كتب – محمد الدابولي

على عكس جارتها الشمالية بوركينافاسو، لم تشهد كوت ديفوار نشاطا إرهابيا ملحوظاً خلال السنوات الخمس الأخيرة باستثناء هجوم أبيدجان في 13 مارس 2016، إذ تعرض منتجع «جراند بسام» شرق أبيدجان لهجوم إرهابي بواسطة الآليات الرشاشة مما أدي إلي مقتل 16 شخص، وفي ذلك الوقت أعرب تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مسئوليته عن الحادث.  

منذ حادث «جراند بسام» اتخذت السلطات الإيفوارية العديد من الإجراءات وسنت العديد من التشريعات والقوانين لمكافحة الإرهاب ومنع انتشاره في البلاد خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في جارتها الشمالية بوركينافاسو والتي ترتبط معها بحدود طويلة تصل إلي  550 كم (340 ميل)، فضلا عن الجماعات الإثنية الممتدة بين البلدين.

بيد أن فترة الهدوء النسبي والمناعة من العمليات الإرهابية التي عاشتها كوت ديفوار خلال السنوات الأربع الماضية باتت في طريقها إلي الزوال، فمؤخرا في 11 يونيو 2020 شهدت الحدود الإيفوارية البوركينية توترا أمنيا على خلفية مهاجمة خلية إرهابية موقعا أمنيا في منطقة «كافولو» شمال البلاد وبالقرب من الحدود مع بوركينافاسو، مما أدي إلي مقتل 10 جنود وإصابة 6 أخرين.

يبدو أن الهجوم الأخير الذي استهدف الارتكاز الأمني شمال كوت ديفوار جاء رداً على التنسيق الأمني الأخير  بين الجارتين بوركينافاسو وكوت ديفوار لضبط الحدود بينهما ومنع تسلل الإرهابيين، إذ نفذ الجيشين البوركيني والإيفواري عملية عسكرية مشتركة على طول الحدود بين البلدين أدت إلي مقتل 8 إرهابيين واعتقال 24 إرهابي في بوركينافاسو، و14 إرهابي في كوت ديفوار، وأطلق على تلك العملية اسم عملية كوموي وذلك إشارة إلي نهر كوموى الذي يربط بين البلدين.

بالعملية العسكرية الأخيرة وما تلاها من هجوم إرهابي تكون كوت ديفوار شهدت تحولا نوعيا سواء في إجراءات مكافحة الإرهاب أو في نشاط التنظيمات الإرهابية وهو ما سيتم توضيحه في النقاط والأسئلة التالية:  

هل كانت كوت ديفوار بعيدة عن مرمى التنظيمات الإرهابية؟

رغم وقوعها في إقليم مضطرب أمنيا ويشهد نشاطا ملحوظاً للتنظيمات الإرهابية سواء المرتبطة بتنظيم القاعدة أو داعش، إلا أن كوت ديفوار لم يطالها من العمليات الإرهابية خلال السنوات الماضية سوى عملية واحدة في مارس 2016، الأمر الذي يطرح تساؤلا هل كانت أبيدجان بعيدة عن مرمى التنظيمات الإرهابية؟

بلاشك لم تكن أبيدجان بعيدة عن مرمى التنظيمات الإرهابية طوال السنوات الخمس الماضية، بل شهدت تنامي للأنشطة الإرهابية وإن كان غير ملحوظ بصورة كبيرة نظراً للاعتبارات العملياتية التي تتبعها التنظيمات الإرهابية تجاه الدول

فعادة ما تقسم التنظيمات الإرهابية الدول إلى دول مواجهة وتمكين ودول إعداد وتجهيز، فعلي سبيل المثال يعتبر تنظيم القاعدة وداعش دولتي مالي وبوركينافاسو على أنهم دول التمكين والمواجهة، لذا تشهد الدولتين أعمالا إرهابية بصفة مستمرة، وانتشار العديد من الجماعات الإرهابية بهما.

وعلى جانب أخر تستغل التنظيمات الإرهابية دولا أفريقيا أخرى في عمليات الإعداد والتجهيز، ومن أبرز تلك الدول كوت ديفوار التي ترتبط بحدود تصل إلي أكثر من ألف كيلو متر  مع كل من مالي وبوركينافاسو، أي أن الدولة الإيفوارية بمثابة دولة التجهيز والمعبر للتنظيمات الإرهابية.

تشير العديد من المصادر الأفريقية إلي استغلال الجماعات الإرهابية دول مثل كوت ديفوار وغانا وبنين كمناطق تجهيز وإعداد لوجستي للعمليات العسكرية في دول مثل بوركينافاسو ومالي، كما يتم استغلال الدول الثلاث المذكورة في دعم التنظيمات الإرهابية اقتصاديا.

