوب.

 ومن ثم أخذت إيكواس في محاربة آفة الإرهاب منذ سيطرة الجماعات الإرهابية على شمال مالي، وما تلاها من هجمات إرهابية في مختلف البلدان في المنطقة فيما بين عامي 2015 و2016. ويكمن الهدف من رسالة الدكتور مادي في تحليل الدور الذي لعبته إيكواس في الحرب على الإرهاب، والنتائج الملموسة لها، والتي بدأت بالتدخل العسكري في مالي حيث تم إنجاز بعض النجاحات الأولية تمثلت في طرد الإرهابيين من المناطق الشمالية لمالي التي كانت تحت سيطرتهم، وتقديم الدعم للحكومة الانتقالية في باماكو لكي تقف على رجليها. وعلى الرغم من وجود القوة الاحتياطية لإيكواس (FAC) على الأرض فإن الإرهابيين لا يزالون يهددون دول غرب أفريقيا، وتأسيسًا على ذلك فقد تم استنتاج:

  1. تواصل إنشاء المنظمات الإرهابية لتحالفات، ثم تنفيذ هجمات في المنطقة، ولا تقف أنشطة هذه الجماعات عند حدود تنفيذ العمليات الإرهابية، بل تتخطاها إلى تجارة الأسلحة، وتهريب السلع والمخدرات، فضلًا عن عمليات الخطف التي تمثل أهم مصدر لمواردها.
  2. اعتماد إيكواس على الدول الأجنبية في مجال الخدمات اللوجستية عند نشر قواتها في حربها ضد الإرهاب، وهذا لا يصب في مصالح دول غرب أفريقيا؛ لأن هذه الدول الأجنبية تقدم دعمها مقابل الحفاظ على مصالحها، أو تحقيق مكاسب ومصالح جديدة.
  3. يجب على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا استخدام الآليات غير العسكرية للقوة الاحتياطية للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في حربها ضد الإرهاب؛ لأن العملية العسكرية والأمنية وحدها ليست حلًّا للقضاء على تلك الجماعات الإرهابية التي تجذب الشباب من خلال جميع الوسائل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
  4. يجب دعم حكومات الدول في السعي إلى وضع استراتيجية شاملة لإصلاح وإعادة بناء القوات المسلحة وقوات الأمن. كما ينبغي على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التعاون مع جميع بلدان الساحل والصحراء لمكافحة المشاكل الأمنية في المنطقة، مع التركيز على تبادل المعلومات الاستخبارية، وأمن الحدود، ومكافحة الجرائم المنظمة.
  5. يجب على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أن تستثمر في بناء علاقات قوية وودية مع السكان المحليين لمنع الجماعات المتمردة من تلقي أي دعم منهم.

وأخيرا يقدر مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية جهد الدكتور مادي كانتي والدكتور محمود زكريا والباحثين بالمركز ويتمنى لهما التفوق دائما وموفورين دائما بالعلم والمعرفة، كما يثني على دور منظة كيميت بطرس غالي ودورها في تشجيع البحث العلمي خاصة في مجالات الدراسات السياسية الأفريقية، ونتمني أن يتصاعد الاهتمام بالبحث العلمي في مصر في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية في بلادنا، أملا في استعادة ارث الحضارة المصرية، لتكون شعاعا تنويريا في أفريقيا والمنطقة العربية والعالم بأسره.