في هذا الصدد يشير سامبسون كوواركي  SAMPSON KWARKYEالباحث في معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا The Institute for Security Studies (ISS)  في تقريره المعنون Breaking terrorism supply chains in West Africa إلي أن العملية المشتركة (كوموي) بين الجيشين البوركيني والإيفواري والتي تمت في مايو 2020 كانت تهدف إلي فك معسكرات التدريب على الحدود البوركينية الإيفوارية.

ويشير معهد الدراسات الأمنية إلي قيام التنظيمات الإرهابية بسرقة الماشية من مالي والنيجر وبوركينافاسو، وإعادة بيعها في كوت ديفوار بواسطة شبكة من المتعاونين الإيفواريين، ويتم استخدام عائد التجارة غير المشروعة في تمويل الجماعات الإرهابية في دول الساحل، وعادة ما تستخدم الجماعات الإرهابية تلك العوائد في شراء الأسلحة والمواد الوجستية والأطعمة والدراجات النارية.

كما أشار المقال إلي التنظيمات الإرهابية دأبت على سرقة السماد من غانا وتهريبه بكميات كبيرة إلي بوركينافاسو  لإستغلالها في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، وتعد المناطق الشمالية في غانا والمتاخمة للحدود المشتركة مع كل من بوركينافاسو وكوت ديفوار مركزا هاما لتهريب السماد إلي دول الساحل.

بالإضافة إلي تهريب الأسمدة من غانا وبيع الماشية المسروقة في كوت ديفوار، تلجأ الجماعات المتطرفة إلي التنقيب الغير قانوني عن الذهب في بلدة دولار باور في شمال غانا بالتعاون مع العديد من الجماعات المسلحة المتمردة الإيفوارية، ويتم بيع الذهب المستخرج في أسواق خاصة في بنين وتوجو.

ويتضح مما سبق إلي أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المسئول عن الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء دفع إلي تخفيف تواجده العلني في كوت ديفوار نظرا لأهميتها كنقطة إعداد وتجهيز لوجستية للتنظيم فضلا عن استغلالها في تسهيل التجارة الغير مشروعة للتنظيم في غرب أفريقيا.

تنسيق إقليمي

تحاول دول الساحل (بوركينافاسو ومالي والنيجر) التنسيق مع دول غرب أفريقيا المجاورة لها (بنين وغانا وكوت ديفوار) من وقف تدفق الجماعات الإرهابية واستغلال ضعف الحدود بين تلك الدول في تهريب الأسلحة وتسهيل عمليات التجارة الغير شرعية.

وفي هذا الصدد اجتمعت دول بنين وبوركينافاسو وكوت ديفوار وغانا وتوغو في العاصمة الغانية أكرا لمناقشة هذا الأمر ، وتم دعوة دول الإيكواس لعقد قمة استثنائية في عام 2017 لمناقشة الإرهاب وتمخضت التحركات السياسية عن إصدار مبادرة أكرا في سبتمبر 2017 بهدف منع انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.

ترتكز  مبادرة أكرا على إيجاد آلية تعاونية بين الدول المشتركة في المبادرة تقوم علي تبادل المعلومات والاستخبارات والتدريب المشترك لعناصر الأمن والاستخبارات، والأهم من ذلك إجراء عمليات عسكرية مشتركة بين الدول لمكافحة الإرهاب، فضلا عن الاجتماعات الدورية بين رؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات في دول المبادرة.

تم إجراء أول عملية عسكرية مشتركة بين دول المبادرة في أغسطس 2018 بين دول بوركينافاسو  وغانا وتوجو أطلق عليها اسم “Koudalgou 1″، وارتكزت تلك العملية على تأمين الحدود بين الدول الثلاث، وفي نوفمبر 2018 أجريت العملية “Koudalgou 2” بين بوركينافاسو وكوت ديفوار وغانا وبمشاركة مالي كعضو مراقب في العملية.

ومؤخرا تم إطلاق العملية العسكرية الثالثة «كوموي» بين بوركينافاسو وكوت ديفوار، وتعود تلك العملية إلي التحذيرات التي أطلقتها بوركينافاسو منذ مارس 2019 خاصة بعد عملية الإرهابية التي تمت في منطقة أوتابونا الواقعة جنوب بوركينافاسو ، وتناولت التحذيرات مسألة استغلال العناصر الإرهابية المناطق الشمالية في  غانا وكوت ديفوار كملاذ آمن لها.

الإجراءات الإيفوارية لمحاربة الإرهاب

لم تنشأ تنظيمات إرهابية داخل كوت ديفوار خلال السنوات الماضية إلا أن التهديدات الإرهابية التي تطال البلاد تأتي من خارج كوت ديفوار حيث تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بقيادة أبوالوليد الصحراوي.

إلا أن وزير الدفاع الإيفواري «حامد باكايوكو» سبق وأن أكد اشتراك عناصر إيفوارية منهم جنود في هجمات جراند بسام في مارس 2016، كما تشير مصادر أمنية إيفوارية إلى تورط عناصر تمردية سابقة في التنظيمات الإرهابية، ولمواجهة الخطر الإرهابي اتخذت كوت ديفوار العديد من الاجراءات التي من شأنها مكافحة الإرهاب ومنع انتشار التنظيمات الإرهابية بها، ومن أبرز تلك الاجراءات:

  • الاشتراك في مبادرة أكرا: تعد ساحل العاج من أبرز الدول المعنية بمبادرة أكرا التي من شأنها تنسيق الجهود بين دول الساحل ودول ساحل خليج غينيا لوأد تحركات التنظيمات الإرهابية بتلك الدول وضبط الحدود بينهم.
  • المشاركة في الجهود الدولية: برزت كوت ديفوار بقيادة “الحسن وتارا” كلاعب دولي هام في مكافحة الإرهاب، حيث تشارك في مبادرات الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” لمحاربة الإرهاب، كما تعد القاعدة العسكرية الفرنسية في أبيدجان بمثابة قاعدة امتداد لوجستي لعملية برخان الفرنسية ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، كما لم تقتصر المشاركة الإيفوارية لمكافحة الإرهاب على الجانب الأفريقي بل امتدت أيضا إلى المشاركة في الائتلاف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق إلا أنها لم تشارك في الضربات الجوية.
  • تعزيز التشريعات الوطنية لمكافحة الإرهاب: في عام 2015 أصدرت كوت ديفوار  قانون مكافحة الإرهاب، والتي سمح فيه للأجهزة الأمنية بمراقبة الاتصالات وإجراءات عمليات التفتيش، وبالإضافة إلي ذلك عززت ميزانية مكافحة الإرهاب لتصل إلي 80 مليار فرنك أفريقي (137.2 مليون دولار أمريكي)، وفي أعقاب هجمات 2016 وسعت الأجهزة الأمنية الإيفوارية من عمليات اعتقال  المشتبه بهم.  
  • مراقبة الحدود: وفي إطار محاولة منع تسلل الإرهابيين تم دمج جهود مكافحة الإرهاب مع سياسة الهجرة، وذلك لتحديد هوية الأفراد الوافدين إلي كوت ديفوار.
  • تتبع أنشطة الارهاب: اعتمدت السلطات الإيفوارية على الزعماء الدينين المحليين في تتبع أنشطة الجماعات المتطرفة، في محاولة مبكرة لرصد بذور التطرف والإرهاب، فضلا عن دورهم في نشر الثقافة السلمية.

تخوفات إيفوارية

عانت كوت ديفوار خلال العقد الأول من الألفية بانهيار تام في جميع مؤسساتها الأمنية والعسكرية إثر حربين أهليتين شهدتهما البلاد خلال الفترة الممتدة من عام 2002 وحتي 2011، إلا أنه مع تولي الحسن وتارا في عام 2011 مرت البلاد بفترة استقرار سياسي واقتصادي شهدت معه تنامي القوة الاقليمية لكوت ديفوار.

رغم حالة الاستقرار السياسي إلا أن ثمة تخوفات تلوح في الأفق السياسي والأمني لكوت ديفوار  إذ تتزامن العملية الإرهابية الأخيرة في شمال البلاد مع أزمة سياسية متصاعدة في البلاد على خلفية الخلاف بين الرئيس الحسن وتارا ورئيس الورزاء الأسبق ورئيس البرلمان السابق غيوم سورو، وكذلك الخلافات التي خلفتها التعديلات الدستورية عام 2016 والتي سمحت للرئيس الحالي الحسن وتارا إمكانية الترشح لفترة رئاسية ثالثة في انتخابات 2020 وهو ما ترفضه باقي القوى السياسية في كوت ديفوار.

لذا نجد أن حالة الاضطراب السياسي المتصاعد قد تؤدي إلي انتكاسة في الاستقرار السياسي في البلاد الأمر الذي قد يدخل البلاد مرة ثالثة في دوامة الحرب الأهلية والتي قد تجدها التنظيمات الإرهابية فرصة ملائمة للتمدد والانتشار في البلد المطل على ساحل خليج غينيا الغني بالنفط، ومما يعزز هذا الاتجاه الإشارات السابقة التي تفيد انخراط العديد من العناصر المتمردة الإيفوارية في التعاون مع التنظيمات الإرهابية سواء من حيث الانضمام لتلك الجماعات أو مدها بالإمكانيات اللوجستية.